اﳋﺎرﻃﺔ واﻟﻜﻨﺰ
ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ راﻓـﺪﴽ ﻣﻦ أﻫﻢ رواﻓـﺪ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻓﻲ أي دوﻟــﺔ، وذﻟـﻚ ﻟﻸﺳﺒﺎب اﻵﺗﻴﺔ: أوﻻ أن ﻣﻬﻨﺔ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺗﺨﻠﻖ وﻇﺎﺋﻒ ﻛﺜﻴﺮة ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺛﺎﻧﻴﴼ أﻧـﻬـﺎ ﺗﺠﻠﺐ ﺳﻴﻮﻟﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪ اﻟــﺬي ﻳﺘﺠﻪ إﻟﻴﻪ اﻟﺴﺎﺋﺢ، ﺛﺎﻟﺜﴼ أﻧﻬﺎ ﺗﺸﻐﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٠٩ ﻓﻲ اﳌﺎﺋﺔ ﻣﻦ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺒﻠﺪ، ﺑﺪء ا ﻣﻦ اﻟﺘﺎﻛﺴﻲ واﻧﺘﻬﺎء ﺑﺎﻟﻔﻨﺪﻗﺔ وﻣﺮورﴽ ﺑﺎﳌﻄﺎﻋﻢ وأﺻﺤﺎب اﳌﺤﻼت أﻳﴼ ﻛﺎﻧﺖ، أي أن اﻟــﺴــﺎﺋــﺢ إﻣـــﺎ أن ﻳـﻨـﻔـﻖ ﻋـﻠـﻰ ﻣــﺎ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﺪﻣﺎت أو ﻳﻨﻔﻖ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺴﻮق اﳌﺒﺎﺷﺮ.
ﺗــﺤــﺎول ﺑﻌﺾ اﻟـﺒـﻠـﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﺘﺢ أﺑﻮاﺑﻬﺎ ﻟﻠﺴﺎﺋﺢ وﻟﻸﺳﻒ وﻓﻲ رأﻳﻲ ﻃﺒﻌﴼ ﻟﻢ ﻳﻨﺠﺢ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺳـﻮى ﻟﺒﻨﺎن، ﻣﻊ اﻟﺘﺤﻔﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ أوﻗﻔﺖ ﺣﺎل اﻟﺒﻠﺪ، ودﺑﻲ اﻟﺘﻲ ﻗﺮرت أن ﺗﻜﻮن »ﺑﻠﺪ ﺧﺪﻣﺎت« وﻓﻌﻼ ﺣﻘﻘﺖ ذﻟﻚ، وﻫﻲ أﻳﻀﴼ »ﺑﻠﺪ ﻗــﺎﻧــﻮن«، ﻓـﻨـﺎدرﴽ ﻣـﺎ ﻳـﺤـﺎول أﺣــﺪ أن ﻳﺴﺘﻐﻔﻠﻚ ﻓﻲ دﺑــﻲ، وإن ﻗـﺪر وﻓﻌﻞ، ﻓﺈﻧﻚ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺸﺘﻜﻲ ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻚ ﺣﻘﻚ واﻓﻴﴼ، دﺑﻲ ﺗﺼﺎﻟﺤﺖ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻬﺎ وﻓﺘﺤﺖ أﺑﻮاﺑﻬﺎ ﻟﻠﺴﺎﺋﺢ وﺗﻘﺒﻠﺘﻪ.
ﺑــﻌــﺾ ﺑــﻠــﺪاﻧــﻨــﺎ اﻟــﻌــﺮﺑــﻴــﺔ ﺗــﺮﻳــﺪ أن ﺗــﻜــﻮن ﺑــﻼدﴽ ﺳﻴﺎﺣﻴﺔ، وﻟﻜﻦ ﺑﺸﺮوﻃﻬﺎ ﻻ ﺑﺸﺮوط اﻟﺴﺎﺋﺢ، ﻓﻤﺜﻼ ﻓــﻲ ﺳــﻮرﻳــﺎ ﻗـﺒـﻞ اﻟــﺜــﻮرة أﻧـــﺖ ﻣـﻀـﻄـﺮ إﻟـــﻰ أن ﺗﺪﻓﻊ »ﺑﺨﺸﻴﺸﴼ« ﻣﻦ أول ﻣﺤﻄﺔ وﺻﻮل ﻟﻚ إﻟﻰ أن ﺗﺨﺮج، وأﺗـﺬﻛـﺮ ﻣـﺮة أﻗــﺎم اﻟﺘﻮﻧﺴﻴﻮن ﻣﻌﺮﺿﴼ ﺳﻴﺎﺣﻴﴼ ﻓﻲ اﻟﺮﻳﺎض، وﻟﺮﻏﺒﺘﻲ ﻓﻲ زﻳﺎرة ﺗﻮﻧﺲ وﺷﺮاﺋﻲ اﻟﺘﺬاﻛﺮ وﺟﺪﺗﻬﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﻷن أزور ﻫـﺬا اﳌﻌﺮض. ﺗﺠﻮﻟﺖ ﻓﻲ اﳌﻌﺮض واﻟﺘﻘﻴﺖ اﳌﻠﺤﻖ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺑﺪأت أﺗﺤﺪث ﻣﻌﻪ ﻋﻦ رﻏﺒﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﺬﻫﺎب إﻟﻰ ﺗﻮﻧﺲ، ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻧﻲ اﻫﺘﻤﺎﻣﴼ، وﺑـــﺪأ ﻣﺸﻴﺤﴼ ﺑـﻮﺟـﻬـﻪ وﻟـﻜـﻨـﻲ ﻟــﻢ أﻛــﺘــﺮث وواﺻــﻠــﺖ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻌﻪ، وﻗﻠﺖ ﻟﻪ إﻧﻨﻲ أرﻏﺐ ﻓﻲ أن أذﻫﺐ أﻧﺎ وﻋﺎﺋﻠﺘﻲ... أرﺟـﻮ أن ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ إﻟﻰ أﻳﻦ أذﻫـﺐ؟ ﺗﻐﻴﺮ ﺣﺎﻟﻪ وﺑﺪأ ﻳﺮدد: أﻧﺖ وﻋﺎﺋﻠﺘﻚ... أﻧﺖ وﻋﺎﺋﻠﺘﻚ...؟! ﻓﺄﺟﺒﺖ ﺑـ»ﻧﻌﻢ«، ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﺖ أﺳﺎرﻳﺮه وﺑـﺪأ ﻳﺤﺪﺛﻨﻲ ﻋﻦ ﺗﻮﻧﺲ وإﻟـﻰ أﻳـﻦ أذﻫـﺐ وﻛـﻞ ﻣﺎ أﺣﺘﺎج إﻟﻴﻪ، ﻟﻦ أﻃﻴﻞ ﻋﻠﻴﻜﻢ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻗﻨﺎﻋﺔ أن اﻟﺮﺟﻞ ﻛﺎن ﻳﺤﺎﻛﻢ ﻧﻴﺘﻲ؛ ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻲ إﻻ أن أﻟﻐﻴﺖ اﻟﺮﺣﻠﺔ إﻟﻰ ﺗﻮﻧﺲ واﺧﺘﺮت وﺟﻬﻪ أﺧﺮى.
ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟـﻌـﺎﻟـﻢ اﻟـﻌـﺮﺑـﻲ أﻧــﻪ ﻳــﺮﻏــﺐ ﻓــﻲ اﺟــﺘــﺬاب اﻟــﺴــﻴــﺎح، وﻟــﻜــﻨــﻪ ﻳــﻀــﻊ أﻣــﺎﻣــﻬــﻢ اﻟــﻌــﺮاﻗــﻴــﻞ، أي أﻧــﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﺼﺎﻟﺢ ﻣـﻊ ﻧﻔﺴﻪ، اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻓﺘﺤﺖ ﺟﺰﺋﻴﴼ اﻷﺳﺒﻮع اﳌﺎﺿﻲ »اﻟﻜﻨﺰ اﳌﻐﻠﻖ«، ﻋﺒﺮ ﻓﺘﺢ ﺗﺄﺷﻴﺮات اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻜﺎﺗﺐ اﻟﺴﻔﺮ، ﻓﻤﺎذا ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻛﺴﻌﻮدﻳﲔ أن ﻧﻌﻤﻞ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟـﻰ ﻫـﺬا اﻟﻜﻨﺰ؟ أوﻻ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻊ اﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺮﺑﺘﻲ دﺑﻲ وﻟﺒﻨﺎن.
أن ﻧﺘﺼﺎﻟﺢ ﻣﻊ ذواﺗﻨﺎ وﻧﻘﺒﻞ اﻟﺴﺎﺋﺢ، وﺣﺴﻨﴼ ﻓـﻌـﻠـﺖ اﻟــﺠــﻬــﺎت اﳌـﻌـﻨـﻴـﺔ ﺣـﻴـﻨـﻤـﺎ ﻗــﻴــﺪت اﻟـﺘـﺄﺷـﻴـﺮات اﻟــﺴــﻴــﺎﺣــﻴــﺔ ﻋــﺒــﺮ ﻣــﻜــﺎﺗــﺐ اﻟــﺴــﻔــﺮ، وذﻟـــــﻚ ﻷﻧــﻨــﺎ ﻏﻴﺮ ﺟﺎﻫﺰﻳﻦ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎح ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟـــﺮاﻫـــﻦ، ﻓـﻴـﺠـﺐ أن ﻧـﺸـﺠـﻊ اﻟـﺼـﻨـﺎﻋـﺔ اﻟـﺨـﺪﻣـﻴـﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺪﻗﺔ واﻧـﺘـﻬـﺎء ﺑﺎﻟﺘﺮﻓﻴﻪ، ﻣـــﺮورﴽ ﺑﺘﺠﻬﻴﺰ اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺘﺤﺘﻴﺔ ﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﺴﺎﺋﺢ.
إذا اﺳﺘﺨﺪﻣﻨﺎ ﻫﺬه اﻟﺨﺎرﻃﺔ ﻓﺜﻘﻮا أﻧﻨﺎ ﺳﻨﺼﻞ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻜﻨﺰ اﻟﺬي ﻳﻮﻓﺮ ﻓﺮص ﻋﻤﻞ ﻣﻨﻈﻮرة وﻏﻴﺮ ﻣﻨﻈﻮرة ﻻ ﺳﻴﻤﺎ أن ﻛﻞ ﺷﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻳﺘﻜﻠﻢ، ﻓﻬﻨﺎ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﻴﻞ وﻓـﻲ اﻟﺸﻤﺎل ﻣﻮﻗﻊ ذي ﻗـﺎر وﻓﻲ اﻟﻘﺼﻴﻢ دﻳﺎر ﻋﻨﺘﺮة وﻣﻌﺸﻮﻗﺘﻪ ﻋﺒﻠﺔ، وﻓﻲ اﻷﻓﻼج دﻳﺎر ﻣﺠﻨﻮن ﻟﻴﻠﻰ، وﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب اﻷﺧﺪود، وﻓﻲ ﻣﻜﺔ اﳌﻜﺮﻣﺔ واﳌﺪﻳﻨﺔ اﳌـﻨـﻮرة ﺣــﺪث وﻻ ﺣــﺮج، ﻓﻜﻞ ﺷﺒﺮ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﺪء ا ﻣﻦ ﻣﻨﺰل اﻟﺴﻴﺪة ﺧﺪﻳﺠﺔ رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ، واﻧﺘﻬﺎء ﺑﺎﻟﺨﻨﺪق.
ﻟﻦ أﻃﻴﻞ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﻜﻠﻤﺎ أﻇﻬﺮﻧﺎ ﻫﺬه اﻵﺛﺎر ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺳﺘﺠﺬب ﺳﻴﺎﺣﴼ ﻣﻦ اﻟﺪول اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ. وإن ﻛﻨﺖ أﺗﻤﻨﻰ أن ﻧﻜﺴﺮ اﻟﻘﻴﺪ ﻋﻦ ﺗﺄﺷﻴﺮات اﻟﺤﺠﺎج واﳌﻌﺘﻤﺮﻳﻦ، وأن ﻧﺴﻤﺢ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﻨﻘﻞ ﻓﻲ أرﺟـﺎء اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ، وأﻧﺘﻢ ﺗﻌﺮﻓﻮن أﻳﻬﺎ اﻟﻘﺮاء اﻟﻜﺮام أن اﻟﺘﻨﻘﻞ ﻳﻌﻨﻲ إﻧﻔﺎق اﻟﻨﻘﻮد، وﻟﻜﻞ أوﻟﺌﻚ اﳌﺘﺨﻮﻓﲔ ﻣﻦ ﺑﻘﺎء اﻟﺤﺠﺎج وﻋـﺪم ﻣﻐﺎدرﺗﻬﻢ إذا ﺳﻤﺤﻨﺎ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﻨﻘﻞ، أﻗﻮل: ﺷﺪدوا اﻟﺠﺰاء ات واﺟﻌﻠﻮﻫﺎ رادﻋﺔ.