ﺛﻌﺒﺎن اﻟﻜﺎﻣﻴﺮا ﻳﻠﺪغ ﻋﺼﻔﻮر اﻟﺮواﻳﺔ
»واﺣﺔ اﻟﻐﺮوب« و»ﻻ ﺗﻄﻔﺊ اﻟﺸﻤﺲ« ﳕﻮذﺟﺎن ﺟﻴﺪان... وﻟﻜﻦ!
ﻳــــﺼــــﻒ اﳌـــــــﺨـــــــﺮج اﻟـــــﺮوﺳـــــﻲ اﳌـــــﻌـــــﺮوف أﻟـــﻜـــﺴـــﻨـــﺪر ﺳـــﻜـــﻮروف اﻟــﻌــﻼﻗــﺔ ﺑــﲔ اﻟـﺴـﻴـﻨـﻤـﺎ واﻟـــﺮواﻳـــﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﺜﻌﺒﺎن اﻟﺮاﺑﺾ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر اﻟﻔﺮﻳﺴﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ »اﻟﻔﺮﻳﺴﺔ« ﻫﻲ اﻟـﺮواﻳـﺔ، ﻋﺼﻔﻮر ﻃﻠﻴﻖ ﻳـﻐـﺮد ﺑــﻼ ﻗـﻴـﻮد ﻓــﻲ ﺳﻤﺎء ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ، اﻟﻜﺎﻣﻴﺮا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺠﺴﺪ اﻟﺮواﻳﺔ ﺗﻘﺘﻞ اﻟﺨﻴﺎل اﻟﺬي ﻳﺨﻠﻘﻪ اﻟـــﻘـــﺎرئ، ﻷن اﻻﻧـــﻄـــﻼق واﻟــﺤــﺮﻳــﺔ ﺗــﺠــﺪﻫــﻤــﺎ ﻓــــﻲ ﺗــﻔــﺎﺻــﻴــﻞ اﻟــﻌــﻤــﻞ اﻟﺮواﺋﻲ.
اﳌــــــــــــﻌــــــــــــﺮوف أن اﻟــــــــــﺪراﻣــــــــــﺎ اﻟــﺴــﻴــﻨــﻤــﺎﺋــﻴــﺔ ﺗــــﺎرﻳــــﺨــــﻴــــﴼ، وﻣـــﻦ ﺑـــﻌـــﺪﻫـــﺎ اﻟــــــﺪراﻣــــــﺎ اﻟــﺘــﻠــﻔــﺰﻳــﻮﻧــﻴــﺔ ﻛــﺜــﻴــﺮﴽ ﻣــﺎ اﻗــﺘــﺎﺗــﺖ وﻻ ﺗــــﺰال ﻋﻠﻰ اﻟـﺮواﻳـﺔ، ﻣﺤﺎﻛﺎة اﻟﻘﺎﻟﺐ اﻟﺮواﺋﻲ ﻛﺎﻧﺖ واﺣﺪة ﻣﻦ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ، ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻬﺎ ﻛﻔﻦ ﺳﺎﺑﻊ ﻫﻲ ﻧﺘﺎج ﻛﻴﻤﺎﺋﻴﺔ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻛﻞ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ اﳌﺴﺮح واﳌﻮﺳﻴﻘﻲ واﻟﺮﺳﻢ واﻟــﻨــﺤــﺖ واﻟــﺸــﻌــﺮ واﻟــﻌــﻤــﺎرة، إﻻ أﻧﻬﺎ ﻓـﻲ ﻋــﺮف اﻟﺒﻌﺾ وﺟــﻪ آﺧﺮ ﻟﻠﺮواﻳﺔ ﻳﺤﻴﻞ اﻟﻜﻠﻤﺔ إﻟﻰ ﺻﻮرة، رﻏﻢ أن اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺤﺮر ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﻴﺪ ﻓﺴﺘﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ.
ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﳌﺼﺮﻳﺔ ﺗﻜﺘﺸﻒ أن اﻟــﺮواﻳــﺔ ﺷﻜﻠﺖ ﻗﺴﻄﴼ واﺿﺤﴼ ﻣﻦ أﻫﻢ أﻓﻼﻣﻬﺎ، ﺑﻞ إن اﺳﻢ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺮواﺋﻲ ﻛﺜﻴﺮﴽ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺘﺼﺪر ﻓﻲ اﳌـﺎﺿـﻲ »اﻷﻓــﻴــﺶ«، ﻣﺜﻞ اﻟﻨﺠﻮم، ﺣﺪث ذﻟﻚ ﺗﺤﺪﻳﺪﴽ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ وإﺣــﺴــﺎن ﻋﺒﺪ اﻟـﻘـﺪوس، ﻛــﺎﻧــﺖ اﻟـﺴـﻴـﻨـﻤـﺎ ﺗـﺸـﺒـﻪ ﻛــﺜــﻴــﺮﴽ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺒﺪﻋﺎﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻮرق.
ﺑــــــﲔ اﻟـــــﺤـــــﲔ واﻵﺧــــــــــــﺮ ﻧــﺠــﺪ أﻣــﺎﻣــﻨــﺎ ﻋـــﻤـــﻼ ﺗــﻠــﻔــﺰﻳــﻮﻧــﻴــﴼ ﺟــﻴــﺪﴽ ﻣـﺴـﺘـﻮﺣـﻰ ﻣــﻦ ﻋــﻤــﻞ رواﺋـــــﻲ، ﻓﻲ رﻣﻀﺎن اﳌﺎﺿﻲ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ »أﻓــﺮاح اﻟـــﻘـــﺒـــﺔ« ﻟــﻨــﺠــﻴــﺐ ﻣـــﺤـــﻔـــﻮظ، وﻫــﻮ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﳌﺴﻠﺴﻼت اﻟﺘﻲ ﺣﻈﻴﺖ ﺑــﻨــﺠــﺎح واﺿــــﺢ وﻣــﺒــﻬــﺮ، رﻏـــﻢ أن اﻟﺴﻴﻨﺎرﻳﻮ ﻛـﺎن ﻳﻨﻄﻠﻖ ﺑﲔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ رواﻳﺔ ﻟﻨﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ، وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ إﻟﻴﻨﺎ ﻋﺎﻟﻢ أدﻳﺒﻨﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮ وﻟﻴﺲ رواﻳﺔ ﻣﺤﺪدة.
ﻫـﺬا اﻟﻌﺎم ﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ اﻟــﺘــﻲ اﺳـﺘـﻨـﺪت إﻟـﻰ ﻋـــﻤـــﻞ رواﺋــــــــﻲ »واﺣــــــــﺔ اﻟــــﻐــــﺮوب« ﻟﺒﻬﺎء ﻃﺎﻫﺮ و»ﻻ ﺗﻄﻔﺊ اﻟﺸﻤﺲ« ﻹﺣـﺴـﺎن ﻋﺒﺪ اﻟــﻘــﺪوس، ﺑﻬﺎء ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﳌﻘﻠﲔ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد دراﻣﻴﴼ، ﻻ أﺗﺼﻮره ﻳﻮﺻﺪ ﺑﺎﺑﻪ أﻣﺎم ﺷﺮﻛﺔ إﻧﺘﺎج أو ﻛﺎﺗﺐ ﺳﻴﻨﺎرﻳﻮ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻨﻬﻞ ﻣﻦ أدﺑﻪ، وﻟﻜﻦ رواﻳﺎت ﺑﻬﺎء ﻃﺎﻫﺮ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ اﻟﺒﺎﻃﻨﻲ ﻻ ﺗﺸﺒﻪ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺪراﻣﻴﺔ اﳌﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻬﺎ، وﺗﺤﺘﺎج ﻟﻌﲔ أﺧﺮى ﻗﺎدرة ﻋــﻠــﻰ اﻟــﺘــﻘــﺎط ﺗــﻔــﺎﺻــﻴــﻞ، ﻹﺣــﺎﻟــﺔ اﳌـــﻘـــﺮوء إﻟـــﻰ ﻣـــﺮﺋـــﻲ، رﺑــﻤــﺎ ﻛـﺎﻧـﺖ رواﻳــﺘــﻪ »ﺧـﺎﻟـﺘـﻲ ﺻﻔﻴﺔ واﻟــﺪﻳــﺮ« ﻫﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ وﺟﺪت ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻟﻠﺪراﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﺎت، ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺑﻀﻌﺔ أﻋﻮام ﺷﺎﻫﺪﻧﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺮح واﺳﺘﻤﻌﻨﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﻤﺴﻠﺴﻞ إذاﻋــــﻲ، واﻟــﺴــﺮ ﻫــﻮ أﻧــﻬــﺎ ﺗﺘﻨﺎول اﻟـﻌـﻼﻗـﺔ ﺑــﲔ اﳌﺴﻠﻤﲔ واﻷﻗــﺒــﺎط، وﻫﻨﺎك ﺗﻮﺟﻪ رﺳﻤﻲ ﻳﺴﻌﻲ ﻟﻜﻲ ﻳــﻤــﻨــﺢ ﺿـــــﻮء أﺧـــﻀـــﺮ ﳌـــﺜـــﻞ ﻫـــﺬه اﻷﻋــﻤــﺎل اﻟـﺮواﺋـﻴـﺔ، وﻟـﻬـﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﺗﻨﺒﻪ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺒﻜﺮﴽ ﺻﻨﺎع اﻟﺪراﻣﺎ.
ﻗــﺒــﻞ أﻛــﺜــﺮ ﻣــﻦ ﻋــﺸــﺮ ﺳــﻨــﻮات ﻛــﺜــﻴــﺮﴽ ﻣـــﺎ ﻛـــﻨـــﺖ أﻗــــــﺮأ أن »واﺣــــﺔ اﻟــــﻐــــﺮوب« ﻓـــﻲ ﻃــﺮﻳــﻘــﻬــﺎ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻓﻴﻠﻤﴼ أو ﻣﺴﻠﺴﻼ، وﻳﻤﻀﻲ زﻣﻦ ﻷﻗــــﺮأ ﻣــﺠــﺪدﴽ اﻟــﺨــﺒــﺮ ﻧــﻔــﺴــﻪ، ﻓﻠﻢ ﻳـﺸـﺮع أﺣــﺪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻓــﻲ ﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ ﺑﺈﺟﺮاءات ﻋﻤﻠﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﺗﺤﻤﺴﺖ ﺷـــﺮﻛـــﺔ »اﻟــــﻌــــﺪل ﺟــــــــﺮوب«، وﻛــــﺎن ﺑـﺎﻟـﻔـﻌـﻞ اﳌـــﺸـــﺮوع ﻗــﺪ اﺧــﺘــﻤــﺮ ﻓﻲ ذﻫـــــﻦ ﻛـــﺎﺗـــﺒـــﺔ اﻟـــﺴـــﻴـــﻨـــﺎرﻳـــﻮ ﻣــﺮﻳــﻢ ﻧـــــﻌـــــﻮم اﻟـــــﺘـــــﻲ ﻛـــﺘـــﺒـــﺖ اﻟـــﺤـــﻠـــﻘـــﺎت اﻟــﺨــﻤــﺲ ﻋــﺸــﺮة اﻷوﻟـــــﻰ، اﻟــﺮواﻳــﺔ ﺗـــﻌـــﻮد ﻟــﻨــﻬــﺎﻳــﺎت اﻟـــﻘـــﺮن اﻟــﺘــﺎﺳــﻊ ﻋـﺸـﺮ ﻣــﻊ »ﺛــــﻮرة ﻋـــﺮاﺑـــﻲ«، ﺗﺘﻜﺊ إﻟﻰ وﻣﻴﺾ وﺳﺤﺮ ﺧﺎص، ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻤﺰج اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﺎﻷﺳﻄﻮرة، وأﻳﻀﴼ اﳌﻼﻣﺢ اﻟﻔﻮﻟﻜﻠﻮرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻴﻄﺮت ﻋـﻠـﻰ ﻣــﻔــﺮدات اﻷﺟــــــﻮاء، اﻟــﻌــﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ، ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﲔ اﻟﻀﺎﺑﻂ ﺧﺎﻟﺪ اﻟﻨﺒﻮي وزوﺟﺘﻪ اﻵﻳﺮﻟﻨﺪﻳﺔ ﻣـــﻨـــﺔ ﺷـــﻠـــﺒـــﻲ، ﺣـــﻴـــﺚ ﺗـــﺼـــﺒـــﺢ ﻛـﻞ اﻷﺟـــــــــﻮاء، وﻫــــﻰ ﺗــﻤــﻬــﺪ ﻟـﻠـﺪﻫـﺸـﺔ واﻟــﺘــﺼــﺎدم، ﺑــﲔ أﻛــﺜــﺮ ﻣــﻦ زاوﻳـــﺔ رؤﻳﺔ ﺗﻄﻞ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت ﻋــﻠــﻰ اﻟــــﺤــــﺪث، اﳌــﺴــﻠــﺴــﻞ أﺿــﻔــﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﳌـﺨـﺮﺟــﺔ ﻛـﺎﻣـﻠـﺔ أﺑــﻮ ذﻛــﺮي ﻋـﺒـﻘـﴼ ﺧــﺎﺻــﴼ ﺑــﻤــﻔــﺮدات اﻹﺿـــﺎءة ﻟﻨﺎﻧﺴﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻔﺘﺎح واﳌﻮﺳﻴﻘﻲ ﻟـﺘـﺎﻣـﺮ ﻛــــﺮوان، واﻟــﺪﻳــﻜــﻮر ﻟـﻔـﻮزي اﻟﻌﻮاﻣﺮي واﳌـﻼﺑـﺲ ﻟﺮﻳﻢ اﻟﻌﺪل، ﺗـــﺴـــﺘـــﻄـــﻴـــﻊ أن ﺗـــــﻼﺣـــــﻆ ﺣــــﺮص اﳌﺨﺮﺟﺔ ﻟﻺﺧﻼص ﻟﻠﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﻬﺎ أدﺑﻴﴼ ﺑﻬﺎء ﻃﺎﻫﺮ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺎت أﺣﺎﻟﺘﻬﺎ إﻟﻰ ﺻﻮرة ﻣﻔﻌﻤﺔ ﺑﻌﺒﻖ اﻟﺰﻣﻦ، اﻟﺴﺮد واﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻟﻠﺸﺨﺼﻴﺎت »اﳌــﻮﻧــﻮﻟــﻮج« أﺣـﺪ اﳌـﻘـﻮﻣـﺎت اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻓـﻲ اﻟــﺮواﻳــﺔ، وﻫﻮ ﻣﺎ ﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺮﻳﻢ ﻧﻌﻮم وﻣــــﺎ أﻛــﻤــﻠــﺘــﻪ وﺣــﺘــﻰ ﻛــﺘــﺎﺑــﺔ ﻫــﺬه اﻟﺴﻄﻮر، اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﻫﺎﻟﺔ اﻟﺰﻏﻨﺪي، روح اﻟـﺮواﻳـﺔ وﻟﻴﺲ ﺑـﻨـﺎءﻫـﺎ... ﻻ ﺗــــﺰال ﺣـــﺎﺿـــﺮة ﺑــﻘــﻮة ﻓـــﻲ اﻟــﺮؤﻳــﺔ اﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ.
وإذا ﻛــﺎن ﺑـﻬـﺎء ﻃـﺎﻫـﺮ ﻣﺮﺋﻴﴼ ﻋـــﻠـــﻰ ﺷـــﺎﺷـــﺔ اﻟـــﺘـــﻠـــﻔـــﺰﻳـــﻮن؛ ﻧــــﺮاه ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ »ﺧﺎﻟﺘﻲ ﺻﻔﻴﺔ واﻟﺪﻳﺮ« ﻓﺈن إﺣﺴﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺪوس ﺗـــﺠـــﺎوز اﻟــﺨــﻤــﺴــﲔ ﻓــﻴــﻠــﻤــﴼ، وﻫــﻮ ﻳـﺄﺗـﻲ ﻓــﻲ اﳌـﺮﺗـﺒـﺔ اﻷوﻟـــﻰ ﻣﺘﻔﻮﻗﴼ ﻋﻠﻰ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ اﻟـﺬي ﻳﺤﺘﻞ اﳌﻜﺎﻧﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ رﻗﻤﻴﴼ، وﻫﻮ أﻳﻀﴼ ﻣــﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗـﺠـﺪه ﻋـﺒـﺮ اﻟﺸﺎﺷﺔ اﻟـﺼـﻐـﻴـﺮة؛ ﻓﻬﻮ اﻟـﻜـﺎﺗـﺐ اﻟــﺮواﺋــﻲ اﻷول اﻟــــــﺬي ﻳــﺴــﻌــﻰ إﻟـــﻴـــﻪ ﻛــﺘــﺎب اﻟـــــﺪراﻣـــــﺎ... »ﻻ ﺗــﻄــﻔــﺊ اﻟــﺸــﻤــﺲ« رواﻳـــــــــﺔ ﻟـــﻬـــﺎ ﺳـــﺤـــﺮ ﺧــــــﺎص ﻟــﻬــﺬا ﻗﺪﻣﺖ ﺧﻼل اﻟﺴﺘﻴﻨﺎت، ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺘﻘﺎرﺑﺔ، ﻓﻴﻠﻤﴼ وﻣﺴﻠﺴﻼ. ﺗﺎﻣﺮ ﺣـﺒـﻴـﺐ ﺗــﻮﻗــﻒ أﻣــــﺎم ﺗــﻠــﻚ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟــﺒــﺮﺟــﻮازﻳــﺔ وﻫـــﻰ داﺋــﻤــﺎ اﳌﻠﻌﺐ اﻻﺟــــﺘــــﻤــــﺎﻋــــﻲ ﻷدﻳــــﺒــــﻨــــﺎ اﻟــﻜــﺒــﻴــﺮ إﺣﺴﺎن ﻋﺒﺪ اﻟـﻘـﺪوس، إذ إﻧـﻪ ﻓﻲ أﻏـــﻠـــﺐ ﻛــﺘــﺎﺑــﺎﺗــﻪ ﻳـــﺼـــﻮل وﻳــﺠــﻮل وﺗــﺘــﻌــﺪد اﻟــﻌــﻼﻗــﺎت واﻟــﺨــﻴــﺎﻧــﺎت، اﻧـﺘـﻘـﻞ اﻟـﺴـﻴـﻨـﺎرﻳـﻮ ﺑــﺎﻷﺣــﺪث إﻟـﻰ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﻦ، ﺑﺘﻔﺎﺻﻴﻠﻪ واﺧﺘﻼﻓﺎﺗﻪ اﻟــﻘــﻴــﻤــﻴــﺔ ﻋـــﻦ زﻣــــﻦ اﻟـﺨـﻤـﺴـﻴـﻨـﺎت اﻟـﺬي وﺛﻘﻪ إﺣﺴﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺪوس ﻓـﻲ رواﻳــﺘــﻪ، ﻟﻴﺠﺪ ﻃﺒﻌﴼ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ ﺟﻤﻬﻮر اﻟﺸﺎﺷﺔ اﻟــﺼــﻐــﻴــﺮة اﻟــــﺬي ﻳــــﺮى ﻧــﻔــﺴــﻪ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت.
وﺗﺒﻘﻰ اﻟﻘﻀﻴﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ اﻷدب ﺑﺎﻟﺪراﻣﺎ ﻫﻞ ﺗﻨﺘﻌﺶ اﻟﺪراﻣﺎ ﺑـﺎﻷدب وﻟﺪﻳﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ﻣـــﺴـــﻠـــﺴـــﻼن ﻧــــﺎﺟــــﺤــــﺎن اﺳـــﺘـــﻨـــﺪا ﻟﻌﻤﻖ رواﺋﻲ؟ ﻫﻞ اﻟﺴﺆال إﺟﺎﺑﺘﻪ ﻣﺤﺴﻮﻣﺔ؟ وﻫــﻲ: ﻧﻌﻢ، اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ واﻟﺪراﻣﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ اﻷدب ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ذروة آﻓﺎق اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ، ﻷن ﻫﺬا ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺠﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء؟! ﺛﻢ إن اﻷدﺑــﺎء اﻟﻜﺒﺎر اﻟﺬﻳﻦ ﻧﻬﻠﺖ اﻟـﺴـﻴـﻨـﻤـﺎ ﻣــﻦ أدﺑــﻬــﻢ وﻻ ﺗـــــﺰال... ﺗﺤﻘﻖ أﻓﻼﻣﻬﻢ ﻋﺎدة اﻟﻘﺪر اﻷﻛﺒﺮ ﻣﻦ اﻹﻗﺒﺎل اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮي.
ﻟــــﻮ أﺣــﺼــﻴــﻨــﺎ اﻷﻓــــــــﻼم اﻟــﺘــﻲ دﺧﻠﺖ ﺗﺎرﻳﺨﻨﺎ اﻹﺑﺪاﻋﻲ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أن ﻗــﺴــﻄــﴼ واﻓــــــــﺮﴽ ﻣــﻨــﻬــﺎ ﻣـــﺄﺧـــﻮذ ﻋـﻦ أﻋـﻤـﺎل أدﺑــﻴــﺔ... أﻗــﻮل »ﻗﺴﻄﺎ واﻓــــــﺮا« وﻟــﻴــﺲ اﻟــﻘــﺴــﻂ اﻷﻛـــﺒـــﺮ... وﺳــﻮف أﺿــﺮب ﻟﻜﻢ ﻣـﺜـﺎﻻ ﻋﻤﻠﻴﴼ ﺑـــﺎﻷرﻗـــﺎم... أﻫــﻢ ﻋــﺸــﺮة أﻓـــﻼم ﻓﻲ ﺗـــﺎرﻳـــﺦ اﻟـﺴـﻴـﻨـﻤـﺎ اﳌــﺼــﺮﻳــﺔ ﻃﺒﻘﴼ ﻟــﻼﺳــﺘــﻔــﺘــﺎء اﻟــــــﺬي أﺷــــــﺮف ﻋـﻠـﻴـﻪ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ وﻫﺒﺔ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره وﻗﺘﻬﺎ رﺋﻴﺴﴼ ﳌﻬﺮﺟﺎن اﻟـــﻘـــﺎﻫـــﺮة اﻟــــﺪوﻟــــﻲ اﻟــﺴــﻴــﻨــﻤــﺎﺋــﻲ، وذﻟﻚ ﻋﺎم ٦٩٩١ وﺷﺎرك ﻓﻴﻪ ﻣﺎﺋﺔ ﻣــﻦ اﻟــﻨــﻘــﺎد واﻟــﻔــﻨــﺎﻧــﲔ واﻟـﻔـﻨـﻴـﲔ أﺳـﻔـﺮ ﻋـﻦ »اﻟـﻌـﺰﻳـﻤـﺔ«، »اﻷرض«، »اﳌــــــﻮﻣــــــﻴــــــﺎء«، »ﺑـــــــﺎب اﻟــــﺤــــﺪﻳــــﺪ«، »اﻟﺤﺮام«، »ﺷﺒﺎب اﻣـﺮأة«، »ﺑﺪاﻳﺔ وﻧـــﻬـــﺎﻳـــﺔ«، »ﺳـــــﻮاق اﻷﺗــﻮﺑــﻴــﺲ«، »ﻏﺰل اﻟﺒﻨﺎت«، »اﻟﻔﺘﻮة«.. اﻷﻓﻼم اﳌــﺄﺧــﻮذة ﻋــﻦ رواﻳــــﺎت أدﺑــﻴــﺔ ﻫﻲ »اﻷرض« ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺸﺮﻗﺎوي، »اﻟﺤﺮام« ﻳﻮﺳﻒ إدرﻳـﺲ، »ﺑﺪاﻳﺔ وﻧﻬﺎﻳﺔ« ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ... أي أن اﻟﻨﺴﺒﺔ ٠٣ ﻓﻲ اﳌﺎﺋﺔ!!
اﻟــﻘــﺼــﺔ اﻟـــﺮواﺋـــﻴـــﺔ اﻟـﻌـﻈـﻴـﻤـﺔ ﻟــﻴــﺴــﺖ ﻫـــﻲ اﻟـــﻮﺻـــﻔـــﺔ اﻟــﺴــﺤــﺮﻳــﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة وﻻ ﻫﻲ أﻳﻀﴼ اﳌﻀﻤﻮﻧﺔ داﺋــﻤــﴼ ﻟـﺘـﻘـﺪﻳـﻢ ﻋــﻤــﻞ ﻓــﻨــﻲ ﻣـﻤـﺘـﻊ، وﻟـــﻜـــﻦ ﻳـــﻈـــﻞ اﳌـــﻌـــﻴـــﺎر ﻫــــﻮ ﺑـــﺮاﻋـــﺔ اﳌـــــﺨـــــﺮج ﻓـــــﻲ أن ﻳـــﻤـــﻨـــﺢ اﻟــﻘــﺼــﺔ اﻹﺣﺴﺎس اﻟـﺪراﻣـﻲ. ﻳﻈﻞ اﻟﺮﻫﺎن ﻋﻠﻰ ﻛﺎﺗﺐ اﻟﺴﻴﻨﺎرﻳﻮ اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﻫﻀﻢ اﳌﻔﺮدات اﻟﺮواﺋﻴﺔ وإﺣﺎﻟﺘﻬﺎ ﻟﻌﻤﻞ ﻓﻨﻲ ﻫﻮ اﻟﻔﻴﺼﻞ.
ﻟــﺪﻳــﻨــﺎ ﻣــﺜــﻼ ﻛــﻨــﻤــﻮذج ﻓﻴﻠﻤﺎ »اﻟﻜﻴﺖ ﻛﺎت« و»ﻋﺼﺎﻓﻴﺮ اﻟﻨﻴﻞ«، اﻟﻌﻤﻼن ﻟﻸدﻳﺐ إﺑﺮاﻫﻴﻢ أﺻﻼن؛ اﻷول ﻋﻦ »ﻣﺎﻟﻚ اﻟﺤﺰﻳﻦ«، واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﻦ رواﻳﺔ ﺑﺎﻻﺳﻢ ﻧﻔﺴﻪ. ﻓﻲ »اﻟﻜﻴﺖ ﻛــــــﺎت« ﻫــﻀــﻢ داود ﻋــﺒــﺪ اﻟــﺴــﻴــﺪ اﻟﻨﺺ )ﻣﺎﻟﻚ اﻟﺤﺰﻳﻦ( ﻓﻘﺪم واﺣﺪﴽ ﻣﻦ أروع أﻓﻼﻣﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وﻫﻨﺎك ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺷﻬﻴﺮ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن، وﻫﻮ اﻓﺘﺮاس اﻟﻨﺺ اﻷدﺑﻲ، ﻟﻴﻔﺮزه ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻴﴼ، وﻫﺬا ﻫﻮ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ داود، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ »ﻋﺼﺎﻓﻴﺮ اﻟﻨﻴﻞ« اﻟـﺘـﺰم اﳌـﺨـﺮج ﻣـﺠـﺪي أﺣـﻤـﺪ ﻋﻠﻲ ﺗــﻤــﺎﻣــﴼ ﺑـــﺎﻟـــﺮواﻳـــﺔ، ﻓــﻔــﻘــﺪت ﺗـﻤـﺎﻣـﴼ روﺣﻬﺎ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ.
اﻟــــــﺪراﻣــــــﺎ ﻟـــﻬـــﺎ ﻗــــﺎﻧــــﻮن ﻳــﻔــﺮض ﻧـﻔـﺴـﻪ ﻋــﻠــﻲ ﻣـــﻘـــﺪرات اﻟــﻌــﻤــﻞ اﻟﻔﻨﻲ وﻫــﻮ ﻣـﺎ ﻧﺠﺢ ﻓـﻲ اﺟـﺘـﻴـﺎزه ﺑﻨﺠﺎح ﺻﻨﺎع ﻣﺴﻠﺴﻠﻲ »ﻻ ﺗﻄﻔﺊ اﻟﺸﻤﺲ« ﻹﺣــــﺴــــﺎن ﻋـــﺒـــﺪ اﻟــــﻘــــﺪوس و»واﺣــــــﺔ اﻟﻐﺮوب« ﻟﺒﻬﺎء ﻃﺎﻫﺮ، وﻟﻜﻦ ﻳﺒﻘﻲ أن اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺠﻴﺪة ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﺗﻘﻴﻴﻤﻬﺎ اﻷدﺑـــﻲ ﻣﺮﺗﻔﻌﴼ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ اﻟــﻀــﺮورة اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻳﻂ ﻣﺮﺋﻲ ﺟﺎذب وﻣﺆﺛﺮ، أﻣﺎ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﳌﺨﺮج اﻟﺮوﺳﻲ أﻟــﻜــﺴــﻨــﺪر ﺳـــﻜـــﻮروف، ﻓــﻬــﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻷن اﻟﻌﻤﻞ اﳌﺮﺋﻲ ﻳﻈﻞ ﻣﺜﻞ اﻟﺜﻌﺒﺎن اﻟـﺮاﺑـﺾ ﻋﻠﻰ اﻷرض، ﻓﻬﻮ ﻳﺤﺪدك ﻓـﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺑﺨﻴﺎل اﳌــﺨــﺮج، ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﺮواﻳﺔ ﻋﺼﻔﻮر ﻳﺤﻠﻖ ﺑﻌﻴﺪﴽ وﻳﻤﻨﺢ ﻛــﻞ ﻗــــﺎرئ ﺣــﺮﻳــﺔ اﻟـﺘـﺤـﻠـﻴـﻖ ﺑﺨﻴﺎﻟﻪ وﺑـــﻼ ﺣــــﺪود ﻓــﻲ اﻟــﺴــﻤــﺎء اﻟـﺴـﺎﺑـﻌـﺔ ﻟﻴﻌﺎﻧﻖ ﻗﻮس ﻗﺰح!!