اﻟﺒﻮح وﺳﻴﻠﺔ ﻟﻼﻋﺘﺮاف ﻓﻲ اﻟﻨﺺ اﻟﺴﺮدي
»أرﺑﻊ وﻋﺸﺮون ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة اﻣﺮأة« ﻟﺴﺘﻴﻔﺎن زﻓﺎﻳﻎ ﰲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺟﺪﻳﺪة
ﺻـــــﺪرت ﻋـــﻦ دار »ﻣــﺴــﻜــﻴــﻠــﻴــﺎﻧــﻲ« ﻟﻠﻨﺸﺮ ﺑﺘﻮﻧﺲ ﻧﻮﻓﻴﻼ »أرﺑﻊ وﻋﺸﺮون ﺳــــﺎﻋــــﺔ ﻣـــــﻦ ﺣــــﻴــــﺎة اﻣـــــــــــﺮأة« ﻟـــﻠـــﺮواﺋـــﻲ اﻟــﻨــﻤــﺴــﺎوي ﺳــﺘــﻴــﻔــﺎن زﻓـــﺎﻳـــﻎ، ﺗـﺮﺟـﻤـﺔ اﻷﺳــﻌــﺪ ﺑــﻦ ﺣـﺴـﲔ، ﻣـﺮاﺟـﻌـﺔ وﺗﺤﺮﻳﺮ أﺣــﻤــﺪ ﺷــﺎﻛــﺮ ﺑــﻦ ﺿــﻴــﺔ. وﻫــــﺬه ﻟﻴﺴﺖ ﻧــﻮﻓــﻴــﻼه اﻟــﻮﺣــﻴــﺪة؛ ﻓـﻠـﻘـﺪ ﺳـﺒـﻖ ﻟــﻪ أن ﻛﺘﺐ ﻧﻮﻓﻴﻼت ﻋﺪة، ﻧﺬﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ »ﻻﻋﺐ اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ«: »ﻓﻮﺿﻰ اﳌﺸﺎﻋﺮ«: »اﻟﻠﻌﺒﺔ اﳌـــﻠـــﻜـــﻴـــﺔ«، وﻏـــﻴـــﺮﻫـــﺎ ﻣــــﻦ اﻟـــﻨـــﻮﻓـــﻴـــﻼت اﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﻋﺎﻟﻘﺔ ﻓﻲ أذﻫــﺎن اﻟـﻘـﺮاء ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ أرﺟــﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ. وﺑﻤﺎ أن زﻓﺎﻳﻎ )١٨٨١ - ٢٤٩١( ﻛﺎﺗﺐ ﻣﺘﻌﺪد اﳌﻮاﻫﺐ، ﻓﻬﻮ ﻗﺎص، ورواﺋـﻲ، وﻛﺎﺗﺐ ﻣﺴﺮﺣﻲ، ﻓﻘﺪ أﺻــﺪرّ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣـﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻷدﺑـﻴـﺔ، ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻣﻌﻨﻴﻮن ﻓﻲ ﻫﺬا اﳌﻘﺎل ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻧﻮﻓﻴﻼ » أرﺑﻊ وﻋﺸﺮون ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة اﻣﺮأة« ﺑﺘﺮﺟﻤﺘﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة؛ ﻓﻠﻘﺪ ﺳﺒﻖ ﻟﻔﺎﻃﻤﺔ ﻧﻈﺎﻣﻲ أن ﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻟـﻌـﺮﺑـﻴـﺔ، ﻛﻤﺎ ﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ دار »اﻟـﻬـﻼل« اﳌــﺼــﺮﻳــﺔ ﻣـــﻦ دون اﻹﺷــــــﺎرة إﻟــــﻰ اﺳــﻢ اﳌﺘﺮﺟﻢ.
ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻌﺪد اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت واﻷﺣـــــــــــﺪاث واﻷﻣــــﻜــــﻨــــﺔ، ﻓـــــﺈن اﻟــﺴــﻴــﺪة اﻟـــﺒـــﺮﻳـــﻄـــﺎﻧـــﻴـــﺔ «C» ﻫـــــﻲ اﻟــﺸــﺨــﺼــﻴــﺔ اﻟـﺮﺋـﻴـﺴـﺔ Protagonist اﻟــﺘــﻲ ﺳﺘﺘﺒﻨﻰ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺮد، وﺳﻮف ﺗﺄﺧﺬ ﺣﺼﺔ أﻛﺒﺮ ﻣــﻦ اﻟــــﺮاوي ﻧـﻔـﺴـﻪ، وﻟــﻮﻻﻫــﺎ ﳌــﺎ ﻋﺮﻓﻨﺎ ﻗﺼﺔ اﻟﺸﺎب اﻟﺒﻮﻟﻮﻧﻲ اﳌﻮﻟﻊ ﺑﺎﻟﻘﻤﺎر اﻟﺬي ﻳﺨﺴﺮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﻀﻄﺮ إﻟــﻰ ﺑﻴﻊ ﺻﻠﻴﺒﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺑــﺎع ﺣﻘﻴﺒﺘﻪ وﺛﻴﺎﺑﻪ وﻣﻄﺮﻳﺘﻪ.
وﺑﻐﻴﺔ اﻹﻣﺴﺎك ﺑﺎﻟﺜﻴﻤﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ﻟـﻬـﺬه اﻟـﻨـﻮﻓـﻴـﻼ ﻻ ﺑــﺪ ﻣــﻦ اﻹﺷــــﺎرة إﻟـﻰ أن اﻟـﺮاوي اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﺴﻴﺪة ﻫﻨﺮﻳﻴﺖ، اﻟﺘﻲ ﻫﺮﺑﺖ ﻣﻊ ﺷﺎب ﻓﺮﻧﺴﻲ، أرﺳـــﺘـــﻘـــﺮاﻃـــﻲ وﺳـــﻴـــﻢ، ﺗـــﺎرﻛـــﺔ زوﺟــﻬــﺎ واﺑــﻨــﺘــﻴــﻬــﺎ اﻟــﻴــﺎﻓــﻌــﺘــﲔ ﻓــــﻲ اﻟــﺮﻳــﻔــﻴــﺮا اﻟــﻔــﺮﻧــﺴــﻴــﺔ ﻫــــﻮ اﻟــــــﺬي أﻣــــــﺪ اﻟــﻨــﻮﻓــﻴــﻼ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮة اﳌﻬﻴﻤﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺎﻏﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ دﻗﻴﻖ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺎل: »إن ٤٢ ﺳﺎﻋﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺣﻴﺎة اﻣﺮأة ﻛﻠﻴﴼ« )ص ٤٠١(. ﺛﻢ ﺗﻨﺒﺠﺲ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺸﺮ ﺛﻴﻤﺎت ﻓﺮﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﻗـﻞ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﺑـ»اﻟﻮﺣﺪة، واﳌﺸﺎﻋﺮ اﳌــﺸــﻮﺷــﺔ، واﻟـﺨـﻄـﻴـﺌـﺔ، وﺧــﻠــﻮ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ اﻟﻬﺪف، واﻟﺸﻐﻒ ﺑﺎﻟﻘﻤﺎر، وﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻷﻛـﻒ، واﻟﺨﻴﺒﺔ، واﻟﻴﺄس، واﻻﻧﺘﺤﺎر، واﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ«.
ﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ أن ﻫﺮب اﻟﺴﻴﺪة ﻫﻨﺮﻳﻴﺖ ﻣﻊ اﻟﺸﺎب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻳﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ اﻧﺘﻘﺎد ﻟــﻠــﻄــﺒــﻘــﺔ اﻷرﺳـــﺘـــﻘـــﺮاﻃـــﻴـــﺔ اﻟــﻔــﺮﻧــﺴــﻴــﺔ، ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻓــﻲ اﻟــﻮﻗــﺖ ذاﺗـــﻪ ﻳـﺠـﺐ أن ﻧـﺮﻛـﺰ ﻋـﻠـﻰ اﻟــﺠــﺎﻧــﺐ اﻟـﻨـﻔـﺴـﻲ ﻟـﻜـﻞ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻧﻔﺮاد. ﻓﺎﳌﻌﺮوف ﻋﻦ زﻓﺎﻳﻎ وﻟﻌﻪ ﺑﺎﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻨﻔﺴﻲ اﻟــﺬي اﺳﺘﻠﻬﻤﻪ ﻣﻦ ﺳﻴﻐﻤﻮﻧﺪ ﻓﺮوﻳﺪ، ودراﺳﺘﻪ ﻟﻠﻤﺸﺎﻋﺮ واﻷﺣــﺎﺳــﻴــﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ اﻟـﺘـﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗــﺘــﺒــﺪل ﻓـــﻲ أي ﻟــﺤــﻈــﺔ وﺗـــﺤـــﻮل ﺣـﻴـﺎة ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ إﻟﻰ ﺟﺤﻴﻢ ﻻ ﻳﻄﺎق.
ﻳــﺒــﺪو أن ﺻــــﻮت اﳌـــﺆﻟـــﻒ ﻳﺨﺘﻔﻲ وراء ﻗــﻨــﺎع اﻟــــــﺮاوي اﻟـــــﺬي ﻛــــﺎن ﻳــﺪاﻓــﻊ ﺑـــﺸـــﺪة ﻋـــﻦ ﻫـــــﺬه اﻟــﻠــﺤــﻈــﺔ اﻹﻧــﺴــﺎﻧــﻴــﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﻴﺮت ﻗﻨﺎﻋﺔ ﻫﻨﺮﻳﻴﺖ وﺟﻌﻠﺘﻬﺎ ﺗﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷـﻲء ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ﻗﻠﺒﻬﺎ اﻟــﺬي اﺳﺘﻴﻘﻆ ﻓـﺠـﺄة وﺗـﻨـﺎﻏـﻢ ﻣـﻊ ﻗﻠﺐ ﻫﺬا اﻟﻘﺎدم اﻟﺠﺪﻳﺪ. وﻟﻌﻞ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ اﻟﻔﻀﺎﺋﺤﻴﺔ ﻫــﻲ اﻟـﺘـﻲ دﻓـﻌـﺖ اﻟﺴﻴﺪة »ﺳــــــــﻲ«، اﳌــــــــﺮأة اﻹﻧـــﺠـــﻠـــﻴـــﺰﻳـــﺔ اﳌــﻤــﻴــﺰة اﻟـﺘـﻲ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﻫــﻲ اﻷﺧـــﺮى إﻟــﻰ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺜﺮﻳﺔ ﻓﻲ إﻧﺠﻠﺘﺮا، ﻷن ﺗــﺒــﻮح ﻟـــﻠـــﺮاوي ﺑﻘﺼﺘﻬﺎ اﻟــﺘــﻲ ﺣـﺪﺛـﺖ ﻓﻲ ٤٢ ﺳﺎﻋﺔ زﻣﻨﻴﺔ ﻻ ﻏﻴﺮ. وﺑﻤﺎ أﻧﻬﺎ أﻧﺠﻠﻴﻜﺎﻧﻴﺔ، وﻟﻴﺴﺖ ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺧﻄﻴﺌﺘﻬﺎ ﺑــﺎﻻﻋــﺘــﺮاف، ﻓــﻼ ﻏــﺮاﺑــﺔ إن ﻇـﻠـﺖ ﺗﻨﻮء ﺑﻬﺬا اﻟﺤﻤﻞ اﻟﺜﻘﻴﻞ ﳌﺪة ﺧﻤﺲ وﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ إﻟـﻰ أن ﺗﻮﺻﻠﺖ ﺑـﺄن اﻟﺒﻮح ﺑﻬﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﻫﻮ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻟﻠﺘﻨﻔﻴﺲ، واﻟﺘﺨﻠﺺ، وﻟﻮ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺰﺋﻲ، ﻣﻦ ﻋﻘﺪة اﻟــﺸــﻌــﻮر ﺑــﺎﻟــﺬﻧــﺐ أو اﻟــﺨــﻄــﻴــﺌــﺔ اﻟــﺘــﻲ اﻧﺰﻟﻘﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ دون ﺗﺨﻄﻴﻂ ﻣﺴﺒﻖ.
ﺗـــــﻘـــــﺪم اﻟـــﺴـــﻴـــﺪة »ﺳـــــــﻲ« ﻧــﻔــﺴــﻬــﺎ، ﻓــــﻨــــﻌــــﺮف أﻧـــــﻬـــــﺎ ﺗــــﻨــــﺤــــﺪر ﻣــــــﻦ أﺳــــــﺮة اﺳﻜﻮﺗﻠﻨﺪﻳﺔ ﺛﺮﻳﺔ. ﺗﺰوﺟﺖ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋـــﺸـــﺮة ﻣـــﻦ ﺷــــﺎب ﻳــﻨــﺘــﻤــﻲ إﻟــــﻰ ﻋـﺎﺋـﻠــﺔ ﻣﺮﻣﻮﻗﺔ، ﺧﺪم ﻓﻲ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﳌﺪة ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات، ورزق ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻄﻔﻠﲔ، وﺣــﻴــﻨــﻤــﺎ ﺑــﻠــﻐــﺖ اﻷرﺑـــﻌـــﲔ ﻋـﺎﻣــﴼ ﺗـﻮﻓـﻲ ﻣـﺘـﺄﺛـﺮﴽ ﺑـﻤـﺮض ﻓــﻲ اﻟﻜﺒﺪ ﻟـﺘـﺠـﺪ ﻧـﻔـﺴـﻬـﺎ ﺿـﺤـﻴـﺔ ﻟــﻠــﻮﺣــﺪة، ﻛﻤﺎ ﺷــﻌــﺮت ﺑــﺄن ﺣـﻴـﺎﺗـﻬـﺎ ﻗــﺪ ﺑــﺎﺗــﺖ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣــــﻦ أي ﻫـــــــﺪف. وﺑـــﻌـــﺪ ﻣـــــــﺮور ﺳـﻨـﺘـﲔ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﻣﻠﻬﺎ ذﻫﺒﺖ إﻟــﻰ ﻣﻮﻧﺖ ﻛﺎرﻟﻮ وارﺗــﺎدت ﻛﺎزﻳﻨﻮ اﻟﻘﻤﺎر اﻟـﺬي اﻋﺘﺎدت أن ﺗﺬﻫﺐ إﻟﻴﻪ ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ ﻟﺘﺒﺪأ ﻫﻨﺎك اﻟﺴﺎﻋﺎت اﻷرﺑﻊ واﻟﻌﺸﺮون اﻟﺘﻲ أرﻗﺖ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى رﺑﻊ ﻗﺮن.
ﻛﺎن زوﺟﻬﺎ ﻣﻮﻟﻌﴼ ﺑﻤﺮاﻗﺒﺔ اﻷﻛﻒ، ﻓﺎﳌﻘﺎﻣﺮون ﻳﺘﺤﻜﻤﻮن ﺑﻮﺟﻮﻫﻬﻢ ﻓﻼ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻻﻧﻔﻌﺎﻻت، ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﻨﺴﻮن أﻛﻔﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻐﺮﻳﺰﺗﻬﺎ اﻟـــﺒـــﺪاﺋـــﻴـــﺔ وﺗـــﻔـــﻀـــﺢ ﻛــــﻞ ﻣــــﺎ ﺗــﻀــﻤــﺮه اﻟﻮﺟﻮه اﻟﺼﻤﺎء. ﺗﻨﺘﺒﻪ اﻟﺴﻴﺪة »ﺳﻲ«
إﻟــﻰ ﺷــﺎب ﺟـﺬاب ﻳــﺒــﺪو ﻣـﻬـﻮوﺳـﴼ ﺑــﺎﳌــﻘــﺎﻣــﺮة إﻟـــﻰ درﺟــــﺔ اﻟــﺸــﻐــﻒ ﻟـﻜـﻨـﻪ، ﻟﺴﻮء اﻟﺤﻆ، ﻳﺨﺴﺮ ﻛﻞ ﺷﻲء، وﻳﻨﻬﺾ ﻣﺘﺮﻧﺤﴼ وﻛﺄﻧﻪ ذاﻫﺐ إﻟﻰ ﺣﺘﻔﻪ ﺑﻘﺪﻣﻴﻪ. أﺷﺮﻧﺎ ﺳﻠﻔﴼ إﻟﻰ أن زﻓﺎﻳﻎ ﻳﻐﻮص ﻓﻲ أﻋـــﻤـــﺎق ﺷــﺨــﺼــﻴــﺎﺗــﻪ، ﻓــﻘــﺪ ﺻـــــﻮر ﻟﻨﺎ اﻟﺸﺎب اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻲ اﳌﻘﺎﻣﺮ وﻫﻮ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ إﻟﻰ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ اﳌﺮﺗﻘﺒﺔ، ﻛﻤﺎ ﺻﻮر ﻓــﻲ اﻟــﻮﻗــﺖ ذاﺗـــﻪ اﻟــﺴــﻴــﺪة اﻹﻧـﺠـﻠـﻴـﺰﻳـﺔ اﻟــﺘــﻲ ﺣــﺪﺳــﺖ ﺑـــﺄن ﻫـــﺬا اﻟــﺸــﺎب ﻣــﻘــﺪم ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺘﺤﺎر ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ، وأن ﺛﻤﺔ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺎ ﻗﺪ ﺳﻠﺒﻬﺎ إرادﺗـﻬـﺎ ودﻓﻌﻬﺎ ﻟﻠﺤﺎق ﺑـﻬـﺬا اﻟـﺮﺟـﻞ اﻟـﻐـﺮﻳـﺐ. »ﻟــﻢ أﻛــﻦ أﻧــﺎ ﻣﻦ أﺻﺪر اﻟﻘﺮار، ﺑﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﻓﻲ داﺧﻠﻲ أﻣﻠﻰ ﻋﻠﻲ اﻷﻣــﺮ« )ص٦٤(. وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻧــﻮاﻳــﺎﻫــﺎ اﻟــﻄــﻴــﺒــﺔ اﻟــﺘــﻲ ﺗـﻘـﺘـﺼـﺮ ﻋﻠﻰ إﻧـــﻘـــﺎذه ﻣــﻦ اﳌــــﻮت ﻓــﻘــﻂ وﻟـــﻢ ﺗـﺘـﻌـﺪاﻫـﺎ إﻟــﻰ إﻗـﺎﻣـﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﻋﺎﻃﻔﻴﺔ ﻣﻌﻪ، ﻓﺈﻧﻬﺎ وﺟﺪت ﻧﻔﺴﻬﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار رﺟﻞ ﻏﺮﻳﺐ ﻓﻲ اﳌﻨﺰل اﻟﺬي اﺳﺘﺄﺟﺮﺗﻪ ودﻓﻌﺖ ﺛﻤﻨﻪ. إن ﻓﻮﺿﻰ اﳌﺸﺎﻋﺮ ﻫﻲ ﺛﻴﻤﺔ أﺧﺮى ﺗﺘﺮدد ﻛﺜﻴﺮﴽ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎت زﻓﺎﻳﻎ ﻓﻤﻊ، أن اﻟﺴﻴﺪة »ﺳـــــــﻲ« ﻗــــﺪ ﺻــــﺪﻣــــﺖ ﺣــﻴــﻨــﻤــﺎ وﺟــــﺪت ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﻫـﺬا اﳌﻮﻗﻒ اﳌـﺤـﺮج، إﻻ أن ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ اﺧﺘﻠﻄﺖ ورأت ﻓﻴﻪ وﺟﻬﴼ ﻃﻔﻮﻟﻴﴼ ﻳﺸﻊ ﺑﺎﻟﻨﻘﺎء واﻟﺼﻔﺎء. ﺛﻢ ﺗﺼﻄﺤﺒﻪ إﻟﻰ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻴﻘﻄﻊ ﻋﻬﺪﴽ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺄﻻ ﻳﺸﺎرك ﻓﻲ أي ﻟﻌﺒﺔ ﻗﻤﺎر ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﻧﻮﻋﻬﺎ وأﻻ ﻳﻌﺮض ﺳﻤﻌﺘﻪ وﺷﺮﻓﻪ ﻟﻬﺬا اﻟﺒﻼء ﺛﻢ ﺗﻮدﻋﻪ ﻓﻲ ﻣﺤﻄﺔ اﻟــﻘــﻄــﺎر ﻣــﺴــﺎء ﻛــﻲ ﻳــﻐــﺎدر إﻟـــﻰ دﻳـــﺎره ﺑﺠﻨﻮة. ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻧﻮﻓﻴﻼت زﻓـﺎﻳـﻎ ﻣﻦ ﻋﻨﺼﺮي اﳌﻔﺎﺟﺄة واﻹدﻫﺎش؛ ﻓﻬﻤﺎ ﺟﺰء أﺳﺎﺳﻲ ﻣﻦ أﺳﻠﻮﺑﻪ اﻟﺴﺮدي. ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﺗﻌﻮد اﻟﺴﻴﺪة »ﺳــﻲ« وﺗﺨﺘﻠﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﳌــﺸــﺎﻋــﺮ ﻣــﻦ ﺟــﺪﻳــﺪ ﺗـﺸـﻌـﺮ ﺑـﺎﻟـﺨـﻴـﺒـﺔ، وﺗﺘﻤﻨﻰ ﻟـﻮ أن ﻫــﺬا اﻟـﺸـﺎب ﻗـﺪ ﺗﺸﺒﺚ ﺑﻬﺎ أو ﺣــﺎول اﻟـﺒـﻘـﺎء إﻟــﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﻗــﻞ. أﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﻫـﺬا اﻹﺣـﺴـﺎس ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛــﺎﻧــﺖ ﺗــﺤــﺒــﻪ، وأﻧـــﻬـــﺎ ﻛــﺎﻧــﺖ ﻣـﺴـﺘـﻌـﺪة ﻟﻠﺘﻀﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻐﺎﻟﻲ واﻟﻨﻔﻴﺲ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ﺗــﻤــﺎﻣــﴼ ﻛــﻤــﺎ ﻓــﻌــﻠــﺖ اﻟــﺴــﻴــﺪة ﻫـﻨـﺮﻳـﻴـﺖ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺮﻛﺖ زوﺟـﻬـﺎ وﻓﻠﺬﺗﻲ ﻛﺒﺪﻫﺎ »آﻧـــﻴـــﺖ« و»ﺑـــﻼﻧـــﺶ« ﻷﻧــﻬــﺎ اﺳـﺘـﻤـﻌـﺖ إﻟـــﻰ ﻧـــﺪاء اﻟـﻘـﻠـﺐ وﺷــﻄــﺤــﺎت اﻟـﺨـﻴـﺎل؟ وﺗــﺄﻛــﻴــﺪ ﳌــﺎ ﻧــﺬﻫــﺐ إﻟــﻴــﻪ ﻧـﻘـﺘـﺒـﺲ ﻫـﺬه اﻟــﺘــﺴــﺎؤﻻت اﻟـﺘـﺎﻟـﻴـﺔ اﻟـﺘـﻲ ﻛـﺎﻧـﺖ ﺗــﺪور ﻓــﻲ ذﻫــﻨــﻬــﺎ، ﺣـﻴـﺚ ﺗــﻘــﻮل: »ﻟـــﻮ ﺗﺸﺒﺚ ﺑـﻲ ذﻟــﻚ اﻟـﺮﺟـﻞ ﺣﻴﻨﻬﺎ، ﻟـﻮ ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻲ اﻟﻠﺤﺎق ﺑﻪ، ﻟﺬﻫﺒﺖ إﻟﻰ أﻗﺎﺻﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ... ﻟﻮ ﺣــﺎول أن ﻳﺤﻀﻨﻨﻲ ﻟﻜﻨﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺿﺎﺋﻌﺔ وﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻪ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ« )ص٧٨(.
ﺑــﻌــﺪ إﻧـــﻘـــﺎذه ﻣـــﻦ اﳌـــــﻮت، وﻗــﺴــﻤــﻪ ﻓـــﻲ اﻟــﻜــﻨــﻴــﺴــﺔ، وﺗــﻮدﻳــﻌــﻪ ﻓـــﻲ ﻣﺤﻄﺔ اﻟـﻘـﻄـﺎر اﻟــﺬاﻫــﺐ إﻟــﻰ ﺟـﻨـﻮة ﺗـﻔـﺎﺟـﺄ ﺑﻪ وﻫﻮ ﻳﻠﻌﺐ ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺔ اﻟﻘﻤﺎر، وﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺤﺎول ﺳﺤﺒﻪ ﻳﺮﻣﻲ ﺑﻮﺟﻬﻬﺎ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺘﻲ أﺧﺬﻫﺎ ﻗﺒﻞ ﻗﻠﻴﻞ ﺑﺈﻳﺼﺎل وﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ اﳌﻐﺎدرة؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺠﻠﺐ ﻟﻪ اﻟﻨﺤﺲ. ﺛﻢ ﺗﻐﺎدر إﻟﻰ ﺑﺎرﻳﺲ، وﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﻟﻨﺪن ﻟﺘﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﻣﻨﺰل اﺑﻨﻬﺎ، ﺣﻴﺚ ﺗﺴﺘﺤﻢ ﻫﻨﺎك ﻟﺘﻄﻬﺮ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﻣﻦ راﺋﺤﺔ ذﻟﻚ اﻟـﺮﺟـﻞ اﳌﺸﲔ اﻟــﺬي ﺳﻨﻜﺘﺸﻒ ﻻﺣﻘﴼ أﻧﻪ ﻣﺎت ﻣﻨﺘﺤﺮﴽ ﻓﻲ ﻣﻮﻧﺖ ﻛﺎرﻟﻮ ﻣﻦ دون أن ﺗﺄﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺬه اﳌﺮة، ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﻫﻨﺎك أي ﺷﺎﻫﺪ ﺿﺪﻫﺎ ﺳﻮى ذﻛﺮﻳﺎﺗﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮﻫﺎ ﺑﺌﺮﴽ ﻣﻦ اﳌﺸﺎﻋﺮ اﳌــﺨــﺘــﻠــﻄــﺔ واﻷﺣـــﺎﺳـــﻴـــﺲ اﳌـﺘـﻨـﺎﻗـﻀـﺔ اﻟــﺘــﻲ ﺗــﺠــﻤــﻊ ﺑـــﲔ اﻟـــﺤـــﺐ واﻟــﻜــﺮاﻫــﻴــﺔ، واﻟﺠﺮأة ﻓﻲ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﻧـﺪاءات اﻟﺠﺴﺪ أو اﻹﺣـــﺠـــﺎم ﻋــﻨــﻬــﺎ. ﻓـﻌـﻨـﺪﻣـﺎ ﻳــﺼــﻞ اﳌــﺮء إﻟــﻰ ﻋﺘﺒﺔ اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ ﻳـﺘـﻮﻗـﻒ ﻋﻨﺪه ﻫﺎﺟﺲ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﳌﺎﺿﻲ، وﻫﺬا ﻣﺎ ﺷﻌﺮت ﺑﻪ اﳌﺮأة اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺒﻮح ﺑﺤﻜﺎﻳﺘﻬﺎ اﳌﺆرﻗﺔ وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺨﻠﺼﺖ ﻣﻦ ﻋﺐء ﺛﻘﻴﻞ.