ﻣﺬﻛﺮات ﻧﺠﻴﺐ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﺗﺼﺪر ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن
ﺗﻜﺸﻒ ﺟﻮاﻧﺐ ﺧﻔﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ وﻣﻐﺎﻣﺮاﺗﻪ اﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ وﻣﺴﲑﺗﻪ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺸﺎﻗﺔ
ﺑـﻌـﺪ ﻋـﺸـﺮ ﺳــﻨــﻮات ﻣــﻦ وﻓــﺎة ﻧــﺠــﻴــﺐ اﻟــﺮﻳــﺤــﺎﻧــﻲ أﺻــــــﺪرت دار اﻟــــﻬــــﻼل ﻣـــﺬﻛـــﺮاﺗـــﻪ اﻟـــﺘـــﻲ ﻛـــــﺎن ﻗـﺪ ﻧﺸﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻘﺎﻻت، ﻛــــﺎن ذﻟــــﻚ ﻓـــﻲ ﻳــﻮﻧــﻴــﻮ )ﺣـــﺰﻳـــﺮان( ٩٥٩١. وﻣﺆﺧﺮﴽ أﻋﺎدت دار اﻟﻬﻼل ﻧﺸﺮ ﻃﺒﻌﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ ﻫﺬه اﳌﺬﻛﺮات اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ إﺣﺪى رواﺋﻊ أدب اﻟﺴﻴﺮة اﻟﺬاﺗﻴﺔ؛ إذ ﻳﺒﺪو ﻓﻴﻬﺎ ﺟـﻠـﻴـﴼ ﺗـﻤـﻠـﻚ اﻟــﺮﻳــﺤــﺎﻧــﻲ ﻷﺳــﻠــﻮب أدﺑـــــــﻲ ﻣــﻤــﺘــﻊ وﺣــﺼــﻴــﻠــﺔ ﻟــﻐــﻮﻳــﺔ ﻛــﺒــﻴــﺮة، ﻛــﻤــﺎ ﻟــﻢ ﺗــﺨــﻞ ﻣــﻦ اﻟـﺤـﺲ اﻟﻔﻜﺎﻫﻲ اﻟﺴﺎﺧﺮ ﻟﻠﺮﻳﺤﺎﻧﻲ.
ﺗﻘﻊ اﳌﺬﻛﺮات ﻓﻲ ٦٦١ ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ اﳌﺘﻮﺳﻂ وﺗﺒﺪأ ﺑﻤﻘﺪﻣﺔ ﻟﺼﺪﻳﻖ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ورﻓـﻴـﻖ رﺣﻠﺔ ﻛﻔﺎﺣﻪ اﻟﻔﻨﻴﺔ ﺑﺪﻳﻊ ﺧﻴﺮي اﻟـﺬي ﻛـﺘـﺐ ﻓـﻴـﻬـﺎ: »ﺣـﻴـﻨـﻤـﺎ دﻋـﺘـﻨـﻲ دار اﻟــﻬــﻼل أن أﻗـــﺪم ﻟــﻬــﺬا اﻟـﻜـﺘـﺎب ﻋﻦ ﻣــﺬﻛــﺮات أﺧــﻲ وﺻـﺪﻳـﻘـﻲ اﻟــﺮاﺣــﻞ ﻧﺠﻴﺐ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ، ﻏﺮﻗﺖ ﻓﻲ ﻟﺠﺔ ﻣـــﻦ اﻟـــﺬﻛـــﺮﻳـــﺎت، وﻋـــــﺎدت ذاﻛــﺮﺗــﻲ إﻟـــﻰ أﻳــﺎﻣــﻨــﺎ اﳌــﺎﺿــﻴــﺔ..«، وﻳﺸﻴﺮ إﻟـــــﻰ أن ﺻـــــﻮر اﻟـــﺮﻳـــﺤـــﺎﻧـــﻲ اﻟــﺘــﻲ ﺗﻤﺜﻠﺖ أﻣﺎﻣﻪ ﻋﻨﺪ ﻗﺮاءة اﳌﺬﻛﺮات: اﻟــﺼــﻮرة اﻷوﻟـــﻰ أن اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺠﺮد ﻣﻤﺜﻞ ﻳﻜﺴﺐ ﻋﻴﺸﻪ ﻣﻦ ﻣﻬﻨﺔ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ، ﺑﻞ ﻛـﺎن ﻓﻴﻠﺴﻮﻓﺎ وﻓــﻨــﺎﻧــﺎ. واﻟـــﺼـــﻮرة اﻟــﺜــﺎﻧــﻴــﺔ ﻫﻲ ﺻﻮرة اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ اﳌﻤﺜﻞ اﻟﻜﻮﻣﻴﺪي اﻟﺬي أﺟﺒﺮه ﺟﻤﻬﻮره إﺟﺒﺎرا ﻋﻠﻰ اﻟــﺴــﻴــﺮ ﻓـــﻲ اﻻﺗـــﺠـــﺎه اﻟــﻜــﻮﻣــﻴــﺪي. واﻟـــــﺼـــــﻮرة اﻟــﺜــﺎﻟــﺜــﺔ ﻫــــﻲ ﺻــــﻮرة اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟـﺜـﺎﺋـﺮ، اﻟـﺬي ﺟﻌﻞ ﻣﻦ اﳌﺴﺮح ﻣﻨﺒﺮا ﻟﻠﻮﻃﻨﻴﺔ.. اﻟـــــﺮﺟـــــﻞ اﻟـــــــﺬي ﻋــــﺎﻟــــﺞ اﻟــﺴــﻴــﺎﺳــﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺎﻫﺔ، وﻓﺘﺢ ﻋﻴﻮن اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ إﻟﻰ ﺳﻮء ﺣﺎﻟﻬﺎ، وﻫﺎﺟﻢ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ وأﻋﻮاﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺴﺮﺣﻴﺎﺗﻪ وﺗﻬﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻓﻠﻘﻲ ﻣﻦ ﻋﻨﺖ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر، واﺿﻄﻬﺎد اﻟﺴﺮاي، اﻟﺸﻲء اﻟﻜﺜﻴﺮ، ﻳـﺴـﺘـﻜـﻤـﻞ ﺧــﻴــﺮي رﺳــــﻢ اﻟــﺼــﻮرة اﻟــﺮاﺑــﻌــﺔ ﻟـﻠـﺮﻳـﺤـﺎﻧـﻲ ﻗــﺎﺋــﻼ: »ﻫــﻲ ﺻـﻮرة اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻮﻓﻲ ﻷﺻـﺪﻗـﺎﺋـﻪ وأﺑــﻨــﺎء ﻣﻬﻨﺘﻪ. وﻟﻌﻞ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﺗﺒﺮز وﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ أﺑﺮز ﺻﻮرﻫﺎ ﻓﻲ ﺟﻬﻮده اﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﻬﺎ أواﺧﺮ أﻳﺎﻣﻪ، ﻟﺤﺚ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋــــﻠــــﻰ إﻗـــــﺎﻣـــــﺔ ﻣـــﻠـــﺠـــﺄ ﻟــﻠــﻤــﻤــﺜــﻠــﲔ اﳌﺘﻘﺎﻋﺪﻳﻦ، وﺣﲔ ﺷﻴﺪ ﺑﻴﺘﻪ اﻟﺬي ﻣﺎت ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﻜﻨﻪ، ﻛﺎن ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺨﺼﺼﻪ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺮض اﻟﻨﺒﻴﻞ، ﻟﻮﻻ أن اﳌﻨﻴﺔ ﻋﺎﺟﻠﺘﻪ..«
»اﻟﻔﻨﺎن ﻻ ﻳﻤﻮت وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺒﻘﻰ ﺧﺎﻟﺪا ﻓﻲ ﻗﻠﻮب ﻣﺤﺒﻴﻪ«... ﺑﻬﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ اﺧﺘﺘﻢ ﺑﺪﻳﻊ ﺧﻴﺮي رﻓﻴﻖ ﻛﻔﺎح اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﻟﻠﻤﺬﻛﺮات وﻫﻲ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻌﺒﺮة ﻋﻦ ﺷﻌﻮر ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻘﺮأ ﻫﺬه اﳌﺬﻛﺮات اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪم ﺻـــــﻮرة ﺑـــﺎﻧـــﻮراﻣـــﻴـــﺔ ﻋـــﻦ اﻟــﺤــﻴــﺎة اﻟﻔﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﳌﺼﺮ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ وﺗﺆرخ ﻟﺤﻘﺒﺔ ﻫﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ اﻟـــﻔـــﻨـــﻲ ﺣــــﲔ ﻛــــﺎﻓــــﺢ اﻟـــﻜـــﺜـــﻴـــﺮ ﻣــﻦ اﻟﻔﻨﺎﻧﲔ ﻟﻮﺿﻊ أﺳﺲ ﻓﻦ اﳌﺴﺮح واﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ.
ﺟــــــﻮاﻧــــــﺐ ﺧـــﻔـــﻴـــﺔ ﻣــــــﻦ ﺣـــﻴـــﺎة اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﺗﺘﻜﺸﻒ ﺑﲔ اﻟﺴﻄﻮر، ﻓﺴﻮف ﺗﻌﺮف أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺮع اﻟﺨﻤﺮ ﻗﺒﻞ ﺻﻌﻮده ﻟﻠﻤﺴﺮح ﻛﻌﺎدة أﻫﻞ اﻟﻔﻦ آﻧﺬاك ﻟﻠﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ رﻫﺒﺘﻪ؛ ﺑﻞ ﻛــﺎن ﻳﻌﺘﻜﻒ ﻓـﻲ ﻏﺮﻓﺘﻪ ﺑﺎﳌﺴﺮح ﻗﺒﻴﻞ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺑﻨﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻗـــــﻞ ﻻ ﻳــﺴــﻤــﺢ ﻷي ﻣـــﻦ ﻛــــﺎن أن ﻳﻘﻄﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺰﻟﺘﻪ اﳌﻘﺪﺳﺔ، وﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﺣﺒﻪ ﻟﻔﻨﻪ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺒﺄ ﺑﻨﺼﺎﺋﺢ اﻷﻃﺒﺎء ﻟﻪ ﺑﺎﻻﻋﺘﺰال ﺣﺮﺻﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺘﻪ ﻓﻘﺎل: »ﺧﻴﺮا ﻟﻲ أن أﻗﻀﻲ ﻧﺤﺒﻲ ﻓــﻮق اﳌـﺴـﺮح ﻣـﻦ أن أﻣـﻮت ﻋــﻠــﻰ ﻓــــﺮاﺷــــﻲ«. ﻛــــﺎن اﻟــﺮﻳــﺤــﺎﻧــﻲ ﻳﻬﺘﻢ ﺑـﺎﻟـﺘـﻤـﺮن ﻋـﻠـﻰ ﻣﺴﺮﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑــــﺈﺧــــﻼص ﺷـــﺪﻳـــﺪ ﻓـــﻜـــﺎن ﻳـﻘـﻀـﻲ ﺷﻬﺮا ﻛﺎﻣﻼ ﻓﻲ إﺟــﺮاء اﻟﺒﺮوﻓﺎت ﻋــــﻦ ﻓــﺼــﻞ واﺣــــــﺪ ﻣــــﻦ اﻟــﻔــﺼــﻮل، وﻛــﺎن داﺋـﻤـﺎ ﻣـﺎ ﻳـﻘـﻮل: »ﺧـﻴـﺮا ﻟﻲ أن أواﺟـــــﻪ اﻟــﺠــﻤــﻬــﻮر ﺑـﻤـﺴـﺮﺣـﻴـﺔ واﺣﺪة ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻣﻦ أن أﻗﺪم ﻟﻪ ﻋﺸﺮ ﻣﺴﺮﺣﻴﺎت ﺿﻌﻴﻔﺔ«.
وﻳــﺮوي ﺧﻴﺮي أن اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﺷﻬﺪ ﺗﻜﺮﻳﻢ ﻓﻨﻪ ﻓـﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻓﻘﺪ دﻋﺖ ﺷﺮﻛﺔ »ﺟﻮﻣﻮن« اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻋـﺪدا ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻔﻨﺎﻧﲔ وﻛـﺎن ﻣﻦ ﺑـﻴـﻨـﻬـﻢ راﻳــﻤــﻮ وﻓـﻴـﻜـﺘـﻮر ﺑﻮﺷﻴﻪ ﻟــﻴــﺸــﻬــﺪوا ﺗـﻤـﺜـﻴـﻠـﻪ أﺛـــﻨـــﺎء إﺧـــﺮاج ﻓــﻴــﻠــﻢ »ﻳــــﺎﻗــــﻮت ﺑـــﺒـــﺎرﻳـــﺲ« وﺑــﻠــﻎ إﻋﺠﺎﺑﻬﻢ ﺑﻪ أن ﻃﻠﺒﻮا إﻟﻴﻪ دﻋﻮة ﻓــﺮﻗــﺘــﻪ ﻟـﺘـﻘـﺪﻳـﻢ ﺣــﻔــﻼت ﻓــﻲ اﳌــﺪن اﻟـﻔـﺮﻧـﺴـﻴـﺔ ﻛــﻠــﻮن ﻣــﻦ أﻟــــﻮان اﻟـﻔـﻦ اﻟﺸﺮﻗﻲ. ﻛﻤﺎ ﺷﻬﺪ اﻟﺴﻴﺮ ﺳﺎﻳﻤﻮر ﻫﻴﻜﺲ، ﻋﻤﻴﺪ اﳌﺴﺮح اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي آﻧﺬاك ﻣﺴﺮﺣﻴﺘﻪ »ﺣﻜﻢ ﻗﺮاﻗﻮش« ﺑــﻨــﺎدي اﻟـﻀـﺒـﺎط اﳌــﺼــﺮي وﻫـﻨـﺄه ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺜﻴﻠﻪ اﻟﺮاﺋﻊ.
ﻳــــﺒــــﺪأ اﻟـــﻔـــﺼـــﻞ اﻷول »أول اﻟﻄﺮﻳﻖ« ﺑﺮواﻳﺔ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﻟﺒﺪاﻳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻗﺎﺋﻼ: »ﻟﺴﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ أن أرﺟﻊ ﺑﺎﻟﺬاﻛﺮة إﻟﻰ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺬي ﺗﻠﻘﻔﻨﻲ ﻓﻴﻪ ﻛﻒ اﻟﻌﺎﻟﻢ«، وﻳﺘﺤﺪث ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻋﻦ ﺑﺪاﻳﺔ ﻋﺸﻘﻪ ﻟﻠﺘﻤﺜﻴﻞ ﺣــﻴــﻨــﻤــﺎ ﻛــــﺎن ﻓـــﻲ ﺳـــﻦ اﻟــﺴــﺎدﺳــﺔ ﻋﺸﺮة ﺑﻌﺪ أن ﺗﺮك ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻔﺮﻳﺮ اﻟـــﻔـــﺮﻧـــﺴـــﻴـــﺔ ﺑـــﺎﻟـــﺨـــﺮﻧـــﻔـــﺶ وﺳـــﻂ اﻟـــﻘـــﺎﻫـــﺮة، وﻣــﻴــﻠــﻪ ﻟـــﺪراﺳـــﺔ اﻷدب اﻟــﻌــﺮﺑــﻲ واﻟــﻠــﻐــﺔ اﻟــﻌــﺮﺑــﻴــﺔ ﺣـﻴـﺚ ﺟــﺎء أﻫــﻠــﻪ ﺑــﻤــﺪرس ﺧــﺎص اﺳﻤﻪ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺤﺮ اﻟﺬي دﻋﻤﻪ وﺷﺠﻌﻪ. ﻳﺸﻴﺮ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﻷول رواﻳﺔ ﻣﺜﻠﻬﺎ »اﳌــﻠــﻚ ﻳـﻠـﻬـﻮ« اﻟــﺘــﻲ أﻃــﻠــﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ »أول ﻏــــﺮام« وﻳـــــﺮوي: »ﻛــﺎﻧــﺖ ﻛﻞ ﻫــﻮاﻳــﺎﺗــﻲ ﻣﻨﺼﺒﻪ ﻋـﻠـﻰ اﻟــﺪراﻣــﺎ، وﻛــﻨــﺖ أﺳـﺘـﻈـﻬـﺮ ﻗــﺼــﺎﺋــﺪ ﻫﻴﺠﻮ وأﺷــﻌــﺎر اﳌﺘﻨﺒﻲ وﻟـﺰوﻣـﻴـﺎت أﺑﻲ اﻟــﻌــﻼء اﳌــﻌــﺮي، ﺛــﻢ أﺧـﻠـﻮ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻓــﻲ اﳌــﻨــﺰل و»ﻫـــﺎت ﻳــﺎ إﻟــﻘــﺎء وﺧـﺪ ﻳـﺎ ﺗﻤﺜﻴﻞ« ﺣﺘﻰ ﺿﺠﺖ واﻟـﺪﺗـﻲ وﻛــﺎد »ﻳـﻬـﺞ« ﻣــﻦ اﻟﺒﻴﺖ أﺧـﻮﺗـﻲ، وﻣــــﻊ ذﻟــــﻚ ﻓــﺈﻧــﻨــﻲ ﻟـــﻢ أﻋــﺒــﺄ ﺑﻤﺜﻞ ﻫــﺬه اﻟـﻌـﺮاﻗـﻴـﻞ، وﻣــﺎ دﻣــﺖ أرﺿـﻲ ﻫﻮاﻳﺘﻲ ﻓﺒﻌﺪﻫﺎ اﻟﻄﻮﻓﺎن«.
ﻛــﺎن اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻮﻇﻔﺎ ﺑﺎﻟﺒﻨﻚ اﻟﺰراﻋﻲ وﺗﺰاﻣﻞ ﻣﻊ ﻋﺰﻳﺰ ﻋــﻴــﺪ اﻟــــﺬي ﻛـــﺎن ﻋــﺎﺷــﻘــﺎ ﻟﻠﺘﻤﺜﻴﻞ أﻳــﻀــﺎ، اﺳــﺘــﻘــﺎل ﻋــﺰﻳــﺰ ﻋـﻴـﺪ ٨٠٩١ وأﺳـــــﺲ ﻓـــﺮﻗـــﺔ ﻣــﺴــﺮﺣــﻴــﺔ واﻧــﻀــﻢ ﻟﻬﺎ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺮﻗﺔ ﺗﻘﻮم ﺑﺘﻤﺜﻴﻞ ﻣﺴﺮﺣﻴﺎت ﻣﺘﺮﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟــﻔــﺮﻧــﺴــﻴــﺔ ﻣـــﻦ ﻧـــﻮع »اﻟــﻔــﻮدﻓــﻴــﻞ« وﻛـــــﺎن ﻳــﺴــﻨــﺪ ﻟـــﻪ أدوارا ﺻـﻐـﻴـﺮة وﻳﻘﻮل ﺳﺎﺧﺮا: »ﻫﻨﺎ ﻛﺎن إﻫﻤﺎﻟﻲ ﻟﻌﻤﻠﻲ ﻓــﻲ اﻟـﺒـﻨـﻚ ﻗــﺪ ﺑـﻠـﻎ ﺣـــﺪا ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻠﻪ أﺣــﺪ واﻟـﺸـﻬـﺎدة ﻟـﻠـﻪ. ﻓﻜﻢ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺎت ﺑﻞ أﻳـﺎم ﻛﻨﺖ أﺗﻐﻴﺒﻬﺎ وﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﻤﺜﻠﺔ ﺗﻘﺘﺤﻢ ﻋﻠﻲ ﻣﻜﺘﺒﻲ، وﺧـــﺼـــﻮﺻـــﺎ ﻣــﻨــﻴــﺔ اﻟــﻘــﻠــﺐ اﻟــﺴــﺖ !«(ص) ﻟﻢ ﺗﺠﺪ إدارة اﻟﺒﻨﻚ إزاء ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻻت اﻟﺼﺎرﺧﺔ إﻻ أن ﺗﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋـــﻦ ﻋـﻤـﻠـﻲ وأي ﻋــﻤــﻞ ﻳـــﺎ ﺣــﺴــﺮة؟ ﻫﻮ أﻧـﺎ ﻛﻨﺖ ﺑﺎﺷﺘﻐﻞ؟!.« اﻟﺴﻴﺪة »ص« ﻫـﻲ أول ﺣﺒﻴﺒﺔ ﻟﻠﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﻟــﻜــﻨــﻬــﺎ ﻛـــﺎﻧـــﺖ ﻣــﺮﺗــﺒــﻄــﺔ ﺑـﺼـﺪﻳـﻘـﻪ ﻋﻠﻲ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻨﺎﻓﺴﻪ ﻓﻲ ﺣﺒﻬﺎ، ودارت اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣـﻦ اﳌﻘﺎﻟﺐ اﻟﻄﺮﻳﻔﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ. وﻳﺤﻜﻲ أﻧﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟــﻚ اﺗـﺨـﺬ ﻣــﻦ ﻗـﻬـﻮة اﻟـﻔـﻦ ﺑﺸﺎرع ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻣﻠﺠﺄ ﻟﻪ وﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻘﻰ اﻷﺳﺘﺎذ أﻣﲔ ﻋﻄﺎ اﻟﻠﻪ اﻟﺬي ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺴﺎﻓﺮ ﻣﻌﻪ ﻟﻺﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻟﻴﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻓﺮﻗﺔ ﺷﻘﻴﻘﻪ ﺳﻠﻴﻢ ﻋﻄﺎ اﻟﻠﻪ ﺑﺮاﺗﺐ ﻗﺪره ٤ ﺟﻨﻴﻬﺎت ﺷﻬﺮﻳﺎ وﻣـــﺜـــﻞ ﻣــﻌــﻪ ﻣــﺴــﺮﺣــﻴــﺔ »ﺷـــﺎرﳌـــﺎن اﻷﻛﺒﺮ« إﻻ أﻧﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺣﻘﻖ ﻧﺠﺎﺣﺎ ﻛﺒﻴﺮا ﻓﺼﻠﻪ ﺳﻠﻴﻢ ﻋﻄﺎ اﻟﻠﻪ. ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻫﺮة وﻇﻞ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ إﻟﻰ أن وﺟﺪ وﻇﻴﻔﺔ ﺑﺸﺮﻛﺔ اﻟﺴﻜﺮ ﻋــﺎم ٠١٩١ ﻓـﻲ ﻧﺠﻊ ﺣـﻤـﺎدي ﻟﻜﻨﻪ ﻟــﻢ ﻳـﻤـﺾ ﻓـﻴـﻬـﺎ أﻛــﺜــﺮ ﻣــﻦ ٧ أﺷﻬﺮ ﺣﻴﺚ ذﻛﺮ واﻗﻌﺔ أﻗﺮ ﺑﺨﺠﻠﻪ ﻣﻨﻬﺎ، وﻫـــﻲ إﻋــﺠــﺎﺑــﻪ ﺑــﺰوﺟــﺔ ﺑﺎﺷﻜﺎﺗﺐ اﻟــــﺸــــﺮﻛــــﺔ وﺣــــــﲔ ﺗـــﺴـــﻠـــﻞ ﳌــﻨــﺰﻟــﻬــﺎ ذات ﻟﻴﻠﺔ ﺻـﺮﺧـﺖ اﻟـﺨـﺎدﻣـﺔ؛ ﻇﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﺺ ﻓﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ وﺗﻢ رﻓﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻛﺔ. ﳌﺎ ﻋﺎد ﻟﻠﻘﺎﻫﺮة رﻓﻀﺖ واﻟﺪﺗﻪ أن ﻳﻘﻴﻢ ﻣﻌﻬﺎ وﻇﻞ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ٨٤ ﺳﺎﻋﺔ ﺟﺎﺋﻌﺎ ﺷﺮﻳﺪا ﻛــﺎن ﻳﺠﻠﺲ إﻟــﻰ ﻗـﻬـﻮة اﻟـﻔـﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﻐﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺻﺒﺎﺣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻳﺘﺠﻪ ﻟﻜﻮﺑﺮي ﻗﺼﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﻳﺘﺠﻮل ﻓــﻲ اﺗــﺠــﺎه ﺟــﺰﻳــﺮة اﻟــﺰﻣــﺎﻟــﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻴﻪ اﻟﺘﻌﺐ وﻳـﻌـﻮد ﻓـﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻟﻠﻤﻘﻬﻰ وﻳﺒﻴﺖ ﺑﺎﻟﺸﺎرع.
وﻗﺪ وﺟﺪ ﻟﻪ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﻣﺤﻤﻮد ﺻــﺎدق ﺳﻴﻒ ﻋﻤﻼ ﻛﻤﺘﺮﺟﻢ ﻟﺪى ﻣـﻜـﺘـﺒـﺔ دار اﳌـــﻌـــﺎرف ﻳــﻌــﺮب ﻓﻴﻬﺎ أﺟـــــــﺰاء رواﻳـــــــﺔ ﺑــﻮﻟــﻴــﺴــﻴــﺔ »ﻧــﻘــﻮﻻ ﻛــﺎرﺗــﺮ« ﻣـﻘـﺎﺑـﻞ ٠٢١ ﻗـﺮﺷـﺎ ﻋــﻦ ﻛﻞ ﺟﺰء. ﻋﻤﻞ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻛﻤﺘﺮﺟﻢ وﻣﻤﺜﻞ ﻟــﺪى ﻓﺮﻗﺔ اﻟﺸﻴﺦ أﺣﻤﺪ اﻟﺸﺎﻣﻲ، وﺟــــﺎب ﻣـﻌـﻬـﻢ اﻷراﺿـــــﻲ اﳌـﺼـﺮﻳـﺔ ﺷــﺮﻗــﺎ وﻏــﺮﺑــﺎ ﺣــﺎﻣــﻼ ﻣــﻌــﻪ ﻣﺮﺗﺒﻪ ووﺳــــــــﺎدة وﻏــــﻄــــﺎء ﻛــﻜــﻞ اﳌــﻤــﺜــﻠــﲔ ﺣـﻴـﺚ ﻛــﺎﻧــﻮا ﻳـﻘـﻴـﻤـﻮن ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﻲ ﻣـــﻨـــﺎزل ﺗــﺴــﺘــﺄﺟــﺮﻫــﺎ اﻟــﻔــﺮﻗــﺔ دون أﺛﺎث ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ »ﺑﻴﺖ اﻹدارة«. وﻗــﺪ اﺳـﺘـﺪﻋـﺘـﻪ ﺷـﺮﻛـﺔ اﻟـﺴـﻜـﺮ ﻣـﺮة أﺧـــــﺮى ﻟــﻠــﻌــﻤــﻞ ﻓــﻴــﻬــﺎ ﻟـــ»ﺗــﻄــﻔــﻴــﺶ اﻟﺒﺎﺷﻜﺎﺗﺐ« ﻓﻠﻢ ﻳﺘﻮان ﻋﻦ اﻟﻌﻮدة ﻓﻮرا وﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﺗﺤﻮﻟﺖ اﻟﻌﺪاوة إﻟﻰ ﺻﺪاﻗﺔ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﲔ اﻟﺒﺎﺷﻜﺎﺗﺐ وﻛــــــﺎن اﻟـــﺮﻳـــﺤـــﺎﻧـــﻲ ﻗـــﺪ ﺗــﺨــﻠــﻰ ﻋـﻦ ﻃــﻴــﺶ اﻟــﺸــﺒــﺎب ﻓــﺤــﺎز ﻣــﺪﻳــﺮ ﺛﻘﺔ ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺸﺮﻛﺔ وﺑﻠﻎ راﺗﺒﻪ ٤١ ﺟﻨﻴﻬﺎ ﺷﻬﺮﻳﺎ.
ﺑﻌﺪ ﻋـﺎﻣـﲔ ﺗﻠﻘﻰ ﺧﻄﺎﺑﺎ ﻣﻦ ﻋــﺰﻳــﺰ ﻋـﻴـﺪ ﻳـﺨـﺒـﺮه ﻓـﻴـﻪ ﻋــﻦ ﻋــﻮدة ﺟـــــﻮرج أﺑـــﻴـــﺾ ﻣـــﻦ أوروﺑـــــــﺎ وأﻧـــﻪ ﻳـــﻨـــﻮي ﺗــﺄﺳــﻴــﺲ ﻓـــﺮﻗـــﺔ، ﻟـــﻢ ﻳـﻬـﺘـﻢ اﻟــﺮﻳــﺤــﺎﻧــﻲ ورﺿـــﻲ ﺑﻌﻤﻠﻪ ﺑﻨﺠﻊ ﺣـــﻤـــﺎدي إﻟـــﻰ أن وﺟـــﺪ اﻟـﺼـﺤـﺎﻓـﺔ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﺗﻮﻟﻲ اﻟﻔﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎ ﻛﺒﻴﺮا، ﻓﺎﺳﺘﺴﻠﻢ ﻹﻏــﺮاء اﻟﻔﻦ وﻫﻨﺎ ﻳﺒﺪأ ﺳﺮد اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﻟﺮﺣﻠﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺟﺴﺪﻫﺎ وﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﻳﺤﻀﺮ ﻟﺘﻘﻤﺼﻬﺎ.
وﺗــﺤــﻔــﻞ اﳌـــﺬﻛـــﺮات ﺑـﺎﻟـﻄـﺮاﺋـﻒ واﻟﺘﻌﺒﻴﺮات اﻟﺠﻴﺎﺷﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﻛﻞ ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺘﻌﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻨﺪر اﻟـــﺮﻳـــﺤـــﺎﻧـــﻲ ﻋــﻠــﻰ ﺣـــﺎﻟـــﺔ وإﻓـــﻼﺳـــﻪ اﳌﺴﺘﻤﺮ ﺑﻌﺪ أن ﻳـﺘـﺮك اﳌــﺴــﺎرح أو اﻟــﻔــﺮق اﻟــﺘــﻲ ﻳـﻌـﻤـﻞ ﻣـﻌـﻬـﺎ، وﻳـــﺮوي ﺑـــﺄﺳـــﻠـــﻮب ﻃـــﺮﻳـــﻒ ﺷــﻴــﻖ اﻧــﺒــﻬــﺎره ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ واﻟﺜﺮاء اﻟﺬي ﺣﻞ ﺑﺈﺳﺘﻴﻔﺎن روﺳﺘﻲ اﳌﻤﺜﻞ اﻟﺴﻜﻨﺪري ﻣﻦ أﺻﻞ إﻳـﻄـﺎﻟـﻲ اﻟـــﺬي اﺷـﺘـﻬـﺮ ﺑـــﺄداء أدوار اﻟﻴﻬﻮدي أو اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺸﺮﻳﺮ اﳌﺎﻛﺮ، ﻓــﻴــﺮوي ﻓــﻲ اﳌـــﺬﻛـــﺮات أﻧـــﻪ ﻓــﻲ أول ﻳﻮﻧﻴﻮ ﻋﺎم ٦١٩١ وﺟﺪ زﻣﻴﻞ اﻟﺸﻘﺎء واﻟﻌﻨﺎء وﻗﺪ ﺣﻠﺖ ﺑﻪ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺜﺮاء اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻲ: »إﻳـﻪ ﻳﺎ وﻟﺪ اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﻠﻲ ﻇﻬﺮت ﻋﻠﻰ ﺟﺘﺔ اﻟﻠﻲ ﺧﻠﻔﻮك دي. وﻣـﻨـﲔ اﻟـﻌـﺰ ده ﻛـﻠـﻪ، ﺗﻜﻮﻧﺶ )ﺳـﻄـﻴـﺖ( ﻋـﻠـﻰ اﻟـﺒـﻨـﻚ اﻷﻫــﻠــﻲ؟«... وﺑــﻜــﻞ ﺑــــﺮود ﻳــﻬــﺰ إﺳــﺘــﻴــﻔــﺎن رأﺳــﻪ وﻗـــﺎل: »ﻻ ﻫــﺬا وﻻ ذاك. اﳌـﻬـﻢ رﺑﻨﺎ ﻓﺮﺟﻬﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ واﻟﺴﻼم«. وﻛﺎن اﻟﺴﺮ ﻛﺒﺎرﻳﺔ »ﻻﺑﻴﻪ دي روز« اﻟــﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﻄﻴﻪ ٠٦ ﻗــﺮﺷــﺎ ﻛــﻞ ﻳــــﻮم.. ﻳﻘﻮل اﻟــﺮﻳــﺤــﺎﻧــﻲ ﺑـــﻤـــﺬﻛـــﺮاﺗـــﻪ: »ﻳــــﺎ ﻧــﻬــﺎر أﺑـــﻮك زي اﻟــﻜــﺮﻧــﺐ ﻳــﺎ إﺳـﺘـﻴـﻔـﺎن ﻳﺎ روﺳــﺘــﻲ؟ ﺳـﺘـﻮن ﻗـﺮﺷـﺎ ﻓــﻲ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻳــﻌــﻨــﻲ ﻗــــﺪ ﻣــﺎﻫــﻴــﺔ اﻟــﻌــﺒــﺪ ﻟــﻠــﻪ ﻓـﻲ ﺷﻬﺮ..« وﳌﺎ ﻋﺮف ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﻌﻤﻞ أﻧﻪ ﻳﻈﻬﺮ ﻛﺨﻴﺎل ﻇﻞ وﺑﻌﺪ أن أﺧﺬ إﺳﺘﻴﻔﺎن ﻧﺼﻴﺒﻪ ﻣﻦ »اﻟﺘﺮﻳﻘﺔ« ﻣﻦ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ أي ﻋـﻤـﻞ ﻟـﻠـﺨـﺮوج ﻣــﻦ ﺣـﺎﻟـﺔ اﻹﻓـــﻼس. وﺑـــﺎﻟـــﻔـــﻌـــﻞ ﻛـــﺎﻧـــﺖ ﺑــــﺪاﻳــــﺔ اﻟــﻄــﺮﻳــﻖ ﻟﺸﺨﺼﻴﺔ »ﻛﺸﻜﺶ ﺑﻚ«.
ﻳـــــــــﺮوي اﻟــــﺮﻳــــﺤــــﺎﻧــــﻲ ﻗــﺼــﺺ اﻟــﻜــﺜــﻴــﺮ ﻣــــﻦ اﻟـــﺸـــﺨـــﺼـــﻴـــﺎت اﻟــﺘــﻲ ﺟﺴﺪﻫﺎ واﺷﺘﻬﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻔﻦ وﻣﻨﻬﺎ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻷﺷﻬﺮ »ﻛﺸﻜﺶ ﺑـﻚ«، وأﻧـﻪ رأى ﺣﻠﻤﺎ أو رؤﻳـﺔ ﺑﻬﺎ ﺷﻴﺦ ﻳﺮﺗﺪي ﻋﻤﺎﻣﺔ رﻳﻔﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة واﻟـﺠـﺒـﺔ واﻟــﻘــﻔــﻄــﺎن، ﻓــﻘــﺎل ﻣﺤﺪﺛﺎ ﻧﻔﺴﻪ: »ﻣــﺎذا ﻟﻮ ﺟﺌﻨﺎ ﺑﺸﺨﺼﻴﺔ ﻛﻬﺬه وﺟﻌﻠﻨﺎﻫﺎ ﻋﻤﺎد رواﻳﺎﺗﻨﺎ؟« ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﺻﺒﺎﺣﺎ ﻣﻦ ذاك اﻟﻴﻮم، ﻓﻠﻢ ﻳﺘﻮان ﻟﺤﻈﺔ وﻗﺎم وأﻳﻘﻆ ﺷﻘﻴﻘﻪ ﻳﻤﻠﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ وﺧﻠﻔﻴﺘﻬﺎ »ﻋﻤﺪة ﻣﻦ اﻟﺮﻳﻒ وﻓﺪ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ وﻣﻌﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣــﻦ اﳌــــﺎل ﻓــﺎﻟــﺘــﻒ ﺣــﻮﻟــﻪ ﻓــﺮﻳــﻖ ﻣﻦ اﻟﺤﺴﺎن أﺿﻌﻦ ﻣﺎﻟﻪ وﺗﺮﻛﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻟـﺤـﺪﻳـﺪة. ﻓﻌﺎد إﻟــﻰ ﻗﺮﻳﺘﻪ ﻳﻌﺾ ﺑﻨﺎن اﻟﻨﺪم. وﻳﻘﺴﻢ أﻏﻠﻆ اﻷﻳﻤﺎن أن ﻳــﺜــﻮب إﻟـــﻰ رﺷــــﺪه. وأﻻ ﻳـﻌـﻮد إﻟﻰ ارﺗﻜﺎب ﻣﺎ ﻓﻌﻞ«. ﻇﻬﺮت ﻓﻜﺮة ﻫـــﺬه اﻟـﺸـﺨـﺼـﻴـﺔ وﻛــــﺎن اﻟـﺨـﻮاﺟـﺔ اﻹﻳــﻄــﺎﻟــﻲ روزاﺗــــﻲ ﺻـﺎﺣـﺐ ﻣﻠﻬﻰ »اﻻﺑﻴﻪ دي روز« ﻋﻠﻰ وﺷﻚ اﺗﺨﺎذ ﻗـــــﺮاره ﺑـــﺈﻏـــﻼق اﳌــﻠــﻬــﻰ اﻟــــﺬي ﺑــﺎت ﻳﻔﻠﺲ ﺑﻌﺪ ﻫﺮوب اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ اﻟﺘﻲ ﻋــﺮﻓــﺖ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟـﻔـﻨـﺎﻧـﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﻣﻦ رواء اﻟﺴﺘﺎر ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻛﻤﺎ أوﻫﻤﻬﻢ »إﺳﺘﻴﻔﺎن روﺳﺘﻲ« ﺑــﻌــﺪ أن ﻇــﻬــﺮ ذات ﻟـﻴـﻠـﺔ ﻣـــﻦ أﻣـــﺎم اﻟﺴﺘﺎر. ﻃﻠﺐ أن ﻳﻤﻬﻠﻪ ﻗﻠﻴﻼ ﻟﻌﻞ »ﻛـــﺸـــﻜـــﺶ ﺑـــــﻚ« ﻳــﻌــﻴــﺪ اﻟــﺠــﻤــﻬــﻮر ﻟﻠﻤﺴﺮح وﻳﻨﺘﻬﻲ اﻟﻜﺴﺎد. وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ وﺿــــــﻊ اﻟـــﺮﻳـــﺤـــﺎﻧـــﻲ أول رواﻳـــــــﺎت »ﻛﺸﻜﺶ ﺑﻚ« ﻋﻤﺪة »ﻛﻔﺮ اﻟﺒﻼص )ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان( ﺗﻌﺎﻟﻲ ﻟﻲ ﻳﺎ ﺑﻄﺔ« وﻣﺪﺗﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ٠٢ دﻗﻴﻘﺔ، وﻧﺠﺤﺖ اﻟﺮواﻳﺔ اﻷوﻟﻰ وﺑﺪأ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﺑــﺘــﻜــﺎر اﻟــﺸــﺨــﺼــﻴــﺎت اﻟــﻜــﻮﻣــﻴــﺪي ﻣـﻨـﻬـﺎ اﳌــﺴــﺎﻋــﺪ »ادﻟـــﻌـــﺪي زﻋـــﺮب« ﺷــﻴــﺦ اﻟــﺨــﻔــﺮ، وﻣـــﻦ ﺑــﻌــﺪ اﻟـﻨـﺠـﺎح اﻟـــــﺬي ﻻﻗـــــﺎه ﻋــــﺮف اﻟــﺮﻳــﺤــﺎﻧــﻲ أن ﻗﺪره اﻟﻔﻦ.
ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻧﺴﺘﺸﻌﺮ ﺻﻮت اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ اﻟﺨﺎص ﻓﻲ رواﻳﺔ ﻣﺎ ﻣﺮ ﺑــﻪ ﻣــﻦ ﻣــﻮاﻗــﻒ وﺻــﻌــﺎب وﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑــﺎﻟــﻔــﻨــﺎﻧــﲔ واﻟـــﺸـــﻌـــﺮاء واﳌـﻤـﺜـﻠـﲔ آﻧﺬاك، وﻣﻨﻬﻢ ﺳﻴﺪ دروﻳﺶ وﺑﺪﻳﻊ ﺧﻴﺮي وأﻣــﲔ ﺻـﺪﻗـﻲ، وﻣﺼﻄﻔﻰ أﻣـــــــﲔ، وﻋـــﻠـــﻲ اﻟـــﻜـــﺴـــﺎر وﻳـــﻮﺳـــﻒ وﻫـﺒـﻲ، وﻣﻄﺮﺑﺔ اﻟﻘﻄﺮﻳﻦ ﻓﺘﺤﻴﺔ أﺣﻤﺪ وﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب. ورﻏﻢ ﻛـــﻞ ﻣـــﺎ ﻋـــﺎﻧـــﺎه ﻓـﺴـﺘـﺠـﺪ ﻛــﻴــﻒ ﻛــﺎن اﻟـﻔـﻨـﺎن ﻳﻌﺸﻖ ﻓﻨﻪ ﻣـﺤـﺎوﻻ داﺋﻤﺎ ﻟـــــﻮم ﻧــﻔــﺴــﻪ وﻣــﺤــﺎﺳــﺒــﺘــﻬــﺎ: ﻣــــﺎذا ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻠﻔﻦ؟
ﻳــﻘــﻮل اﻟــﺮﻳــﺤــﺎﻧــﻲ ﻓـــﻲ ﺧـﺘـﺎم ﻣــــﺬﻛــــﺮاﺗــــﻪ ﻣــﺴــﺘــﺨــﻠــﺼــﴼ اﻟــﻌــﺒــﺮة اﻷﻫـــــﻢ ﻣـــﻦ ﺣــﻴــﺎﺗــﻪ »ﺣــــﲔ أﺗــﻔــﺮغ ﻟـﻌـﻤـﻠـﻲ أﺟــــﺪ اﻟــﻨــﺠــﺎح ﻳـﻮاﺗـﻴـﻨـﻲ واﻟـــﺤـــﻆ ﻣــﻘــﺒــﻼ ﻋــــﻠــــﻲ... أﻣــــﺎ إذا اﺗﺠﻬﺖ ﺑﻘﻠﺒﻲ إﻟـﻰ ﺷـﻲء آﺧــﺮ... أو إذا ﺳﺎﻗﺖ ﻟﻲ اﻟـﻈـﺮوف ﻏﺮاﻣﺎ ﻃـــﺎﺋـــﺸـــﺎ... ﻓـــﺈﻧـــﻪ ﻳــﺨــﻠــﻊ ﻧـﻌـﻠـﻴـﻪ؛ ﻟﻴﺠﻌﻞ ﻣﻦ رأﺳﻲ ﻣﻨﻔﻀﺔ ﻟﻬﻤﺎ.. واﻟﻌﻴﺎذ ﺑﺎﻟﻠﻪ«.