انفجارات سورية محتملة
والأقرب إليهما من تنظيمات مسلحة رفــــعــــت شــــعــــارات »إسلامية«، ذهبت إلــــــــــــــى مـــــمـــــارســـــة الــقــتــل والاعــتــقــال والــــــــتــــــــهــــــــجــــــــيــــــــر وتدمير الممتلكات والاستيلاء عليها.
وفــــــي خـلـفـيـة مــــــــــــــــــــــــا أصــــــــــــــــــــــــاب الـــــــســـــــوريـــــــين فـــي السنوات الماضية، تــوســع ظـــاهـــرة الـتـشـبـيـح. ولأن الظاهرة كانت صفة لأهل النظام، وأحـد مظاهر الحياة في مناطق سيطرته، فقد انتقلت إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، وفي هذا لم يكن ثمة فارق كبير بين التشبيح فـــي مــنــاطــق الــنــظــام أو مـنـاطـق سيطرة قـوى التطرف والإرهــاب، وفـي مناطق سيطرة التشكيلات المسلحة المعتدلة، وفيها جميعاً، ولـدت ظاهرة التشبيح عصابات إجرامية وأمــراء حـرب، صـار لهم تأثير كارثي في حياة السوريين.
كما أن فـي خلفية مـا أصـاب الـــــســـــوريـــــين، اســــتــــمــــرار ظـــاهـــرة الـفـسـاد، وتـصـاعـدهـا عـلـى نحو غير مسبوق باعتبار الفاسدين جــــــــــــزءاً مـــــــن آلـــــــيـــــــات الـــســـيـــطـــرة والـــضـــبـــط فــــي مــنــاطــق سـيـطـرة الـنـظـام وخـارجـهـا، وتـحـول جـزء من الفاسدين إلـى مافيات، يمتد نـفـوذهـا ومصالحها فـي سوريا وعـبـر حـدودهـا إلــى دول الـجـوار والأبـــعـــد مـنـهـا، ولـيـسـت ظـاهـرة تــهــريــب الـــســـوريـــين إلا تـعـبـيـراً واضـــحـــاً عـــن وحـــــدة تــلــك المـافـيـا ونفوذها.
ولـــــم تــســلــم بــــلــــدان الــلــجــوء مـــن ظـــواهـــر سـلـبـيـة عــلــى حـيـاة الـــســـوريـــين فــيــهــا؛ فـــإلـــى جــانــب الـــســـيـــاســـات الــرســمــيــة المـقـنـعـة بالظروف السياسية والاقتصادية والاجـــــتـــــمـــــاعـــــيـــــة بـاعـتـبـارهـا سبباً فـــي مــنــع وتـقـيـيـد وصــول السوريين إلـــى تـلـك الـبـلـدان، وفـي تفسير سوء وتـــــردي المـمـارسـة حــــيــــال الـــلاجـــئـــين والــــتــــقــــصــــيــــر فــي تلبية الاحتياجات الأســـــــــــــــاســـــــــــــــيـــــــــــــــة لـــلاجـــئـــين، فـتـمـت عمليات التضييق عــلــيــهــم وحـــشـــرهـــم فــــي مــنــاطــق وظــروف تتعارض مـع متطلبات الــعــيــش والاجـــتـــمـــاع الإنــســانــي البسيط، وشـيـوع سـرقـة وتبذير المــوارد المـحـدودة المخصصة لهم مـن الـــدول والمـنـظـمـات الإنسانية المانحة، وفـي ظل هـذه السياسة، تـــــقـــــارب الـــــبـــــؤس الــــــــذي يـصـيـب الـسـوريـين فـي بـلـدان الـلـجـوء مع مــا يـصـيـب أقـرانـهـم مــن المقيمين فــي ســوريــا، ولـعـل الأقــــرب مـثـالاً فــي هـــذا المــجــال حـالـة الـسـوريـين فــــي لـــبـــنـــان الــــــــذي يــضــيــق عـلـى اللاجئين فـي دخولهم وإقامتهم وفـي حركتهم، ومحدودية تلبية احــتــيــاجــاتــهــم لــلــغــذاء والــســكــن والـــصـــحـــة والــتــعــلــيــم والـــعـــمـــل، وتقوم بعض قواته وميليشيات طائفية باقتحام مخيمات اللجوء، وتجرح وتعتقل، وتقتل معتقلين تحت التعذيب، وتدمر المخيمات عـلـى رؤوس سـكـانـهـا، وتـسـعـى إلـــى تـرحـيـل الــســكــان بـمـا يـخـدم سياسات نظام الأسد.
ورغـــــم أهــمــيــة مـــا يـظـهـر مـن مآسٍ ومشكلات تصيب السوريين في حياتهم، فإن الأهم مما سبق، يبدو في الظروف السياسية، التي تحيط بمستقبل السوريين، وهي ظروف محاطة بتناقضات، تدفع القطاعات الأوســع مـن السوريين نحو الإحـبـاط والـيـأس. وإذا كان مسار نظام الأسد وحلفائه، يعمل على استعادة القبضة الحديدية عــلــى ســــوريــــا والــــســــوريــــين بـكـل الـــوســـائـــل المــمــكــنــة، فـــــإن المــســار الآخـــــر، لا يــطــرح خــيــاراً مختلفاً فــي نـتـائـجـه، خــاصــة فــي ظــل ما يــبــدو مــن طــروحــات حــل ســوري يقبل ببقاء الأســد ونـظـامـه، مما يعني أن ترديات الحياة السورية مستمرة، وأنه لا أفق لمعالجة أي منها، خاصة في ظل نظام يعرف العالم كله أن لا حدود لوحشيته ودمويته وفساده، وإصراره على الاسـتـمـرار فـي ذات الـطـريـق ولـو بتعديلات شكلية طفيفة.
لــقــد أدت ســـيـــاســـات نــظــام الأســـــد فـــي عـــهـــدي الأب والابــــن إلــــى خـــــروج الــســوريــين ثـائـريـن عـــلـــيـــه فــــــي مـــــــــارس (آذار) مــن الــعــام ٢٠١١ مـطـالـبـين بـالـحـريـة والتغيير نحو مستقبل أفضل، وقــــاد قـمـع الـنـظـام الــدمــوي إلـى ولادة تشكيلات مسلحة لمواجهة دمويته وإجرامه، وفتحت بوابات الصراع الدموي في سوريا الباب أمـــــام مــجــيء قـــيـــادات وعـنـاصـر التنظيمات الإرهـابـيـة المتطرفة إلـى سـوريـا، وانـضـمـام سوريين إلــيــهــا. ووســــط تــــردي وتــدهــور الأداء فــــي الـــســـيـــاســـة الـــدولـــيـــة حـول القضية السورية، اتسعت الــــكــــارثــــة الــــســــوريــــة وتــشــعــبــت تـفـاعـلاتـهـا، مـمـا يـعـنـي تصاعد احتمالات الانفجارات السورية. ولأن الـسـوريـين، لـم يـعـودوا كما في السابق ضمن بلد واحد وفي ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية واحدة، فإن احتمالات انـفـجـاراتـهـم ستكون مختلفة... وهـــــذا يـنـبـغـي أن يـشـكـل دافــعــاً للعالم من أجل البحث عن سياق آخـر لمعالجة القضية الـسـوريـة، بدل الاستمرار في الطريق الحالي الـذي لـن يقود إلا إلـى انفجارات وكوارث في أكثر من مكان.