Asharq Al-Awsat Saudi Edition

كارافانو: علاقة أميركا مع قطر انعكاس لعلاقتها مع باكستان

نائب رئيس مؤسسة »هيريتاج« الأميركية قال لـ إن الجسر إلى المتوسط »لن يقوم إلا في عقول الإيرانيين«

- لندن: هدى الحسيني

العراق سيبقى موحداً وكذلك ليبيا أما في سوريا فهناك »بلقنة«... ولن نضيع وقتنا في البحث عن طريقة لتغيير النظام في دمشق تواصل تيلرسون مع القطريين والخليجيين يظهر مدى جديتنا ورغبتنا في أن نكون شريكاً جيداً لعدد من دول المنطقة الاستقرار في الشرق الأوسط أولوية استراتيجية لإدارة ترمب... والنفوذ الروسي في المنطقة سيبقى محصوراً حيث هو الآن نتطلع إلى نظام دفاع صاروخي متكامل في دول الخليج يشكل جزءاً من الردع في وجه التمدد الإيراني... وأميركا باقية بقوة في العراق

جيمس كارافانو، نائب رئيس مؤسسة »هيريتاج« القريبة من الرئيس دونالد ترمب، والمسؤول عن قسمي الـدفـاع والـسـيـاس­ـة الـخـارجـي­ـة فيها، هـو مــؤرخ وكاتب وباحث. خلال الحملة الانتخابية الرئاسية كان يضع »المرشح« ترمب في جو الأحداث السياسية والعسكرية، وأسـهـم فـي تنظيم برنامج الـسـفـراء الأميركيين الذين شاركوا في مؤتمر الحزب الجمهوري. عمل في فريق الرئيس ترمب الانتقالي، وأغـلـب مـن يعمل معهم الآن هم في الإدارة الأميركية، ويلتقي زعماء أجانب ووزراء وسـفـراء ليفهم كيف ينظر الـنـاس والـــدول إلـى الإدارة الأميركية.

في حديثه الأول إلى الصحافة العربية، شرح كارافانو لـ »الشرق الأوسط« أولويات السياسة الخارجية الأميركية. إنها ثـلاث أولـويـات و»نـصـف«: أمـن أوروبــا، الاستقرار والسلام في الشرق الأوسـط، تجنب حرب عالمية ثالثة بسبب كوريا الشمالية. أمـا النصف فهو أمـن الحدود الأميركية. قال كارافانو إن بلاده لن تعود إلى الحوار المباشر مع كوريا الشمالية، وهمها »نزع الأعلام السوداء من الموصل والرقة، وماذا نفعل مع إيـران«. وأوضح أن أميركا لا تحاول عزل قطر، بل ترغب في تماسك أكثر حول أمن دول الخليج وسياستها »إذا كانت جادة وتريد تخفيف جهود إيران في زعزعة المنطقة«.

وعن علاقة أميركا بدول الخليج أكد »أننا لا نحاول الـسـيـطـر­ة عـلـى المـنـطـقـ­ة. نـحـن شــركــاء نـريـد منطقة أكثر استقراراً«. واعترف بمسؤولية أميركا عن عدم الاستقرار في المنطقة، لكنه اعتبر أن القوة التي تشعر بها إيران بعد معركة الموصل »وهم كبير«. وشدد على أن الولايات المتحدة »ستبقى وبقوة« في العراق، ولن تسمح بـأن يصبح دولـة تابعة لإيــران. وبالنسبة إلى الجسر الـذي تفكر إيـران في إقامته كي تتمدد حتى المتوسط، قال كارافانو إن »أميركا لن تقف متفرجة، ولا تـركـيـا، ولا إسـرائـيـل ولا الــعــرب«. وأشـــار إلــى أن مـا يهم أميركا فـي سـوريـا هـو توفير الاسـتـقـر­ار في العراق، والأمـن لـلأردن، وهزيمة »داعـش« و»القاعدة«. ورأى سيناريو بلقنة في سوريا، وعراقاً موحداً وليبيا كذلك. وهنا نص الحوار:

> يواجه الرئيس دونالد ترمب أزمــــتــ­ــين فــــي الــخــلــ­يــج وفـــــي كــوريــا الشمالية. لأيهما الأولـويـة، مع العلم أنــه يــتــردد فــي بـريـطـانـ­يـا أن كـوريـا الشمالية قد تبدأ حرباً عالمية ثالثة؟

- بــكــل وضـــــــو­ح. الأولــــو­يــــة لــــــــد­ى الإدارة هــــــي مــــوضـــ­ـوع الـسـلام والاســتــ­قــرار فـي الـشـرق الأوسـط. في الواقع هناك ثلاث أولــويــا­ت ونـصـف لــدى الإدارة. واحـــدة: الاسـتـقـر­ار فـي أوروبـــا، الـثـانـيـ­ة: الاســتــق­ــرار فــي الـشـرق الأوســـــ­ط، والـثـالـث­ـة: الاسـتـقـر­ار في آسيا. أما النصف فهو الأمن عـلـى الــحــدود الأمـيـركـ­يـة، وهـذا مـرتـبـط بـالأمـن والاسـتـقـ­رار في أميركا الجنوبية. مـن الواضح لدي أن الأولوية هي للاستقرار فــي الــشــرق الأوســـــ­ط، وتـتـطـلـب التعامل مع الخطر المزدوج الذي يهدد المنطقة، أي إيران ونفوذها المـــزعــ­ـزع، والــتــطـ­ـرف الإســلامـ­ـي المتمثل خصوصاً فـي »داعـش« و»القاعدة«.

وعـــــنــ­ـــدمـــــ­ا أقــــــــ­ـــول هـــــــــ­ــذا، لا أقـصـد فـقـط الـجـانـب العسكري مـــن خــطــر ورد فــعــل. تـتـعـرض الإدارة إلــى انـتـقـاد بـأنـهـا تركز على القوة العسكرية، وهذا غير صـحـيـح. إنـهـا تـــدرك أن الأمــور مــتــداخـ­ـلــة. الاســـتــ­ـقـــرار يـتـطـلـب وضـع الـلاجـئـي­ن، تحريك النمو الاقــــتـ­ـــصــــاد­ي، دعـــــم الـــحـــر­كـــات الإصــلاحـ­ـيــة، كـمـا تـــدرك الإدارة أهــمــيــ­ة الــتــعــ­اون بــين حـلـفـائـن­ـا فـي المنطقة، وتـــدرك أن التوجه يــجــب ألا يــكــون دولـــيـــ­اً بـــل بين الـشـركـاء. وضـمـن هــذا التوجه، فإن الشرق الأوسط هو الأفضلية الاستراتيج­ية للإدارة.

بــــالـــ­ـنــــســـ­ـبــــة إلــــــــ­ـــى كـــــوريـ­ــــا الـشـمـالـ­يـة، فـــإن مــوقــف الإدارة هـــــو رد فـــعـــل عـــلـــى الـــتـــج­ـــارب الصاروخية الاستفزازي­ة. لكن، لا تنظري إلـى كـوريـا الشمالية وكــــأن الــحــرب الـعـالمـي­ـة الـثـالـثـ­ة عــلــى وشــــك الــــوقــ­ــوع. يــجــب أن نكون واضحين حول ذلك. لا أحد يعتقد أننا في الطريق إلى أزمة عسكرية، لأن لا أحد من اللاعبين في هذه الأزمة له مصلحة في بدء حـرب. كوريا الشمالية لا تريد، فسياستها قائمة على حماية الــنــظــ­ام، وإذا بــــدأت حــربــاً فـإن الشيء الوحيد الـذي سنضمنه هو أن النظام سيختفي في ليلة واحــدة. أيضاً كـوريـا الجنوبية لــن تـبـدأ حــربــاً، لأنـهـا ستتكبد ضحايا جمة، والـصـين لا تريد حرباً، لأنها إذا فعلت، فإن عليها أن تتعامل مع كل اللاجئين الذين سيتدفقون من كوريا الشمالية، وكذلك لا تريد الولايات المتحدة إشــعــال حـــرب. لـنـا مصلحتان، أولاً ألا تقع الـحـرب، وثـانـيـاً ألا تـمـلـك كــوريــا الـشـمـالـ­يـة الــقــدرة عـلـى تـهـديـد الـــولايـ­ــات المـتـحـدة مــبــاشــ­رة بـــالـــس­ـــلاح، ويـمـكـنـن­ـا أن نـفـعـل أشــيــاء أخــــرى كـثـيـرة مـن دون أن نشعل حـربـاً عالمية ثــالــثــ­ة، أو نــتــفــا­وض مــبــاشــ­رة مـع الـكـوريـي­ن الشماليين. لهذا، وبـسـبـب الأعــمــا­ل الاسـتـفـز­ازيـة، كان على الإدارة أن تحرك القرار الـــســـي­ـــاســـي وعــــلـــ­ـى أجــنــدتـ­ـهــا وضــع اسـتـراتـي­ـجـيـة »الاحــتــو­اء القاسي«، من ردع نووي، ودفاع صـــاروخــ­ـي، وردع تـقـلـيـدي مع كــــوريــ­ــا الــجــنــ­وبــيــة والـــيـــ­ابـــان، ومــــقـــ­ـاطــــعــ­ــة قـــــويــ­ـــة مــــــع رفــــض التفاوض. لن نعود إلـى طاولة المــفــاو­ضــات حـتـى تــقــدم كـوريـا الـشـمـالـ­يـة عـلـى اتـخـاذ خـطـوات عــمــيــق­ــة بـــاتـــج­ـــاه الـــتـــج­ـــرد مـن السلاح النووي، وكلنا نعرف أن كوريا الشمالية لن تفعل هذا.

لـهـذا، فـإن التركيز الآن هو عـلـى تـقـويـة الــســلام فــي الـشـرق الأوســـط وتـثـبـيـت­ـه، ويــدخــل في إطــار ذلـك نـزع الأعــلام الـسـوداء (لـتـنـظـيـ­م داعـــــش) مـــن المــوصــل والرقة، وماذا نفعل مع إيران.

> بعد ٨ سنوات من حكم باراك أوبـامـا ومـن تخفيض أميركا درجة الـتـحـالـ­فـات التقليدية لـصـالـح إعــادة التقارب مـع إيــران، هـل يمكن للدول الـعـربـيـ­ة، خـصـوصـاً الـخـلـيـج­ـيـة، أن تصدق أن الإدارة الجديدة عادت إلى المسار الصحيح؟

- بكل تأكيد. ما يفاجئني أن الناس ينتقدون الرئيس ترمب، فـــي حـــين أن ســيــاســ­تــه الــشــرق أوسطية تقليدية جداً أكثر مما كانت سياسة أوباما. في الواقع سياسة ترمب تركز على القضاء عــلــى خــطــر الإرهـــــ­ـــاب الـــدولــ­ـي، وأيــضــاً وقـــف مـــحـــاو­لات إيـــران زعزعة المنطقة، وهذا مؤكد.

> كــيــف يـمـكـن لـــــــلإ­دارة وقــف تـدخـلات إيــران، سـواء العسكرية أو عبر ميليشياتها المحلية فـي العالم العربي؟

- هذا هو الهدف الرئيسي. أما كيف سيتحقق ذلك، فسيكون عـبـر مـزيـج مـن آلـيـات مـتـعـددة، والعمل بشراكة مع دول أخرى. ســيــكــو­ن هـــنـــاك الــتــركـ­ـيــز عـلـى النشاطات المالية غير الشرعية، وجـــــهــ­ـــود مـــضـــاع­ـــفـــة لمـــحـــا­ربـــة تــهــريــ­ب الأســلــح­ــة. وأعــتــقـ­ـد أن الإدارة ستحدد الـفـوائـد المالية الــتــي سـتـحـصـل عـلـيـهـا إيــــران بسبب الاتـفـاق الـنـووي، بحيث لا تتدفق الأمــوال على إيـران ثم يعود تحويلها لتمويل »حزب الــلــه« فــي لـبـنـان و»الـحـوثـيـ­ين« في اليمن، وستعمل الإدارة مع دول أخــرى مثل الأردن، وتعيد النشاط إلى العلاقة الإسرائيلي­ة - المصرية كي تستعيد المنطقة ثقتها، وهي تتعامل مع إيـران، وبالطبع عبر صفقات الأسلحة. لـــكـــن لـــــن يــقــتــص­ــر الأمــــــ­ــر عـلـى الـسـلاح، بـل على النمو والدعم السياسي والاقتصادي للأطراف فــي المـنـطـقـ­ة، ومــن هــذه النقطة تـبـرز أهـمـيـة الــصــراع مــع قطر. فـي نـهـايـة الأمـــر، فــإن الـولايـات المــتــحـ­ـدة لا تـــحـــاو­ل عــــزل قـطـر، ولا تـــحـــاو­ل جـعـلـهـا دولـــــة أقــل مـن قيمتها، بـل يجب أن يكون هــنــاك تــمــاســ­ك أكــثــر حـــول أمــن دول الـخـلـيـج وسـيـاسـتـ­هـا، إذا كانت جادة وتريد أن تنجح في تخفيف جهود إيران في زعزعة المنطقة، وفي الوقت نفسه تواجه الإرهاب الدولي.

> وقع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مـذكـرة تفاهم مع قــطــر لمـــحـــا­ربـــة الإرهـــــ­ـــــاب. هــــل هــذا يساعد؟

- الــــدلــ­ــيــــل فـــــي الــتــطــ­بــيــق، وعلينا أن نرى. علاقة الولايات المـتـحـدة مــع قـطـر هــي انـعـكـاس لــعــلاقـ­ـتــنــا مــــع بـــاكـــس­ـــتـــان. مـع باكستان لدينا مـن جهة علاقة اسـتـراتـي­ـجـيـة مـهـمـة جــــداً، لكن هـنـاك عـنـاصـر داخـــل بـاكـسـتـا­ن وداخــــــ­ــل المـــؤســ­ـســـة الــعــســ­كــريــة تعمل، ليس فقط ضـد المصالح الأمــيــر­كــيــة، إنــمــا ضــد مـصـالـح باكستان. نسمي هذا هنا »الحب الـصـعـب«. الـولايـات المتحدة لن تـتـوقـف عــن إقــامــة عــلاقــات مع بـاكـسـتـا­ن، وسـنـكـون واضـحـين فـيـمـا نـخـتـلـف حــولــه، ونضغط عـلـيـهـم لــلــقــي­ــام بـــأمـــو­ر، لـيـسـت فقط جيدة لنا، إنما لباكستان أيضاً. وفي النهاية هذا يساعد الأطــــــ­ـــــراف كـــلـــهـ­ــا. هــــــذه نـسـخـة مـتـطـابـق­ـة لــنــوع الــعــلاق­ــة الـتـي تربطنا بقطر. سنكون واضحين ومــســتــ­قــيــمــي­ن بـــالـــن­ـــســـبــ­ـة إلـــى الاخـتـلاف فيما بيننا وبينهم، وأعــتــقـ­ـد أن الاســتــق­ــامــة تسمح لــنــا بـــأن نــواجــهـ­ـهــم. سنضغط عــلــى الــقــطــ­ريــين لــلــقــي­ــام، لـيـس فقط بما هو من مصلحة أميركا والسعودية والبحرين، بـل بما يصب فـي النهاية فـي مصلحة قـــطـــر. وهـــــــذ­ا حـــســـب اعـــتـــق­ـــادي سيتطلب اسـتـمـرار الاتـصـالا­ت. في بعض الأيام سيبتسم بعضنا لبعض، وفي أيام أخرى سنكون مـتـوتـريـ­ن مــن بـعـضـنـا بـعـضـاً، لـكـن سـنـظـل نــراقــب، وسنحمل الناس مسؤولية ما قالوا إنهم ســيــقــو­مــون بــــه، لأنــــه غــالــبــ­اً مـا تسمع الولايات المتحدة من الدول أننا سنفعل هذا أو ذاك، وغالباً لا تلاحق الـولايـات المتحدة هذا الالـــتــ­ـزام. سـنـبـقـى عـلـى تـواصـل مـع قطر، ومـجـرد قـول الـولايـات المتحدة إنها ستستثمر في هذا الـنـوع مـن الـعـلاقـة، يظهر عمق التزامنا بالمنطقة.

لــقــد كـــــان مـــن الــســهــ­ل عـلـى وزير الخارجية السفر فقط إلى إسرائيل، حيث يمكننا الاتفاق على أي شـيء، لكن أن يتواصل مع قطر ودول الخليج فهذا يظهر جديتنا، واستعدادنا لاستثمار الــوقــت فــي هــذه الــعــلاق­ــات. ومـا أحـب أن أوضحه أننا لا نحاول السيطرة على المنطقة، ثـم إننا لسنا الـضـامـنـ­ين لأمــن المنطقة، نحن شـركـاء لـدول تريد منطقة أكثر استقراراً، حيث يمكن توفير فــرص العمل للناس وأن يكون لهم مستقبل. إننا لا نقوم بهذا لأننا أناس طيبون، بل لأن وجود شرق أوسط يغمره السلام أفضل للولايات المتحدة.

> هـــل تـعـتـقـد أن الأمــيــر­كــيــين سينظرون إلى دولة أخرى في الخليج لإقـامـة قـاعـدة عسكرية إضـافـة إلـى قاعدة العديد في قطر؟

- لا أعرف، فهذا قوله أسهل من تطبيقه، لأن تنويع القواعد العسكرية الأميركية وتوسيعها أمـر صـعـب، وبالتأكيد لا يمكن القيام به على مدى قصير. لدينا القاعدة في قطر، والأسطول في البحرين.

> بـغـزو الــعــراق، قــدم العجز أو عــدم التخطيط الأمـيـركـ­ي بـغـداد إلى إيــــران، وأدت سـيـاسـة أمـيـركـا تجاه سـوريـا إلـى كـارثـة جيو - سياسية، إذ نرى أن إيران تتطلع إلى أن تحكم غالبية سنية هناك. نعرف أنه لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لكن هــل يـمـكـن إعـــــادة إيـــــران إلـــى داخــل حدودها؟

- نـــــعـــ­ــم. جــــزئـــ­ـيــــاً نــتــحــم­ــل المــــســ­ــؤولــــي­ــــة. ارتـــكـــ­بـــنـــا بـعـض الأخــطــا­ء الاسـتـرات­ـيـجـيـة، منها قـرارنـا عــام ٢٠١١ بـالانـسـح­ـاب. أعــتــرف أنــنــا أسـهـمـنـا فــي عـدم الاسـتـقـر­ار فـي الـبـلاد. ولا نقوم بتصحيح الأوضاع لأنها سيئة في المنطقة، بل لأن من مصلحتنا السلام في المنطقة. كيف سنفعل ذلـك؟ كما قلت، سنكون شريكاً جيداً لعدد من الدول في المنطقة حيث يجمعنا هدف مشترك.

> الآن بــعــد المــــوصـ­ـــل، يـشـعـر الإيرانيون بالقوة، ويعتقدون أنه بعد هزيمة »داعش«، فإن كل الطرق فتحت أمامهم... - هذا وهم كبير. > هـــل سـيـسـمـح الأمــيــر­كــيــون بذلك؟

- كـلا. أعتقد أن هـذه كارثة، وتــعــنــ­ي أنــنــا نـسـتـبـدل مشكلة بأخرى. أؤكد أن الولايات المتحدة ستبقى وبقوة في العراق، لأننا نريد عراقاً مستقراً، لكن التفكير بـأنـنـا سـنـطّـهـر كــل المـنـاطـق في الـعـراق مـن النفوذ الإيـرانـي أمر غــيــر واقـــــعـ­ــــي، لــكــن لا يـمـكـنـنـ­ا الـجـلـوس جـانـبـاً والـسـمـاح بـأن يصبح العراق دولة تابعة لإيران، وهـــــــذ­ا يــعــنــي مــــأســـ­ـاة لـلـشـعـب العراقي. لم يتخلصوا من صدام حــســين لـيـحـكـمـ­هـم شــخــص مـا من إيـران. سيكون عامل زعزعة قوية للمنطقة إذا تمتعت إيران بـطـريـق مـمـتـدة مــن الــعــراق إلـى ســـوريـــ­ا، وصــــــول­اً إلــــى الأبـــــو­اب الأمامية للأردن وإسرائيل. أجزم بأن هذا لن يحصل، ولن نسمح له بالحصول. لن أفاجأ بعودة الــوجــود الـعـسـكـر­ي مــجــدداً إلـى الــعــراق، وبـدعـوة مـن العراقيين أنفسهم.

أعـتـقـد أولاً أن الإيــرانـ­ـيــين تــــمــــ­ددوا كــثــيــر­اً. هـــم يــدعــمــ­ون الميليشيات الشيعية، ويدعمون النظام السوري، و»الحوثيين« و»حــــــمــ­ــــاس« و»حـــــــــ­ـزب الــــلـــ­ـه«، لــكــن بــمــجــر­د أن يـــبـــدأ جــفــاف الأمــــــ­ــــــوال الــــتـــ­ـي تـــدفـــق­ـــت عـلـى إيـــران بسبب الاتـفـاق الـنـووي، لـن يـكـون بـمـقـدوره­ـم فـعـل هـذا كله. لم يقدموا على إصلاحات اقـــتـــص­ـــاديـــة، وأغــــلــ­ــب الأمــــــ­وال سـرقـوهـا عـبـر الــفــســ­اد. أعتقد أن الإيـــــر­انـــــيــ­ـــين ســيــكــت­ــشــفــون قــريــبــ­اً أنــهــم مــتــمــد­دون كـثـيـراً وســــــيـ­ـــــواجــ­ــــهـــــ­ـون جـــــــــ­ــــــداراً مــن المعارضة.

سأضرب مثالاً، انظري إلى سـيـاسـة الـهـنـد. تـحـولـت بعيداً عـــن إيــــــرا­ن ّوبـــاتـــ­جـــاه إســرائــي­ــل والدول السنية. لماذا تفعل ذلك؟ لأن الهند تـراهـن على أن إيــران ستكون الخاسر الاستراتيج­ي في المنطقة.

> وهـــــل تـــراهـــ­نـــون أنـــتـــم عـلـى ذلــك؟ الإيـرانـي­ـون يـواصـلـون، حسب اعـتـقـاده­ـم، بـنـاء جسر نحو الشرق الأوســط الـعـربـي. وبعد المـوصـل قال علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعـلـى الإيــرانـ­ـي، إن طـريـق المـقـاومـ­ة السريعة تبدأ من طهران وتمر عبر المــوصــل إلـــى بـــيـــرو­ت، ومـــن ثــم إلـى المتوسط.

- تعرفين كيف ستكون هذه الطريق السريعة؟ ستكون كأن بولونيا تزحف نحو موسكو. الإيـــران­ـــيـــون مـنـكـشـفـ­ون، وهـــذا خطأ كبير يرتكبونه. ولا يمكن الإبـــقــ­ـاء عــلــيــه. قـــد تـنـجـح هــذه الطريق في عقولهم، ولكنها لن تـكـون على الخريطة الحقيقية والواقع. لأن الأميركيين لن يقفوا مــتــفــر­جــين، تــركــيــ­ا لـــن ّ تــتــفــر­ج، وإسرائيل أيضاً والعرب السنة بـالـطـبـع. إنــهــا فــكــرة جـنـونـيـة. يبدو لـي كـأن داريــوس يريد أن يزحف إلى أثينا.

> هل تناقشون هذه التفاصيل في الإدارة؟

- لست الآن في الإدارة، لكن انطلاقاً من عملي مع فريق ترمب الانـتـقـا­لـي ومــن خــلال معرفتي بالأشخاص المسؤولين عن هذه الـقـضـايـ­ا، فـإنـهـم يــدركــون هـذا كله.

> الـبـحـريـ­ة الأمـيـركـ­يـة وصفت أعـمـال السفن الإيـرانـي­ـة بغير الآمنة وغير المحترفة، بعدما وجهت الليزر عـلـى مـروحـيـة أمـيـركـيـ­ة فـي مضيق هـرمـز أخــيــراً. هـل تــرى أي احتمال لمواجهة؟

- قـــــد تــــحــــ­دث مـــواجـــ­هـــة، لكن الاحـتـمـا­لات ضئيلة، لأن هذه المنطقة الإيرانيون فيها مـنـكـشـفـ­ون جــــداً. إذا تــحــدوا فإنهم قـد اخـتـاروا القتال في المكان الخطأ.

> هل تعتقد أن جنوب سوريا قد يتحول إلى نقطة مواجهة أميركية مع الإيرانيين في الشرق الأوسـط، لأننا نرى أن »الحشد الشعبي« يحاول قطع طـريـق الـحـدود بـين سـوريـا والـعـراق ليسمح فقط بالوجود الإيراني هناك؟

- أولاً هــذا الأمـــر صـعـب أن يــتــحــق­ــق. إســـرائــ­ـيـــل لـــن تـسـمـح بذلك، ولا أعتقد أن هذه مواجهة يـــرغـــب فــيــهــا الإيــــرا­نــــيــــ­ون. إذا نـظـر الـعـالـم إلــى مـكـان آخــر، قد تستطيع إيران فعل ما تشاء، لكن فـي الحالة الـراهـنـة لا يستطيع الإيـرانـي­ـون القتال، ولا يريدون بــــدء الـــحـــر­ب الــعــالم­ــيــة الـثـالـثـ­ة. لا أحـــد يــريــدهـ­ـا. ومـــن الـصـعـب عـلـى الإيــرانـ­ـيــين الاعــتــق­ــاد بـأنـه يمكنهم المحافظة على الوضع الـحـالـي. إنـهـم يـضـغـطـون على المصالح الحيوية لحلفاء أميركا فـــي المــنــطـ­ـقــة، وبــــالــ­ــذات الأردن وإسرائيل. لن يقف أحد ويسمح لـهـم بتحقيق استراتيجيت­هم، هذا أمر غير منطقي.

> ما رأيك في فكرة إقامة »ناتو عربي« يضم دول الخليج؟

- أعتقد سيكون من الصعب ضم كل الهندسة العسكرية هناك معاً، والتوصل إلى اتفاق. كل ما تحدثنا عنه لا يجعلنا بحاجة إلى »ناتو« في الشرق الأوسط، فـــالـــو­لايـــات المــتــحـ­ـدة تـسـتـطـيـ­ع أن تـقـوم بـهـذه الالـتـزام­ـات كلها على مستوى العلاقات الثنائية، وهي قامت بها طوال عقود. من الأفـــضــ­ـل عــــدم تـضـيـيـع الــوقــت والجهود لصناعة تحالف أمني. قد يتحقق هذا يوماً، إنما بعد أن تكون هذه التهديدات والأخطار كلها قد زالت.

> افتقار دول مجلس التعاون الـخـلـيـج­ـي إلـــى بـنـيـة دفــــاع إقـلـيـمـي­ـة صاروخية متكاملة يتركها عرضة للتكتيكات الإيرانية، وهذا يؤثر على استقرار الخليج العربي.

- بالنسبة إلـــي، هــذا هـدف نتطلع إلـيـه مـنـذ فـتـرة طـويـلـة. نظام دفـاع صـاروخـي متكامل، وأعتقد أنه يمكن تحقيقه بكلفة معقولة، وهو جزء من الردع في وجـه إيـران. هـذا يمكن التوصل إليه. وآمل مع إدارة ترمب حسب موقفها المعلن، بدء الحوار حول هذا خلال الأشهر المقبلة.

> مـــــاذا يــتــوجــ­ب عــلــى الإدارة الأميركية القيام به للحد من طموحات النظام السوري، وإجباره على احترام اتـفـاقـات وقــف إطـــلاق الــنــار، ووقـف المحاولات الإيرانية والروسية للإبقاء على بشار الأسد في السلطة؟

- الأســــــ­ــــاس هـــــو أن تـبـقـى الولايات المتحدة موجودة على الأرض وتتفاعل مع المنطقة.

> هل بقاء الإدارة متفاعلة في المنطقة أمر مكلف لها؟

- نـحـتـاج إلــى الإبــقــا­ء على قوات عسكرية على الأرض. > أين؟ - بــكــل تــأكــيــ­د فـــي الـــعـــر­اق، وأعـتـقـد أنـنـا سنبقي على عدد ملحوظ من المستشارين، وعلى قـدرات في سـوريـا. حتى الآن لا يـوجـد مـفـهـوم لهيكلية أمـنـيـة، إنما التوجه للإبقاء على نشاط أميركي في سوريا في المستقبل المنظور. > هذه أخبار جيدة... - أعتقد ذلك، لأن ذلك يخفف مـــــن نــــفــــ­وذ إيــــــــ­ــران فـــــي زعـــزعـــ­ة المـنـطـقـ­ة، ويـسـاعـد عـلـى إيـجـاد حــل لـلاجـئـين كــي يـــعـــود­وا إلـى منازلهم، ثم إنه يوفر مساحات لمـــصـــر والأردن لــلــعــم­ــل داخــــل البلدين، خصوصاً اقتصادياً، ويساعد على التخفيف من خطر الإرهاب الدولي.

أعتقد أن مساهمة الولايات المتحدة في القضاء على الإرهاب العابر تؤكد أن هؤلاء الإرهابيين خـــاســـر­ون، ويـمـكـن هـزيـمـتـه­ـم. الهزيمة المهينة الـتـي مُـنـي بها »داعـــش« تـمـت، ليس تحت ظل الــعــلــ­م الأمـــيــ­ـركـــي، بـــل مـــن قـبـل الناس المحليين. لقد قاتل الناس من أجـل بلادهم. هم لا يريدون أمـــثـــا­ل »داعـــــــ­ش«. لــقــد رفـضـهـم الــنــاس. الإرهــــا­ب لـيـس الطريق إلى المستقبل.

> هل تعتقد أن الـروس وجـدوا نداً حقيقياً لهم بالرئيس ترمب؟

- نعم. وأظن أن نفوذهم في المـنـطـقـ­ة مــحــصــو­ر فــي دمــشــق، ولا أعتقد أن بإمكانهم الوصول إلــــى أبـــعـــد مـــن ذلــــــك. لـــن يـكـون بإمكانهم القيام بشيء في ليبيا، وأيضاً لا يمكنهم توفير الفائدة للإيرانيين، إذ بالكاد يمكنهم أن يستفيدوا هم.

> هــل أن نـظـامـاً دولــيــاً بـقـيـادة أمـيـركـا، عـائـد إلــى الـشـرق الأوســط، أو سـنـبـقـى نـــرى تــدخــلات روسـيـة وإيرانية؟

- أعتقد أن الروس متفائلون، يــــــحــ­ــــاولـــ­ـــون مـــــــــ­ـلء مــــســــ­احــــات الــضــعــ­ف. ولا أقـــــول إنــــه نـظـام دولي أميركي، إنما أكثر ملاءمة ووجــــــو­داً مــن المـــاضــ­ـي. المـسـألـة ليست أن الولايات المتحدة تدعم دولاً في الشرق الأوسط، بل إنها تــتــشــا­رك مـــع دول هـــنـــاك. إنـنـا شركاء معهم كي يوفروا أمنهم، لأن فـي هــذا مصلحة مشتركة، وهــــذه الـطـريـقـ­ة أكــثــر اسـتـدامـة على المدى الطويل.

> عــلــى المــــــد­ى الـــطـــو­يـــل، مـــاذا سيكون الموقف الأميركي في سوريا؟

- بـصـدق، الـولايـات المتحدة غــــيــــ­ر مـــهـــتـ­ــمـــة ولا تـــــركــ­ـــز عــلــى ســــوريــ­ــا. الـــــولا­يـــــات المـــتـــ­حـــدة لا تــــســــ­أل عـــــن مــســتــق­ــبــل ســــوريــ­ــا أبــعــد مــن تـوفـيـر الاســتــق­ــرار في العراق، وأمن الأردن أولاً، وثانياً حماية إسـرائـيـل، وثالثاً هزيمة »داعــــــش« و»الـــقـــا­عـــدة«، ورابــعــاً وضـــــع الـــلاجــ­ـئـــين. إن مـسـتـقـبـ­ل ســـوريـــ­ا كــســوريـ­ـا لــيــس بــالأمــر المـهـم لـلـولايـا­ت المـتـحـدة. تهمنا أمور أخرى. صحيح أننا لا نحب الأســـد ونــرغــب فــي رحـيـلـه، لكن لـن نضيع وقتنا لإيـجـاد طريقة لتغيير النظام في دمشق.

> كــيــف تــــرى خــريــطــ­ة الـــعـــر­اق وسوريا وليبيا؟

- إذا أتيح لي التخمين، فإن هناك »بلقنة« لسوريا، كما حدث فـــي يــوغــوسـ­ـلافــيــا بــعــد الــحــرب الـبـاردة. والتقسيم فـي ليبيا لن يحسن الأوضاع. يجب الحل في ليبيا كليبيا، وشخصياً أرى أن الـعـراق كدولة واحـدة أفضل. أنا معجب جداً بكردستان، وأظنها أكثر أمناً في عراق واحد، وليس كدولة مستقلة. أعتقد أن الليبيين يفضلون ليبيا ككل. وكـذلـك في الـــعـــر­اق، لـكـن لا أعـتـقـد أن أحــداً سيشعر بالأمان في سوريا ككل، وهي »ستتبلقن«.

> هـــل هـــــذه نـصـيـحـة لـــلأكـــ­راد العراقيين بعدم السير في الاستفتاء والدعوة إلى الاستقلال؟

- هم سيقومون بالاستفتاء، وسوف يصوتون على التقسيم. المـشـكـلـ­ة أن الـــعـــر­اق دولــــة مهمة استراتيجياً، وإذا بدأنا بتقطيعها فـهـذا يعني أنـهـا ستصبح قطع لحم للذئب. إذا ظل العراق دولة كـــامـــل­ـــة يــصــعــب عـــلـــى الآخـــريـ­ــن ّابـتـلاعـه. وأعتقد أن كـل الأطــراف من سُنة وشيعة وأكراد أكثر أماناً فـي عــراق يصعب عـلـى أي طـرف احتلاله، لأنه بخلاف ذلك، فإن ما سيحدث هو أن كل طرف سيحتاج إلــى حـمـايـة كـي يـعـيـش. الشيعة ّســـيـــدو­رون فــي الـفـلـك الإيـــران­ـــي، والسنة سـيـدورون في فلك دولة أخـرى كـي يستمروا فـي العيش. هـذا مـا يحدث لـدول صغيرة في منطقة جـد مهمة استراتيجياً، إلـــى جـانـب جــيــران أقــويــاء جــداً. لـذلـك فــإن الـعـراق كـدولـة مـوحـدة هو قطعة لحم أكبر من قـدرة أي دولة أخرى على ابتلاعه، ويتيح للعراقيين أن يقرروا مستقبلهم.

> هــل هـنـاك عـلـى الأقـــل تـعـاون وتنسيق بـين وزيــري الـدفـاع جيمس ماتيس والخارجية ريكس تيلرسون ومــســؤول الأمـــن الـقـومـي فــي الإدارة الأميركية هربرت ماكماستر؟

- يعملون معاً بشكل طبيعي ومتفاهمون. ينسقون معاً. إنهم أفـــضـــل مـــن أي فـــريـــق حـكـومـي عرفته منذ زمن دونالد ريغان.

> هل تتحدث السفيرة في الأمم المتحدة نيكي هايلي باسم الرئيس؟

- نـعـم. مـا لا يـدركـه الـنـاس أنــه إذا لــم يـتـكـلـمـ­وا عــن الـشـيء نفسه في الوقت نفسه، فإن ذلك لا يعني أنهم لا يتكلمون بصوت واحــد. لكل واحـد دور مختلف. كــل واحــــد يــؤكــد عـلـى جـــزء من السرد. لا يرددون صدى بعضهم بعضاً. إنهم ليسوا »كورال«.

> مــتــى سـتـنـتـهـ­ي »المــــعــ­ــارك« الداخلية الأميركية؟

- لـن تنتهي. الأمــور حزبية جداً في أميركا. ولن تتغير حتى موعد الانتخابات النصفية العام المقبل. إنها سياسة بشعة جداً، ولـكـن لا تـمـنـع إدارة تـرمـب من أن تـكـون لـهـا سـيـاسـة خارجية نشطة جداً. ولا دليل على أن هذه السياسات الداخلية المتصارعة تستهلك الـرئـيـس. ولــن يـحـدث ذلك.

 ??  ?? جيمس كارافانو ({غيتي})
جيمس كارافانو ({غيتي})

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia