Asharq Al-Awsat Saudi Edition

مراجعة منظومة التعليم العالي في تونس تكشف تبايناً بين التكوين والتشغيل

نحو ٢٤٠ ألف خريج جامعي عاطل عن العمل

- تونس:المنجي السعيداني

تـــــنـــ­ــكـــــب لـــــجـــ­ــنـــــة مـــهـــتـ­ــمـــة بإصلاح التعليم الجامعي في تونس على البحث عن طريقة تـــحـــسـ­ــين وتـــغـــي­ـــيـــر مــنــظــو­مــة »إمــد« المعتمدة فـي الجامعات الـتـونـسـ­يـة بـعـد إقـــرار بفشلها فـي ضـمـان الــتــلاؤ­م الـضـروري بـين التكوين والتشغيل. ومن المنتظر أن تصدر تقريرا مفصلا يتضمن الإصلاحات الجوهرية كـافـة لـهـذه المـنـظـوم­ـة الـتـي من المنتظر تطبيقها خـلال السنة الجامعية ٢٠١٨ - .٢٠١٩

وتــســعــ­ى وزارة الـتـعـلـي­ـم الــعــالـ­ـي والــبــحـ­ـث الـعـلـمـي في تـونـس إلــى الـبـدء فـي مراجعة منظومة التعليم العالي خلال السنة الجامعية المقبلة ٢٠١٧ - ،٢٠١٨ وذلـــك بــإقــرار إصــلاح عــاجــل أســاســه تـغـيـيـر طـريـقـة الامتحانات في اتجاه تسهيلها مـــن خـــــلال عـــــدم تــقــيــي­ــم المـــــوا­د النظرية والتطبيقية بالطريقة المعتمدة نفسها حاليا ومزيد مــــن تــطــويــ­ر مــنــظــو­مــة »إمـــــد« المعتمدة حاليا فـي مؤسسات التعليم الجامعي في تونس.

وأقــر سليم خلبوس وزيـر الــتــعــ­لــيــم الـــعـــا­لـــي الــتــونـ­ـســي بـمـنـاسـب­ـة الإعـــــل­ان عــن نـتـائـج امتحانات الباكالوري­ا (الثانوية العامة) بفشل منظومة التعليم العالي المعروفة في تونس تحت اسم »إمد« أي إجازة -ماجستير - دكـتـوراه في توفير يد عاملة وكـفـاءات تتلاءم مع متطلبات ســوق الـعـمـل الـتـونـسـ­يـة. وأكـد عـلـى نـجـاح هــذه المـنـظـوم­ـة في عــدة بـلـدان أجنبية ولكنها لم تعرف نسبة النجاح نفسها في تونس ولم تطبق وفق المعايير والمواصفات الدولية المعتمدة.

وأرجــــــ­ــع خــلــبــو­س الــفــشــ­ل الـنـسـبـي لمـنـظـومـ­ة »إمـــــد« إلـى صــعــوبــ­ات عـرفـتـهـا المـنـظـوم­ـة بـأكـمـلـه­ـا عــلــى مــســتــو­ى فـتـرة التدريب للحياة المهنية والتنقل بـين المـؤسـسـا­ت، وإلــغــاء المــواد الاختيارية خـلال مـدة التعليم الجامعي.

وقــال: لا يـوجـد إشـكـال في منظومة »إمـــد« فـي حـد ذاتـهـا بــل فــي تطبيق هــذه المنظومة الـــذي كــان »خـاطـئـا« عـلـى عـدة مستويات وفق قوله.

وأكـــــــ­ـد خـــلـــبـ­ــوس فــــي أحـــد الــــتـــ­ـصــــريــ­ــحــــات الإذاعــــ­ـــيــــــ­ـة أن مـنـظـومـة »إمـــــد« تـمـثـل »بـدعـة تـونـسـيـة لا نــقــوم بـاعـتـمـا­دهـا فـي تـونـس« على حـد تعبيره، وأشــار إلــى أن منظومة »إمــد« يــشــتــر­ط فـيـهـا الاعــتــم­ــاد على مـــــواد اخــتــيــ­اريــة فـيـمـا لا يـتـم الاعتماد على ذلك في الجامعات التونسية كـمـا يـشـتـرط إجــراء تربص في كل سنة وهذا أيضا لا يتم اعتماده.

وعـــلـــى الـــرغـــ­م مـــن الإقــــــ­رار بـمـا حـقـقـتـه مـنـظـومـة التعليم العالي والبحث العلمي خلال الـــعـــش­ـــريـــتـ­ــين المـــاضــ­ـيـــتـــي­ن مـن أهداف كمية ونوعية من أهمها تــكــويــ­ن الآلاف مـــن الــكــفــ­اءات الــعــلــ­يــا والـــوســ­ـطـــى وانــتــشـ­ـار المـــــؤس­ـــــســــ­ـات الـــجـــا­مـــعـــيـ­ــة فــي مـخـتـلـف جــهــات تـــونـــس، فـقـد طـــــرح ذلـــــك تـــحـــدي­ـــات جـــديـــد­ة تـتـعـلـق أســـاســـ­ا بــمــدى تـأقـلـم المــتــخـ­ـرّجــين مـــع ســــوق الـعـمـل سواء من حيث نوعية التكوين أو كذلك من ناحية جودته.

أقــرت الـحـكـومـ­ة التونسية مـــــنـــ­ــذ ســـــنـــ­ــة ٢٠١٠ بـــــوجــ­ـــود ســلــبــي­ــات مــــن خــــــلال تـطـبـيـق مـنـظـومـة »إمــــد« الـــوافــ­ـدة على تـــونـــس، ودعــــت مـجـمـوعـة من الخبراء والمختصين في ميداني التكوين والتشغيل إلى اتخاذ إجــــــــ­راءات عــاجــلــ­ة تــهــدف إلــى ضــــمــــ­ان تــشــغــي­ــلــيــة أصـــحـــا­ب الـــشـــه­ـــادات الــعــلــ­يــا وخـريـجـي الجامعات التونسية وملاءمة تكوينهم مع حاجيات السوق.

واشـــــــ­ـــتــــــ­ــــكـــــ­ـــــى أصــــــــ­ـحــــــــ­ـاب المؤسسات الاقتصادية في أكثر من مناسبة، من تراجع مستوى حاملي شهادات التعليم العالي في اللغات الأساسية (العربية والفرنسية والإنجليزي­ة) وهو ما يقلّص قابلية التشغيل لدى خريجي الجامعات.

وشـــرعـــ­ت وزارة الـتـعـلـي­ـم العالي في تنفيذ خطة لتدارك الـنـقـائـ­ص المـسـجـلـ­ة مــن خـلال تــصــحــي­ــح تـــــدريـ­ــــس الــلــغــ­تــين الــفــرنـ­ـســيــة والإنــجــ­لــيــزيــ­ة فـي جل الشعب الجامعية وتغيير الطرق البيداغوجي­ة وتشجيع الــتــعــ­بــيــر الـــشـــف­ـــوي والمـــراف­ـــقـــة الــبــيــ­داغــوجــي­ــة والــتــعـ­ـلــم عـن طريق الجامعة الافتراضية.

واعــتــمـ­ـدت وزارة التعليم العالي مبدأ تلافي التخصصات الــــدقــ­ــيــــقــ­ــة تــــمــــ­كــــن المــــؤسـ­ـــســــة التعليمية من تعديل المسارات وطــــاقــ­ــات الاســتــي­ــعــاب حـسـب تـــطـــور­ات ومــســتــ­جــدات ســوق العمل والأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن يبرز من اختصاصات دقــيــقــ­ة جــديــدة أو مــن تقلص مـجـال تـشـغـيـل بـعـضـهـا خـلال المـسـار التكويني لـلـطـالـب، إلا أن تــلــك الإصــــلا­حــــات أظــهــرت مـــحـــدو­ديـــة نــتــائــ­جــهــا بـسـبـب تــدفــق الآلاف مـــن المـتـخـرج­ـين سنويا من الجامعات التونسية وبقاء أغلبهم دون عمل.

وعـانـت تـونـس منذ عقود مــن ظــاهــرة الـبـطـالـ­ة المـتـزايـ­دة في صفوف أصحاب الشهادات وعــــمـــ­ـلــــت دون جـــــــــ­دوى عــلــى مـــلاءمــ­ـة الـــبـــر­امـــج الـتـعـلـي­ـمـيـة والتكوينية المختلفة لحاجيات وانتظار سوق العمل المحلية.

وإلـــــى وقــــت قــريــب يـذهـب الاعــــــ­ــتـــــــ­ـقــــــــ­اد لـــــــــ­ـــدى مـــخـــتـ­ــلـــف الأوســـــ­ـــاط والـــشـــ­رائـــح إلــــى أن كـثـرة المـتـخـرج­ـين مــن التعليم الــعــالـ­ـي والــــذيـ­ـــن بــلــغ عــددهــم لـــحـــسـ­ــاب الـــســـن­ـــة الــجــامـ­ـعــيــة المنقضية ٢٠٠٩ - ٢٠١٠ ما يزيد على ٦٥ ألــف وافــد جـديـد على ســوق الـعـمـل، وأن تـلـك الكثرة هـــي ســبــب الــبــطــ­الــة المــتــزا­يــدة لأصحاب الشهادات الجامعية.

وأظـــهـــ­رت الـــدراسـ­ــات الـتـي أجرتها وزارة التعليم العالي الــتــونـ­ـســي أن مــســألــ­ة بـطـالـة خــــريـــ­ـجــــي الـــتـــع­ـــلـــيــ­ـم الـــعـــا­لـــي ليست مرتبطة فقط بالجوانب الـــكـــم­ـــيـــة أي بـــــأعــ­ـــداد خــرجــي الجامعات التونسية، بل أيضا وبالخصوص بجودة التكوين وطبيعة الــشــهــ­ادات المتحصل عليها والتخصصات التعليمية التي يتوجه نحوها الطلبة.

جامعات في كل مكان... لكن

ونتيجة لارتــفــا­ع مـعـدلات التعلم وإجـبـاريـ­ة التعليم في مراحله الأسـاسـيـ­ة، فقد ارتفع عـدد الوافدين على الجامعات التونسية ليقدر بنحو ٣٣٧٣٩٣ طالبا خــلال السنة الجامعية ٢٠١٢ - ٢٠١٣ منهم ٣١٥٥١٣ في القطاع العمومي و٢١٨٨٠ في القطاع الخاص.

ويــــــــ­تــــــــو­زع طـــــــــ­لاب الـــعـــل­ـــم فـــــي تــــونـــ­ـس عـــلـــى نـــحـــو ٢٠٣ مـــؤســـس­ـــات مــنــتــش­ــرة فــــي كـل الــــــــ­ولايــــــ­ــات - المـــــحـ­ــــافــــ­ـظـــــات - التونسية غير أن ١٣٧ مؤسسة جـامـعـيـة مـنـهـا تـشـهـد مشاكل كـثـيـرة مـنـهـا الـبـنـيـة التحتية وفــــق تــقــاريـ­ـر وزارة الـتـعـلـي­ـم العالي التونسية.

وســـــــج­ـــــــل عـــــــــ­ــدد الـــطـــل­ـــبـــة المـــــلـ­ــــتـــــ­حـــــقـــ­ــين بـــــالــ­ـــجـــــا­مـــــعـــ­ــات التونسية تـراجـعـا منذ السنة الجامعية الفارطة وذلك بنحو ٢٨ ألــــف طـــالـــب ومــــن المـنـتـظـ­ر تـــواصـــ­ل هـــــذا الـــتـــر­اجـــع خــلال الـخـمـس ســنــوات المـقـبـلـ­ة وهـو ما قد يعد مؤشرا على الانفراج الـتـدريـج­ـي فـي أعـــداد خريجي الجامعات ويقلل من الضغوط على سوق العمل المحلية.

وبــــــــ­لــــــــغ عـــــــــ­ــــدد خــــريـــ­ـجــــي الــجــامـ­ـعــات الــتــونـ­ـســيــة خــلال السنة الجامعية ٢٠١٢ - ٢٠١٣ فــــي الـــقـــط­ـــاع الــعــمــ­ومــي نـحـو .٦٨٨٨٠

وبـــلـــغ­ـــت الــنــســ­بــة الــعــامـ­ـة للنجاح بالسنوات النهائية في مختلف مـراحـل التكوين ٨٣٫٢ فـي المـائـة وهــي نسبة مرتفعة تــؤثــر عـلـى عــلاقــة المـتـخـرج­ـين مــع ســوق الـعـمـل غـيـر المـلائـمـ­ة لاختصاصات الكثير منهم.

ويـــبـــد­ي اتـــحـــا­د الـعـاطـلـ­ين عـــــــــ­ن الــــــعـ­ـــــمــــ­ــل مـــــــــ­ن أصــــــحـ­ـــــاب الــشــهــ­ادات الـجـامـعـ­يـة (اتــحــاد مستقل) احترازات تجاه الأرقام الرسمية التي تقدمها السلطات الــتــونـ­ـســيــة. وفـــــي هـــــذا الــشــأن ينفي سالم العياري رئيس هذا الاتحاد وجود إجراءات حقيقية لحل معضلة البطالة في تونس.

ويــرجــح أن نـسـب البطالة المعلنة والـتـي تـقـدر بــــ١٥٫٢ في المـــائــ­ـة غــيــر صـحـيـحـة ويــقــول إن عـــدد الــعــاطـ­ـلــين عـــن الـعـمـل مـن أصـحـاب الـشـهـادا­ت العليا يقدر بـــ٢٤٠ ألـف حامل شهادة جــامــعــ­يــة و٣٩٠ ألــفــا مـــن غـيـر حـامـلـي الـشـهـادا­ت الجامعية. ويعتبر أن نسبة البطالة حسب تقديره تصل إلـى ٢٠ في المائة عــكــس الأرقـــــ­ـــام الــرســمـ­ـيــة كـمـا أن مـعـظـم الانــتــد­ابــات موجهة للداخلية والدفاع.

وعلى الرغم من ارتفاع عدد الـجـامـعـ­ات التونسية وتـخـرج عشرات الآلاف من الكوادر العليا والمتوسطة سنويا، فإن معضلة البطالة تبقى مستشرية وتظل تبحث لها عن حل في ظل وعود مـتـواصـلـ­ة لــلأجــيـ­ـال الـجـديـدة باستجابة التكوين الجامعي لحاجيات سوق العمل المحلية.

ويضاف إلـى سـوق العمل سـنـويـا نـحـو ٦٠ ألــف متخرج جديد من بينهم نسبة ٢٧ في المـائـة مـن خريجي الجامعات لا يــلــتــح­ــقــون بـــســـوق الــعــمــ­ل ويصبحون مـن العاطلين عن العمل، فيما تكون وضعية من ليست لهم مؤهلات علمية أو تـكـويـنـي­ـة أعــســر بـكـثـيـر وتـلـك مـشـكـلـة مــن يـــغـــاد­رون مـقـاعـد الدراسة في سن مبكرة.

> كثرة أعداد الخريجين وضيق سوق العمل على رأس أسباب البطالة المتزايدة في تونس > نسبة البطالة تصل إلى ٢٠ ٪ عكس الأرقام الرسمية التي تشير إلى ١٥٫٢ ٪

 ??  ?? مظاهرة لخريجي التعليم العالي العاطلين عن العمل في تونس
مظاهرة لخريجي التعليم العالي العاطلين عن العمل في تونس
 ??  ?? كلية العلوم الإنسانية بمنوبة قرب العاصمة تونس
كلية العلوم الإنسانية بمنوبة قرب العاصمة تونس

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia