أميركا: محنة المسلم البريء مع اليمين المتطرف
حول انتقائية بعض الغرب وازدواجية معاييره
إحباط ٧٦ ٪ من الحوادث ذات الدوافع الإسلامية مقابل ٣٥ ٪ من الحوادث المتطرفة لجهات يمينية أخرى وفق الدراسة ذاتها الرأي العام الأميركي أسير فكرة أن العاملين في مجال إنفاذ القانون »يبقون على أميركا آمنة من حشود الإرهابيين الإسلاميين البرابرة«
رويــداً رويــداً ينكشف زيـف المـعـادلـة غير الأخـلاقـيـة التي تحكم توجهات البعض في الغرب جهة الإسلام والمسلمين، ذلك أنها معادلة غير عادلة بالمطلق لا سيما، أنها تحمل بين طرفيها تناقضاً واضحاً وفاضحاً فكل اعتداء ينسب للمسلمين أو تعرض فيه الحياة البشرية أو الممتلكات الشخصية للخطر، مهما علا شأن الأمر والتهديد أو انخفض، وحتى لو لم يكن حقيقة، بل شبه حقيقية أو زعم باطل، هو بالضرورة والحتمية التاريخية ضرب من ضروب »الإرهاب الإسلامي«.
وفـي المقابل، فـإن أي تهديد يتأتى من الرجل الأبيض لا يمكن تجاوز وصفه إلى حد أبعد من فكرة »العمل الجنائي الفردي«، الذي لا يهدد نمط الحياة الغربية أو يختصم من الأمن والسلم الدوليين.
نهار السبت الرابع والعشرين مـن يونيو (حـزيـران) المـاضـي كانت صحيفة »إنـدبـنـدنـت« البريطانية تـنـشـر دراســــة قــام بـهـا مـعـهـد الأمــة الأمــيــركــي لـلأبـحـاث فــي واشـنـطـن، تـتـصـل بــأحــوال ومـــآل الإرهــــاب في الداخل الأميركي، وبالهجمات التي تعرضت لها البلاد بنوع خاص في الـفـتـرة الـتـي تـقـع مـا بـين عــام ٢٠٠٨ وعام ٢٠١٦، ومن الذي يقف وراءها.
كـــــان المـــقـــطـــوع بـــه بـــدايـــة لــدى قـارئ الـدراسـة فـي الـغـرب الأوروبــي أو الأمـيـركـي الـقـول إن المسلمين هم المـــســـؤولـــون بـــالـــدرجـــة الأولـــــــى عـن تلك الهجمات، وهـو أمـر يتسق مع مــوجــات الإســلامــوفــوبــيــا الـطـاغـيـة الـــتـــي تــعــانــيــهــا الـــبـــلاد فـــي الآونــــة الأخــــيــــرة، وتـــحـــديـــداً فـــي الـعـقـديـن الماضيين.
لكن المفاجأة كانت خلف الباب، وذلــــك أن الـــدراســـة أشـــــارت إلـــى أن غـالـبـيـة تــلــك الــهــجــمــات الإرهــابــيــة نــفــذتــهــا جـــمـــاعـــات مــتــطــرفــة غـيـر إسـلامـيـة، ولا عـلاقـة لـهـا بـالإسـلام مــن قـريـب أو مــن بــعــيــد... عـلـى مَـن تُلقي دراســة معهد الأمــة الأميركي لـلأبـحـاث مسؤولية تلك العمليات الإرهابية؟
تشير الــدراســة إلــى مسؤولية المـتـطـرفـين الـيـمـيـنـيـين الـبـيـض في الــــداخــــل الأمـــيـــركـــي عـــن غـالـبـيـتـهـا الكاسحة والساحقة؛ فخلال الفترة الزمنية محل البحث جـرت المقادير بـ١١٥ هجوماً، كان من بينها الحادث الذي وقع عام ٢٠١٥، وأدى إلى مقتل ثـــلاثـــة فـــي مـــركـــز لـتـنـظـيـم الأســـــرة بولاية كولورادو، على يد الأميركي روبــــــرت ديـــــر، والـــــدراســـــة تــقــول إن الرجل الأبيض هو من قام بمجموع العمليات المتقدمة، وليس المسلمين في الداخل الأميركي.
أضــــف إلــــى ذلـــــك، فــقــد أشــــارت الدراسة إلى جزئية أخرى ذات أهمية في مجال مكافحة الإرهاب أميركيّاً، وهــــي تـتـعـلـق بـــــإجـــــراءات الـشـرطـة والتدابير الأمنية، فقد تم إحباط ٧٦ في المائة من الـحـوادث ذات الدوافع الإسـلامـيـة، مقابل ٣٥ فـي المـائـة من الـحـوادث المتطرفة لجهات يمينية أخرى وفق الدراسة ذاتها.
يـــعــــنّ لـــنـــا أن نــــتــــســــاءل: مَـــن الـــذي يـــروج لـفـكـرة أن الإسـلامـيـين هـــم الـــبـــرابـــرة الـــجـــدد فـــي الــداخــل الأميركي، وأن كل شرٍّ يقفون وراءه، وكل إرهاب يدعمونه ويقومون به في الحال والاستقبال؟
ربما يلزمنا الرجوع إلى شهود عدول، وشهادتهم غير مجروحة من عينة ديبا كومار، أستاذ الدراسات الإعلامية ودراسـات الشرق الأوسط بجامعة روتغرز الأميركية، ومؤلفة الــكــتــاب الـشـهـيـر، »فــوبــيــا الإســـلام والسياسية الإمبريالية .«
تــــرى كـــومـــار أن هــنــاك »أوبـــــرا ضخمة« تزيف الحقائق في الداخل، ليظل الرأي العام الأميركي أسير فكرة ووهــم أن العاملين فـي مـجـال إنفاذ الـقـانـون »يـبـقـون عـلـى أمـيـركـا آمنة من حشود (الإرهابيين الإسلاميين البرابرة(« ولكن حتى بمساعدة هذا الخداع الدقيق، ونظام عدالة بأكمله يـلـوي عـنـقـه لـخـدمـة احـتـيـاجـات ما يـسـمـى الـــحـــرب عــلــى الإرهــــــــاب، لـم تتمكن الـحـكـومـة الأمـيـركـيـة إلا من إصــــدار ٢٠ عـريـضـة اتــهــام سـنـويـاً، بشأن مخططات إرهـابـيـة عنيفة... هل من قراءات موثوقة عن هذا الشأن في الداخل الأميركي؟
خــــذ إلـــيـــك عــلــى ســبــيــل المــثــال لا الـحـصـر الـبـيـانـات الـــصـــادرة عن »المـركـز الـثـلاثـي« الأمـيـركـي، المعني بـ »الإرهاب وأمن الوطن«، التي تبين الفجوة الضخمة بين التهديدات التي تصورها وسـائـل الإعــلام، والكتاب الموسومين بوسم »الإسلاموفوبيا« وواقع الحال، ومن بين تلك البيانات على سبيل المثال ما يتفق مع أرقام وإحصائيات »معهد الأمة الأميركي « الأخيرة، فعلى سبيل المثال، قتل من الأميركيين في عام ٢٠١١ نحو أربعة عشر ألف شخص، لم تكن هناك حالة وفـاة واحـدة ناجمة عن »مخططات المسلمين الإرهابية« كما يتقولون. مَن قتل ١٥٠ ألف أميركي؟ تــبــين إحـــــدى دراســـــــات »مــركــز الأمن الثلاثي« الشاملة عن المسلمين الأميركيين الذين خططوا لهجمات إما محلية أو دولية أو الذين انضموا إلـى جـمـاعـات مـدرَجَـة على القائمة الـحـكـومـيـة لـلـمـنـظـمـات الإرهــابــيــة خـلال الفترة مـا بـين سبتمبر ٢٠١١ ومايو (أيار) ٢٠١١ ما مجموعه ١٧٢ شخصاً مشتبهاً في أنهم إرهابيون أو ارتكبوا أعمال إرهاب.
ومـــن أولـــئـــك، شــن ١١ شخصاً فقط بالفعل هجمات داخل الولايات المتحدة، وكانوا مسؤولين عن وفاة ثلاثة وثلاثين شخصاً آخرين خلال عقد من الزمان... والسؤال: ماذا عن البقية؟
من الحالات المذكورة في القائمة وعــــددهــــا ١٧٢ حــــالــــة، كـــــان تـسـعـة وعشرون لا يزالون رهن المحاكمات وقـــت نـشـر الـــدراســـة، وكــانــت ثـلاث وسـتـون حـالـة تـنـطـوي عـلـى مخبر سري.
ويــذكــر الـتـقـريـر أن الــدفــاع عن عملية الإيـقـاع بالمتهمين لـم ينجح في هذه الحالات، وقد حضر أربعة وســــتــــون مــــن الأشـــــخـــــاص الــــــــوارد ذكـــرهـــم فـــي الــتــقــريــر »مــعــســكــرات تـدريـب للإرهابيين فـي أفغانستان أو باكستان أو الصومال، وإن كان الــتــقــريــر يـــوضـــح أن مـعـظـمـهـم لـم يتلقوا تدريباً ميدانياً، ومـن هؤلاء الأربـعـة والستين، عـاد ثلاثون فقط إلى الولايات المتحدة.«
وأخيراً يذكر التقرير أنه ما من أميركي مسلم صدرت ضده عريضة اتهام لمساعدته أو تحريضه عن علم على هجمات ١١ سبتمبر، وإجمالاً قتل ١١ شخصاً تــرد أسـمـاؤهـم في هذه القائمة ثلاثة وثلاثين شخصاً خـــــلال الـــفـــتـــرة مـــا بـــين عـــــام ٢٠٠١، وعـــام ٢٠١١، ولـكـي نـنـظـر إلـــى هـذا من المنظور الصحيح، خـلال الفترة ذاتـهـا، حـدثـت مـائـة وخـمـسـون ألف جـريـمـة قـتـل فــي الـــولايـــات المـتـحـدة الأميركية... فهل قتل المسلمون كل هؤلاء دفعة واحدة؟
من بين أهم الأسئلة التي تواجه الــبــاحــث فــي دائـــــرة الــشــك والـيـقـين الأميركية: مَن الذي يُروِّج لطروحات »الإسلام والمسلمين الإرهابيين« في الداخل الأميركي؟ والجواب بلا شك يتصل بطغمة مـعـروفـة مـن الكتاب والمــذيــعــين والمـفـكـريـن الأمـيـركـيـين، المــــعــــروفــــين بـــعـــدائـــهـــم الــتــقــلــيــدي، والمصابين بـ »رهاب الإسـلام« الذين يــدورون فـي فلك جماعات المصالح المؤدلجة التي تحمل كراهية تقليدية للإسلام والمسلمين.
مــن بــين تـلـك الـنـمـاذج يمكننا الـــحـــديـــث عــــن الــكــتــب الــعــنــصــريــة الـــتـــي صـــــــدرت فــــي أمـــيـــركـــا خـــلال العقد المـاضـي، مثل كـتـاب »عندما نامت أميركا... كيف يهدم الإسلام المتطرف الغرب من داخله«، للكاتب الأمــيــركــي بــــروس بـــــاور، والـكـتـاب تـــمـــتـــلـــئ صــــفــــحــــاتــــه بـــــالأكـــــاذيـــــب والمغالطات التي تؤكد جهل المؤلف بأبسط تعاليم الإسلام وسلوكياته، وتـضـعـه ضـمـن أكـثـر المـتـطـرفـين في عــدائــه لـلـمـسـلـمـين، فـعـبـر صفحات الـكـتـاب نـجـده يـقـارن فـي تحريض خـبـيـث لـلـغـرب ضــد المـسـلـمـين، بين الإســلام والـنـازيـة، غير أنـه وبينما يلقى الـكـتـاب تـقـديـراً وإعـجـابـاً من عدد من المرضى بنفس داء المؤلف، فـقـد لـقـي فــي نـفـس الــوقــت هجوماً حــاداً مـن أعـــداد كبيرة مـن المثقفين والمؤرخين الأميركيين والأوروبيين المحايدين الذين يحترمون علمهم بسبب هذه المخالفات التي أوردها المؤلف.
كتاب آخر عنوانه »أميركا تقف وحدها: نهاية العالم كما نعرف،« لــلــمــؤلــف والـــصـــحـــافـــي الــيــهــودي مارك ستاين، يردد فيه أيضاً نفس النغمة النشاز التي تماثل الكتاب الـسـابـق، لـكـنـه لا يكتفي بـانـتـقـاده للمسلمين بـل يـوجـه هجوماً حـاداً للأوروبيين الذين تركوا - على حد زعمه -الولايات المتحدة تقف وحدها في حربها ضد الإرهاب ولم يفهموا أن مصالحهم تقتضى التحالف مع الأميركيين في هذه الحرب.
وإلـــــــى أبـــعـــد مــــن ذلــــــك يــذهــب ستاين، إذ يرى أن العداء للأميركيين كما يشتعل بين جماعات المسلمين المتطرفين حسب وصفه، فهو قائم أيضاً بين المثقفين الأوروبيين، وقدر أمـيـركـا أن تـقـف بـمـفـردهـا فـي هـذه الحرب، ويكمل بأنه من المتوقع أن ينقسم العالم بين المؤيدين لأميركا والآخرين، لكن المؤكد لديه أن أميركا سوف تنتصر في النهاية.
ولـعـل المـثـيـر هـنـا هـو أن كتاب سـتـايـن عـنـدمـا صــدر كــان مـن أكثر الكتب مبيعاً وانـتـشـاراً، واستُقبِل بـــحـــفـــاوة بــالــغــة مــــن الـــنـــقـــاد، بـمـا يؤكد أن أكاذيبه وعنصريته تلقى اســتــجــابــة مــــن بــعــض الـــــقـــــراء فـي أوروبـــا وأمـيـركـا ممن ينتمون إلى الـيـمـين المـتـطـرف المـعـادي لـلإسـلام، وكـــأن هـــؤلاء يـتـعـامـون عــن الخطر الحقيقي الــذي يعيش بـين جــدران إمــبــراطــوريــتــهــم المـنـفـلـتـة بـحـسـب المؤرخ الكبير بول كيندي.
ومن مزايا الدراسة التي صدرت عن »معهد الأمة الأميركي « للأبحاث أنــــهــــا تـــفـــتـــح عــــيــــون الأمـــيـــركـــيـــين والمـسـلـمـين، وبـقـيـة شـعـوب الـعـالـم على حقائق معروفة للجميع، غير أن ذاكـــرة الـعـوام لا تـزيـد عـن ثلاثة أعـــوام، ولـهـذا ربـمـا يـجـدر التذكير بها من جديد.
الــــــدراســــــة تــــؤكــــد أن غــالــبــيــة الهجمات الإرهـابـيـة التي شهدتها أميركا من ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٦ هي قصة تحتاج لقراءة موسعة قائمة بذاتها، ولـــكـــن هــــذا لا يــمــنــع مـــن إضـــــاءات سريعة بشأنها.
على سبيل المثال سـوف يبقى ١٩ أبــريــل عـــام ١٩٩٥ شــاهــداً على الـحـقـيـقـة الــتــي يـغـمـض كـثـيـر مـن الأميركيين أعينهم عنها، ففي ذلك النهار الأسود قام الشاب الأميركي الأبـيـض تيموثي مـاكـفـاي بعملية إرهــابــيــة فـــي مــديــنــة أوكــلاهــومــا، راح ضـحـيـتـهـا نـحـو ١٦٨ شخصاً أميركياً، وذلك عندما فخخ شاحنة مــلــيــئــة بـــالمـــتـــفـــجـــرات فـــــي المــبــنــى الـفـيـدرالـي للمدينة، وكــان ماكفاي قـد اخـتـار توقيت انفجار الشاحنة مــع ذكـــرى المـواجـهـة المـسـلـحـة التي وقـــعـــت بــــين الـــشـــرطـــة الأمــيــركــيــة، ومجموعة »ديفيد كورش « المتطرف اليميني، الذي قتل على يد الشرطة الأميركية عـام ١٩٩٣... هل ارتفعت أصوات تندد بجرائم الرجل الأبيض وتنذر وتحذر من التطرف اليميني الأمـــيـــركـــي وقـــبـــل سـبـتـمـبـر ٢٠٠١ بكثير؟
الـشـاهـد أنـــه يـحـسـب للرئيس الأمــيــركــي الأســبــق بـيـل كـلـيـنـتـون، أنــه كــان ذلــك الـشـخـص الــذي وضـع الأميركيين أمام الحقيقة عارية دون تزييف أو تدليس.
فــي أعــقــاب تـلـك الــحــادثــة قـال كـلـيـنـتـون إن عـمـلـيـة مـاكـفـاي إنـمـا جــــــــــاءت تـــتـــويـــجـــاً لمـــجـــمـــوعـــة مــن الــعــمــلــيــات الإرهـــابـــيـــة الــتــي بـــدأت تـشـنـهـا مــجــمــوعــات مـتـطـرفـة منذ مــطــلــع الــعــقــد الـــتـــاســـع مــــن الــقــرن المـاضـي. ولـدى سـؤال كلينتون عن المــزاج الـعـام للتنظيمات الأميركية المـتـطـرفـة وقـتـهـا مـقـارنـة بـمـا كانت عليه قبل ثلاثة عقود قال : »بات لدينا الآن عدد كبير من التنظيمات، وهي تعرض أفكارها اليوم بشكل واسع، وتـعـتـبـر أن الــخــلافــات الـسـيـاسـيـة الحالية هي مقدمات لحرب أهلية.«
ومـــــن مــنــتــصــف الـتـسـعـيـنـات حتى الآن جرت مياه كثيرة في مياه التطرف اليميني الأميركي.