اﻟﺤﺮﻳﺔ ورﺿﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ
ﻳﺠﻤﻊ ﻣـﻔـﻜـﺮو ﻫــﺬا اﻟـﻌـﺼـﺮ ﻋﻠﻰ أن ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎس أﻣﻴﻞ ﻟﻠﺘﺴﺎﻟﻢ وﻃﺎﻋﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن. ﻫﺬا ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﻀﺮورة أﻧﻬﻢ ﻳﺤﺒﻮن ﺣﻜﻮﻣﺎﺗﻬﻢ أو ﻳﺜﻘﻮن ﺗﻤﺎﻣﴼ ﺑﺮﺟﺎﻟﻬﺎ. ﻓﻲ اﻷﺳﺒﻮع اﳌﺎﺿﻲ ﻣﺜﻼ ﻛﺸﻒ اﺳﺘﻘﺼﺎء ﻟـﻠـﺮأي اﻟـﻌـﺎم أن ٧٣ ﻓﻲ اﳌﺎﺋﺔ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﲔ ﻳﺜﻘﻮن ﺑﺄداء رﺋﻴﺴﻬﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ.
ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻼ أﺣﺪ ﻳﺘﻮﻗﻊ أن ﻳﺘﻤﺮد اﻷﻣـﻴـﺮﻛـﻴـﻮن ﻋـﻠـﻰ ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﻢ. ﻷﻧﻬﻢ - ﺑــﺒــﺴــﺎﻃــﺔ - ﻳــﺜــﻘــﻮن ﺑـــ»اﳌــﺆﺳــﺴــﺔ«، أي اﻟـﻘـﺎﻧـﻮن واﻷﺟــﻬــﺰة اﻟـﺘـﻲ ﺗﻄﺒﻘﻪ. وﻫﻲ ﻻ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺸﺨﺺ اﻟﺮﺋﻴﺲ، ﺑﻞ ﺑـﺎﻟـﻨـﻈـﺎم اﻟـﺴـﻴـﺎﺳـﻲ ﻛــﻜــﻞ. ﻫــﺬا ﻣﺜﺎل ﻣﺘﻜﺮر ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ اﻷوﺿـﺎع اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ. واﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻴﺲ اﺳﺘﺜﻨﺎء.
دﻋــﻨــﺎ ﻧــﻘــﻞ إن ﺛـﻘـﺔ اﻟـﺠـﻤـﻬـﻮر ﻓﻲ اﳌـــﺆﺳـــﺴـــﺔ اﻟــﺮﺳــﻤــﻴــﺔ، ﻧـــﺘـــﺎج ﻟــﻌــﻼﻗــﺔ ﺗـﻔـﺎﻋـﻠـﻴـﺔ ﺑــﲔ اﻟــﻄــﺮﻓــﲔ. ﻗــﺪ ﺗﺘﻌﺎﻇﻢ ﺣــﺘــﻰ ﺗــﺘــﺤــﻮل اﳌـــﺆﺳـــﺴـــﺔ ورﺟــﺎﻟــﻬــﺎ إﻟـــﻰ ﻫـﻴـﺌـﺔ ﻣـﻘـﺪﺳـﺔ ﻳـﺜـﻖ ﺑـﻬـﺎ اﻟـﻨـﺎس ﻣــﻦ دون ﺳـــﺆال، وﻗــﺪ ﺗﻨﻜﻤﺶ أو ﻗﺪ ﺗﻨﻌﺪم ﺗﻤﺎﻣﴼ، وﻳـﺤـﻞ ﻣﺤﻠﻬﺎ اﻟﺮﻳﺒﺔ واﻟﺘﺒﺎﻏﺾ أو ﺣﺘﻰ اﻟﻌﺪاء. وأﻇﻦ أن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻘﺮاء ﻗﺪ رأوا ﻧﻤﺎذج ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ أو ﺗﻠﻚ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻠﺪان.
أﻋــﺘــﻘــﺪ ﺟـــﺎزﻣـــﴼ أن ﻛـــﻞ ﺣــﻜــﻮﻣــﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﺮﻏﺐ ﻓﻲ رﺿﺎ ﺟﻤﻬﻮرﻫﺎ وﺗﻮد ﻟﻮ ﻣﻨﺤﻬﺎ ﺛﻘﺘﻪ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ. وﻫـﻲ ﺗﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ أن ﺛﻤﺔ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺑـﲔ اﻟﺮﻏﺒﺔ وﻧﻴﻞ اﳌــﺮاد. ﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﺜﻘﺔ رﻫـﻦ ﺑﻔﻬﻢ اﻟـﻨـﺨـﺐ اﻟـﺤـﺎﻛـﻤـﺔ ﻟـﻬـﻤـﻮم اﻟـﺠـﻤـﻬـﻮر، وﺗﻮﺟﻴﻪ ﺳﻴﺎﺳﺎت اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻳﺤﺎﻛﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻬﻤﻮم أو ﻳﻌﺎﻟﺠﻬﺎ.
ﻗﺪ ﻳﻐﻀﺐ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﻢ وﻗﺪ ﻳﺮﺗﺎﺑﻮن ﻓﻲ ﺳﻴﺎﺳﺎﺗﻬﺎ. ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﻔﻌﻠﻮن ﻫﺬا ﻷﻧﻬﻢ ﻳﺮﻳﺪون إﺳﻘﺎﻃﻬﺎ. ﺑـــﻞ ﻷﻧــﻬــﻢ ﻳــﺴــﻌــﻮن ﻟـﻠـﻌـﻴـﺶ ﺑــﺴــﻼم، ﻓــﻲ ﻇــﻞ ﻗــﺎﻧــﻮن ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﻣــﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺳﻌﺎدﺗﻬﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ. ﻗﺒﻞ ﺧﻤﺴﺔ ﻗﺮون، ﻧﻈﺮ اﳌﻔﻜﺮ اﻹﻳﻄﺎﻟﻲ ﻧﻴﻜﻮﻟﻮ ﻣﻜﻴﺎﻓﻴﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﳌﺤﺮﻛﺔ ﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻳﺔ. ﻓﻘﺪم ﻣﺠﺎدﻟﺔ ﻣﺘﻴﻨﺔ، ﻓﺤﻮاﻫﺎ أن ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎس ﻣﻘﺘﻨﻌﻮن ﺑﺄن وﻇﻴﻔﺔ اﻟﺤﻜﻢ ﻻ ﺗﺘﺴﻊ إﻻ ﻟـﻌـﺪد ﻗﻠﻴﻞ ﺟـﺪﴽ. وﻟﺬا ﻓﻐﺎﻟﺒﻴﺘﻬﻢ اﻟﺴﺎﺣﻘﺔ ﻻ ﻳﺘﻄﻠﻌﻮن إﻟـــﻰ ﻫـــﺬه اﻟـﻮﻇـﻴـﻔـﺔ وﻻ ﻳـﺴـﻌـﻮن إﻟـﻰ ﻧﻴﻠﻬﺎ. ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﴼ ﻳﺮﻳﺪون اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻛﻲ ﻳﺸﻌﺮوا ﺑﺎﻷﻣﺎن. ﻳﺘﺤﻘﻖ اﻷﻣﺎن ﺣﲔ ﻳﺘﻤﻜﻦ اﻟﻔﺮد ﻣﻦ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ وﺻﻨﺎﻋﺔ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ ﻣﻦ دون أن ﻳﻌﻴﻘﻪ اﻟــﻘــﺎﻧــﻮن ﻓــﻲ ﻛــﻞ ﺧــﻄــﻮة. ﻛﻠﻤﺎ اﺗﺴﻊ اﻟﻘﺎﻧﻮن، ﺗﻮﺳﻊ ﻣﻌﻪ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﺼﺮف اﻟﺤﺮ ﻟﻸﻓﺮاد، ﺳﻮاء ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺘﺼﺮف ﺗﻌﺒﻴﺮﴽ ﻋـﻦ رأي أو اﺧﺘﻴﺎرﴽ ﻟﻌﻤﻞ أو اﻧــﺘــﻘــﺎﻻ ﻣــﻦ ﻣــﻜــﺎن إﻟـــﻰ ﻣـــﻜـــﺎن... إﻟــﺦ. ﺑـﻌـﺒـﺎرة أﺧــــﺮى، ﻓــﺈن اﻟـﺠـﻤـﻬـﻮر ﻳﺮﻳﺪ ﻣـﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أن ﺗـﻘـﻮم ﺑﻌﻤﻠﻬﺎ، وأن ﺗﺪﻋﻪ ﻓﻲ اﳌﻘﺎﺑﻞ ﻳﻘﻮم ﺑﻌﻤﻠﻪ، وﻳﻌﻴﺶ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺎء.
دﻋــﻨــﺎ ﻧـﺘـﺨـﻴـﻞ ﺣــﺎﻟــﺘــﲔ: ﺣـﻜـﻮﻣـﺔ ﺗــﺘــﺪﺧــﻞ ﻓـــﻲ ﺗــﻔــﺎﺻــﻴــﻞ ﺣــﻴــﺎة اﻟــﻨــﺎس اﻟــــﻴــــﻮﻣــــﻴــــﺔ، وأﺧـــــــــﺮى ﺗــــﺮﻛــــﺖ اﻟـــﻨـــﺎس ﻳــﻌــﻴــﺸــﻮن ﻛـــﻤـــﺎ ﻳـــــﺸـــــﺎؤون. أﻓـــﺘـــﺮض أن اﺣــﺘــﻤــﺎﻻت اﻻﺧــﺘــﻼف ﻓــﻲ اﻟـﺤـﺎﻟـﺔ اﻷوﻟﻰ ﺳﺘﻜﻮن أﻛﺒﺮ ﻛﺜﻴﺮﴽ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟـﺜـﺎﻧـﻴـﺔ. وﻣــﻊ اﻷﺧـــﺬ ﺑـﻌـﲔ اﻻﻋـﺘـﺒـﺎر اﻟـــﻔـــﺎرق اﻟـــﻮاﺳـــﻊ ﻓــﻲ اﻹﻣــﻜــﺎﻧــﺎت ﺑﲔ اﻟﻄﺮﻓﲔ، ﻓـﺈن اﳌـﻮاﻃـﻦ ﺳﻴﻤﻴﻞ ﻏﺎﻟﺒﴼ إﻟﻰ ﻓﺮﺿﻴﺔ أن اﻟﺪوﻟﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻞ أي ﺷﻲء، وأﻧﻬﺎ - ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ - ﻣﺴﺆوﻟﺔ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻓﻌﻞ أو إﺣﺠﺎم أو ﺗﺄﺧﻴﺮ. أﻣﺎ ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻊ ﻣﻦ اﻷﺳﺎس أن ﺗﻘﻮم اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺄي ﺷﻲء، وأن ﻋـﻠـﻴـﻪ أن ﻳــﺪﺑــﺮ ﺣــﻴــﺎﺗــﻪ ﺑـﻨـﻔـﺴـﻪ. وﻟﻬﺬا ﻓﻠﻴﺲ ﺛﻤﺔ ﻣــﻮرد ﻟﻠﺨﺼﺎم أو ﻋﺪم اﻟﺮﺿﺎ.
زﺑــﺪة اﻟﻘﻮل إن ﺗﻮﺳﻴﻊ اﻟﻘﺎﻧﻮن، وﺗﻮﺳﻴﻊ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺤﺮة ﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎس، ﻋﺎﻣﻞ ﻣﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﺗﻌﻤﻴﻖ ﺛﻘﺘﻬﻢ ﺑﺤﻜﻮﻣﺘﻬﻢ ورﺿﺎﻫﻢ ﻋﻨﻬﺎ. اﻟﻨﺎس - ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ - ﻳﺮﻳﺪون اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺳﻼم، وﻫـــــﺬا ﻳــﺘــﻄــﻠــﺐ - ﺑـــﲔ أﻣـــــﻮر أﺧـــــﺮى - ﺗﻘﻠﻴﺺ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ إﻟﻰ أدﻧﻰ اﻟﺤﺪود اﳌﻤﻜﻨﺔ.