الشارع شهد ولادة صحيفة
> قبل ٣٩ عـامـا، وتحديدا فــي الــرابــع مــن يـولـيـو (تــمــوز) مـن عــام ١٩٧٨ ظـهـرت صحيفة »الشرق الأوسط« الدولية لأول مـرة من ساحة »غـف سكواير« الــصــغــيــرة المــتــصــلــة بــشــارع فليت ستريت، بعدما اشترت الـشـركـة الـسـعـوديـة لـلأبـحـاث والـتـسـويـق عــام ١٩٧٦ وكـالـة »برس فوتو« وهي أقدم وكالة صـــور صـحـافـيـة بـريـطـانـيـة، واشـتـرت أيـضـا المبنى الـذي كـانـت تـشـغـلـه تـلـك الـوكـالـة. وأصبح مقر الشركة موطئ الـــــقـــــدم الأول لــلــمــجــمــوعــة الــســعــوديــة فـــي بـريـطـانـيـا ومـــــهـــــدا لــــــــــولادة صـحـيـفـة العرب الدولية، الخضراء.
هــــــذه الـــســـاحـــة كــانــت تعبق بالتاريخ والذكريات فـــفـــيـــهـــا وضــــــــع الـــعـــلامـــة الـــبـــريـــطـــانـــيـــة ســـامـــيـــول جـونـسـون قـامـوسـه الأول للغة الإنـجـلـيـزيـة فـي المبنى المجاور. وكان فليت ستريت فــــــي تــــلــــك الـــحـــقـــبـــة الــقــلـــب النابض لصناعة الصحافة البريطانية، ولعل ذلك المكان أغرب مقر لتبدأ منه ثورة الصحافة العربية.
عـين الأخـــوان الـنـاشـران هـشـام ومـحـمـد علي حـافـظ الـصـحـافـي جـهـاد الـخـازن ليتولى رئـاسـة تحرير الصحيفة وطـلـبـوا منه بـنـاء كــادر مؤهل لإطـلاق »الشرق الأوســط«. وظهر العدد الأول من الصحيفة متأخرا ساعات قليلة عن الموعد المحدد وكانت تلك السويعات كافية لإفساد البرنامج المعد للتوزيع، وتـم استئجار طائرة لتوصيل ٤٠ ألف نسخة إلـى السعودية. ولكن في عـام ١٩٨٠ كانت »الشرق الأوسط« من أوائل من اعتمدوا على إرسال الصفحات عن طريق الأقمار الصناعية.
في بداياتها، تألف كادر الصحيفة من عائلة صغيرة منهم عرفان نظام الدين الذي شغل منصب مدير التحرير، وعـادل الأحمر سكرتير التحرير، وضـمـت أســرة التحرير حـافـظ إبـراهـيـم خير الله وعبد الباري عطوان وحافظ القباني وحسن فؤاد وعـــادل صـلاحـي وعـــادل بـشـتـاوي ووفـائـي ديـاب وحسن لقيص ومتعاونين من »بي بي سي«. إلى جـانـب المـوظـفـين الآخـريـن كالخطاطين وصفافي الأخبار وقسم الإنتاج والتركيب.
ولا يزال البعض من طاقمها المؤسس جزءا من أسرة »الشرق الأوسط« اليوم. منهم إياد أبو شقرا مستشار هيئة التحرير الذي انضم إلى الصحيفة فـي يوليو (تـمـوز) عـام ١٩٧٩. ويـتـذكـر أبـو شقرا لندن والصحيفة في تلك الأيام بقوله »كنا كالعائلة وكانت لندن في تلك الأيام مدينة هادئة (تنام) في عطلة نهاية الأسبوع والمحلات تغلق أبوابها مبكرا لذا كنا نمضي أوقاتنا مع بعضنا البعض«. وعن تجربته في غف سكواير يضيف، »كان حلم حياتي أن أكون من أحد صحافيي فليت ستريت، وتحقق ذلـــك... مـؤسـسـات مثل رويـتـرز والـديـلـي تلغراف والديلي إكسبريس... كنت أسمع عنها في الإذاعة ومن ثم بات مقر عملي جارها«. ويكشف الصحافي الـلـبـنـانـي أنــــه »وســـــط المــطــبــوعــات الـبـريـطـانـيـة الـعـريـقـة، كـانـت تـتـربـع )»الــشــرق الأوســــط«( على ذات الأكشاك والأجانب عرفوها بلون صفحاتها الـخـضـراء«. ويستطرد، »فـي تلك الأيــام لم نشعر أننا غرباء عن باقي قاطني الشارع، بل شعرنا أننا جزء من المنظومة الصحافية«.
الـــصـــحـــافـــي المـــــصـــــري حــــافــــظ قـــبـــانـــي كـــان حـاضـرا مـن قبل موعد إصــدار الصحيفة وتولى الدوليات في بداياتها كما تسلم لاحقا إدارة قسم الترجمة. ويتذكر أيضا البدايات ويقول »العلاقات الإنسانية كـانـت وطـيـدة والمـنـاسـبـات الـتـي كانت تقيمها الـشـركـة كـانـت مـمـيـزة«. ويـضـيـف، »كنا في بـادئ الأمـر نتناول الـغـداء من المطعم التركي لعدم إلمامنا بالمطبخ البريطاني، لكن بعد فترة تمكنا مـن اكتشاف المطاعم الأخــرى منها مطعم (يي أولد تشيشير تشيز) الذي اشتهر بزبائنه من أهـل الصحافة«. ومـن ذكرياته في فليت ستريت اكتظاظه بمركبات الشحن الخاصة بالمطابع التي كانت توزع الورق، والأمسيات التي كان يقضيها فــي نـــادي الـصـحـافـة الــدولــي لـحـضـور فـعـالـيـات ثقافية إلى جانب أبرز الصحافيين.
نديم فرحات، رئيس قسم التنفيذ في »الشرق الأوســـط« انـضـم لعائلتها بعد ثـلاثـة أشـهـر على تـأسـيـسـهـا عـنـدمـا كــانــت الـطـبـعـة تـتـألـف مــن ١٢ صفحة فقط. ويكشف أن عملية تركيب الصفحات حينذاك كانت معقدة جدا بقوله »كانت تأتي المادة من المحرر إلى صفيف الأخبار الذي كان يطبعها ثم يحمضها، ثم كنا نفصل العنوان ثم نضع المادة على الشمع ونقصها بالشفرة وننظف حوافها بالبنزين ونرسلها للطباعة. كانت مهمة معقدة.« ويضيف »تذكرني رائحة الشمع والبنزين في تلك الحقبة التي لطالما كانت لدي جروح طفيفة على أصـابـعـي فيها مـن شـفـرة الـتـركـيـب.« ويستطرد، »كـــان عــددنــا كـبـيـرا وكـــان لـديـنـا ثـلاثـة خطاطين لكتابة العناوين من ضمنهم زميلنا الحالي عبده الريس .«
ويـتـذكـر يـومـيـاتـه فـي قـسـم الـتـركـيـب ويـقـول »كانت مليئة بالإبداع والاعتماد كان على المهارات اليدوية وليس الكومبيوتر وأعتقد أنني أصبت بـالإحـبـاط عـنـدمـا أدخــل الـكـومـبـيـوتـر إلــى مجال التركيب لأن العمل اليدوي كان يستهويني.«
وحــــول مـقـر الـصـحـيـفـة بــجــوار المـطـبـوعـات البريطانية يقول »ولـو اختفى أحـد الموظفين في تلك الأيام من المحررين أو المركبين كنا نبحث عنه في أحد تلك المطاعم. ومن أشهرها مطاعم (الفيش أنــد تـشـيـبـز(«. ويـتـذكـر الـيـوم الـــذي تـزوجـت فيه الأميرة ديانا من الأمير تشارلز ويقول »اكتظ شارع فليت ستريت بالصحافيين والمصورين يتنافسون لالتقاط أفضل صـورة للثنائي الملكي عند مـرور موكبهم المتجه إلى سانت بولز.«
مـع أن المـخـرج الـفـنـي لــدى صحيفة »الـشـرق الأوسط« عادل نعمان لم يبدأ مسيرته في المطبوعة منذ انطلاقها، إلا أنه كان شاهدا على ذكريات غف سكواير من خـلال عمله مع مطبوعات المجموعة السعودية الأخرى مثل »سيدتي« و»المجلة«. كان يستقل سيارته إلى العمل، الأمر الذي اعتبره ميزة مقارنة بزحمة وسط لندن اليوم. وعن يومياته في فليت ستريت يقول »أتذكر المطاعم المجاورة التي كانت تقدم أطباقا منزلية من المطبخ الإنجليزي. تـلـك الأطـبـاق تـمـاشـت مـذاقـاتـهـا مـع طـابـع شـارع الصحافة البريطانية«. ويضيف، »أشتاق إلى غف سكواير نفسه، رونقه كان مميزا جدا وكانت أياما جميلة أمضيناها هناك.«
التحق أبو بكر بـ »الشرق الأوسط« عام ١٩٨٣ كساعٍ أو مـراسـل. وعـن تلك الأيــام يقول »كانت )»الشرق الأوسط«( منذ انطلاقها حديث الناس في فليت ستريت لأنها المطبوعة العربية ذات الصفحات الـخـضـراء وهـكـذا اشتهرت وعرفها العرب والأجانب.« ويضيف، »عندما بدأت كان الصحافيون يكتبون بالقلم وكانت وظيفتي أن أوصـل المـقـالات إلـى قسم صف الأخـبـار ومـن ثم إلى قسم التركيب وكانت عملية طويلة وشاقة.« ويستطرد، »كما كنت أنتظر وصول الصور من الــوكــالات وإيـصـالـهـا لـلـمـحـرر المـنـاسـب وحتى كنت أزور مكتب أسوشييتد برس لتسلم الصور منهم. كنا نكد قبل الـتـطـور التكنولوجي لكن تـاريـخ بــدايــات المـطـبـوعـة مـن أسـبـاب نجاحها وسمعتها اليوم «. ويختتم حديثه ، »اليوم لدينا ساعيان في )»الشرق الأوسـط«،( في تلك الأيام كان عددنا ١٢.«