قطر... باقٍ من الزمن ٤ أيام
سواء بقيت ٤ أيام أو ٤٠ يوماً على المهلة الممنوحة لقطر مـن الــدول الأربـع المـقـاطـعـة، فـلا يـبـدو أن الــدوحــة عـازمـة على إيجاد مخرج لأخطر أزمة تشهدها في تاريخها الحديث، فجل محاولاتها الالــتــفــاف عـلــى المــطــالــب الــثــلاثــة عشر المقدمة إليها من السعودية والإمــارات والـبـحـريـن ومـصـر، وتـصـويـرهـا بأنها »تــعــجــيــزيــة«. تـتـغـافـل الـــدوحـــة عــن أن المـطـالـب تـتـمـحـور عـلـى مـعـالـجـة وقـف دعـــم الــجــمــاعــات الإرهــابــيــة والــتــدخــل فـي الــشــؤون الـداخـلـيـة لـلـدول الأخــرى، وهــــو الــســلــوك الــقــطــري الــــــذي أفـضـى بها إلـى هـذه الـحـال. تـرديـد قطر لعذر المطالب »تعجيزية« وتكراره، يفضحها فـــي تـطـبـيـق مــطــالــب مـعـظـمـهـا وافــقــت عـلـيـه أصــــلاً فــي الــســابــق وتــعــهــدت به وبالطبع لم تنفذه. تعي الـدوحـة جيداً أن تـجـاوبـهـا مـع المـطـالـب مـن شـأنـه أن يسهم في تجاوز الأزمة، وفي الوقت ذاته تعلم أن الـتـزامـاتـهـا هــذه المــرة ستكون مختلفة جذرياً، فلم يعد هناك أي نسبة احتمالات للتلاعب بالاتفاقيات كما كان يحدث دائماً.
قطر لم تنفك تصور نفسها بأنها الــحــمــل الـــــوديـــــع، رداً عــلــى اتــهــامــات الـــــــدول المــقــاطــعــة لــهــا بـــدعـــم الإرهــــــاب وتــمــويــلــه. فــهــل بــالــغــت الــــــدول الأربــــع فـي ذلــك؟ الحقائق تـقـول إن السعودية والـــــــدول الأخــــــرى ســبــق وقـــدمـــت لـقـطـر قـوائـم بأسماء مطلوبين متورطين في أعــمــال إرهـابـيـة ونـشـاطـات اسـتـهـدفـت أمــــن واســـتـــقـــرار المـمـلـكـة ومـواطـنـيـهـا، ورغــم الـوعـود بوقف نشاطاتهم فإنها استقبلت مــزيــداً مـنـهـم، وسـمـحـت لهم بالتآمر ضد دولـهـم، وبعضهم منحته جنسيتها. ومن بينهم قيادات وعناصر تـابـعـة لـجـمـاعـات إرهــابــيــة ومـتـطـرفـة، فــوفــرت لـهـم الـحـمـايـة والـــدعـــم الـكـامـل على أراضـيـهـا وخـارجـهـا، بـل إن وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية ديفيد كوهين، قام بتصنيف قطر حصرياً في مارس (آذار) ٢٠١٤ بأنها »سلطة متساهلة « مع تمويل الإرهـاب، مشدداً على أن الدعم القطري يذهب للتنظيمات المتطرفة العاملة في سوريا، وذهـب للقول إن »أقـل ما يمكن قـولـه هــو أن هــذا الأمـــر يـهـدد بمفاقمة وضع متقلّب بالفعل بطريقة خطرة جداً، وغير مستحبة بشكل خاص،« هل هذا كل شيء؟ لا، تقرير تصنيف العقوبات الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية قال إن القطري سعد الكعبي ما زال يشارك بنشاط في تمويل تنظيم »القاعدة في سوريا« على الأقل بعد عام من ذلك، أي في عـام ٢٠١٥، وهناك شخص آخـر هو عبد المـلـك عبد الـسـلام (المـعـروف أيضاً باسم عمر القطري)، وهو مواطن أردني
ّ مقيم في قطر، كان قد وفر »دعماً كبيراً« لتنظيم »القاعدة«، فقد عمل في عامي ٢٠١١ و٢٠١٢ في تركيا وسوريا ولبنان وقطر وإيـران، لجمع الأموال والأسلحة ونقلها، وتسهيل سفر المقاتلين، بحسب وزارة الخزانة الأميركية، دون أن تفعل الـسـلـطـات الـقـطـريـة مـا يـبـرئ ساحتها لإيقاف هـذا الدعم المتنامي للجماعات الإرهـابـيـة، نـاهـيـك عـن إيـــواء واحــد من أخطر الإرهابيين في العالم، خالد شيخ مـحـمـد، الـعـقـل المـدبـر لأحـــداث سبتمبر (أيلول)، ومن ثم إطلاق سراحه، وكثير من الحالات التي دعمت فيها السلطات القطرية الإرهاب من أراضيها وبعلمها، وتحت غطاء مؤسسات تابعة للحكومة.
هل فاجأتنا قطر بعدم استجابتها وتـعـنـتـهـا؟ طـبـعـاً لا. هــل كــان يـمـكـن أن تفعلها وتــعــود لحضنها الخليجي؟ الإجـابـة نـعـم، لكن الأمـنـيـات وحـدهـا لا تكفي لحل مشكلات سياسية متجذرة. باق من الزمن أربعة أيام، وقطر مستمرة فـي سـيـاسـة أقــرب إلــى الـــدول الـثـوريـة، بــتــفــضــيــل الاصـــــطـــــدام بـــالـــجـــدار عـلـى معالجة أزمــة تخنقها بحنكة وحكمة عرفت عن الدول الخليجية الأخرى. حتى الآن الـدوحـة تعيش حـالـة مـن الصدمة والغضب، وعندما تفيق، ولا أحد يعرف مـتـى يــحــدث ذلـــك، وتـقـبـل بـحـل الأزمـــة بشكل جاد، يكون قد فات الأوان وتصبح خسارتها أكبر من أن تعوض، حينها لن تنفعها عشرات المليارات من الـدولارات فـي صـنـدوقـهـا الـسـيـادي، ولــن ينقذها مـبـدأ »دع المـــال يـسـاعـدك ويـشـتـري كل شـيء«. هناك ضـرر بالغ أصـاب النظام نفسه، ولن يكون سهلاً أبداً إعادة تأهيله مــجــدداً إلا بـعـمـلـيـة جــراحــيــة خـطـيـرة. القادم أسوأ يا قطر.