ﻛﻴﻒ ﺗﻘﺮأ ﻣﻘﺪﻣﺔ؟
ﻛﺎن اﻟﻌﺮب ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ »ﺧﻄﺒﺔ اﻟﻜﺘﺎب«
»ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣﻘﺪﻣﺔ« ﻋﻨﻮان ﻣـــــﻘـــــﺎل ﻷﻣــــﺒــــﺮﺗــــﻮ إﻳــــــﻜــــــﻮ، ﺿــﻤــﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺴﺎﺧﺮ »ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺴﻔﺮ ﻣﻊ ﺳﻠﻤﻮن«.
اﳌــــــﻘــــــﺎل ﻣـــــﻜـــــﺮس ﺑـــــﺎﻷﺳـــــﺎس ﻟـــﻠـــﺴـــﺨـــﺮﻳـــﺔ ﻣـــــﻦ ﻓـــــﻘـــــﺮات اﻟــﺸــﻜــﺮ ﺑــﻤــﻘــﺪﻣــﺎت اﻟــﻜــﺘــﺐ، اﻟــﺘــﻲ ﺻـــﺎرت ﺗﻘﻠﻴﺪﴽ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻼﻓﻴﻪ. ﺣﺘﻰ ﻟﻮ وﺟــــﺪ اﳌـــﺆﻟـــﻒ ﻧــﻔــﺴــﻪ ﻏــﻴــﺮ ﻣــﺪﻳــﻦ ﺑـﺎﻟـﺸـﻜـﺮ ﻷﺣــــﺪ، ﻋـﻠـﻴـﻪ أن ﻳﺨﺘﺮع ﻣﻦ ﻳﺘﻮﺟﻪ إﻟﻴﻬﻢ ﺑﺸﻜﺮه »ﻷن ﻛﻞ ﺑﺤﺚ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻤﻦ ﻳﺪﻳﻦ ﻟﻪ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻫﻮ ﺑﺤﺚ ﻣﺸﺒﻮه!«.
وﻓﻲ ﻣﺤﺎﻛﺎة ﺳﺎﺧﺮة ﻟﻠﺘﻘﻠﻴﺪ اﻷﺣﻤﻖ ﻳﺸﺮع إﻳﻜﻮ ﻓﻲ ﺷﻜﺮ ﻣﻦ ﺳــﺎﻋــﺪوه ﻓــﻲ ﻛـﺘـﺎﺑـﺔ اﳌــﻘــﺎل ﺑـﺎدﺋـﴼ ﺑﺎﻵﻧﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﻒ ﻣﻜﺘﺒﻪ، ﻣﺮورﴽ ﺑــﺰوﺟــﺘــﻪ اﻟــﺘــﻲ ﺷـﺠـﻌـﺘـﻪ وأوﻻده اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻮﻓﺮون ﻟﻪ اﻟﺴﻌﺎدة، ﻣﻨﺘﻬﻴﴼ ﺑﻤﺸﺮﻓﻲ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻓـﻲ أﺳﺒﻮﻋﻴﺔ اﻹﻛﺴﺒﺮﻳﺲ اﻟﺬﻳﻦ أﺧﺬوا ﻳﺬﻛﺮوﻧﻪ ﺑﺪأب ﺑﻤﻮﻋﺪ اﻟﻄﺒﻊ ﻓﺄﺟﺒﺮاه ﻋﻠﻰ اﺧﺘﺮاع ﻣﻮﺿﻮع ﻟﻠﺰاوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﻓﻜﺮة أو ﻣﻮﺿﻮﻋﴼ.
ﻛــــﻤــــﺎ ﻫــــــﻮ ﻣـــــــﻌـــــــﺮوف، ﻛـــﺘـــﺎب »ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺴﻔﺮ ﻣﻊ ﺳﻠﻤﻮن« اﻟﺬي ﺗـــﺮﺟـــﻤـــﻪ ﻟــﻠــﻌــﺮﺑــﻴــﺔ ﺣـــﺴـــﲔ ﻋــﻤــﺮ، ﻫـــﻮ ﻓـــﻲ اﻷﺻـــــﻞ ﺗــﺠــﻤــﻴــﻊ ﻟـــﺰاوﻳـــﺔ أﺳﺒﻮﻋﻴﺔ ﻛﺎن اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﺮواﺋﻲ اﻟﺮاﺣﻞ ﻳﻜﺘﺒﻬﺎ ﻟﻠﻤﺠﻠﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ، وﻟــــﻢ ﻳـﺴـﺘـﻄـﻊ اﻟــﻔــﻜــﺎك ﻣـــﻦ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻜﺘﺎب ﻳﻀﻢ ﻣﻘﺎﻻ ﻳﺴﺨﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﳌﻘﺪﻣﺎت، وﻳﺸﻜﻚ ﻓﻲ ﺿﺮورﺗﻬﺎ.
ﻣﻘﺪﻣﺔ إﻳﻜﻮ ﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ اﻟــﺴــﺨــﺮﻳــﺔ، وﻛـــــﺎن ﻣـــﻦ اﳌــﻤــﻜــﻦ أن ﺗــﻜــﻮن ﻣــﺠــﺮد ﻧــﺺ آﺧــــﺮ، ﺗـﻮﺿـﻊ ﻓــــﻲ أي ﺗــﺮﺗــﻴــﺐ ﺑــــﲔ ﻏــﻴــﺮﻫــﺎ ﻣـﻦ اﳌـــــﻘـــــﺎﻻت، ﻟــﻜــﻦ ﻫـــﻨـــﺎك ﻣــــﺎ ﻳــﺤــﺘــﻢ وﺟـــﻮدﻫـــﺎ ﻋــﻠــﻰ ﻧــﺎﺻــﻴــﺔ اﻟــﻜــﺘــﺎب؛ ﻓﻌﺒﺮ ﺷﺮح ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻳﺒﺮر إﻳﻜﻮ ﻧﻔﺴﻪ أﻣـﺎم ﻗـﺎرئ ﺷﺮﻳﺮ، ﻗﺪ ﻳـﺘـﺴــﺎءل ﻋــﻦ ﺟـــﺪوى إﻋــــﺎدة ﻧﺸﺮ زاوﻳــﺔ ﺻﺤﺎﻓﻴﺔ ﺗﻨﺎوﻟﺖ أﺳﺒﻮﻋﴼ ﺑــﻌــﺪ أﺳـــﺒـــﻮع ﻣــﻮﺿــﻮﻋــﺎت ﺷﺘﻰ ﺗﺒﺪو ﺑﻼ راﺑﻂ؛ ﻣﻦ أدوات اﳌﺎﺋﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﺋﺮات إﻟﻰ أﺧﻼق ﺳﺎﺋﻘﻲ اﻟﺘﺎﻛﺴﻲ، إﻟﻰ ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺘﺮﻗﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻷدﺑﻴﺔ.
ﻳــــﺄﺧــــﺬ إﻳــــﻜــــﻮ ذﻟــــــﻚ اﻟــــﻘــــﺎرئ اﻟﺸﺮﻳﺮ ﻣﻦ ﻳﺪه: »اﻧﻈﺮ! اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻫــﻲ اﻟـﻨـﺴـﻎ اﻟــﺤــﻲ اﻟــــﺬي ﻳﺠﻤﻊ ﻫﺬه اﻟﻔﻮﺿﻰ«. وﺑﻌﺪ أن ﻳﺒﺴﻂ رؤﻳـــــﺘـــــﻪ وﺗـــﻌـــﺮﻳـــﻔـــﻪ ﻟــﻠــﺴــﺨــﺮﻳــﺔ وﻇــــﺮوف ﻛـﺘـﺎﺑـﺔ اﳌــﻘــﺎﻻت ﻳﻨﻬﻲ إﻳﻜﻮ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﺑﺠﻤﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻋـــﻠـــﻰ اﻟـــﺘـــﺮﺟـــﻤـــﺔ ﻣــــﻊ ﻣــﺘــﺮﺟــﻤــﺔ، ﻻ ﻳــﺬﻛــﺮ اﺳــﻤــﻬــﺎ، ﻣـﺘـﺤـﺎﺷـﻴـﺎ أن ﻳﺸﻜﺮﻫﺎ، ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻘﻮل إﻧﻪ ﺗﺴﻠﻰ ﻣــﻌــﻬــﺎ ﻛــﺜــﻴــﺮﴽ أﺛـــﻨـــﺎء ﻣـــﺤـــﺎوﻻت ﺗــﺮﺟــﻤــﺔ ﻣـــﺎ ﻻ ﻳــﺘــﺮﺟــﻢ. ﻟـــﻢ ﺗــﺄت اﻹﺷــــــﺎرة إﻟـــﻰ »ﻓــﻌــﻞ اﻟــﺘــﺮﺟــﻤــﺔ« وﺻــﻌــﻮﺑــﺎﺗــﻪ ﻋــﺒــﺜــﴼ، ﺑــﻞ ﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻗﺎرئ آﺧﺮ ﻣﻮﻏﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﺮ إﻟﻰ أﻧﻪ ﻛﺘﺐ ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ ﺑﺎﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ، وﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ أو ﺑــﺄي ﻟـﻐـﺔ أﺧــﺮى ﻳــﺘــﺮﺟــﻢ إﻟــﻴــﻬــﺎ اﻟـــﻜـــﺘـــﺎب، ﻣﻠﻘﻴﴼ ﺑــﻤــﺴــﺆوﻟــﻴــﺔ أي ﻟــﺒــﺲ أو ﻋــﺪم وﺿﻮح ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻧﻘﻞ ﺑﻌﺾ اﻹﺷــــــﺎرات ﻣــﻦ ﻟــﻐــﺔ إﻟـــﻰ أﺧـــﺮى، وﺑـﺎﻟـﻄـﺒـﻊ ﻋـﻠـﻰ ﻋـﺎﺗـﻖ اﳌﺘﺮﺟﻤﺔ اﳌﺴﻜﻴﻨﺔ اﻟـﺘـﻲ ﻟـﻢ ﻳـﺬﻛـﺮ اﺳﻤﻬﺎ واﳌــﺘــﺮﺟــﻤــﲔ اﻟـــﺬﻳـــﻦ ﺳـﻴـﻨـﻘـﻠـﻮن ﻋﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﻟﻐﺎﺗﻬﻢ!
اﻟـــــﻘـــــﺮاءة اﻟـــﻮاﻋـــﻴـــﺔ ﳌــﻘــﺪﻣــﺎت اﻟـــــﻜـــــﺘـــــﺐ ﺳـــﺘـــﺠـــﻌـــﻠـــﻨـــﺎ ﻧــﻜــﺘــﺸــﻒ أن اﻟـــﻮﻇـــﻴـــﻔـــﺔ اﻷﺳــــﺎﺳــــﻴــــﺔ ﻟــﻬــﺬه اﻟـــﻨـــﺼـــﻮص ﻟــﻴــﺲ وﺿــــﻊ ﻣــﻔــﺘــﺎح اﻟـﻜـﺘـﺎب ﻓـﻲ ﻳـﺪ ﻗــﺎرئ ﺻـﺪﻳـﻖ، ﺑﻞ ﺗـــﺤـــﺼـــﲔ اﳌــــﺆﻟــــﻒ ﻓــــﻲ ﻣــﻮاﺟـــﻬـــﺔ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺪو.
ﻛــﺎن اﻟــﻌــﺮب ﻳـﺴـﻤـﻮن اﳌﻘﺪﻣﺔ »ﺧﻄﺒﺔ اﻟﻜﺘﺎب« ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺸﺘﺮك ﻣﻊ اﻟﺨﻄﺐ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣـﺮاﻓـﻌـﺔ ﺗﺴﺘﻬﺪف ﺗﺄﻟﻴﻒ اﻟﻘﻠﻮب وﻛﺴﺐ اﻷﻧﺼﺎر وﺗﻔﻮﻳﺖ اﻟـــﻔـــﺮﺻـــﺔ ﻋـــﻠـــﻰ اﻷﻋــــــــــﺪاء. ﻓـــﻘـــﺮات اﻟﺸﻜﺮ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺮص ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮ ﻣـﻦ اﳌﺆﻟﻔﲔ اﳌﻌﺎﺻﺮﻳﻦ وﻳﺴﺨﺮ ﻣـﻨـﻬـﺎ إﻳـــﻜـــﻮ، ﻫـــﻲ ﺻـــﺪر اﻟـﺨـﻄـﺒـﺔ ﻓـﻲ اﳌﺼﻨﻔﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، إذ ﺗـﺒـﺪأ اﳌﻘﺪﻣﺔ ﻛﺨﻄﺒﺔ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﺑﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ وﻃﻠﺐ ﺗﺄﻳﻴﺪه.
وﻗﺪ ﻳﺤﺘﺎط اﳌﺆﻟﻒ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاء اﻷﻛـــﺜـــﺮ ﺷـــــﺮﴽ؛ اﻟـــﺬﻳـــﻦ ﻻ ﻳــﺮدﻋــﻬــﻢ اﻟــﻮازع اﻟﺪﻳﻨﻲ؛ ﻓﻴﺘﻮﺟﻪ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ إﻟــﻰ وزﻳـــﺮ أو أﻣــﻴــﺮ، ﻳــﺮﻋــﻰ اﻷدب واﻟﻔﻜﺮ، وأﺣﻴﺎﻧﴼ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﻜﺎﺗﺐ واﺿﺤﴼ أﻛﺜﺮ ﻓﻴﻨﻮه ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻰ أﻧـﻪ ﻟـﻢ ﻳﻀﻊ ﻣﺆﻟﻔﻪ إﻻ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻃﻠﺐ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻮزﻳﺮ أو اﻷﻣﻴﺮ.
اﻟﺤﻤﻘﻰ ﻣﻦ رﻋــﺎة اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﻛـــﺎدﻳـــﻤـــﻴـــﺔ اﻟــــﺬﻳــــﻦ ﻳــﺸــﻜــﺮون ﻣﺴﺎﻋﺪﻳﻬﻢ وﻳﺴﺨﺮ ﻣﻨﻬﻢ إﻳﻜﻮ، ﻟﻴﺴﻮا ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻘﺪر ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻖ اﻟـــــﺬي ﻳـــﺘـــﺼـــﻮره، ﻷن اﻟــﺘــﻨــﻮﻳــﻪ ﺑﺸﺮﻛﺎء ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب، ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺜﻘﻞ اﻟﻌﻠﻢ اﻟــﺬي ﻳﺤﺘﻮﻳﻪ، واﻟـــﺬي ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻌﻘﻞ واﺣﺪ أن ﻳﺤﻤﻠﻪ، ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺳﻴﺒﻘﻰ اﻟﺸﺮﻛﺎء ﻫﺎﻣﺸﻴﲔ ﻻ ﻳـــﺘـــﺬﻛـــﺮﻫـــﻢ أﺣــــــﺪ )ﺑــﻌــﻀــﻬــﻢ ﻣﺬﻛﻮر ﺑﺎﺳﻤﻪ اﻷول ﻓﻘﻂ: ﻛﻼرا ﻣﻦ دار ﻧﺸﺮ ﻛﺬا( وﻳﺒﻘﻰ اﻟﻌﻤﻞ ﺑـــﺎﺳـــﻢ ﻣــﺆﻟــﻔــﻪ اﻟــــــﺬي ﻳـﺴـﺘـﻌـﻴـﺪ ﺳﻴﺎدﺗﻪ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﺑﺠﻤﻠﺔ اﻟﺨﺘﺎم اﻟـﺸـﻬـﻴـﺮة: »وأي ﺗﻘﺼﻴﺮ ﻳﻌﻮد إﻟـــﻰ وﺣــــــﺪي«. ﻻ ﻳـﻤــﻜــﻦ ﻟــﻘــﺎرئ ﺣـــﺼـــﻴـــﻒ إﻻ أن ﻳـــﻠـــﻤـــﺢ ﻧـــﺒـــﺮة اﻟــﻔــﺨــﺮ ﺗــﺤــﺖ ﻗـــﺸـــﺮة اﻟــﺸــﻬــﺎﻣــﺔ اﳌــﺪﻋــﺎة اﻟـﺘـﻲ ﺗﻀﻊ اﳌﺸﻜﻮرﻳﻦ ﻓﻲ ﺣﺠﻤﻬﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻛﺄﻋﻀﺎء ﺑــﺮﳌــﺎن ﺻـــﻮري اﺧــﺘــﺎره اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮر ﺑﻨﻔﺴﻪ!
واﺧﺘﺮاع ﻣﻦ ﻳﺸﻜﺮﻫﻢ اﳌﺆﻟﻒ إن ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪوا ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻟﻴﺲ ﻣـﺠـﺮد وﻓـــﺎء ﻟﺘﻘﻠﻴﺪ أﺧـــﺮق، وﻫـﻢ ﻟﻴﺴﻮا داﺋﻤﴼ زﻳﻨﺔ ﺗﺒﺮز ﻗﺎﻣﺔ اﳌﺆﻟﻒ اﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮر. اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺨﺎﺋﻒ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ أو ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻳﻠﺠﺄ ﻛﺬﻟﻚ إﻟـﻰ اﺧﺘﺮاع اﳌﺸﻜﻮرﻳﻦ، وﻳﻨﺴﺐ ﻟﻬﻢ اﻟـﻜـﺘـﺎب ﺑـﺎﻟـﻜـﺎﻣـﻞ. ﻓـﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟـــﻜـــﺘـــﺎﺑـــﺔ ﺷـــﺮﻗـــﴼ وﻏــــﺮﺑــــﴼ ﻋـــﺸـــﺮات اﻟــﻜــﺘــﺐ اﳌــﻨــﺴــﻮﺑــﺔ إﻟــــﻰ أﺷــﺨــﺎص ﻟـــﻢ ﻳــــﻮﺟــــﺪوا ﻗــــﻂ، وﻫـــﻨـــﺎك ﻣــﺌــﺎت اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺰﻋﻢ ﻣﺆﻟﻔﻮﻫﺎ أﻧﻬﺎ ﻣﺨﻄﻮط ﻋﺜﺮوا ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﳌﺼﺎدﻓﺔ، وﺗــﻄــﻮرت وﻇـﻴـﻔـﺔ اﻟـﻠـﻘـﻴـﺔ ﻟﺘﺘﺴﻊ ﻟﻐﺮض اﻹﻳﻬﺎم ﺑﻮاﻗﻌﻴﺔ اﻷﺣﺪاث، وأﻓـﺮط اﻟﻜﺘﺎب ﻓﻲ اﺳﺘﺨﺪام ﻫﺬه اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﺣﺘﻰ اﺑﺘﺬﻟﻮﻫﺎ.
وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻒ اﳌﺆﻟﻔﻮن ﻋﻠﻰ ﺑــﻌــﺪ ﺣـﻠـﻘـﺔ واﺣـــــﺪة ﻣـــﻦ ﻛﺘﺒﻬﻢ اﻟـــﺘـــﻲ ﻳـــﺘـــﺒـــﺮأون ﻣــﻨــﻬــﺎ، اﻧــﻔــﺮد اﺑــﻦ اﳌﻘﻔﻊ ﺑﺈﻟﻘﺎء درﺗــﻪ »ﻛﻠﻴﻠﺔ ودﻣﻨﺔ« ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺣﻠﻘﺘﲔ ﻋﺒﺮ إﺣﻜﺎم ﻗﺼﺼﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻳﺰﻋﻢ ﻓﻴﻬﺎ أن ﻣﺆﻟﻒ اﻟﻜﺘﺎب ﻫﻮ ﺑﻴﺪﺑﺎ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف، ﻛﺘﺒﻪ ﺧﺼﻴﺼﴼ ﻣﻦ أﺟــﻞ دﺑﺸﻠﻴﻢ ﻣـﻠـﻚ اﻟـﻬـﻨـﺪ، ﻗﺒﻞ أن ﻳـــﺄﻣـــﺮ ﻛـــﺴـــﺮى ﺑـــــﻼد ﻓــــﺎرس ﺑﺘﺮﺟﻤﺘﻪ إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﻬﻠﻮﻳﺔ.
ﻣﺆﻟﻒ وﻣﺘﺮﺟﻢ وﺿﻌﻬﻤﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﳌﻘﻔﻊ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﲔ اﻟﻜﺘﺎب، واﻷﻫــﻢ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ وﺟــﻮد ﻣﻠﻜﲔ ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺔ: ﻣﻦ أﻣﺮ ﺑﺎﻟﺘﺄﻟﻴﻒ وﻣﻦ أﻣﺮ ﺑﺎﻟﺘﺮﺟﻤﺔ، وﻛﻼﻫﻤﺎ ﺣﺮص ﻋﻠﻰ اﻻﺣـﺘـﻔـﺎظ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب وﺗﺄﻣﻴﻨﻪ ﻓﻲ ﺧـﺰﻳـﻨـﺘـﻪ اﻟــﺨــﺎﺻــﺔ ﻛـﺄﺛـﻤـﻦ أﺳـــﺮار اﻟـــــﺪوﻟـــــﺔ. اﳌـــﻘـــﺼـــﻮد ﺑـــﺎﻟـــﻜـــﻼم ﻫـﻮ ﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﳌﺴﻠﻤﲔ وواﻟﻴﻪ واﻟﻘﺮاء اﻷﻛــﺜــﺮ ﺷــﺮﴽ اﻟــﺬﻳــﻦ ﻗــﺪ ﻳﺘﻄﻮﻋﻮن ﺑـــﺎﻟــــﻮﺷـــﺎﻳــــﺔ: »ﻫـــــــﺬا ﻛــــﺘــــﺎب رﻋــــﺎه ﻣﻠﻜﺎن، ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻻ ﺿﺪﻫﺎ«.
ﺣــــﺘــــﻰ اﻵن ﻟــــــﻢ ﻳـــﻌـــﺜـــﺮ أﺣــــﺪ ﻋــــﻠــــﻰ ﻧـــﺴـــﺨـــﺔ ﻣــــــﻦ اﻟــــﻜــــﺘــــﺎب ﻓــﻲ اﻟﺴﻨﺴﻜﺮﻳﺘﻴﺔ أو اﻟﻔﻬﻠﻮﻳﺔ، وﻟﻴﺲ ﻫـــﻨـــﺎك وﺟـــــﻮد ﻟــﻔــﻴــﻠــﺴــﻮف اﺳــﻤــﻪ ﺑﻴﺪﺑﺎ، ﻟﻜﻦ »اﻟﻔﻬﻠﻮة« اﻟﺘﻲ ﻣﺪت ﻓــﻲ ﻋﻤﺮ اﻟـﻜـﺘـﺎب، ﻟــﻢ ﺗﻨﺞ اﳌﺆﻟﻒ ﻣﻦ ﻣﺼﻴﺮ اﻟﻘﺘﻞ ﺑﺴﺒﺐ ﻛﻼم آﺧﺮ أﻃﻠﻘﻪ دون ﻗﻨﺎع اﳌﻘﺪﻣﺔ!