Asharq Al-Awsat Saudi Edition

أفلام العيد... انتصار مدو لأحمد السقا وخسارة مخزية لمحمد رمضان

بين »هروب اضطراري« و»جواب اعتقال«

- القاهرة: طارق الشناوي

تــــــداف­ــــــع الآلاف فــــــي الــــقـــ­ـاهــــرة والمحافظات وعدد من الدول العربية لمشاهدة أفلام العيد الخمسة »هروب اضــــــــ­طــــــــر­اري« و»جـــــــــ­ـــواب اعـــتـــق­ـــال« »و»تـصـبـح عـلـى خـيـر« و»عـنـتـر ابـن ابـن ابـن شــداد« و»الأصـلـيـي­ن«، حيث حققت هذه الأفـلام في أول الأيـام في شباك التذاكر أرقـامـا غير مسبوقة. كــان صـاحـب الـنـصـيـب الأكــبــر منها هـــو »هـــــــرو­ب اضـــــطــ­ـــراري« يـتـصـدر الأفيش أحمد السقا، إلا أنـه لم يقف مـــنـــفـ­ــردا، كـــــان مــعــه عـــــدد كــبــيــر مـن الـنـجـوم وضــيــوف الــشــرف وبـيـنـهـم نـجـم مـــاراثــ­ـون رمــضــان فــي الــدرامــ­ا أمـــيـــر كــــــــر­ارة الــــــذي خـــــرج مـنـتـصـرا وحـــظـــي بــجــمــا­هــيــريــ­ة طـــاغـــي­ـــة مـن مسلسل »كلبش«، وأيضا هناك غادة عادل وفتحي عبد الوهاب ومصطفى خاطر ودينا الشربيني ثم يأتي أحمد حـلـمـي فــي الـلـقـطـة الأخــيــر­ة لمـفـاجـأة الجمهور.

بينما على الـجـانـب الآخــر جاء فـي المـركــز الـثـانـي ومــرشــح بـقـوة أن يهبط للثالث النجم محمد رمضان بفيلم »جـــواب اعــتــقــ­ال«، رمــضــان لا يــشــاركـ­ـه نـــجـــوم شـــبـــاك ولـــكـــن مـعـه مـمـثـلـون مـوهـبـون مـثـل إيـــاد نـصـار ودينا الشربيني وسيد رجب والراحل أحمد راتب في آخر إطلالة سينمائية لـــــه، الأفــــــ­ــلام الــخــمــ­ســة تــســتــح­ــق أن نتوقف عندها تفصيليا، ولكن لأن هناك مباراة قمة تشبه في كرة القدم الأهلي والزمالك بين رمضان والسقا سنكتفي هذه المرة بصراع القمة.

لـو تتبعنا أحمد السقا سنجد أنه فقد مؤخرا الكثير من مواصفات نجم الحركة مثلا لياقته البدنية لم تعد في الذروة، بل صار الأمر يحمل قــدرا مـن الـلامـصـد­اقـيـة بسبب شيء من الترهل أصاب جسده في الأعوام الأخيرة، وفي المرات القليلة التي واجه فيها الـصـراع المباشر أمـام الكاميرا مع أمير كرارة، كان يبدو ظاهريا أن أمير هو الأجدر بالفوز عليه رغم أنه درامــيــا يـجـب أن يـنـتـصـر الـسـقـا في نهاية المعركة.

إنــــنـــ­ـا بــصــدد مــــــعــ­ــــادلـــ­ـــة رقـــمـــي­ـــة طــــــــر­فــــــــا­هــــــــا، نـــجـــم جــــــــا­ذب لــلــجــم­ــهــور مـــــحـــ­ــمـــــد رمــــــضـ­ـــــان وصــــــــ­ــل إلــــــــ­ــى أعـــلـــى مــــــراح­ــــــل الــــتـــ­ـواصــــل الــجــمــ­اهــيــري، ولـكـن المـــــــ­ــــأزق أن الـــشـــر­يـــط الـــســـي­ـــنـــمــ­ـائـــي طــــــارد للجمهور، بينما على الـعـكـس تـجـد أن أحمد الـــســـق­ـــا لا يـــعـــيـ­ــش فـي الــســنــ­وات الأخـــيــ­ـرة فـي ذروة الوهج الجماهيري الــذي عايشناه معه قبل ١٧ عاما.

لـــــــم يـــــعـــ­ــد الـــســـق­ـــا يـقـف بـمـفـرده عـلـى القمة، الـــتـــه­ـــديـــد الــحــقــ­يــقــي فـي تلك الـدائـرة جـاء مـع بـزوغ نـجـومـيـة رمـــضـــا­ن، ولــهــذا يبدو الصراع بينهما حتميا لا يمكن إنكاره.

فــي فـيـلـم »هـــــروب اضـــطـــر­اري« نــحــن أمـــــام مــخــرج فـــي أول تـجـربـة سـيـنـمـائ­ـيـة لــه أحــمــد خــالــد مـوسـي نكتشف أنه يجيد الحرفة في تقديم شــريــط سـيـنـمـائ­ـي جـــــاذب ومـشـبـع فنيا وهـي حقيقة لا يمكن التشكيك فيها، ويبدو أن الإنتاج حرص على تـوفـيـر كـل الإمـكـانـ­يـات لتقديم فيلم جاذب على المستوى الشكلي وهكذا وجدنا أمامنا ٥ نجوم يتصارعون، وفي لقطة النهاية نرى أحمد حلمي كذروة ضيوف الشرف.

الفيلم للوهلة الأولى يبدو وكأنه درامــيــا يــديــن جــهــاز الـشـرطـة حيث يقبض عنوة في البداية، على الأربعة السقا وكرارة وغادة عادل ومصطفى خـــاطـــر، بـتـهـمـة الــقــتــ­ل ثـــم تـتـكـشـف الحقائق بأنه كـان يلاعب جمهوره، اكـــتـــش­ـــاف بـــــــرا­ءة الـــشـــر­طـــة، أحــالــت السيناريو إلـى لغز متواضع فكريا لا يـقـوى عـلـى الـصـمـود، ولـكـن الـذي حـدث هو أن الجمهور هنا لا يعنيه

عمق السيناريو الذي لم يحلل لنا الشخصيات الرئيسية ولا دوافعها اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا بل قدمها مباشرة بلا عمق، يبدو أنه عزف على موجة الجمهور المـتـعـطـ­ش لسينما »الأكـــشــ­ـن«، فهو عمل فني مصنوع على موجة الناس، ووفقا لرغبات الجمهور، ترك المخرج لممثليه أن يضيفوا تفصيلة أو لزمة للشخصية، وهكذا مثلا قـدم فتحي عــبــد الــــوهــ­ــاب شـخـصـيـة الــضــابـ­ـط بخفة ظل، ولكن كلها تظل إضافات للممثل، ولا علاقة لها بحالة الفيلم ولا دوافـــع الشخصية وكــأن فتحي يقول للجمهور نحن هنا.

عــلــى الـــجـــا­نـــب الآخــــــ­ــر، مـحـمـد رمـــضـــا­ن مـــن الـــواضــ­ـح أنـــه حـريـص على أن يبحث عن دائرة أخرى بعيدا عن »عبده موتة« ولكنه يهرب منها إليها، لقد أوقعه المخرج محمد سامي فـي حـبـائـل سـيـنـاريـ­و رديء الصنع لأنـه يتعرض لقضية شائكة فكريا وعقائديا وهو غير مهيأ لها، قدمها وكأنه بصدد فيلم »عسكر وحرامية«، عندما نتوقف أمــام تلك الجماعات المــــــس­ــــــلـــ­ـــحــــــ­ة، يـــجـــب أن يـــدرس الـكـاتـب والمــخــر­ج المـوقـف الـفـكـري والــعــقـ­ـائــدي قـبـل أن يـشـرع في التنفيذ، رمضان لا يجيد القدرة على الاختيار الصحيح، من الواضح أنه يستسلم للآخرين، ربما عن ثقة مطلقة فـي إخـلاصـهـم أو كـفـاءتـهـ­م، يجب أن نذكر أن فيلم »جواب اعتقال « اقـتـحـم منطقة شـائـكـة نـظـريـا وهـي فكر الجماعات الإسلامية التي ترفع السلاح وتغتال الناس وتكره الحياة، وكــان رمـضـان يمثل فـي تلك اللعبة الجانب المسلح في الجماعة، فهو كما وصفوه في السيناريو وزير الدفاع فـي هـذا الفصيل الـدمـوي، لـم نعرف سوى أن والده كان يعمل خادما في المسجد هو الذي يحافظ على أحذية المصلين ويسلمها لهم وهم يغادرون المسجد، بينما ابنه محمد رمضان والذي شاهدناه في البداية وهو طفل يرفض أن يمارس والـده تلك المهنة، ويكبر ويكمل تعليمه وينضم إلى الـجـمـاعـ­ة مــن أجـــل المــبــال­ــغ الـطـائـلـ­ة الـتـي يـرصـدونـه­ـا وأيـضـا لقناعاته بتلك الأفكار المغلوطة. يـبـدو أن الرقابة اســــــــ­ــتـــــــ­ـــشــــــ­ــــعـــــ­ـــــرت شـــيـــئـ­ــا قــــــد يـــســـاء تفسيره ويتعاطف الــــــــ­جــــــــم­ــــــــهـ­ـــــــور مــــع رمــضــان الإرهــابـ­ـي، فــــتــــ­م الـــتـــغ­ـــيـــيــ­ـر فــي مـــــشـــ­ــاهـــــد كــــثــــ­ـيــــرة، وإعـــــــ­ـــــادة الــتــصــ­ويــر لـلـكـثـيـ­ر مــن المـشـاهـد ليصبح الأمر على هذا الــنــحــ­و، صـــــراع داخـــل الـجـمـاعـ­ات الإرهــابـ­ـيــة بـين جناح يـقـوده سيد رجــــــــ­ـــب يــــنــــ­شــــق عــلــيــه مــحــمــد رمــــضـــ­ـان، وهــو يـتـلـقـى أوامـــــر­ه مــن قـائـد للمجموعة في لبنان. السيناريو بلا منطق فكري ولا فني ولا تستطيع ســـــوى أن تـــــرى الـتـنـظـي­ـم المـسـلـح هــو الـــذي يـحـرص على أن يفضح نفسه بنفسه وقياداته وبأسلوب مباشر تعترف درامـيـا أنها تعمل كـل شيء مـن أجــل تحقيق المـــال، مـن الـواضـح أن الـرقـابـة المـصـريـة تـراجـعـت كثيرا قبل المـوافـقـ­ة على الـعـرض، وأصبح أمـام صُناع الفيلم حل وحيد إما أن يذعنوا لإرادتها أو يتعثر المشروع، فــكــان كـــل شــــيء مــصــنــو­ع بـسـذاجـة فكرية وسينمائية، وهكذا لم تصل الإيرادات التي حققها الفيلم في الأيام الأولــى للعيد سـوى إلـى أقـل مـن ٥٠ فـي المـائـة مـمـا حققه الـسـقـا وفيلمه »هروب اضطراري« وأظن أن إيرادات رمــضــان ســـوف تــتــضــا­ءل أكــثــر في الأيــام الـقـادمـة، وربـمـا يهبط بسبب ضعف مستوى الفيلم للمركز الثالث بعد »تصبح على خير« بطولة تامر حسني. هـــــل هـــــو فــــــــا­رق بـــــين نــجــومــ­يــة السقا ومحمد رمضان؟ في الحقيقة المعادلة على هذا النحو لا تستقيم، لا يمكن عزل كل العناصر الفنية في الفيلمين، ليصبح الأمر قاصرا على مقارنة بين النجمين، لا شك أن أحمد السقا أكثر ذكاء حتى في التعامل مع قانون الزمن، فهو يعلم أنه يجب أن يحيط وجوده بمجموعة من النجوم القادرين على الجذب ولا يقف وحيدا فـي »الــكــادر«، وأيـضـا مـنـح الفرصة لمخرج مـوهـوب فـي الأكـشـن، فـي أول تجربة له أحمد خالد موسي، صحيح أنـه وافـق في النهاية على سيناريو مـتـواضـع ولـكـن هـذا يـدخـل فـي إطـار قدرته على قراءة جمهوره، لأن الفيلم على موجة هذا الجمهور تماما، الذي لن يتوقف كثيرا أمام المنطق الدرامي فهو يريد كشف اللغز ومتابعة أبطاله في مشاهد الأكشن التي تم تنفيذها بدرجة حرفية عالية.

الــــذكــ­ــاء الــفــنــ­ي يــحــمــي الـنـجـم ويـــضـــي­ـــف إلــــــى عــــمــــ­ره عـــلـــى الــقــمــ­ة سنوات قادمة، بينما محمد رمضان لم يستطع أن يحدد خطوته التالية سينمائيا بـعـد »عـبـده مـوتـة« الـذي قدمه قبل نحو خمس سـنـوات، فهو لم يستطع أن يتخطى النجاح الرقمي لعبده موتة، ولا أن يبتعد عن الدائرة التي وجـد نفسه مقيدا داخلها، في أفلام مثل »قلب الأسد « و»شد أجزاء « بشكل أو بآخر تنويعة على الفكرة نفسها، حتى لو لعب في »شد أجزاء « دور ضـابـط فـهـو فـي الـنـهـايـ­ة يخلع البدلة »الميري« ويبدأ رحلة الانتقام، مـثـلـمـا يــتــرك وظـيـفـتـه المــرمــو­قــة في »جــــواب اعــتــقــ­ال« لـيـنـضـم للجماعة المسلحة.

رمضان أراه حقيقة نجما جاذبا ومـــؤثـــ­را ومــوهــوب­ــا أيــضــا كـمـمـثـل، ولكنه يخفق في الاختيار ولن ينقذه في الحقيقة إلا أن يعيد النظر مرة أخـــرى فــي الـسـيـنـم­ـا الـتـي يتحمس إليها، من الظلم أن نعتبر المعركة فقط مقارنة بين نجمين خرج منها السقا مكللا بالانتصار بينما رمضان صار مكللا بعار الهزيمة، إنها مقارنة بين شريطين سينمائيين الأول »هـروب اضطراري « جاذب للجمهور والثاني »جواب اعتقال« طارد للجمهور، إلا أن مـــا حــــدث هـــو أن الـــنـــا­س ســوف تـحـسـبـهـ­ا انــتــصــ­ارا مــدويــا للسقا وخسارة مخزية لرمضان!!.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia