Asharq Al-Awsat Saudi Edition

ُ »أوديمار بيغيه«... تعزز استقلاليته­ا بدخول مجالات فنية

: ما تشهده سوق المنتجات المترفة حالياً ليس أزمة بقدر ما هو تطبيع لازم جاسمين أوديمار لـ

- بازل: جميلة حلفيشي

كـــــانــ­ـــت درجـــــــ­ــــــات الــــــحـ­ـــــرارة فــــي ســـويـــس­ـــرا مــرتــفــ­عــة بـشـكـل اسـتـثـنـا­ئـي فــي الأســبــو­ع الـثـانـي من شهر يونيو (حزيران) الأخير. كــانــت أشــعــة الـشـمـس الـسـاطـعـ­ة تـتـبـعـنـ­ا أيــنــمــ­ا أخـــذتـــ­نـــا شــركــة الساعات السويسرية الشهيرة، »أدوديـــمـ­ــار بـيـغـيـه« فـي رحلتها الـفـنـيـة. كــان هـدفـهـا تقريبنا من إرثها ومبادئها المتوارثة أباً عن جــد وأيــضــا تـعـريـفـن­ـا بفنيتها. لأربعة أيام لم تتنازل الحرارة ولا درجة سواء في بازل أو جنيف أو نيو شاتيل ولوبراسي.

المــحــطـ­ـة الأخـــيــ­ـرة كــانــت فـي مــعــرض »أرت بــــــازل«. وجــهــة لا تقل أهمية عن »لوبراسي« حيث توجد معاملها ومراكز إنتاجها. أهـمـيـتـه­ـا تـكـمـن فــي أن أوديــمــا­ر بـيـغـيـه أصـبـحـت وجــهــا مـألـوفـا فيها منذ خمس سنوات. تشارك فــي مـعـرضـهـا الــســنــ­وي بـأجـمـل إبداعاتها وأكثرها تعقيدا، إلى جانب دعمها لفنانين معاصرين، تُـكـلـفـهـم بــإبــداع تـحـف مــن بـنـات أفكارهم تستعرضها في جناحها الخاص. ما إن تطأ قدماك ردهة المـــعـــ­رض حــتــى تُــداهــمــ­ك رائــحــة الفن مـن كـل صــوب. فكم الأعمال الــفــنــ­يــة كـــــان مــــدوخــ­ــا. بـعـضـهـا يغطي الـجـدران وبعضها الآخـر يـتـدلـى مــن الأســقــف أو يـتـوسـط الـــردهــ­ـات. ورغــــم هـــذا الــكــم وكـل الــجــمــ­ال، كــانــت الأعــــين مـصـوبـة عـــلـــى جـــنـــاح أوديــــــ­مــــــار بـيـغـيـه، وشجرته الضخمة التي كانت أول ما تستقبلك. شجرة استوحاها الفنان سباستيان إيرازوريز من طبيعة »فالي دو جو« حيث توجد معامل الـدار، تتفرع لتظهر على فروعها بتلات تتأهب للتفتح.

من بين الازدحام الذي خلقته الـــشـــج­ـــرة لمــعــايـ­ـنــتــهــ­ا عــــن قـــرب وقـبـل الــدخــول لمـتـابـعـ­ة مــا يـقـوم به حرفيو الـدار أمامهم من حفر على الـسـاعـات أو نقشها، تظهر جـاسـمـين أوديــمــا­ر. سليلة جيل - لـويـس أوديــمــا­ر أحــد مؤسسي الدار السويسرية في عام ١٨٧٥.

طـــويـــل­ـــة ورزيـــــن­ـــــة بــشــعــر­هــا الأبـيـض القصير وتـايـور بسيط بلون بيج. اتجهت نحو الحرفيين لتراقبهم وكأنها طفلة تـرى هذا المشهد لأول مرة، مع أنها ربما رأته مـئـات المـــرات. جـاسـمـين أوديـمـار تعمل في الدار منذ ٣٠ عاماً، فهي رئيسة مجلس الإدارة، كما أنها واحدة من بين نساء يُحسبن على أصابع اليد الواحدة ممن نجحن في اقتحام عالم الساعات الفاخرة حيث لا يـزال الرجل هو المسيطر فيه على المناصب الكبيرة. فحتى عهد قريب كانت الوظائف التي تحصل عليها المرأة في هذا المجال تقتصر على العلاقات العامة أو الـتـسـويـ­ق أو الـعـمـل فــي المـعـامـل لـتـجـمـيـ­ع المـــكـــ­ونـــات أو نـقـشـهـا أو تـزيـين المــوانــ­ئ ومــا شـابـه من أمـــور تـحـتـاج إلــى أنـامـل ناعمة. باستثناء كـارولـين شـوبـارد من دار »شــوبــار« ونـايـلـة حـايـك من مــجــمــو­عــة »ســــواتــ­ــش« ورئـيـسـة »هــــاري ويـنـسـتـو­ن« الـتـنـفـي­ـذيـة، وشابي نوري الرئيس التنفيذي الجديد لدار »بياجيه« ظلت المرأة مغيبة بـشـكـل واضـــح عــن مـراكـز القرارات.

بيد أن الأمر لا يُقلق جاسمين. فالمسألة بالنسبة لها مسألة وقت فقط، لأن المـرأة تستحق أن يكون لها دور أكبر. فهي حسب رأيها »تــتــمــت­ــع بــمــيــز­ة مــهــمــة ونــــــاد­رة تـتـلـخـص فــي عـــدم تـضـخـم الأنــا لديها«. تضيف بابتسامة شقية: »قد لا يكون المستقبل نسوياً في عالم الترف لكنه حتما أنثويا.« وتــضــيــ­ف: »المــــــر­أة لا تـعـانـي من مستوى تستيرون عال، وبالتالي لا تُـعـقـد الأمـــور كـثـيـراً فـضـلاً عن أنها منصتة جـيـدة. طبعاً هناك دائما حالات شاذة لكنها عموما قـــــائــ­ـــدة جـــــيـــ­ــدة، وإن كــــــان عـلـي الإعتراف أن قيادة أي شركة كيفما كانت تُشكل تحديا للمرأة والرجل على حد سواء.«

درســـــــ­ـت جـــاســـم­ـــين الـــعـــل­ـــوم الاجتماعية والتاريخ الاقتصادي فــي جـامـعـة جـنـيـف، إلا أنــهــا لم تــلــتــح­ــق بــشــركــ­ة الـــعـــا­ئـــلـــة. كــان يدغدغها حلم الصحافة فوجدت ضالتها في جريدة »لوتون« Le Temps فــي عـــام ١٩٦٨. فــي عـام ١٩٨٠ تولت رئاسة تحريرها.

تـــعـــتـ­ــرف أنـــهـــا عـــلـــى الـــرغـــ­م مـن أنـهـا وُلـــدت وشـبـت فـي بيئة تتنفس الساعات، لم تكن مطالبة بـأن تنذر حياتها لها كتحصيل حاصل فقط لأنها وُلدت فيها. لم تكن المـسـألـة أيـضـا بالنسبة لها تـمـردا أو رغـبـة فـي الانـعـتـا­ق من جلباب العائلة. كـل مـا فـي الأمـر أنها كانت تريد أن تترك أثرا لها في عالم الصحافة، ولم تجد مانعا مـن والـديـهـا. بـل الـعـكـس، تـقـول: »شجعاني وتمنيا لـي التوفيق عـنـدمـا أســــررت لـهـمـا بـرغـبـتـي«. عشرون عاما مرت وحققت فيها الكثير من النجاحات والإنجازات، لكن عندما اقترح عليها والدها في عام ١٩٩٢ الانضمام للشركة،

لــم تـرفـض أو تــقــاوم. كـانـت كما تقول »مستعدة لخوض تجربة جديدة، فبعد ٢٠ عاما في العمل الصحافي شعرت أن الوقت حان للتغيير«. تستطرد سريعا: »ثم أن النقلة لم تكن تغييرا جذريا كــمــا تـــتـــصـ­ــوريـــن، لأن عـمـلـي كرئيسة تـحـريـر فـي الـجـريـدة كــــــان يــتــطــل­ــب درايــــــ­ـــة إداريـــــ­ــة ومالية مثل تحضير الميزانية وتقنينها وما شابه من أمور«.

الآن وبــــعـــ­ـد ٣٠ عــــامـــ­ـا مـن توليها مهمتها كرئيس مجلس الإدارة فـي »أوديــمــا­ر بيغيه« لا يبدو عليها الكلل أو أي علامات تشير إلـى أن الإرث الكبير الـذي تحمله عـلـى عـاتـقـهـا طـــوال هـذه الــســنــ­وات، يُـثـقـل كـاهـلـهـا. فهي حريصة أن تسلمه قويا للأجيال القادمة من العائلة. عندما أشير إلى هذه النقطة تجيب دون تردد أنــهــا جـبـلـيـة الأصــــل والـتـكـوي­ـن وبـالـتـال­ـي تـتـعـامـل مـع كـل شـيء فــي الــحــيــ­اة بـعـقـلانـ­يـة »فـسـكـان الجبال معروفون باستقلاليت­هم وبقدرتهم على التحمل ومواجهة المصاعب ولا يميلون لتضخيم الأمـــــو­ر أكــثــر مــن الـــــــل­ازم«. كلمة الاستقلالي­ة تكررت على لسانها كــثــيــر­ا خـــــلال حــديــثــ­نــا. فـــالـــد­ار التي كان جد جدها جيل - لويس أوديـمـار أحـد مؤسسيها لا تزال مستقلة يتحكم أفراد من العائلة فـي زمامها ويديرونها بنجاح. في كل مـرة تُذكرني بذلك، كانت تـقـفـز مــن عـيـونـهـا نـظـرة تُعطي الانطباع بالفخر. ولولا تعريفها لــلــشــخ­ــصــيــة الـــســـو­يـــســـري­ـــة ولا سيما تلك التي تتجذر أصولها فـــــي جــــبــــ­ال الــــــجـ­ـــــورا لــــكــــ­ان مــن الــســهــ­ل تــفــســي­ــر نـظـرتـهـا هــاتــه اعـــتـــد­ادا بـالـنـفـس. تُـعـلـق وكـأنـهـا قــرأت ما يــجــول بـخـاطـري »مـن بــــــين المـــــــ­بـــــــاد­ئ الـــتـــي ورثناها أبـا عن جد أن نتجنب الغرور بـــــكـــ­ــل أشـــــكــ­ـــالـــــ­ه. فــــــحــ­ــــتـــــ­ـى نـــبـــقـ­ــى شـــــركــ­ـــة عــائــلــ­يــة متماسكة وقوية عـلـيـنـا ذلـــــك، إلــى جـانـب الاسـتـعـد­اد لــلأوقــا­ت العصيبة والــــــت­ــــــعـــ­ـــامـــــ­ـل مــعــهــا بحنكة وصبر. فعندما نحقق النجاح ليس من الـــبـــد­يـــهـــي أنــــــه ســـيـــدو­م لــــــلأب­ــــــد مـــــــن دون عــمــل ومثابرة... ففي الحياة لا بــد وأن تـواجـهـنـ­ا مـطـبـات علينا تجاوزها بواقعية، المـــهـــ­م أن نــصــل إلـــــى بـر الأمان في النهاية«. قــــد تــــكــــ­ون الـــقـــي­ـــادة فـــــي حـــالـــت­ـــهـــا أســــهـــ­ـل بــكــثــي­ــر مـقـارنـة بـغـيـرهـا مـن الـشـركـات لنفس السبب الــذي تُـكـرره: أن مفاتيحها لا تزال بأيادي أفراد مــن الـعـائـلـ­ة. فـهـذا يـعـنـي أنها تـتـمـتـع بـحـريـة الإبـــــد­اع كـامـلـة من دون تدخلات خارجية على قراراتها، وكل الاستراتيج­يات الــتــي تـعـتـمـده­ـا »مـسـتـقـبـ­لـيـة وبــعــيــ­دة المـــــدى لأنـــنـــ­ا لـسـنـا مـضـطـريـن لإجــــراء تقييمات ربع سنوية لإرضاء المساهمين مثلا«.

لـكـي تــحــافــ­ظ »أوديــمــا­ر بــيــغــي­ــه« عــلــى اسـتـقـلال­ـيـتـهـا فـــإنـــه­ـــا تـــعـــرف جـــيـــدا أنــــــه لا يمكنها الاعتماد على الفنية وحــــدهــ­ــا بــــل يــلــزمــ­هــا أيــضــا أن تـحـقـق الــنــجــ­اح الــتــجــ­اري، وهــو مــا كــان لـهـا حـتـى فــي عز الأزمـــــ­ــــات. فــفــي كـــل مــــرة تـعـلـن عــن نـتـائـجـه­ـا الـسـنـويـ­ة تُـثـلـج الصدور بما تحققه من أربـاح. فــــهــــ­ي تـــنـــمـ­ــو بـــشـــكـ­ــل صـــحـــي، حــســب قــولــهــ­ا. الــفــضــ­ل يـعـود إلـى تصاميم ساعاتها الأنيقة ومـــــــا تــتــضــم­ــنــه مـــــن وظـــائـــ­ف وتـعـقـيـد­ات رائـــدة سـهـر عليها حرفيون ومهندسون مهرة في كــل مـعـامـلـه­ـا المــتــطـ­ـورة. يـعـود أيـــضـــاً إلـــــى اســتــرات­ــيــجــيـ­ـاتــهــا الـذكـيـة الـتـي ابـتـعـدت فيها عن الــتــســ­رع فـــي اتـــخـــا­ذ الــــقـــ­ـرارات والــطــمـ­ـوح الـــزائــ­ـد فـــي تحقيق الأربــاح بـدخـول أســواق جديدة دون دراســــــ­ـة وافــــيــ­ــة. فــالمــوج­ــة الـــتـــي ركـــبـــه­ـــا صـــنـــاع المـــوضــ­ـة والـجـواهـ­ر والـسـاعـا­ت بافتتاح مــــحــــ­لات كـــثـــيـ­ــرة فـــــي الـــصـــي­ن، مـثـلا لــم تـكـن مــوفــقــ­ة. والـدلـيـل أن عــراقــيـ­ـل كــثــيــر­ة واجـهـتـهـ­ا، مــن تـقـنـين الـحـكـومـ­ة الصينية تــقــالــ­يــد مــنــح الـــهـــد­ايـــا، والــتــي كــانــت الــســاعـ­ـات جـــــزءا مـنـهـا، إلـى تباطؤ الاقتصاد الصيني عــــمــــ­ومــــا وتـــــــذ­بـــــــذب الـــعـــم­ـــلات الــعــالم­ــيــة. كــل هـــذا دفـــع الـكـثـيـر مـنـهـم إلـــى الــتــراج­ــع وهـــو يجر ذيــول الـخـيـبـة. أوديــمــا­ر بيغيه في المقابل لم تتسرع ولم تتوسع كثيرا. هنا أيضاً أكدت فلسفتها »الـــجـــب­ـــلـــيــ­ـة« بــــعــــ­دم تـضـخـيــم الأمـور وإعطائها حجما يفوق حجمها الحقيقي وإمكانياته­ا. بالنسبة لجاسمين أوديمار فإن مـا يشهده ســوق الـتـرف حالياً من تباطؤ وتراجع ليس »أزمـة بقدر ما هو تطبيع. فقد شهدت صناعة الترف عموما والساعات خصوصا طـفـرة مفاجئة فيها بعض المبالغة وبالتالي كان من الصعب أن يستمر. فعندما تكبر أي شركة بشكل سريع ومفاجئ لا تـــكـــون الــنــتــ­يــجــة دائــــمــ­ــاً فـي صالحها .«

وتـضـيـف: »وهــنــا أعـــود إلـى الجغرافيا الجبلية وكيف شكلت وعورتها وصعوبة تضاريسها وطــقــســ­هــا شــخــصــي­ــاتــنــا. نـحـن نتسم بالحذر ولا نأخذ أي خطوة قبل التأكد من أنها ستكون على أرض صــلــبــة. عــنــدمــ­ا كــــان الـكـل يــتــســا­بــق لــلــتــو­ســع فــــي الــصــين فـضـلـنـا الــتــريـ­ـث. كـنـا نــعــرف أن الصين سوق صعبة وبلد لا نعرف عن تناقضاته الشيء الكثير. لهذا تعاملنا معه بحذر.«

تماشيا مع هذه الفلسفة فإن أوديمار بيغيه تحرص على عدم إنتاج أكثر من ٤٠ ألف ساعة في الــعــام تـقـريـبـا، كـمـا تــقــول، حتى لا تُــــغــــر­ق الــــســـ­ـوق بـمـنـتـجـ­اتـهـا وتُــفــقــده­ــا تــمــيــز­هــا. فـالـحـسـب­ـة بــالــنــ­ســبــة لــجــاســ­مــين بـسـيـطـة: عندما تكسب الكثير من الأربـاح تــكــون أكــثــر عــرضــة لأن تـخـسـر الكثير أيضاً.

 ??  ?? جاسمين أوديمار
جاسمين أوديمار
 ??  ?? ساعة نسائية مرصعة بالماس والزفير من قسمها الخاص بالساعات الرفيعة ساعة »رويال أوك إكسترا ثين«
ساعة نسائية مرصعة بالماس والزفير من قسمها الخاص بالساعات الرفيعة ساعة »رويال أوك إكسترا ثين«
 ??  ?? الفنية في التصميم والتقنيات العالية وطرق تركيب كل مكون مصادر فخر للدار
الفنية في التصميم والتقنيات العالية وطرق تركيب كل مكون مصادر فخر للدار
 ??  ?? منذ ٢٠١٣ والدار تستعرض خبراتها وفنيتها في معرض »فن - بازل« الأخير
منذ ٢٠١٣ والدار تستعرض خبراتها وفنيتها في معرض »فن - بازل« الأخير
 ??  ??
 ??  ?? ساعة »غراند كومبلكايشن رويال أوك أوفشور كرونوغراف«
ساعة »غراند كومبلكايشن رويال أوك أوفشور كرونوغراف«
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia