كارافانو: علاقة أميركا مع قطر انعكاس لعلاقتها مع باكستان
نائب رئيس مؤسسة »هيريتاج« الأميركية قال لـ إن الجسر إلى المتوسط »لن يقوم إلا في عقول الإيرانيين«
العراق سيبقى موحداً وكذلك ليبيا أما في سوريا فهناك »بلقنة«... ولن نضيع وقتنا في البحث عن طريقة لتغيير النظام في دمشق تواصل تيلرسون مع القطريين والخليجيين يظهر مدى جديتنا ورغبتنا في أن نكون شريكاً جيداً لعدد من دول المنطقة الاستقرار في الشرق الأوسط أولوية استراتيجية لإدارة ترمب... والنفوذ الروسي في المنطقة سيبقى محصوراً حيث هو الآن نتطلع إلى نظام دفاع صاروخي متكامل في دول الخليج يشكل جزءاً من الردع في وجه التمدد الإيراني... وأميركا باقية بقوة في العراق
جيمس كارافانو، نائب رئيس مؤسسة »هيريتاج« القريبة من الرئيس دونالد ترمب، والمسؤول عن قسمي الـدفـاع والـسـيـاسـة الـخـارجـيـة فيها، هـو مــؤرخ وكاتب وباحث. خلال الحملة الانتخابية الرئاسية كان يضع »المرشح« ترمب في جو الأحداث السياسية والعسكرية، وأسـهـم فـي تنظيم برنامج الـسـفـراء الأميركيين الذين شاركوا في مؤتمر الحزب الجمهوري. عمل في فريق الرئيس ترمب الانتقالي، وأغـلـب مـن يعمل معهم الآن هم في الإدارة الأميركية، ويلتقي زعماء أجانب ووزراء وسـفـراء ليفهم كيف ينظر الـنـاس والـــدول إلـى الإدارة الأميركية.
في حديثه الأول إلى الصحافة العربية، شرح كارافانو لـ »الشرق الأوسط« أولويات السياسة الخارجية الأميركية. إنها ثـلاث أولـويـات و»نـصـف«: أمـن أوروبــا، الاستقرار والسلام في الشرق الأوسـط، تجنب حرب عالمية ثالثة بسبب كوريا الشمالية. أمـا النصف فهو أمـن الحدود الأميركية. قال كارافانو إن بلاده لن تعود إلى الحوار المباشر مع كوريا الشمالية، وهمها »نزع الأعلام السوداء من الموصل والرقة، وماذا نفعل مع إيـران«. وأوضح أن أميركا لا تحاول عزل قطر، بل ترغب في تماسك أكثر حول أمن دول الخليج وسياستها »إذا كانت جادة وتريد تخفيف جهود إيران في زعزعة المنطقة«.
وعن علاقة أميركا بدول الخليج أكد »أننا لا نحاول الـسـيـطـرة عـلـى المـنـطـقـة. نـحـن شــركــاء نـريـد منطقة أكثر استقراراً«. واعترف بمسؤولية أميركا عن عدم الاستقرار في المنطقة، لكنه اعتبر أن القوة التي تشعر بها إيران بعد معركة الموصل »وهم كبير«. وشدد على أن الولايات المتحدة »ستبقى وبقوة« في العراق، ولن تسمح بـأن يصبح دولـة تابعة لإيــران. وبالنسبة إلى الجسر الـذي تفكر إيـران في إقامته كي تتمدد حتى المتوسط، قال كارافانو إن »أميركا لن تقف متفرجة، ولا تـركـيـا، ولا إسـرائـيـل ولا الــعــرب«. وأشـــار إلــى أن مـا يهم أميركا فـي سـوريـا هـو توفير الاسـتـقـرار في العراق، والأمـن لـلأردن، وهزيمة »داعـش« و»القاعدة«. ورأى سيناريو بلقنة في سوريا، وعراقاً موحداً وليبيا كذلك. وهنا نص الحوار:
> يواجه الرئيس دونالد ترمب أزمــــتــــين فــــي الــخــلــيــج وفـــــي كــوريــا الشمالية. لأيهما الأولـويـة، مع العلم أنــه يــتــردد فــي بـريـطـانـيـا أن كـوريـا الشمالية قد تبدأ حرباً عالمية ثالثة؟
- بــكــل وضـــــــوح. الأولــــويــــة لــــــــدى الإدارة هــــــي مــــوضــــوع الـسـلام والاســتــقــرار فـي الـشـرق الأوسـط. في الواقع هناك ثلاث أولــويــات ونـصـف لــدى الإدارة. واحـــدة: الاسـتـقـرار فـي أوروبـــا، الـثـانـيـة: الاســتــقــرار فــي الـشـرق الأوســـــط، والـثـالـثـة: الاسـتـقـرار في آسيا. أما النصف فهو الأمن عـلـى الــحــدود الأمـيـركـيـة، وهـذا مـرتـبـط بـالأمـن والاسـتـقـرار في أميركا الجنوبية. مـن الواضح لدي أن الأولوية هي للاستقرار فــي الــشــرق الأوســـــط، وتـتـطـلـب التعامل مع الخطر المزدوج الذي يهدد المنطقة، أي إيران ونفوذها المـــزعـــزع، والــتــطــرف الإســلامــي المتمثل خصوصاً فـي »داعـش« و»القاعدة«.
وعـــــنـــــدمـــــا أقـــــــــــول هـــــــــــذا، لا أقـصـد فـقـط الـجـانـب العسكري مـــن خــطــر ورد فــعــل. تـتـعـرض الإدارة إلــى انـتـقـاد بـأنـهـا تركز على القوة العسكرية، وهذا غير صـحـيـح. إنـهـا تـــدرك أن الأمــور مــتــداخــلــة. الاســـتـــقـــرار يـتـطـلـب وضـع الـلاجـئـين، تحريك النمو الاقــــتــــصــــادي، دعـــــم الـــحـــركـــات الإصــلاحــيــة، كـمـا تـــدرك الإدارة أهــمــيــة الــتــعــاون بــين حـلـفـائـنـا فـي المنطقة، وتـــدرك أن التوجه يــجــب ألا يــكــون دولـــيـــاً بـــل بين الـشـركـاء. وضـمـن هــذا التوجه، فإن الشرق الأوسط هو الأفضلية الاستراتيجية للإدارة.
بــــالــــنــــســــبــــة إلـــــــــــى كـــــوريـــــا الـشـمـالـيـة، فـــإن مــوقــف الإدارة هـــــو رد فـــعـــل عـــلـــى الـــتـــجـــارب الصاروخية الاستفزازية. لكن، لا تنظري إلـى كـوريـا الشمالية وكــــأن الــحــرب الـعـالمـيـة الـثـالـثـة عــلــى وشــــك الــــوقــــوع. يــجــب أن نكون واضحين حول ذلك. لا أحد يعتقد أننا في الطريق إلى أزمة عسكرية، لأن لا أحد من اللاعبين في هذه الأزمة له مصلحة في بدء حـرب. كوريا الشمالية لا تريد، فسياستها قائمة على حماية الــنــظــام، وإذا بــــدأت حــربــاً فـإن الشيء الوحيد الـذي سنضمنه هو أن النظام سيختفي في ليلة واحــدة. أيضاً كـوريـا الجنوبية لــن تـبـدأ حــربــاً، لأنـهـا ستتكبد ضحايا جمة، والـصـين لا تريد حرباً، لأنها إذا فعلت، فإن عليها أن تتعامل مع كل اللاجئين الذين سيتدفقون من كوريا الشمالية، وكذلك لا تريد الولايات المتحدة إشــعــال حـــرب. لـنـا مصلحتان، أولاً ألا تقع الـحـرب، وثـانـيـاً ألا تـمـلـك كــوريــا الـشـمـالـيـة الــقــدرة عـلـى تـهـديـد الـــولايـــات المـتـحـدة مــبــاشــرة بـــالـــســـلاح، ويـمـكـنـنـا أن نـفـعـل أشــيــاء أخــــرى كـثـيـرة مـن دون أن نشعل حـربـاً عالمية ثــالــثــة، أو نــتــفــاوض مــبــاشــرة مـع الـكـوريـين الشماليين. لهذا، وبـسـبـب الأعــمــال الاسـتـفـزازيـة، كان على الإدارة أن تحرك القرار الـــســـيـــاســـي وعــــلــــى أجــنــدتــهــا وضــع اسـتـراتـيـجـيـة »الاحــتــواء القاسي«، من ردع نووي، ودفاع صـــاروخـــي، وردع تـقـلـيـدي مع كــــوريــــا الــجــنــوبــيــة والـــيـــابـــان، ومــــقــــاطــــعــــة قـــــويـــــة مــــــع رفــــض التفاوض. لن نعود إلـى طاولة المــفــاوضــات حـتـى تــقــدم كـوريـا الـشـمـالـيـة عـلـى اتـخـاذ خـطـوات عــمــيــقــة بـــاتـــجـــاه الـــتـــجـــرد مـن السلاح النووي، وكلنا نعرف أن كوريا الشمالية لن تفعل هذا.
لـهـذا، فـإن التركيز الآن هو عـلـى تـقـويـة الــســلام فــي الـشـرق الأوســـط وتـثـبـيـتـه، ويــدخــل في إطــار ذلـك نـزع الأعــلام الـسـوداء (لـتـنـظـيـم داعـــــش) مـــن المــوصــل والرقة، وماذا نفعل مع إيران.
> بعد ٨ سنوات من حكم باراك أوبـامـا ومـن تخفيض أميركا درجة الـتـحـالـفـات التقليدية لـصـالـح إعــادة التقارب مـع إيــران، هـل يمكن للدول الـعـربـيـة، خـصـوصـاً الـخـلـيـجـيـة، أن تصدق أن الإدارة الجديدة عادت إلى المسار الصحيح؟
- بكل تأكيد. ما يفاجئني أن الناس ينتقدون الرئيس ترمب، فـــي حـــين أن ســيــاســتــه الــشــرق أوسطية تقليدية جداً أكثر مما كانت سياسة أوباما. في الواقع سياسة ترمب تركز على القضاء عــلــى خــطــر الإرهــــــــاب الـــدولـــي، وأيــضــاً وقـــف مـــحـــاولات إيـــران زعزعة المنطقة، وهذا مؤكد.
> كــيــف يـمـكـن لـــــــلإدارة وقــف تـدخـلات إيــران، سـواء العسكرية أو عبر ميليشياتها المحلية فـي العالم العربي؟
- هذا هو الهدف الرئيسي. أما كيف سيتحقق ذلك، فسيكون عـبـر مـزيـج مـن آلـيـات مـتـعـددة، والعمل بشراكة مع دول أخرى. ســيــكــون هـــنـــاك الــتــركــيــز عـلـى النشاطات المالية غير الشرعية، وجـــــهـــــود مـــضـــاعـــفـــة لمـــحـــاربـــة تــهــريــب الأســلــحــة. وأعــتــقــد أن الإدارة ستحدد الـفـوائـد المالية الــتــي سـتـحـصـل عـلـيـهـا إيــــران بسبب الاتـفـاق الـنـووي، بحيث لا تتدفق الأمــوال على إيـران ثم يعود تحويلها لتمويل »حزب الــلــه« فــي لـبـنـان و»الـحـوثـيـين« في اليمن، وستعمل الإدارة مع دول أخــرى مثل الأردن، وتعيد النشاط إلى العلاقة الإسرائيلية - المصرية كي تستعيد المنطقة ثقتها، وهي تتعامل مع إيـران، وبالطبع عبر صفقات الأسلحة. لـــكـــن لـــــن يــقــتــصــر الأمــــــــر عـلـى الـسـلاح، بـل على النمو والدعم السياسي والاقتصادي للأطراف فــي المـنـطـقـة، ومــن هــذه النقطة تـبـرز أهـمـيـة الــصــراع مــع قطر. فـي نـهـايـة الأمـــر، فــإن الـولايـات المــتــحــدة لا تـــحـــاول عــــزل قـطـر، ولا تـــحـــاول جـعـلـهـا دولـــــة أقــل مـن قيمتها، بـل يجب أن يكون هــنــاك تــمــاســك أكــثــر حـــول أمــن دول الـخـلـيـج وسـيـاسـتـهـا، إذا كانت جادة وتريد أن تنجح في تخفيف جهود إيران في زعزعة المنطقة، وفي الوقت نفسه تواجه الإرهاب الدولي.
> وقع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مـذكـرة تفاهم مع قــطــر لمـــحـــاربـــة الإرهــــــــــاب. هــــل هــذا يساعد؟
- الــــدلــــيــــل فـــــي الــتــطــبــيــق، وعلينا أن نرى. علاقة الولايات المـتـحـدة مــع قـطـر هــي انـعـكـاس لــعــلاقــتــنــا مــــع بـــاكـــســـتـــان. مـع باكستان لدينا مـن جهة علاقة اسـتـراتـيـجـيـة مـهـمـة جــــداً، لكن هـنـاك عـنـاصـر داخـــل بـاكـسـتـان وداخــــــــل المـــؤســـســـة الــعــســكــريــة تعمل، ليس فقط ضـد المصالح الأمــيــركــيــة، إنــمــا ضــد مـصـالـح باكستان. نسمي هذا هنا »الحب الـصـعـب«. الـولايـات المتحدة لن تـتـوقـف عــن إقــامــة عــلاقــات مع بـاكـسـتـان، وسـنـكـون واضـحـين فـيـمـا نـخـتـلـف حــولــه، ونضغط عـلـيـهـم لــلــقــيــام بـــأمـــور، لـيـسـت فقط جيدة لنا، إنما لباكستان أيضاً. وفي النهاية هذا يساعد الأطـــــــــــراف كـــلـــهـــا. هــــــذه نـسـخـة مـتـطـابـقـة لــنــوع الــعــلاقــة الـتـي تربطنا بقطر. سنكون واضحين ومــســتــقــيــمــين بـــالـــنـــســـبـــة إلـــى الاخـتـلاف فيما بيننا وبينهم، وأعــتــقــد أن الاســتــقــامــة تسمح لــنــا بـــأن نــواجــهــهــم. سنضغط عــلــى الــقــطــريــين لــلــقــيــام، لـيـس فقط بما هو من مصلحة أميركا والسعودية والبحرين، بـل بما يصب فـي النهاية فـي مصلحة قـــطـــر. وهـــــــذا حـــســـب اعـــتـــقـــادي سيتطلب اسـتـمـرار الاتـصـالات. في بعض الأيام سيبتسم بعضنا لبعض، وفي أيام أخرى سنكون مـتـوتـريـن مــن بـعـضـنـا بـعـضـاً، لـكـن سـنـظـل نــراقــب، وسنحمل الناس مسؤولية ما قالوا إنهم ســيــقــومــون بــــه، لأنــــه غــالــبــاً مـا تسمع الولايات المتحدة من الدول أننا سنفعل هذا أو ذاك، وغالباً لا تلاحق الـولايـات المتحدة هذا الالـــتـــزام. سـنـبـقـى عـلـى تـواصـل مـع قطر، ومـجـرد قـول الـولايـات المتحدة إنها ستستثمر في هذا الـنـوع مـن الـعـلاقـة، يظهر عمق التزامنا بالمنطقة.
لــقــد كـــــان مـــن الــســهــل عـلـى وزير الخارجية السفر فقط إلى إسرائيل، حيث يمكننا الاتفاق على أي شـيء، لكن أن يتواصل مع قطر ودول الخليج فهذا يظهر جديتنا، واستعدادنا لاستثمار الــوقــت فــي هــذه الــعــلاقــات. ومـا أحـب أن أوضحه أننا لا نحاول السيطرة على المنطقة، ثـم إننا لسنا الـضـامـنـين لأمــن المنطقة، نحن شـركـاء لـدول تريد منطقة أكثر استقراراً، حيث يمكن توفير فــرص العمل للناس وأن يكون لهم مستقبل. إننا لا نقوم بهذا لأننا أناس طيبون، بل لأن وجود شرق أوسط يغمره السلام أفضل للولايات المتحدة.
> هـــل تـعـتـقـد أن الأمــيــركــيــين سينظرون إلى دولة أخرى في الخليج لإقـامـة قـاعـدة عسكرية إضـافـة إلـى قاعدة العديد في قطر؟
- لا أعرف، فهذا قوله أسهل من تطبيقه، لأن تنويع القواعد العسكرية الأميركية وتوسيعها أمـر صـعـب، وبالتأكيد لا يمكن القيام به على مدى قصير. لدينا القاعدة في قطر، والأسطول في البحرين.
> بـغـزو الــعــراق، قــدم العجز أو عــدم التخطيط الأمـيـركـي بـغـداد إلى إيــــران، وأدت سـيـاسـة أمـيـركـا تجاه سـوريـا إلـى كـارثـة جيو - سياسية، إذ نرى أن إيران تتطلع إلى أن تحكم غالبية سنية هناك. نعرف أنه لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لكن هــل يـمـكـن إعـــــادة إيـــــران إلـــى داخــل حدودها؟
- نـــــعـــــم. جــــزئــــيــــاً نــتــحــمــل المــــســــؤولــــيــــة. ارتـــكـــبـــنـــا بـعـض الأخــطــاء الاسـتـراتـيـجـيـة، منها قـرارنـا عــام ٢٠١١ بـالانـسـحـاب. أعــتــرف أنــنــا أسـهـمـنـا فــي عـدم الاسـتـقـرار فـي الـبـلاد. ولا نقوم بتصحيح الأوضاع لأنها سيئة في المنطقة، بل لأن من مصلحتنا السلام في المنطقة. كيف سنفعل ذلـك؟ كما قلت، سنكون شريكاً جيداً لعدد من الدول في المنطقة حيث يجمعنا هدف مشترك.
> الآن بــعــد المــــوصــــل، يـشـعـر الإيرانيون بالقوة، ويعتقدون أنه بعد هزيمة »داعش«، فإن كل الطرق فتحت أمامهم... - هذا وهم كبير. > هـــل سـيـسـمـح الأمــيــركــيــون بذلك؟
- كـلا. أعتقد أن هـذه كارثة، وتــعــنــي أنــنــا نـسـتـبـدل مشكلة بأخرى. أؤكد أن الولايات المتحدة ستبقى وبقوة في العراق، لأننا نريد عراقاً مستقراً، لكن التفكير بـأنـنـا سـنـطّـهـر كــل المـنـاطـق في الـعـراق مـن النفوذ الإيـرانـي أمر غــيــر واقـــــعـــــي، لــكــن لا يـمـكـنـنـا الـجـلـوس جـانـبـاً والـسـمـاح بـأن يصبح العراق دولة تابعة لإيران، وهـــــــذا يــعــنــي مــــأســــاة لـلـشـعـب العراقي. لم يتخلصوا من صدام حــســين لـيـحـكـمـهـم شــخــص مـا من إيـران. سيكون عامل زعزعة قوية للمنطقة إذا تمتعت إيران بـطـريـق مـمـتـدة مــن الــعــراق إلـى ســـوريـــا، وصــــــولاً إلــــى الأبـــــواب الأمامية للأردن وإسرائيل. أجزم بأن هذا لن يحصل، ولن نسمح له بالحصول. لن أفاجأ بعودة الــوجــود الـعـسـكـري مــجــدداً إلـى الــعــراق، وبـدعـوة مـن العراقيين أنفسهم.
أعـتـقـد أولاً أن الإيــرانــيــين تــــمــــددوا كــثــيــراً. هـــم يــدعــمــون الميليشيات الشيعية، ويدعمون النظام السوري، و»الحوثيين« و»حــــــمــــــاس« و»حــــــــــزب الــــلــــه«، لــكــن بــمــجــرد أن يـــبـــدأ جــفــاف الأمــــــــــــوال الــــتــــي تـــدفـــقـــت عـلـى إيـــران بسبب الاتـفـاق الـنـووي، لـن يـكـون بـمـقـدورهـم فـعـل هـذا كله. لم يقدموا على إصلاحات اقـــتـــصـــاديـــة، وأغــــلــــب الأمــــــوال سـرقـوهـا عـبـر الــفــســاد. أعتقد أن الإيـــــرانـــــيـــــين ســيــكــتــشــفــون قــريــبــاً أنــهــم مــتــمــددون كـثـيـراً وســــــيــــــواجــــــهــــــون جـــــــــــــــداراً مــن المعارضة.
سأضرب مثالاً، انظري إلى سـيـاسـة الـهـنـد. تـحـولـت بعيداً عـــن إيــــــران ّوبـــاتـــجـــاه إســرائــيــل والدول السنية. لماذا تفعل ذلك؟ لأن الهند تـراهـن على أن إيــران ستكون الخاسر الاستراتيجي في المنطقة.
> وهـــــل تـــراهـــنـــون أنـــتـــم عـلـى ذلــك؟ الإيـرانـيـون يـواصـلـون، حسب اعـتـقـادهـم، بـنـاء جسر نحو الشرق الأوســط الـعـربـي. وبعد المـوصـل قال علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعـلـى الإيــرانــي، إن طـريـق المـقـاومـة السريعة تبدأ من طهران وتمر عبر المــوصــل إلـــى بـــيـــروت، ومـــن ثــم إلـى المتوسط.
- تعرفين كيف ستكون هذه الطريق السريعة؟ ستكون كأن بولونيا تزحف نحو موسكو. الإيـــرانـــيـــون مـنـكـشـفـون، وهـــذا خطأ كبير يرتكبونه. ولا يمكن الإبـــقـــاء عــلــيــه. قـــد تـنـجـح هــذه الطريق في عقولهم، ولكنها لن تـكـون على الخريطة الحقيقية والواقع. لأن الأميركيين لن يقفوا مــتــفــرجــين، تــركــيــا لـــن ّ تــتــفــرج، وإسرائيل أيضاً والعرب السنة بـالـطـبـع. إنــهــا فــكــرة جـنـونـيـة. يبدو لـي كـأن داريــوس يريد أن يزحف إلى أثينا.
> هل تناقشون هذه التفاصيل في الإدارة؟
- لست الآن في الإدارة، لكن انطلاقاً من عملي مع فريق ترمب الانـتـقـالـي ومــن خــلال معرفتي بالأشخاص المسؤولين عن هذه الـقـضـايـا، فـإنـهـم يــدركــون هـذا كله.
> الـبـحـريـة الأمـيـركـيـة وصفت أعـمـال السفن الإيـرانـيـة بغير الآمنة وغير المحترفة، بعدما وجهت الليزر عـلـى مـروحـيـة أمـيـركـيـة فـي مضيق هـرمـز أخــيــراً. هـل تــرى أي احتمال لمواجهة؟
- قـــــد تــــحــــدث مـــواجـــهـــة، لكن الاحـتـمـالات ضئيلة، لأن هذه المنطقة الإيرانيون فيها مـنـكـشـفـون جــــداً. إذا تــحــدوا فإنهم قـد اخـتـاروا القتال في المكان الخطأ.
> هل تعتقد أن جنوب سوريا قد يتحول إلى نقطة مواجهة أميركية مع الإيرانيين في الشرق الأوسـط، لأننا نرى أن »الحشد الشعبي« يحاول قطع طـريـق الـحـدود بـين سـوريـا والـعـراق ليسمح فقط بالوجود الإيراني هناك؟
- أولاً هــذا الأمـــر صـعـب أن يــتــحــقــق. إســـرائـــيـــل لـــن تـسـمـح بذلك، ولا أعتقد أن هذه مواجهة يـــرغـــب فــيــهــا الإيــــرانــــيــــون. إذا نـظـر الـعـالـم إلــى مـكـان آخــر، قد تستطيع إيران فعل ما تشاء، لكن فـي الحالة الـراهـنـة لا يستطيع الإيـرانـيـون القتال، ولا يريدون بــــدء الـــحـــرب الــعــالمــيــة الـثـالـثـة. لا أحـــد يــريــدهــا. ومـــن الـصـعـب عـلـى الإيــرانــيــين الاعــتــقــاد بـأنـه يمكنهم المحافظة على الوضع الـحـالـي. إنـهـم يـضـغـطـون على المصالح الحيوية لحلفاء أميركا فـــي المــنــطــقــة، وبــــالــــذات الأردن وإسرائيل. لن يقف أحد ويسمح لـهـم بتحقيق استراتيجيتهم، هذا أمر غير منطقي.
> ما رأيك في فكرة إقامة »ناتو عربي« يضم دول الخليج؟
- أعتقد سيكون من الصعب ضم كل الهندسة العسكرية هناك معاً، والتوصل إلى اتفاق. كل ما تحدثنا عنه لا يجعلنا بحاجة إلى »ناتو« في الشرق الأوسط، فـــالـــولايـــات المــتــحــدة تـسـتـطـيـع أن تـقـوم بـهـذه الالـتـزامـات كلها على مستوى العلاقات الثنائية، وهي قامت بها طوال عقود. من الأفـــضـــل عــــدم تـضـيـيـع الــوقــت والجهود لصناعة تحالف أمني. قد يتحقق هذا يوماً، إنما بعد أن تكون هذه التهديدات والأخطار كلها قد زالت.
> افتقار دول مجلس التعاون الـخـلـيـجـي إلـــى بـنـيـة دفــــاع إقـلـيـمـيـة صاروخية متكاملة يتركها عرضة للتكتيكات الإيرانية، وهذا يؤثر على استقرار الخليج العربي.
- بالنسبة إلـــي، هــذا هـدف نتطلع إلـيـه مـنـذ فـتـرة طـويـلـة. نظام دفـاع صـاروخـي متكامل، وأعتقد أنه يمكن تحقيقه بكلفة معقولة، وهو جزء من الردع في وجـه إيـران. هـذا يمكن التوصل إليه. وآمل مع إدارة ترمب حسب موقفها المعلن، بدء الحوار حول هذا خلال الأشهر المقبلة.
> مـــــاذا يــتــوجــب عــلــى الإدارة الأميركية القيام به للحد من طموحات النظام السوري، وإجباره على احترام اتـفـاقـات وقــف إطـــلاق الــنــار، ووقـف المحاولات الإيرانية والروسية للإبقاء على بشار الأسد في السلطة؟
- الأســــــــــاس هـــــو أن تـبـقـى الولايات المتحدة موجودة على الأرض وتتفاعل مع المنطقة.
> هل بقاء الإدارة متفاعلة في المنطقة أمر مكلف لها؟
- نـحـتـاج إلــى الإبــقــاء على قوات عسكرية على الأرض. > أين؟ - بــكــل تــأكــيــد فـــي الـــعـــراق، وأعـتـقـد أنـنـا سنبقي على عدد ملحوظ من المستشارين، وعلى قـدرات في سـوريـا. حتى الآن لا يـوجـد مـفـهـوم لهيكلية أمـنـيـة، إنما التوجه للإبقاء على نشاط أميركي في سوريا في المستقبل المنظور. > هذه أخبار جيدة... - أعتقد ذلك، لأن ذلك يخفف مـــــن نــــفــــوذ إيــــــــــران فـــــي زعـــزعـــة المـنـطـقـة، ويـسـاعـد عـلـى إيـجـاد حــل لـلاجـئـين كــي يـــعـــودوا إلـى منازلهم، ثم إنه يوفر مساحات لمـــصـــر والأردن لــلــعــمــل داخــــل البلدين، خصوصاً اقتصادياً، ويساعد على التخفيف من خطر الإرهاب الدولي.
أعتقد أن مساهمة الولايات المتحدة في القضاء على الإرهاب العابر تؤكد أن هؤلاء الإرهابيين خـــاســـرون، ويـمـكـن هـزيـمـتـهـم. الهزيمة المهينة الـتـي مُـنـي بها »داعـــش« تـمـت، ليس تحت ظل الــعــلــم الأمـــيـــركـــي، بـــل مـــن قـبـل الناس المحليين. لقد قاتل الناس من أجـل بلادهم. هم لا يريدون أمـــثـــال »داعـــــــش«. لــقــد رفـضـهـم الــنــاس. الإرهــــاب لـيـس الطريق إلى المستقبل.
> هل تعتقد أن الـروس وجـدوا نداً حقيقياً لهم بالرئيس ترمب؟
- نعم. وأظن أن نفوذهم في المـنـطـقـة مــحــصــور فــي دمــشــق، ولا أعتقد أن بإمكانهم الوصول إلــــى أبـــعـــد مـــن ذلــــــك. لـــن يـكـون بإمكانهم القيام بشيء في ليبيا، وأيضاً لا يمكنهم توفير الفائدة للإيرانيين، إذ بالكاد يمكنهم أن يستفيدوا هم.
> هــل أن نـظـامـاً دولــيــاً بـقـيـادة أمـيـركـا، عـائـد إلــى الـشـرق الأوســط، أو سـنـبـقـى نـــرى تــدخــلات روسـيـة وإيرانية؟
- أعتقد أن الروس متفائلون، يــــــحــــــاولــــــون مــــــــــلء مــــســــاحــــات الــضــعــف. ولا أقـــــول إنــــه نـظـام دولي أميركي، إنما أكثر ملاءمة ووجــــــوداً مــن المـــاضـــي. المـسـألـة ليست أن الولايات المتحدة تدعم دولاً في الشرق الأوسط، بل إنها تــتــشــارك مـــع دول هـــنـــاك. إنـنـا شركاء معهم كي يوفروا أمنهم، لأن فـي هــذا مصلحة مشتركة، وهــــذه الـطـريـقـة أكــثــر اسـتـدامـة على المدى الطويل.
> عــلــى المــــــدى الـــطـــويـــل، مـــاذا سيكون الموقف الأميركي في سوريا؟
- بـصـدق، الـولايـات المتحدة غــــيــــر مـــهـــتـــمـــة ولا تـــــركـــــز عــلــى ســــوريــــا. الـــــولايـــــات المـــتـــحـــدة لا تــــســــأل عـــــن مــســتــقــبــل ســــوريــــا أبــعــد مــن تـوفـيـر الاســتــقــرار في العراق، وأمن الأردن أولاً، وثانياً حماية إسـرائـيـل، وثالثاً هزيمة »داعــــــش« و»الـــقـــاعـــدة«، ورابــعــاً وضـــــع الـــلاجـــئـــين. إن مـسـتـقـبـل ســـوريـــا كــســوريــا لــيــس بــالأمــر المـهـم لـلـولايـات المـتـحـدة. تهمنا أمور أخرى. صحيح أننا لا نحب الأســـد ونــرغــب فــي رحـيـلـه، لكن لـن نضيع وقتنا لإيـجـاد طريقة لتغيير النظام في دمشق.
> كــيــف تــــرى خــريــطــة الـــعـــراق وسوريا وليبيا؟
- إذا أتيح لي التخمين، فإن هناك »بلقنة« لسوريا، كما حدث فـــي يــوغــوســلافــيــا بــعــد الــحــرب الـبـاردة. والتقسيم فـي ليبيا لن يحسن الأوضاع. يجب الحل في ليبيا كليبيا، وشخصياً أرى أن الـعـراق كدولة واحـدة أفضل. أنا معجب جداً بكردستان، وأظنها أكثر أمناً في عراق واحد، وليس كدولة مستقلة. أعتقد أن الليبيين يفضلون ليبيا ككل. وكـذلـك في الـــعـــراق، لـكـن لا أعـتـقـد أن أحــداً سيشعر بالأمان في سوريا ككل، وهي »ستتبلقن«.
> هـــل هـــــذه نـصـيـحـة لـــلأكـــراد العراقيين بعدم السير في الاستفتاء والدعوة إلى الاستقلال؟
- هم سيقومون بالاستفتاء، وسوف يصوتون على التقسيم. المـشـكـلـة أن الـــعـــراق دولــــة مهمة استراتيجياً، وإذا بدأنا بتقطيعها فـهـذا يعني أنـهـا ستصبح قطع لحم للذئب. إذا ظل العراق دولة كـــامـــلـــة يــصــعــب عـــلـــى الآخـــريـــن ّابـتـلاعـه. وأعتقد أن كـل الأطــراف من سُنة وشيعة وأكراد أكثر أماناً فـي عــراق يصعب عـلـى أي طـرف احتلاله، لأنه بخلاف ذلك، فإن ما سيحدث هو أن كل طرف سيحتاج إلــى حـمـايـة كـي يـعـيـش. الشيعة ّســـيـــدورون فــي الـفـلـك الإيـــرانـــي، والسنة سـيـدورون في فلك دولة أخـرى كـي يستمروا فـي العيش. هـذا مـا يحدث لـدول صغيرة في منطقة جـد مهمة استراتيجياً، إلـــى جـانـب جــيــران أقــويــاء جــداً. لـذلـك فــإن الـعـراق كـدولـة مـوحـدة هو قطعة لحم أكبر من قـدرة أي دولة أخرى على ابتلاعه، ويتيح للعراقيين أن يقرروا مستقبلهم.
> هــل هـنـاك عـلـى الأقـــل تـعـاون وتنسيق بـين وزيــري الـدفـاع جيمس ماتيس والخارجية ريكس تيلرسون ومــســؤول الأمـــن الـقـومـي فــي الإدارة الأميركية هربرت ماكماستر؟
- يعملون معاً بشكل طبيعي ومتفاهمون. ينسقون معاً. إنهم أفـــضـــل مـــن أي فـــريـــق حـكـومـي عرفته منذ زمن دونالد ريغان.
> هل تتحدث السفيرة في الأمم المتحدة نيكي هايلي باسم الرئيس؟
- نـعـم. مـا لا يـدركـه الـنـاس أنــه إذا لــم يـتـكـلـمـوا عــن الـشـيء نفسه في الوقت نفسه، فإن ذلك لا يعني أنهم لا يتكلمون بصوت واحــد. لكل واحـد دور مختلف. كــل واحــــد يــؤكــد عـلـى جـــزء من السرد. لا يرددون صدى بعضهم بعضاً. إنهم ليسوا »كورال«.
> مــتــى سـتـنـتـهـي »المــــعــــارك« الداخلية الأميركية؟
- لـن تنتهي. الأمــور حزبية جداً في أميركا. ولن تتغير حتى موعد الانتخابات النصفية العام المقبل. إنها سياسة بشعة جداً، ولـكـن لا تـمـنـع إدارة تـرمـب من أن تـكـون لـهـا سـيـاسـة خارجية نشطة جداً. ولا دليل على أن هذه السياسات الداخلية المتصارعة تستهلك الـرئـيـس. ولــن يـحـدث ذلك.