Asharq Al-Awsat Saudi Edition

الأزمات السياسية وارتفاع الأسعار

-

الناشئة من المنتظر أن تصل إلى ٩٧٠ مليار دولار هذا العام، بزيادة قدرها ٣٥ في المائة عن ٢٠١٦.

وتـــأتـــ­ي هــــذه الــتــوقـ­ـعــات فـي أعقاب أداء قوي للأسواق الناشئة فــي الــربــع الأول مــن الــعــام الــذي شـهـد أقـــوى تـدفـقـات مـن المحافظ منذ ٢٠١٤ .

وتـــوقـــ­عـــات المــعــهـ­ـد مـرتـفـعـة بـــمـــقـ­ــدار ٢٩٠ مـــلـــيـ­ــار دولار عـن تقديراتها قبل ٤ أشهر فقط، التي صدرت بعد وقت قصير من تولي دونــــالـ­ـــد تـــرمـــب مــنــصــب­ــه رئـيـسـاً لـلـولايـا­ت المـتـحـدة، عـنـدمـا اعتبر المعهد إجــراءات حمائية أميركية محتملة أكبر تهديد لنمو تدفقات المحافظ إلى الأسواق الناشئة.

ويـتـوقـع المـعـهـد أن التدفقات الرأسمالية مـن غير المقيمين إلى الأسواق الناشئة سترتفع بمقدار ٢٥٢ مليار دولار هذا العام عن عام .٢٠١٦

يرتبط الـعـائـد مـن الاسـتـثـم­ـار ارتـبـاطـاً وثيقاً بمعدل المخاطرة، فكلما زادت المخاطرة في أي استثمار، زاد العائد المتوقع منه، وفي الأحوال الطبيعية، يتطلع السواد الأعظم مـن الـتـجـار إلــى اسـتـثـمـا­رات آمـنـة حـتـى وإن كـانـت قليلة العوائد، مؤمنين بنظرية القليل المستمر، إلا أن هذا القليل قد لا يرضى البعض الآخر من المستثمرين. لذلك فهم يلجأون إلى استثمارات ذات معدل خطر عالٍ للبحث عن عوائد أعلى. وتتعدد العوامل المسبّبة لارتفاع معدل الخطر، فمنها مثلاً، المتاجرة بالممنوعات المعرضة للمصادرة في أي وقـت، أو تجارة المواد ذات الطلب المتقلب أو غير المتوقع. وتعد الحالة السياسية والاقتصادي­ة للبلدان من أكثر العوامل تأثيراً على معدل الخطر في الاستثمار، فالدول المستقرة سياسياً واقتصادياً تحمل معدل خطر منخفض، فيما قد يرتفع هذا المعدل أضعافاً حين الاضطرابات السياسية والاقتصادي­ة. لذلك فالمتوقع من عائدات الاستثمار، والأسعار بالتبعية، الارتـفـاع فـي حـال الأزمـــات السياسية أو الـحـروب، بسبب زيادة معدل الخطر، ومن هنا تبرز نوعية من التجار ممن يستفيدون وينتفعون من هذه الأزمات.

ربط الأسعار والعوائد من الاستثمار بالحالة السياسية ليس غريباً على الاقتصاديي­ن، بل قد سبق ربـط مستوى الديمقراطي­ة أيضاً بارتفاع أسعار المواد الغذائية في بعض الأبحاث العلمية. والخلاصة أن الاستقرار السياسي عامة، يــؤدي إلــى أسـعـار مـعـتـدلـة، وارتــفــا­ع صـحـي تـدريـجـي في الأسـعـار. ومـع وجـود الأزمــات، تتعرض الـدول إلـى عوامل عدة قد تتسبب في زيادة الأسعار، وقد يكون بعض منها منطقياً بحكم الحالة السياسية، ويعود الجزء الآخـر إلى استغلال بعض المستثمرين للحالة الراهنة لزيادة أرباحهم، مستغلين انشغال الحكومات بحل الأزمــة السياسية. من العوامل المسببة في ارتفاع الأسعار هي حالة الذعر التي قـد تـدب بـين الـنـاس فـي حـال الأزمــات السياسية العنيفة. وترتبط هذه الأزمات في أذهان الناس بالجوع ونقص المواد الغذائية، ولـذلـك، يتهافت الـنـاس حيناً إلـى متاجر المـواد الغذائية ليشتروا ما هم بحاجة إليه وما هم ليسوا بحاجة إليه. هذا الارتفاع المفاجئ في الطلب، قد يدفع التجار حينها لزيادة الأسعار؛ مبررين بزيادة الطلب على العرض، والواقع أن تكلفة هذه المواد لم تختلف بزيادة الطلب. وهنا تلعب الرقابة الحكومية دوراً مهماً، فالإغفال عن التجار سيسبب ارتفاع الأسعار من دون شك.

ومـمـا قـد يسبب ارتـفـاع الأسـعـار أثـنـاء هـذه الأزمــات، إحجام كثير من المستثمرين عن دخول الأسواق المضطربة سياسياً، بسبب ارتفاع معدل الخطر، هذا الإحجام يقلل من المنافسة التجارية ويسهّل على التجار رفعُ أسعارِهم. كما أن إدراك المستثمرين بحاجة الحكومة إليهم، قد تدفعهم إلى استغلال الوضع، ومطالبة الحكومة باستمرار رفع الأسعار. وهـنـا يـبـرز الــدور الحكومي فـي احـتـواء ارتـفـاع الأسـعـار، وذلك إما عن طريق فرض رقابة دائمة على التجار، أو بدعم البضائع عن طريق دفع الفارق بين أسعار ما قبل الأزمة وما بعدها. والأهم من ذلك كله الإعلان عن الاحتواء الحكومي لارتفاع الأسعار، فمن دون هذا التوضيح، سيستمر الطلب المرتفع في السوق بهدف التخزين، وسيصعب كثيراً منع الارتفاع المستمر للأسعار.

وتتعدد الأمثلة على ارتباط الأزمات بارتفاع الأسعار على المستوى العالمي أو حتى على المستوى العربي، فبعد أحـداث الربيع العربي ومـا صاحبه من تقلبات سياسية، زادت الأســعــا­ر فـي كثير مـن الـــدول الـعـربـيـ­ة بسبب جشع الـتـجـار وانـخـفـاض الـرقـابـة الـحـكـومـ­يـة عـلـيـهـم. ومـؤخـراً، تعد الحالة القطرية من الأمثلة الحية على تأثير الأزمـات السياسية على أسـعـار البضائع والمـــواد الـغـذائـي­ـة. فعلى الرغم من تعدد المصادر الإخبارية بين إثبات ونفي بارتفاع الأسعار، فإن كثيراً من الجهات الاقتصادية تؤكد أن ارتفاع الأسعار منذ بداية الأزمة، يساوي معدل الارتفاع السنوي. وعلى الـرغـم مـن تعهد الحكومة القطرية باستمرار توفر المــواد الـغـذائـي­ـة، فـإن التقارير تـوضـح زيــادة فـي الأسـعـار. ومن المحتمل أن الحكومة قد تدخلت فعلاً لدعم البضائع، وآتى تدخلها نتائج سبّبت تقنين الارتفاع في الأسعار إلى حد معقول. وقد يكون هذا الارتفاع مبرراً بأي َحال، خاصة أن الأغذية المستوردة عن طريق المنفذ البري الُموقف، تشكل ما يقارب ٤٠ في المائة من نسبة الأغـذيـة المـسـتـور­دة؛ فمن الطبيعي زيادة الأسعار لهذه المواد، خاصة أن تكلفة النقل للمواد البديلة أعلى بكثير. توافر المواد الغذائية قد يعني أن الحكومة القطرية فعلاً وفرت المواد الغذائية كما وعدت، إلا أن الفارق في تكلفة النقل وهو معدل الزيادة بالسعر، سيدفع ثمنه المستهلك لهذه المواد.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia