إيزة جنيني توثق لذاكرتها وأصولها سينمائياً
مخرجة مغربية الأصل سكنتها »أولاد مومن«
إيـــــــــزة جـــنـــيـــنـــي، مـنـتـجـة ومخرجة سينمائية مغربية الأصــــــــول، يــهــوديــة الــديــانــة، وُلِــــــــدت فـــي الـــــــدار الــبــيــضــاء، فـي ١٩٤٢، قبل أن تستقر في فــرنــســا فـــي ١٩٦٠، مـــن دون أن تــقــطــع صـلـتـهـا بــالمــغــرب، الذي ستهتم، في وقت لاحق، بموسيقاه وتقاليده وذاكرته ومـــوروثـــه الــفــنــي والــثــقــافــي، إلــــى درجـــــة أنـــهـــا تـخـصـصـت فــي إنــتــاج أفـــلام وثـائـقـيـة عن الموسيقى المغربية، خصوصاً الـعـيـطـة وكــنــاوة والمـوسـيـقـى الأنـدلـسـيـة، كـمـا أنـتـجـت، في ١٩٨١، فيلم »الـحـال« لمخرجه أحـمـد المـعـنـونـي، الـــذي يوثق سينمائياً لتجربة مجموعة »نــاس الـغـيـوان« الأسـطـوريـة، فيما ينقل جانب من أعمالها النموذج المغربي في تعدديته الـعـرقـيـة والـديـنـيـة، مـن خـلال إبراز واستعادة بعض مظاهر التعايش الإسلامي اليهودي الــذي مـيـز تـاريـخ المــغــرب، في الماضي، البعيد والقريب.
ويـــــتـــــنـــــوع مــــنــــجــــز إيـــــــزة جنيني بين الإنتاج والتوزيع والـــكـــتـــابـــة، ومـــــن ذلـــــك أفــــلام »العيطة« )١٩٨٨)، و»إيقاعات مـراكـش« )١٩٨٩)، و»المـوسـم« )١٩٩١)، و»كـــنـــاوة« ١٩٩٣)،( و»رعشات في أعلى الأطلس« )١٩٩٣)، و»الــعــودة إلــى أولاد مــومــن« )١٩٩٤)، و»مــــن أجـل متعة العين« )١٩٩٧)، و»أصوات المـغـرب« )٢٠٠٣)، و»نـوبـة من ذهب ونور«٢٠٠٧).(
وسيراً على اختيار يركز على المغرب، موروثاً وتنوعاً، ستكتب إيزة جنيني مؤلفات ومقالات تنقل لقناعة إيجابية فيما يخص البلد الذي ولدت فــيــه، حـيـث نــكــون، مــثــلاً، مع مؤلفيها »المـغـرب« و»المـغـرب، مملكة الألف عرس وعرس«.
وشـكـل »مــهــرجــان الـحـوز للثقافة والتنمية والتربية«، فــــي دورتـــــــــه الــــرابــــعــــة، الــــذي اختتم فعالياته أول من أمس، فرصة للتعرف على جانب من تجربة إيزة جنيني، خصوصاً مـــن خــــلال عــــرض شـريـطـيـهـا الوثائقيين »العودة إلى أولاد مــومــن « و»أصــــــوات المــغــرب ،« علاوة على فيلم »الحال«، الذي أسـهـمـت فــي عـمـلـيـة إنــجــازه، والذي يوثق لتجربة موسيقية طبعت المسار الفني لمغرب ما بعد سبعينات القرن الماضي، مــــــع ظــــــاهــــــرة المــــجــــمــــوعــــات، خصوصاً مع مجموعة »ناس الغيوان « الشهيرة.
وإذا كان »الحال« قد شكل، حـسـب تـعـبـيـر إيــــزة جـنـيـنـي، »قــطــعــة مــهــمــة« مـــن حـيـاتـهـا الفنية والمهنية، فيما يتتبع فيلم »أصـوات المغرب« مساراً مـوسـيـقـيـاً يـجـمـع المـوسـيـقـي الأمازيغية بموسيقى كناوة، مــــــــروراً بــالــعــيــطــة والمــلــحــون والـدقـة، وغيرها مـن الأشكال المــوســيــقــيــة الــتــي تــبــرز غـنـى وتنوع الموروث الفني المغربي، فـإن لفيلم »الـعـودة إلـى أولاد مـومـن« بعداً يرتبط بالهوية والـذاكـرة والانتماء إلـى أرض المغرب، من جهة أن فكرته تقوم عـلـى الـجـمـع بـين أفـــراد عائلة إيدري، التي توزعتها مناطق عــدة عـبـر الـعـالـم، مــن أمـيـركـا إلـى أوروبــا، في المنطقة التي عاش فيها آباؤهم وأجدادهم، فـــي المــــغــــرب، الـــتـــي تــقــع قــرب »واد الحجر«، ضواحي مدينة مراكش.
وهـــــــكـــــــذا، فـــفـــيـــمـــا يــنــقــل جانب من أعمال إيزة جنيني للموسيقى والتقاليد المغربية فـي غناها وتنوعها، يحسب لأخـــــــرى ســعــيــهــا إلــــــى إبــــــراز خـاصـيـة الـتـعـايـش الـــذي ميز تـــاريـــخ المـــغـــرب بـــين مـخـتـلـف مــكــونــاتــه، حــيــث يـبـقـى فيلم »الــــعــــودة إلــــى أولاد مــومــن« أبـــــــرز نــــمــــوذج لـــهـــذا الــســعــي المــتــواصــل لاســتــعــادة وإبــــراز هذه الخاصية المغربية، لذلك، نجد إيزة جنيني تستعيد، في أكثر من لقاء، سياق إنجاز هذا العمل، مشيرة إلى أنها قامت في ١٩٧٥، بتصوير حـوار مع والــدهــا، وكـيـف أنـهـا، بعد أن بدأت تسافر كثيراً عبر مختلف مناطق المغرب، أرادت أن ترى المكان الذي عاش فيه والداها، لـتـتـعـرف عــلــى مـنـطـقـة أولاد مومن، قبل أن تفكر بالاحتفال فيها بعيد مـيـلادهـا، ودعــوة كـل أفــراد عائلتها المنتشرين فــــــي مــــنــــاطــــق مـــخـــتـــلـــفـــة مــن الـعـالـم، إلــى تـجـمُّـع احتفالي في منطقة لا يعرفونها. وبعد ذلــك، بـسـنـوات، ستتنبه إيـزة جنيني إلى أنها تملك عناصر مهمة لإنجاز عمل فني، يكون، فــــي عــمــقــه، تــوثــيــقــاً وروايــــــة لـقـصـة عـائـلـتـهـا، انـطـلاقـاً من مــكــان خـــاص، مـتـتـبـعـاً سـيـرة هجرتهم، بعد ذلــك، فـي أكثر من اتجاه عبر العالم.
تــــردد إيــــزة جـنـيـنـي أنـهـا لا تـــتـــمـــوقـــف، فــــي عــلاقــتــهــا، بـالآخـريـن، كيهودية، وأن كل الـنـاس يتعاملون معها على أســـــاس أنــهــا »إيـــــــزة«، مـــع ما تـمـثـلـه طــريــقــة نــطــق اسـمـهـا في حمولته الـدارجـة، وإذا ما سألها أحد عن ديانتها تقول إنـــهـــا يـــهـــوديـــة، مــــن دون أن يغير ذلــك شيئاً فـي علاقتها بهم، حيث تحس دائماً، وهي بقربهم، أنها في بلدها، وبين أهلها.
واستعادت إيـزة جنيني، في لقاء مع »الشرق الأوسط،« علاقتها بالمغرب والفكر الذي يحرك أعمالها الفنية، فقالت إنها اختارت الشق الوثائقي عــــــن »تـــــــــــذوق وحـــــــب ورغــــبــــة فــــي الــتــعــلــم والـــســـفـــر لــلــقــاء الآخــريــن«، مـشـيـرة إلــى أنـهـا، حين بـدأت رحلتها الفنية، لم تكن تفكر في التوثيق للذاكرة أو المــوروث، بل لملاقاة الناس والإنصات إليهم ومقاسمة ما أخذته عنهم مع آخرين.
وعـــن »الـــعـــودة إلـــى أولاد مـــومـــن«، قــالــت إنـــه »لـــم يـكـن، فـقـط، عـمـلاً مـن أجـل التوثيق للذاكرة، بل استجابة لحاجة تتمثل فـي الـربـط بـين مـن أين جئنا وما صرنا عليه، مع ربط كل ذلك بالمستقبل، مع الأجيال الجديدة«.
وعـــــن ســــــؤال مــــــاذا يـمـثـل المــــــغــــــرب بـــالـــنـــســـبـــة إلـــيـــهـــا، أجـابـت، وابتسامة فـرح تملأ عينيها: »هو أنا. إنه يمثلني. إنـه الـهـواء الــذي أتنفسه. هو تـــاريـــخـــي، رغـــــم أنـــنـــي عــشــتُ كــــثــــيــــراً فــــــي فــــرنــــســــا، ولـــكـــن السنوات الأولى التي يقضيها الإنـسـان فـي مـكـان مـا تطبعه بشكل نـهـائـي، وقــد عشت ١٧ ســنــة الأولـــــى مــن حــيــاتــي في المغرب قبل مغادرته، غير أنني أعيش مستعيدة، كل يوم، تلك السنوات من عـمـري«، قبل أن تـــركـــز حــديــثــهــا عــلــى »الــقــيــم الــتــي تـصـنـع تـمـيـز الإنــســان المغربي، من قبيل كرم الضيافة والاحتفاء بالآخر والقدرة على الــعــيــش فــي أمــكــنــة وثــقــافــات متعددة وثقافات«.
وعـن رأيـهـا فـي التحولات التي يشهدها المغرب، قالت إن هناك مدخلين لـقـراء ة ورصـد ذلـــــــــك، أولاً هــــنــــاك الـــتـــحـــول العمراني، حيث نكون بصدد تحول لافـت، عنوانه مشاريع لـــلـــتـــحـــديـــث، بــبــنــيــة تـحـتـيـة تـشـمـل الاتـــصـــالات والـــطـــرق، وغيرها، وثانياً هناك المغرب الذي نعيشه خارج الحواضر الــــكــــبــــرى، كــــمــــراكــــش، حــيــث عـفـويـة الـنـاس وروعـــة المـجـال وصــــعــــوبــــة الــــعــــيــــش، بـشـكـل يـجـعـلـنـا مــع جـــزء مــن مـغـرب يعيش مشكلات على مستوى الـصـحـة والـتـعـلـيـم، وغـيـرهـا، مـــنـــتـــهـــيـــة إلــــــــى أن »المـــــغـــــرب المـــثـــالـــي«، الـــــذي تــــريــــده، هـو المغرب الذي يستطيع أن يجد الــتــوازن بــين خـيـار التحديث من دون التفريط في المؤهلات والـــخـــصـــوصـــيـــات المــجــالــيــة والحضارية والتاريخية التي تميزه.