»ﻻﻣﻨﺘﻤﻲ« ﻛﻮﻟﻦ وﻟﺴﻮن ﺑﻌﺪ واﺣﺪ وﺳﺘﲔ ﻋﺎﻣﴼ
ﻛﺎن ﻣﺠﺮد ﺧﻄﻔﺔ ﺑﺮق ﻋﺎﺑﺮة ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﻄﻔﺄت
ﻧﻈﺮ اﻟﻨﻘﺎد اﻷﻛﺎدﳝﻴﻮن ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ إﻟﻰ وﻟﺴﻮن ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻫﺎو ﻻ ﻣﺤﱰف وﺟﻮال ﺑﻼ ﻣﻨﻬﺞ ﰲ ﺣﻘﻞ اﻷدب ﻳﻘﻄﻒ زﻫﺮة ﻣﻦ ﻫﻨﺎ أو ﻳﻘﺘﻠﻊ ﺷﻮﻛﺔ ﻣﻦ ﻫﻨﺎك
»اﻟﻼﻣﻨﺘﻤﻲ« ﻫﻞ ﺗﺘﺬﻛﺮوﻧﻪ؟ إﻧـﻪ اﻟﻜﺘﺎب اﻟــﺬي ﺻـﺪر ﻋـﺎم ٦٥٩١ ﳌـــﺆﻟـــﻒ ﻟـــﻢ ﻳــﻜــﻦ وﻗــﺘــﻬــﺎ ﻗـــﺪ أﻛــﻤــﻞ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ. وﺑﲔ ﻋﺸﻴﺔ وﺿــﺤــﺎﻫــﺎ ﻏــــﺪا ﻣــﺆﻟــﻒ اﻟــﻜــﺘــﺎب - اﻷدﻳــﺐ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﻛﻮﻟﻦ وﻟﺴﻮن - ﻧـﺠـﻤـﺎ ﻳـﻜـﺴـﻒ ﺑــﻨــﻮره ﻏــﻴــﺮه ﻣﻦ اﻷدﺑﺎء اﻷﻛﺒﺮ ﺳﻨﺎ واﻷرﺳﺦ ﻗﺪﻣﺎ. وواﺻﻞ وﻟﺴﻮن ﻣﺴﻴﺮﺗﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻤﺤﺎوﻟﺔ إﻗﺎﻣﺔ »وﺟﻮدﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة« ﺗـــﺮﺗـــﻮي ﻣـــﻦ ﻓــﻠــﺴــﻔــﺎت ﺑــﺮﺟــﺴــﻮن وﺑــﺮﻧــﺎردﺷــﻮ اﻟـﺘـﻔـﺎؤﻟـﻴـﺔ وﺗﻨﺒﻨﻲ ﻋــﻠــﻰ دراﺳـــﺘـــﻪ ﻟــﻈــﺎﻫــﺮة اﻻﻏــﺘــﺮاب ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻫﺬا إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ رواﻳـــــﺎﺗـــــﻪ، وﻛــﺘــﺎﺑــﺎﺗــﻪ ﻋـــﻦ أﺻـــﻮل اﻟــﺪاﻓــﻊ اﻟـﺠـﻨـﺴـﻲ وﻋــﻠــﻢ اﻟـﺠـﺮﻳـﻤـﺔ واﻟﺨﻴﺎل اﻟﻌﻠﻤﻲ وﻇﻮاﻫﺮ ﻣﺎ وراء اﻟــﻄــﺒــﻴــﻌــﺔ واﻟـــﺤـــﻴـــﺎة ﺑــﻌــﺪ اﳌــــﻮت، وﺳﻴﺮﺗﻪ اﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻟﺼﺎدرة ﻓﻲ ٤٠٠٢ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »اﻟﺤﻠﻢ ﻟﻐﺮض« وﻫﻲ ﺳﻴﺮة ﻣﻤﺘﻌﺔ ﺗﻤﺘﺎز ﺑﺎﻟﺼﺮاﺣﺔ.
ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻠﻤﻌﺎن ﻟﻢ ﻳﺪم - وا أﺳـﻔـﺎه - ﻃـﻮﻳـﻼ. ﻓﻘﺪ ﻧﻈﺮ اﻟﻨﻘﺎد اﻷﻛـــﺎدﻳـــﻤـــﻴـــﻮن ﻣــﻨــﺬ اﻟـــﺒـــﺪاﻳـــﺔ إﻟــﻰ وﻟﺴﻮن ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻫﺎو ﻻ ﻣﺤﺘﺮف. إﻧﻪ ﺟﻮال ﺑﻼ ﻣﻨﻬﺞ ﻓﻲ ﺣﻘﻞ اﻷدب ﻳــﻘــﻄــﻒ زﻫــــﺮة ﻣـــﻦ ﻫــﻨــﺎ أو ﻳﻘﺘﻠﻊ ﺷــﻮﻛــﺔ ﻣـــﻦ ﻫـــﻨـــﺎك. وﻟــﻜــﻨــﻪ ﻳﻔﺘﻘﺮ إﻟــﻰ اﻻﺗــﺴــﺎق اﳌـﻨـﻬـﺠـﻲ وﻻ ﻳﻤﻠﻚ اﻟﺼﺮاﻣﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻹﻗﺎﻣﺔ أي ﺑﻨﺎء ﻋﻘﻠﻲ. ﻫﻜﺬا زاﻟــﺖ ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎ اﻟــــﻬــــﺎﻟــــﺔ اﻟــــﺘــــﻲ أﺣـــــﺎﻃـــــﺖ ﺑــﺎﺳــﻤــﻪ واﻧﻔﺠﺮت اﻟﻔﻘﺎﻋﺔ. ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻪ ذﻛﺮ ﻓـﻲ ﺗـﻮارﻳـﺦ اﻷدب اﳌﻌﺘﻤﺪة وﻏـﺪا ﻛﺘﺎب »اﻟﻼﻣﻨﺘﻤﻲ« ﻣﺠﺮد ﺧﻄﻔﺔ ﺑﺮق ﻋﺎﺑﺮة ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﻄﻔﺄت أو ﻫﻮ واﺣﺪ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻜﺘﺐ ﻣﺒﻴﻌﺎ ﻓﻲ زﻣﻨﻪ وﻟﻜﻨﻪ اﻟﻴﻮم ﻻ ﻳﺤﻤﻞ وزﻧﺎ ﻛﺒﻴﺮا ﻻ ﻓﻜﺮﻳﺎ وﻻ إﺑﺪاﻋﻴﺎ.
ﻣﻦ اﳌﺄﻟﻮف ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻷدب أن ﺗﻤﺮ ﺳﻤﻌﺔ أي أدﻳﺐ ﺑﻔﺘﺮات ازدﻫﺎر وﻓﺘﺮات اﻧﺤﺴﺎر. ﻟﻜﻦ اﳌﺼﻴﺮ اﻟﺬي ﺣـﺎق ﺑﻜﻮﻟﻦ وﻟﺴﻮن ﻛـﺎن ﻣﺼﻴﺮا ﻗـﺎﺳـﻴـﺎ ﺣــﻘــﺎ. أﺗــــﺮاه ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻫـﺬا اﻹﻫــــﻤــــﺎل ﻣــــﻦ اﻟـــﻨـــﻘـــﺎد اﻟـــﺠـــﺎدﻳـــﻦ؟ ﻟــﺌــﻦ ﻛـــــﺎن اﻟــﺠــﻤــﻬــﻮر اﻟــــﻘــــﺎرئ ﻗـﺪ ﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ ﻗﻴﻤﺘﻪ اﺑﺘﺪاء ﻓﺈن اﻟﻨﻘﺎد ﻓـﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮي ﻗـﺪ ﺑﺎﻟﻐﻮا أﻳﻀﺎ ﻓﻲ إﻫﻤﺎﻟﻪ. إﻧﻪ ﻳﻤﺜﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ. ﻟﺤﻈﺔ ﻣﺮت ﺣﻘﺎ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺤﻈﺔ ﺻﺎدﻗﺔ وﺗـــﻌـــﺒـــﻴـــﺮا ﺟــــــﺎء ﻓـــــﻲ أواﻧـــــــــﻪ ﻟــﻜــﻲ ﻳﻌﻴﺪ إﻟـﻰ اﻟـﺬاﻛـﺮة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ أدﺑـﺎء وﻓــﻨــﺎﻧــﲔ ﻣـﻐـﺘـﺮﺑـﲔ ﻣـﺜـﻞ اﻟــﺮواﺋــﻲ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ واﻟﺮﺳﺎم ﻓﺎن ﺟﻮخ وراﻗﺺ اﻟﺒﺎﻟﻴﻪ اﻟﺮوﺳﻲ ﻧﻐﻨﺴﻜﻲ واﳌﻐﺎﻣﺮ ﻟﻮرﻧﺲ اﻟﻌﺮب وﻏﻴﺮﻫﻢ.
وﻓــــﻲ ﻣــﻨــﺎﺳــﺒــﺔ ﻣــــــﺮور ﺳـﺘـﲔ ﻋــﺎﻣــﺎ ﻋــﻠــﻰ ﺻــــﺪور »اﻟـﻼﻣـﻨـﺘـﻤـﻲ« أﺻـﺪرت دار اﻟﻨﺸﺮ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﺗﺎر ﺷــﺮﺑــﺮﻳــﺠــﻲ ﺧـــﻼل اﻟــﻌــﺎم اﳌــﺎﺿــﻲ )٦١٠٢( ﻛﺘﺎﺑﺎ ﻓﻲ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﺻﻔﺤﺔ ﻋـﻨـﻮاﻧـﻪ »ﻣــﺎ وراء اﻹﻧــﺴــﺎن اﻵﻟــﻲ: ﺣﻴﺎة ﻛﻮﻟﻦ وﻟﺴﻮن وأﻋﻤﺎﻟﻪ« ﻣﻦ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺟﺎري ﻻﺷﻤﺎن، ﻛﻤﺎ أﻋﺎدت اﻟـــﺪار إﺻـــﺪار ﻛـﺘـﺎب »اﻟﻼﻣﻨﺘﻤﻲ« ﻓﻲ ﻃﺒﻌﺔ ورﻗﻴﺔ وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻣﺰدوﺟﺔ ﻹﻋﺎدة وﻟﺴﻮن إﻟﻰ داﺋﺮة اﻟﻨﻮر ﺑﻌﺪ أن اﻧﻘﻀﺖ ﻓﺘﺮة زﻣﻨﻴﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﺘﻘﻴﻴﻢ إﻧﺠﺎزه دون ﺗﻬﻮﻳﻞ وﻻ ﺗﻬﻮﻳﻦ.
ﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ أن ﻧﻘﻮل إن ﻛﺘﺎب ﻻﺷﻤﺎن )وﻫــﻮ ﻣﻮﺟﻪ إﻟـﻰ اﻟﻘﺎرئ اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ أﺳﺎﺳﺎ( ﻳﺒﺎﻟﻎ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻗﻴﻤﺔ وﻟﺴﻮن وﻛﺄﻧﻪ أﺣﺪ اﻟﻘﺪﻳﺴﲔ وﻳــﺮﺳــﻢ ﻟــﻪ ﺻـــﻮرة ﺑـﻄـﻮﻟـﻴـﺔ وﻫـﻮ ﻳﻘﺎوم ﻇﺮوﻓﻪ اﳌﺎدﻳﺔ اﻟﺼﻌﺒﺔ )ﻛﺎن أﺑﻮاه ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ. وﻟﻢ ﻳﺘﻢ وﻟــﺴــﻮن دراﺳــﺘــﻪ إذ ﺗــﺮك اﳌـﺪرﺳـﺔ ﻓﻲ ﺳﻦ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﺸﺮة واﻣﺘﻬﻦ ﻋــﺪة ﻣﻬﻦ ﺛــﻢ إذا ﺑــﻪ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻳﺨﺮج ﻛﺘﺎﺑﺎ ﺑﻴﻊ ﻣﻨﻪ ﺧﻤﺴﺔ آﻻف ﻧﺴﺨﺔ ﻓﻲ ﻳﻮم واﺣﺪ وأﺷﺎد ﺑﻪ ﻣﺮاﺟﻌﻮ اﻟﻜﺘﺐ - ﻣﺜﻞ ﺳﻴﺮﻳﻞ ﻛـﻮﻧـﻮﻟـﻲ - ﻓــﻲ اﻟـﺼـﺤـﺎﻓـﺔ اﻷدﺑـﻴـﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ(. وﻛﺎن وﻟﺴﻮن ﻗﺪ ﻗﺎل ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻟﻼﻣﻨﺘﻤﻲ«: »ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻳــﻨــﺼــﺐ ﺧـــﺎرﺟـــﺎ ﻣــﻨــﻲ ﻣــﺜــﻞ ﺣﻤﻢ ﺑــﺮﻛــﺎن ﻣﻨﺼﻬﺮة. ﻛﻨﺖ أﻛـﺘـﺐ ﻋﻦ ﻧـﻔـﺴـﻲ وأﺑــﺼــﺮ ﻧـﻔـﺴـﻲ ﻓــﻲ ﻣـﺮاﻳـﺎ ﻓــــﺎن ﺟــــﻮخ وﻧــﻐــﻨــﺴــﻜــﻲ وﻧـﻴـﺘـﺸـﻪ وت.ا ﻟـــﻮرﻧـــﺲ«. ﻋــﺪ وﻟــﺴــﻮن ﻣﻦ »اﻟـﺸـﺒـﺎب اﻟـﻐـﺎﺿـﺐ« ﻓـﻲ إﻧﺠﻠﺘﺮا ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺧﻤﺴﻴﻨﺎت اﻟﻘﺮن اﳌﺎﺿﻲ ﺟﻨﺒﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻣﻊ ﺟﻮن أوزﺑﻮرن وﻛــﻨــﻐــﺰﻟــﻲ إﻳــﻤــﺲ وآﻻن ﺳﻠﻴﺘﻮ وﺟﻮن ﺑﺮﻳﻦ وﻏﻴﺮﻫﻢ. وﻳﻘﻮل ﻋﻨﻪ ﻻﺷـﻤـﺎن: »ﻟﻘﺪ ﻛــﺎن ﻗــﺎدرا ﻋﻠﻰ أن ﻳﺘﺸﺮب ﻣـﻦ أي ﻛﺘﺎب ﻣــﺎدة ﺗﻔﻮق ﻣــﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﻏــﻠــﺐ اﻟـــﺪارﺳـــﲔ أن ﻳﺘﺸﺮﺑﻮه ﻓﻲ ﺣﻴﺎة ﻛﺎﻣﻠﺔ«. وﻋﻠﻰ ﻣــﺮ اﻟـﺴـﻨـﲔ أﺧـــﺮج وﻟــﺴــﻮن ﻗـﺮاﺑـﺔ ﻣﺎﺋﺔ ﻛﺘﺎب وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺸﻔﻊ ﻟﻪ ﻓــﻲ ﻧـﻈـﺮ ﻧــﻘــﺎد اﻷدب وأﻗــﺮاﻧــﻪ ﻣﻦ اﻷدﺑـــﺎء ﺑـﻞ وﻻ اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟـﻌـﺎدي اﻟــــــــﺬي اﻧـــــﺼـــــﺮف ﻋـــﻨـــﻪ ﺗــﺪرﻳــﺠــﻴــﺎ )ﺑـــﺪأ ﺗــﺪﻫــﻮر ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣـﻨـﺬ أﺻــﺪر ﻛـﺘـﺎﺑـﻪ اﻟــﺜــﺎﻧــﻲ »اﻟــﺪﻳــﻦ واﳌــﺘــﻤــﺮد« ﻓــﻲ ٨٥٩١(. وﺑـﻌـﺪ أن ﻛـﺎﻧـﺖ ﻛﺘﺒﻪ ﺗـــــﺪرس ﻓـــﻲ اﻟــﺠــﺎﻣــﻌــﺎت )ﺧــﺎﺻــﺔ اﻟـﺠـﺎﻣـﻌـﺎت اﻷﻣـﻴـﺮﻛـﻴـﺔ( ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ أدب ﺟﺎد ذو ﻗﻴﻤﺔ ﺑﺎﻗﻴﺔ أﺻﺒﺤﺖ اﻵن ﻣﻬﻤﻠﺔ ﻳﻌﻠﻮﻫﺎ اﻟـﺘـﺮاب ﺗﺮﻗﺪ ﻓـﻲ ﻃﺒﻌﺎت ورﻗـﻴـﺔ رﺧﻴﺼﺔ ﻋﻠﻰ أرﻓـــﻒ اﻟـﺴـﻮﺑـﺮ ﻣــﺎرﻛــﺖ وﻣﺤﻄﺎت اﻟﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ.
ﻛــﻴــﻒ ﻧــﻔــﺴــﺮ ﻫــــﺬا اﻻﻧـــﻘـــﻼب اﻟﺤﺎد؟ ﻟﻘﺪ ﻛﺘﺐ ﻓﻴﻞ ﺑﻴﻜﺮ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻓــــﻲ »ﻣــﻠــﺤــﻖ اﻟــﺘــﺎﻳــﻤــﺰ اﻷدﺑــــــﻲ« ٧١ ﻓﺒﺮاﻳﺮ )ﺷــﺒــﺎط( ٧٠١٢ ﻳﻘﻮل ﻓـــﻴـــﻬـــﺎ إن وﻟـــــﺴـــــﻮن ﺣـــﻔـــﺮ ﻗــﺒــﺮه ﺑــﻴــﺪه ﺣــﲔ راح ﻳــﺼــﺪر أﺣـﻜـﺎﻣـﺎ ﻃـﺎﺋـﺸـﺔ ﻏـﻴـﺮ ﻣـﺴـﺆوﻟـﺔ ﻣــﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﻗﻮﻟﻪ إن ﺷﻜﺴﺒﻴﺮ أﻳﻘﻮﻧﺔ اﻷدب اﻹﻧـــﺠـــﻠـــﻴـــﺰي »ﻛــــــﺎن ذا ﻋـــﻘـــﻞ ﻣـﻦ اﻟــﺪرﺟــﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑـﺼـﻮرة ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻣـﺜـﻞ رواﺋــﻴــﺔ أﻧــﺜــﻰ« )ﻓـــﻲ ﺿﺮﺑﺔ واﺣﺪة أﻏﻀﺐ اﻟﻨﻘﺎد واﻟﻨﺴﺎء(. وﻗــﺎل ﻋـﻦ ﺻﻤﻮﺋﻴﻞ ﺑﻜﻴﺖ وﻫﻮ أﻋـﻈـﻢ ﻛـﺘـﺎب اﳌـﺴـﺮح اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ اﻟــــﺜــــﺎﻧــــﻴــــﺔ: »أي ﺗـــــــﺮﻫـــــــﺎت! ﻫــــﺬا اﻵﻳــﺮﻟــﻨــﺪي اﻟـﻐـﺒـﻲ اﻟـــﺬي ﻳﺘﺠﻮل ﻗـﺎﺋـﻼ إن اﻟـﺤـﻴـﺎة ﻟﻴﺴﺖ ﺟـﺪﻳـﺮة ﺑـــﺄن ﻧــﺤــﻴــﺎﻫــﺎ؟«. وﻧــﺼــﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﺣــﻜــﻤــﺎ ﻋــﻠــﻰ ﻓــﻠــﺴــﻔــﺎت ﻣـﻔـﻜـﺮﻳـﻦ وﻧﻘﺎد ﻛﺒﺎر ﻣﺜﻞ ﺳﺎرﺗﺮ اﻟﻮﺟﻮدي ودرﻳــﺪا اﻟﺘﻔﻜﻴﻜﻲ وروﻻن ﺑﺎرت اﻟﺴﻤﻴﻮﻃﻴﻘﻲ )ﻋﻠﻢ اﻟﻌﻼﻣﺎت(. أﺿـــﻒ إﻟـــﻰ ذﻟـــﻚ ﻏــــﺮوره اﳌـﺴـﺮف ﻓﺤﲔ ﻧﺸﺮ ﻳﻮﻣﻴﺎﺗﻪ ﻓـﻲ ﺟﺮﻳﺪة »ذا دﻳـــــﻠـــــﻲ ﻣـــــﻴـــــﻞ« ﻗـــــــــﺎل: »إﻧـــــﻲ اﻟــﻌــﺒــﻘــﺮﻳــﺔ اﻷدﺑــــﻴــــﺔ اﻟــﻜــﺒــﺮى ﻓﻲ ﻗﺮﻧﻨﺎ اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ«. وﻟﻢ ﻳﺘﻐﻴﺮ رأﻳﻪ ﻓـﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟــﻚ ﻓﺒﻌﺪ أرﺑﻌﺔ ﻋــﻘــﻮد ﻗــــﺎل ﻓـــﻲ ﻣــﻘــﺎﺑــﻠــﺔ أﺟــﺮﻳــﺖ ﻣﻌﻪ: »ﻳﺒﺪو أﻧـﻪ ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﺳﻴﻘﻮﻟﻮن: )ﻟﻘﺪ ﻛﺎن وﻟﺴﻮن ﻋــﺒــﻘــﺮﻳــﺎ( ذﻟــــﻚ أﻧــــﻲ ﻛــﻨــﺖ ﻧـﻘـﻄـﺔ ﺗﺤﻮل ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺬﻫﻨﻲ«.
وﻛﺎن وﻟﺴﻮن ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ذا ﻣﻴﻮل ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺷﻴﺔ، ﻳﻤﺠﺪ »اﻹرادة« ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﻨﺎزﻳﻮن ﻓﻲ أﺛﺮ ﻧﺘﺸﻪ. اﻟﻌﺒﺎﻗﺮة ﻓﻲ ﻧﻈﺮه ﻫﻢ اﻟﻨﺨﺒﺔ اﳌـﺨـﺘـﺎرة ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻗﻄﻌﺎن اﻟـﺠـﻤـﺎﻫـﻴـﺮ »ﻗــــﺮدة« و»ﺧــﻨــﺎزﻳــﺮ« و»ﻗـــﻤـــﻞ«. وﻟـــﻪ ﻣـﻘـﺎﻟـﺔ ﻛـﺘـﺒـﻬـﺎ ﻓﻲ ﻣــﺮاﻫــﻘــﺘــﻪ ﻋــﻨــﻮاﻧــﻬــﺎ »ﻣــﻘــﺎﻟــﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻮق«.
وﺟــــﺎءت اﻟــﻀــﺮﺑــﺔ اﻟـﻘـﺎﺿـﻴـﺔ ﺣﲔ ﻛﺘﺐ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ا. ج. آﻳـــــــــﺮ وﻫـــــــــﻮ ﻣــــــﻦ أﻋــــﻤــــﺪة اﻟﻮﺿﻌﻴﺔ اﳌﻨﻄﻘﻴﺔ ﻋﻦ »ﻓﻠﺴﻔﺔ« وﻟـﺴـﻮن ﻓـﺄﻗـﺎم اﻟﺤﺠﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻫﺰﻳﻠﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟــﻰ أي أﺳـﺎس ﻓﻜﺮي ﻣﺘﲔ.
واﻟـــﺮأي ﻋـﻨـﺪي - إذا ﻛــﺎن ﻟﻲ أن أﺑــــﺪي رأﻳــــﺎ ﻓـــﻲ ﻣــﻌــﺘــﺮك ﻫــﺬه اﳌـــﻮاﻗـــﻒ اﳌــﺘــﻀــﺎرﺑــﺔ ﻣـــﻦ إﻧــﺠــﺎز وﻟﺴﻮن - أن ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻟﻼﻣﻨﺘﻤﻲ« ﻳـﻈـﻞ ذا ﻗﻴﻤﺔ ﺑـﺎﻗـﻴـﺔ ﻷﻧــﻪ وﺿـﻊ إﺻﺒﻌﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﻋــﺼــﺎب اﻟﻌﺎرﻳﺔ ﻟﺘﻮﺗﺮات ﻋﺼﺮﻧﺎ وﻓﺘﺢ أﻋﲔ ﺟﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب )واﻟﻜﺒﺎر أﻳﻀﺎ( ﻋﻠﻰ اﻷزﻣــــــﺎت اﻟـــﻮﺟـــﻮدﻳـــﺔ واﻟــﺬﻫــﻨــﻴــﺔ واﻟﺮوﺣﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺼﺮت ﻣﻔﻜﺮﻳﻦ وأدﺑــــــﺎء ﻣــﺜــﻞ ﻧـﺘـﺸـﻪ وﻛــﺮﻛــﺠــﺎرد وﺑﺮد ﻳﺎﺋﻒ وﻛﺎﻓﻜﺎ وﻫﺮﻣﺎن ﻫﺴﻪ وﺳﺎرﺗﺮ وﻛﺎﻣﻮ. »اﻟﻼﻣﻨﺘﻤﻲ« ﻫﻮ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺤﻖ أن ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻦ وﻟﺴﻮن. أﻣﺎ ﺳﺎﺋﺮ ﻛﺘﺒﻪ اﻟـﻨـﻘـﺪﻳـﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻓــﻼ ﺗﺼﻤﺪ ﻷي ﺑﺤﺚ ﻓـﻜـﺮي ﺟــﺎد ورواﻳــﺎﺗــﻪ ﻻ ﺗﻌﺪو أن ﺗﻜﻮن أﻋﻤﺎﻻ ﻣﺴﻠﻴﺔ و»ﺛﻤﺮة ﻋﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺼﻮرة ﻣﻄﻠﻘﺔ«.