رﺳﺎﺋﻞ »ﺧﺎﺗﻮن ﺑﻐﺪاد« ﺗﻜﺸﻒ اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﺸﺨﺼﻴﺎت ﻋﺮاﻗﻴﺔ
ﻟﻢ ﺗﺴﻠﻢ ﻣﻦ اﳊﺬف واﻟﺘﻠﺨﻴﺺ واﻻﺧﺘﺼﺎر وﻓﻘﴼ ﳌﺰاج اﳌﱰﺟﻢ
ﺻــﺪرت ﻋـﻦ دار Kutub - E ﺑﻠﻨﺪن اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣــﻦ ﻛـﺘـﺎب »اﻟـﺨـﺎﺗـﻮن، ﺻــﺎﻧــﻌــﺔ اﳌـــﻠـــﻮك« ﺗــﺮﺟــﻤــﺔ ﻋــﺒــﺪ اﻟـﻜـﺮﻳـﻢ اﻟــــﻨــــﺎﺻــــﺮي، إﻋــــــــﺪاد وﺗــﺤــﻘــﻴــﻖ ﺑـﺜـﻴـﻨـﺔ اﻟـــــﻨـــــﺎﺻـــــﺮي، وﺗـــﻌـــﻠـــﻴـــﻖ اﳌـــــــــــﺆرخ ﻋــﺒــﺪ اﻟــــــــﺮزاق اﻟــﺤــﺴــﻨــﻲ. ﻳــﺘــﻤــﺤــﻮر اﻟــﻜــﺘــﺎب ﻓـﻲ ﻣﺠﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣـﻦ رﺳﺎﺋﻞ اﳌﺲ ﻏﻴﺮﺗﺮود اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺘﻬﺎ إﻟﻰ أﺑﻴﻬﺎ اﻟــﺴــﻴــﺮ ﻫــﻴــﻮ ﺑــﻴــﻞ ﻓــﻲ اﻷﻋــــــﻮام اﻟـﺜـﻼﺛـﺔ اﳌـﺤـﺼـﻮرة ﺑــﲔ ٩١٩١ - ١٢٩١. ﻟــﻢ ﻳــﺪر ﺑﺨﻠﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ اﻟﻨﺎﺻﺮي ﻓﻲ أواﺋـﻞ اﻟـﺴـﺘـﻴـﻨـﺎت أن ﻳـﺘـﺮﺟـﻢ ﻫـــﺬه اﳌﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣــﻦ اﻟـﺮﺳـﺎﺋـﻞ ﺗـﺮﺟـﻤـﺔ ﻛـﺎﻣـﻠـﺔ وﻟــﻢ ﻳﻔﻜﺮ ﺑﺈﺻﺪارﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺎ إن اﻛﺘﺸﻒ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﺪأ ﺑﺘﺮﺟﻤﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ وﻓﻖ اﻟﺘﺴﻠﺴﻞ اﳌﺸﺎر إﻟﻴﻪ ﺳﻠﻔﴼ، وﻣـــﻊ ذﻟـــﻚ ﻟــﻢ ﺗـﺴـﻠـﻢ ﻫـــﺬه اﻟــﺮﺳــﺎﺋــﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺬف واﻟﺘﻠﺨﻴﺺ واﻻﺧﺘﺼﺎر اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺰاج اﳌﺘﺮﺟﻢ، وﺣﺠﺘﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ أن اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﳌﺘﺮﺟﻤﺔ أو اﳌﻠﺨﺼﺔ ﺗﺘﻨﺎول ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟـﺤـﻜـﻮﻣـﺔ اﻟــﻌــﺮاﻗــﻴــﺔ، وﺗـﺘـﻮﻳـﺞ ﻓﻴﺼﻞ اﻷول ﻣﻠﻜﴼ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮاق، وﻣﺎ راﻓﻖ ذﻟﻚ ﻣﻦ أﺣﺪاث وﻣﻮاﻗﻒ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮاق اﻟﺤﺪﻳﺚ. ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪ اﳌﺘﺮﺟﻢ أن أﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ »اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ أﻣﻮر ﻗﺪ ﻻ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﻬﺎ اﻟــﺘــﻘــﺎرﻳــﺮ اﻟــﺮﺳــﻤــﻴــﺔ« )ص٦(. وﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗــــﻌــــﺮي ﻣــــﻮاﻗــــﻒ ﺑـــﻌـــﺾ اﻟــﺸــﺨــﺼــﻴــﺎت اﻟـــﺴـــﻴـــﺎﺳـــﻴـــﺔ واﻟــــﻘــــﺒــــﻠــــﻴــــﺔ ﻣـــــﻦ اﳌــﺤــﺘــﻞ اﻟــﺒــﺮﻳــﻄــﺎﻧــﻲ وﻃـــﺮﻗـــﻬـــﻢ اﻻﺳــﺘــﺨــﺬاﺋــﻴــﺔ اﳌﺬﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺿﺒﺎﻃﻪ وﺳﺎﺳﺘﻪ وﺟﻮاﺳﻴﺴﻪ. ﻓﻔﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺳـﺮي ﻗﺪﻣﺘﻪ اﳌــﺲ ﺑﻴﻞ إﻟــﻰ ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﺎ ﻧﺸﺮه اﻟﺴﻴﺮ أرﻧـــﻮﻟـــﺪ وﻳــﻠــﺴــﻮن ﻓـــﻲ ﻛــﺘــﺎﺑــﻪ اﳌــﻌــﻨــﻮن »ﺗﻨﺎزع اﻟـﻮﻻء« ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﻘﻴﺐ ﻟﻠﻤﺲ ﺑﻴﻞ إن »ﻟـﻜـﻢ اﻟـﺤـﻖ ﻓﻲ أن ﺗﺤﻜﻤﻮا اﻟﻌﺮاق ﻷﻧﻜﻢ ﻗﺪ اﺣﺘﻠﻠﺘﻤﻮه ﺑــــﺎﻟــــﻘــــﻮة اﳌــــﺴــــﻠــــﺤــــﺔ« )ص٠١(. وﻓـــﻲ اﻟﺼﻔﺤﺔ ذاﺗﻬﺎ ﻳﻘﺘﺮح ﻧﺎﺟﻲ اﻟﺴﻮﻳﺪي ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ أن ﻳﻔﺮﺿﻮا اﻻﻧﺘﺪاب ﻋﻠﻰ اﻟـﻌـﺮاق ﺑــﺪﻻ ﻣﻦ ﻋﻘﺪ ﻣﻌﺎﻫﺪة ﻣﻌﻪ ﻷن ذﻟﻚ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻬﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﴼ أﻛﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد!
ﻣﻦ اﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن ﻋﺪد اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ واﳌﺨﺘﺼﺮة اﻟﺘﻲ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫــﺬا اﻟـﻜـﺘـﺎب ﻫـﻮ ٤٤ رﺳـﺎﻟـﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﻋــﺪد اﻟـﺮﺳـﺎﺋـﻞ اﻟـﺘـﻲ ﻛﺘﺒﺘﻬﺎ اﳌــﺲ ﺑﻴﻞ ﻷﺑﻴﻬﺎ ﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺜﻼث اﳌﺬﻛﻮرة آﻧــﻔــﴼ ﻫــﻮ ٣٢١ رﺳــﺎﻟــﺔ. وﻟــﻌــﻞ اﻟـﺮﺳـﺎﺋـﻞ اﳌﻮﺟﻬﺔ إﻟــﻰ زوﺟــﺔ أﺑﻴﻬﺎ، وﻟﻴﺲ إﻟﻰ أﻣــﻬــﺎ ﻛـﻤـﺎ ورد ﻓــﻲ ﻛــﺘــﺎب »اﻟــﺨــﺎﺗــﻮن«، ﻷن أﻣﻬﺎ ﻣﺎﺗﺖ ﻣﺬ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻞ ﻓﻲ ﻋﺎﻣﻬﺎ اﻟﺜﺎﻟﺚ، ﻫﻲ ﺑﻌﺪد اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﳌﻮﺟﻬﺔ إﻟﻰ أﺑﻴﻬﺎ أو أﻛﺜﺮ رﺑﻤﺎ. أﻣـﺎ ﻋـﺪد اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟــﺘــﻲ ﻛﺘﺒﺘﻬﺎ ﺑـﻴـﻞ ﻃـــﻮال ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﺑﻠﻐﺖ ٠٠٦١ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ أرﺷﻴﻒ ﻏﻴﺮﺗﺮود ﺑﻴﻞ.
ﻟــﻢ ﻳــﺬﻛــﺮ اﳌـﺘـﺮﺟـﻢ ﺗــﺎرﻳــﺦ اﻟـﺮﺳـﺎﻟـﺔ اﻷوﻟـﻰ اﻟﺘﻲ ﺑﺪأ ﺑﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﻪ وﻫﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﻏــﻴــﺮ ﻣــﻮﻓــﻘــﺔ ﻣـــﻦ ﺟــﻬــﺔ اﻟــﺘــﻮﺛــﻴــﻖ، ﻛﻤﺎ أن ﻧـﺼـﻔـﻬـﺎ أو أﻛــﺜــﺮ ﺑـﻘـﻠـﻴـﻞ ﻣــﺤــﺬوف ﺑﺤﻴﺚ ﺑﺪت اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﺒﺘﻮرة اﻷﺣﺪاث. ﻟﻨﻘﺮأ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻻﺳﺘﻬﻼﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮل »إﻧــﻬــﺎ أﻋــﻈــﻢ ﻣــﺼــﺪر ﻟــﻠــﺮاﺣــﺔ ﻟــﻲ - وﻻ أدري ﻣــﺎذا ﻛﻨﺖ ﺻﺎﻧﻌﺔ ﻣﻦ دوﻧﻬﺎ «)ص٤١( ﺗﺮى، ﻣﻦ ﻫﻲ ﻫﺬه اﳌﺮأة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺮف ﻣﺎذا ﺳﺘﻔﻌﻞ ﻣﻦ دوﻧﻬﺎ؟ إﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﺧﺎدﻣﺘﻬﺎ »اﻷرﻣﻴﻨﻴﺔ« ﻣﺎري اﻟــﺘــﻲ ﻛــﺎﻧــﺖ ﺗــﻘــﻮم ﺑــﻮاﺟــﺒــﺎﺗــﻬــﺎ ﻋﻠﻰ أﻛــﻤــﻞ وﺟــــﻪ. ﻫـــﺬه اﻟــﺮﺳــﺎﻟــﺔ اﳌــﺒــﺘــﻮرة واﳌــﺨــﺘــﺼــﺮة وﺟــﺪﺗــﻬــﺎ ﻓـــﻲ أرﺷــﻴــﻒ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻣﺆرﺧﺔ ﺑـ٧ دﻳﺴﻤﺒﺮ )ﻛﺎﻧﻮن اﻷول( ٩١٩١ وإن أﺑــﺮز ﻣـﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻮ اﻧﺘﻈﺎرﻫﺎ ﳌﺠﻲء واﻟﺪﻫﺎ إﻟﻰ ﺑﻐﺪاد، ﺛــﻢ ﺗﺨﺒﺮه ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻟــﻦ ﺗـﻌـﻮد ﻣﻌﻪ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗـﺴـﺘـﻄـﻴـﻊ اﻻﺑــﺘــﻌــﺎد ﻋـــﻦ ﻫــــﺬا اﻟـﺒـﻠـﺪ اﻟﺬي ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﻛﺜﺐ. وﻓﻲ اﻟـﺮﺳـﺎﻟـﺔ ذاﺗـﻬـﺎ وﻗـﺎﺋـﻊ وأﺣـــﺪاث ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻨﻬﺎ ذﻫﺎﺑﻬﺎ ﻟﻠﻘﺎء اﻷﻣـﻴـﺮة اﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ ﻓـﻲ اﻟﻜﺎﻇﻤﻴﺔ، وﺳﻘﻮﻃﻬﺎ ﻋـﻦ ﺻﻬﻮة ﺟـﻮادﻫـﺎ وإﺻﺎﺑﺘﻬﺎ ﺑﺠﺮح ﻋﻤﻴﻖ ﻓﻲ ﺣﻨﻜﻬﺎ. وﻓﻲ اﻟﻘﺴﻢ اﻟـﺬي ﻳﻠﻲ اﻟﺤﻮار ﻣﻊ اﻟﻄﺎﻫﻲ ﻣﻬﺪي ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ اﳌﻮﻟﺪ اﻟﻨﺒﻮي اﻟﺸﺮﻳﻒ اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻤﺖ ﻓﻲ ﺟــﺎﻣــﻊ اﻹﻣــــﺎم اﻷﻋــﻈــﻢ وﺧــﺮﺟــﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺮﺗﺎﺣﺔ ﻣﺴﺮورة.
ﺗـﻨـﻄـﻮي اﻟــﺮﺳــﺎﺋــﻞ اﳌـﺘـﺮﺟـﻤـﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻏﻴﺮ أن اﻟﺬي ﻳﻬﻢ اﻟــﻘــﺎرئ اﻟـﻌـﺮاﻗـﻲ أو اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫـﻮ ﻛﺸﻒ ﻣـﻮاﻗـﻒ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﳌﻬﻤﺔ ﻓـﻲ اﻟﺒﻠﺪ ﻣﺜﻞ اﻟﺴﺎﺳﺔ، وﻛﺒﺎر اﻟﻀﺒﺎط، وﺷﻴﻮخ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ، ورﺟﺎل اﻟﻌﻠﻢ واﻷدب واﻟﻔﻦ. وﻗﺪ أﺷﺮﻧﺎ ﺳﻠﻔﴼ إﻟـﻰ ﻣﻮﻗﻔﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﻘﻴﺐ وﻧﺎﺟﻲ اﻟﺴﻮﻳﺪي ﻟﻜﻦ ﻣﻮاﻗﻒ ﺑﻌﺾ اﻟﻀﺒﺎط ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺮﻳﺤﺔ وﺟﻠﻴﺔ، وﻻ ﻏﺒﺎر ﻋﻠﻰ وﻃﻨﻴﺘﻬﺎ. ﻓﻔﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻟﻠﻤﺲ ﺑﻴﻞ ﻣﻊ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻌﺴﻜﺮي ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻴﻪ إن »اﻻﺳـﺘـﻘـﻼل اﻟـﺘـﺎم ﻫـﻮ ﻣﺎ ﻛﻨﺎ راﻏﺒﲔ ﻓﻲ إﻋﻄﺎﺋﻪ. ﻓﻘﺎل: ﻣﻮﻻﺗﻲ، اﻻﺳــﺘــﻘــﻼل اﻟـــﺘـــﺎم ﻳــﺆﺧــﺬ وﻻ ﻳــﻌــﻄــﻰ« )ص٢٤( ﻓﻬﻞ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﺸﻜﻚ ﺑﻮﻃﻨﻴﺔ ﻫﺬا اﻟﻀﺎﺑﻂ وﺷﺠﺎﻋﺘﻪ وﻧﺰاﻫﺘﻪ؟ وﻓﻲ ﻟﻘﺎء ﻣﻊ ﻧﻮري اﻟﺴﻌﻴﺪ ﺗﻘﻮل اﳌﺲ ﺑﻴﻞ: »ﻣﺎ إن رأﻳﺘﻪ ﺣﺘﻰ أدرﻛﺖ أن أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻗﻮة ﻛـﺒـﻴـﺮة وﻣــﺮﻧــﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ إﻣــﺎ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ وإﻣـﺎ اﻻﺷﺘﺒﺎك ﻣﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻧـﺰال ﺻﻌﺐ« )ص٧٦(.
ﻛﺘﺒﺖ اﳌﺲ ﺑﻴﻞ إﻟﻰ أﺑﻴﻬﺎ »ﺗﺸﻴﺪ ﺑـــﻮﻻء ﻓـﻬـﺪ ﺑـﻴـﻚ، ﻛﺒﻴﺮ ﻣـﺸـﺎﻳـﺦ ﻋـﻨـﺰة، ﻟﻺﻧﺠﻠﻴﺰ« وﻳﺘﻤﻨﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻴﺮ ﺑﺮﺳﻲ ﻛﻮﻛﺲ أن ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻌﺸﺎﺋﺮ اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻴﻞ إﻟﻰ ﻋﻠﻲ اﻟﺴﻠﻤﺎن، ﺷﻴﺦ ﻣﺸﺎﻳﺦ اﻟﺪﻟﻴﻢ ﻷﻧﻪ »رﺟـﻞ ﻗﺪﻳﺮ، وﻟﺪﻳﻪ ﻣﺸﺎرﻳﻊ أﻛﺜﺮ ﻣﻼءﻣﺔ ﻟﻠﻈﺮوف اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺎرﻳﻊ ﻓﻬﺪ ﺑﻴﻚ« )ص٠٤(. أﻣﺎ ﺿﺎري اﳌﺤﻤﻮد، ﺷــﻴــﺦ ﻗـﺒـﻴـﻠـﺔ زوﺑـــــﻊ، ﻓــﻘــﺪ ﻗﺘﻞ اﳌــﻘــﺪم ﺟــﻴــﺮارد ﻟﻴﺘﺸﻤﺎن ﻷﻧﻪ ﻫـــــﺬا اﻷﺧــــﻴــــﺮ أﻫــــﺎﻧــــﻪ ﺑــﻜــﻠــﻤــﺎت ﻗــﺎﺳــﻴــﺔ ﻟـــﻢ ﻳــﺘــﺤــﻤــﻠــﻬــﺎ اﻟــﺸــﻴــﺦ ﻓﺄوﻋﺰ إﻟـﻰ اﺑﻨﻪ ﺳﻠﻤﺎن واﺑﻨﻲ ﻋـــﻤـــﻪ أن ﻳــﻄــﻠــﻘــﻮا ﻋــﻠــﻴــﻪ اﻟـــﻨـــﺎر ﻓﺄردوه ﻗﺘﻴﻼ وﻓﺮوا إﻟﻰ اﳌﻨﺎﻃﻖ اﻟﺜﺎﺋﺮة ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﳌﻀﺎرب. وﻫﻨﺎك أﻛـﺜـﺮ ﻣـﻦ رواﻳـــﺔ ﳌﻘﺘﻞ ﻟﻴﺘﺸﻤﺎن، اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﻮاء اﻟﺪﻟﻴﻢ. ﻋـﻠـﻰ اﻟــﺮﻏــﻢ ﻣــﻦ ﻧــﺰاﻫــﺔ وزﻳــﺮ اﳌﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﻘﻴﻞ ﺳﺎﺳﻮن وإﺧﻼﺻﻪ ﻟﻠﻌﺮاق إﻻ أن اﳌﺲ ﺑﻴﻞ ﺗﻨﻮه داﺋﻤﴼ ﺑـﺄﻧـﻪ ﻧﺼﺤﻬﻢ »ﺑـﻌـﺪم ﺗﻌﻴﲔ أﺣﺪ ﻣــﻦ اﻟـﻌـﺮاﻗـﻴـﲔ ﻣﻠﻜﴼ أو أﻣــﻴــﺮا ﻋﻠﻰ اﻟــﻌــﺮاق ﻋﻠﻰ أﺳــﺎس أﻧــﻪ ﺳﻴﺜﻴﺮ ﺣﺴﺪ ﻋــﺮاﻗــﻴــﲔ آﺧـــﺮﻳـــﻦ ﻓـﻴـﺨـﻠـﻘـﻮا ﻣــﺘــﺎﻋــﺐ ﻻ ﺗــﻨــﺘــﻬــﻲ ﻟــﻺﻧــﺠــﻠــﻴــﺰ« )ص٨٦(. وﻛــــﺎن ﺳــﺎﺳــﻮن ﻳـﻘـﺘـﺮح ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﻳـﻜـﻮن ﻣﻠﻚ اﻟـــﻌـــﺮاق أو رﺋــﻴــﺴــﻪ أﺣـــﺪ أﺑــﻨــﺎء ﺷـﺮﻳـﻒ ﻣﻜﺔ أو أﺣﺪ أﻋﻀﺎء اﻷﺳﺮﺗﲔ اﳌﺎﻟﻜﺘﲔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ وﺗﺮﻛﻴﺎ ﻟﻜﻦ اﳌـﺲ ﺑﻴﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻳﺪ أﻣﻴﺮا ﻋﺮﺑﻴﴼ ﻟﻠﻌﺮاق، وﻛﺎن ﻓﻴﺼﻞ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﲔ ﻳﺸﻐﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ واﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮﻫﺎ وﻟﺬﻟﻚ ﻟﻘﺒﺖ ﺑـ »اﻟﺸﺮﻳﻔﻴﺔ« رﻏﻢ أﻧــﻬــﺎ ﻛــﺎﻧــﺖ ﺗــﺰﻋــﻢ ﺑــﺄن اﻻﺧــﺘــﻴــﺎر اﻷول واﻷﺧﻴﺮ ﻫﻮ ﻟﻠﺸﻌﺐ اﻟﻌﺮاﻗﻲ وﺣﺪه. ﻻ ﺗﺨﻔﻲ ﺑﻴﻞ إﻋﺠﺎﺑﻬﺎ ﺑﺎﳌﺜﻘﻔﲔ اﻟﻌﺮاﻗﻴﲔ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺼﻔﻘﻮن ﻛﻠﻤﺎ وردت ﻛــﻠــﻤــﺔ »اﻻﺳـــﺘـــﻘـــﻼل« ﻓـــﻲ أﺛــﻨــﺎء اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ وﻫــﻲ ﺗﻌﺮف ﺟﻴﺪﴽ أن ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟـــﻌـــﺮاﻗـــﻴـــﲔ ﻳـــﻘـــﻔـــﻮن ﺿــــﺪ ﻛــــﻞ أﺷـــﻜـــﺎل اﻻﺣـﺘـﻼل أو اﻟﻮﺻﺎﻳﺔ واﻻﻧـﺘـﺪاب اﻟﺘﻲ ﻛـــــﺎن ﻳــــــــﺮوج ﻟـــﻬـــﺎ ﺑـــﻌـــﺾ اﻟــﺴــﻴــﺎﺳــﻴــﲔ اﻟـــــﻌـــــﺮاﻗـــــﻴـــــﲔ اﻟــــــﺬﻳــــــﻦ ﻳــــﻠــــﻬــــﺜــــﻮن وراء ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻀﻴﻘﺔ.
أﺳﻬﻤﺖ ﻋﻮدة اﻟﻀﺒﺎط اﻟﻌﺮاﻗﻴﲔ ﻣــــــﻦ ﺳــــــﻮرﻳــــــﺎ وﻋـــــﻠـــــﻰ رأﺳــــــﻬــــــﻢ ﻧــــــﻮري اﻟﺴﻌﻴﺪ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎر اﻷﻣــﻴــﺮ ﻓﻴﺼﻞ ﻣﻠﻜﴼ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮاق ﺣﻴﺚ ﻣﻬﺪت رؤﻳﺘﻪ اﻟﺜﺎﻗﺒﺔ ﻟﺪﻋﻮة اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﺘﺄﺳﻴﺴﻴﺔ ﻷن ﺗﻘﻮم ﺑـــﻤـــﻬـــﺎﻣـــﻬـــﺎ اﻷرﺑـــــــــﻊ اﻷﺳــــﺎﺳــــﻴــــﺔ وﻫـــﻲ ﺗﻌﻴﲔ ﻣﺠﻠﺲ اﻟـﻮزراء، واﺧﺘﻴﺎر ﺣﺎﻛﻢ ﻟﻠﻌﺮاق، وﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﺠﻴﺶ، وﺗﺼﻤﻴﻢ ﻋﻠﻢ وﻃﻨﻲ. وﻗﺪ ﻧﻔﺬت اﻟﺨﻄﺔ اﳌﺮﺳﻮﻣﺔ ﺑـﺬﻫـﻦ اﳌــﺲ ﺑﻴﻞ اﻟـﺘـﻲ ﺳﺘﺤﻈﻰ ﺑﻠﻘﺐ »اﻟـــﺨـــﺎﺗـــﻮن« و»ﺻــﺎﻧــﻌــﺔ اﳌـــﻠـــﻮك« اﻟـﺘـﻲ ﻫﻴﺄت اﻷوﺿــﺎع اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ واﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻟــﺘــﺮﺷــﻴــﺢ ﻓــﻴــﺼــﻞ إﻟـــــﻰ ﺳـــــــﺪة اﻟــﺤــﻜــﻢ، ﻟﻜﻨﻪ ﻣـﺎ إن وﺻــﻞ إﻟــﻰ اﻟﺒﺼﺮة ﻓـﻲ ٣٢ ﻳﻮﻧﻴﻮ )ﺣﺰﻳﺮان( ١٢٩١ ﺣﺘﻰ ﻫﺐ ﺑﻌﺾ اﳌﺘﻨﻔﺬﻳﻦ ﻓﻲ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻣﻄﺎﻟﺒﲔ ﺑﻤﺠﻠﺲ ﺗﺸﺮﻳﻌﻲ ﻣﺴﺘﻘﻞ، وﺷﺮﻃﺔ ﺧﺎﺻﺔ وﻣﺎ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﻟﻜﻦ اﳌﺲ ﺑﻴﻞ رﻓﻀﺖ ﺗﺄﻳﻴﺪ ﻫﺬا اﻟﻄﻠﺐ، ﻛﻤﺎ أﻛــﺪ ﻛـﻮﻛـﺲ ﺑــﺄن »ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺻــﺎﺣــﺐ اﻟــﺠــﻼﻟــﺔ ﺗــﺮﻳــﺪ أن ﺗـــﺮى ﻋـﺮاﻗـﴼ ﻣﻮﺣﺪﴽ« )ص٧٧( ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺮﻓﺾ ﻓﻜﺮة ﺗـﻤـﺘـﻊ اﻟــﺒــﺼــﺮة ﺑــﺪرﺟــﺔ ﻣــﻦ اﻻﺳـﺘـﻘـﻼل اﻟﺬاﺗﻲ.
ﻳـﻤـﺜـﻞ ﺗــﺘــﻮﻳــﺞ ﻓـﻴـﺼـﻞ اﻷول ﻣﻠﻜﴼ ﻋــﻠــﻰ اﻟـــﻌـــﺮاق ﺛــﻤــﺮة اﻟــﺠــﻬــﻮد اﻟـﻜـﺒـﻴـﺮة اﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﺘﻬﺎ اﳌـﺲ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻢ اﻧﺘﺨﺎﺑﻪ ﺑﻨﺴﺒﺔ ٦٩ ﻓــﻲ اﳌــﺎﺋــﺔ ﻣــﻦ أﺑــﻨــﺎء ﻣــﺎ ﺑﲔ اﻟﻨﻬﺮﻳﻦ. وﺗــﻢ ﺣﻔﻞ اﻟﺘﺘﻮﻳﺞ ﺑﺤﻀﻮر ٠٠٥١ ﻣﺪﻋﻮ، ﺛﻢ ﻋﺰف اﻟﻨﺸﻴﺪ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟــﺒــﺮﻳــﻄــﺎﻧــﻲ ﻷﻧـــﻪ ﻟــﻢ ﻳــﻜــﻦ ﻫــﻨــﺎك ﺳــﻼم ﺟــﻤــﻬــﻮري ﻋــﺮاﻗــﻲ، وﻓـــﻲ اﻟــﺨــﺘــﺎم ﺗﻤﺖ اﳌﻮاﻓﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ اﻟﺘﻲ رأﺳﻬﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﻘﻴﺐ ﻛﺄول رﺋﻴﺲ وزراء ﳌﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮاق اﻟﻔﺘﻴﺔ.