لماذا الهجوم على علماء الاقتصاد؟
في الوقت الراهن، أصبحت الانتقادات الموجهة إلى العلوم الاقتصادية متشابهة، لدرجة أصبح من السهل معها التنبؤ بـمـا ستتمخض عـنـه لاحـقـاً. المنتظر أن يتعرض الخبراء الاقــــتــــصــــاديــــون لانــــتــــقــــادات حــــــادة بــســبــب إخــفــاقــهــم فـي الـتـنـبـؤ بــــ »الـــركـــود الـكـبـيـر،« بــجــانــب الإشــــــارة إلـــى بعض الافتراضات غير الواقعية في الـنـمـاذج الرئيسية المرتبطة بالاقتصاد الكلي. وسيتعرض الاقــــــــتــــــــصــــــــاديــــــــون لــــلــــنــــبــــذ، باعتبارهم دعاة آيديولوجية الـسـوق الـحـرة الـتـي سيجري تسليط الضوء على عيوبها. وســـــيـــــجـــــري إخـــــبـــــارنـــــا بــــأن الاقتصاد يسير في دورات من الـظـواهـر الـجـديـدة القصيرة، والأخـــرى طـويـلـة الأجـــل. كما سيجري تذكير القراء بأن علم الاقتصاد يتعامل مع البشر، وليس الذرة مثلاً، مما يجعل القواعد العلمية المؤكدة ضرباً مـــن المــســتــحــيــل. وسـتـنـتـهـي موجة هذه الانتقادات بدعوة الخبراء الاقتصاديين للتحلي بمزيد من التواضع، والتأكيد عـلـى الـحـاجـة لإجــــراء دراســة أكثر جدية لأفكار غير تقليدية، والـــحـــد مـــن الــهــالــة المـحـيـطـة بمهنة عالم الاقتصاد.
فــــــــي الـــــــــــواقـــــــــــع، يـــتـــمـــتـــع كـتـاب صحيفة »الــغــارديــان« الـبـريـطـانـيـة بــمــهــارة خـاصـة فــي طــرح مـثـل هــذا الـخـطـاب. وحــمــل أحــــدث المـــقـــالات الـتـي نـشـرتـهـا الـصـحـيـفـة مــن هـذه العينة عــنــوان: »كـيـف تحول علم الاقتصاد لدين،« للكاتب جون رابلي.
مـن نـاحـيـة أخـــرى، تحمل هـــذه الآراء بـالـتـأكـيـد بعضاً مــــن الــحــقــيــقــة، لــكــن مـشـكـلـة الـكـتـابـات الـنـقـديـة مــن عينة مـا كتبه رابـلـي أنها لا تطرح مقترحاً حقيقياً للمضي قدماً عـلـى صـعـيـد عـلـم الاقـتـصـاد. وفــــي حـــين أســهــمــت مــوجــات من الغضب على هذه الشاكلة فــي أعــقــاب »الـــركـــود الـكـبـيـر« فـــي إفـــاقـــة عــلــمــاء الاقــتــصــاد من غفوتهم الفكرية، فإنه من الأفضل حالياً التمسك بنبرة أكثر إيجابية.
فـــــي الـــــــواقـــــــع، بــــــــدلاً عـمـا يــجــري، يـتـعـين عـلـى الـكـتـاب التركيز على بعض المستجدات الــجــاريــة حـالـيـاً عـلـى صعيد علم الاقـتـصـاد، خصوصا أن ثمة أموراً جيدة للغاية تجري هناك.
أولاً: نجح علماء الاقتصاد فــي تـطـويـر نـظـريـات ناجحة عــلــى أرض الـــواقـــع. وبــبــطء، يـبـنـي عـلـم الاقــتــصــاد لنفسه مــخــزونــاً مـــن هــــذه الــجــواهــر الـــثـــمـــيـــنـــة، ومــــنــــهــــا نــظــريــة المــزادات التي يمكنها التنبؤ بـــأمـــور مــثــل الإعــــلانــــات عـبـر الإنترنت، التي تعتمد عليها شركة »غوغل« بقدر اعتمادها على لوغاريتمات البحث.
ويكمن مثال آخر في نظرية التوافق، التي جعلت عمليات زراعــــــة الأعـــضـــاء أكــثــر يـسـراً بكثير. ولا تقتصر النظريات الـنـاجـحـة عـلـى الاقــتــصــادات الـــصـــغـــيـــرة فـــحـــســـب، وإنـــمـــا أثبتت أيضاً نماذج الجاذبية الـتـجـاريـة، وإن كـانـت لا تـزال بسيطة نسبياً في طبيعتها، نـــجـــاحـــاً كـــبـــيـــراً فــــي الــتــنــبــؤ بـتـدفـقـات الــتــجــارة الــدولــيــة. ومن الممكن الاعتماد على هذه النظريات، وعدد من النظريات الاقتصادية الأخرى الناجحة، بثقة في مجموعة واسعة من مــواقــف الـعـالـم الــواقــعــي، من جــانــب صــانــعــي الـسـيـاسـات والشركات التجارية. وتثبت هـــــــذه الــــنــــظــــريــــات بــبــســاطــة خـطـأ الادعــــاء بــأن الـنـظـريـات الاقتصادية لا يمكن الاعتماد عليها أبـداً لأنها تتعامل مع الــبــشــر، ولــيــس الـــــذرة. ورغــم أن الاقتصاديين سيستمرون بالتأكيد في صياغة والاعتماد على كثير من النظريات التي تخفق فـي بلوغ هـذه الدرجة من النجاح، فإنه يتعين على