ارﺣﻤﻮا ﻫﺆﻻء اﻟﺤﺎﳌﲔ!
ﻓـــﻲ وﻗــــﺖ ﻣـــﻦ اﻷوﻗــــــــﺎت، ﻛــﻨــﺖ ﺷﺨﺼﴼ »ﺣﺎﳌﴼ«.
ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﺑﻤﺮور اﻟﻮﻗﺖ أﺻﺒﺤﺖ ﺻﺪﻳﻘﴼ ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺔ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ، ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺘﻮى اﳌـﺘـﻮﺳـﻂ. وﻓــﻲ ﻋﻬﺪ إدارة اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻟﺴﺎﺑﻖ روﻧﺎﻟﺪ رﻳﻐﺎن، ﻋﻤﻠﺖ ﻣﺴﺘﺸﺎرﴽ رﻓﻴﻊ اﳌﺴﺘﻮى ﳌﻨﺪوب اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة ﻟﺪى اﻷﻣﻢ اﳌﺘﺤﺪة، وﻓﻲ وﻗﺖ ﻻﺣﻖ ﻋﻤﻠﺖ ﻧﺎﺋﺒﴼ ﳌﺴﺎﻋﺪ اﳌﺤﺎﻣﻲ اﻟﻌﺎم ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺐ اﳌﺴﺘﺸﺎر اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﻓﻲ وزارة اﻟﻌﺪل.
إﻻ أﻧﻪ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﻔﺘﺮة ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻟﻄﻮﻳﻠﺔ؛ ﻟـــﻢ أﻛـــﻦ ﺳـــﻮى ﻣــﻬــﺎﺟــﺮ ﻏــﻴــﺮ ﺷـــﺮﻋـــﻲ. وﻛـﻨـﺖ ﻣــﺨــﺘــﻠــﻔــﴼ ﺑــﻌــﺾ اﻟــــﺸــــﻲء ﻋــــﻦ أوﻟــــﺌــــﻚ اﻟــﺬﻳــﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮن وﺻﻒ »ﺣﺎﻟﻢ« اﻟﻴﻮم، وﻫﻢ اﻟـ٠٠٧ أﻟﻒ ﺗﻘﺮﻳﺒﴼ اﻟﺬﻳﻦ رﺑﻤﺎ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮن ﻗﺮﻳﺒﴼ ﻟﻠﺘﺮﺣﻴﻞ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﳌﺠﺮد أﻧﻬﻢ دﺧﻠﻮا إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﺒﻼد ﺑﺮﻓﻘﺔ آﺑﺎﺋﻬﻢ وأﻣﻬﺎﺗﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا أﻃﻔﺎﻻ.
ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ، ﺑـﺪأت اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻓــﻲ ﻋـﻤـﺮ اﻟـﺨـﺎﻣـﺴـﺔ ﻋـﻠـﻰ ﻣــﱳ اﻟـﺴـﻔـﻴـﻨـﺔ »ﻳـﻮ إس إس ﺑــﻴــﺮﺷــﻴــﻨــﻎ« ﻓـــﻲ دﻳــﺴــﻤــﺒــﺮ )ﻛــﺎﻧــﻮن اﻷول( ٠٥٩١، اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺖ ﻧﺎﺟﲔ ﻣﻦ اﳌﺤﺎرق اﻟﻨﺎزﻳﺔ )اﻟﻬﻮﻟﻮﻛﻮﺳﺖ( وأﻗﺎرﺑﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﻴﻨﺎء ﻧـﻴـﻮﻳـﻮرك. ﻛــﺎن ﻟــﺪى واﻟـــﺪي ﻓـﻴـﺰا دﺧــﻮل إﻟﻰ اﻟــﻮﻻﻳــﺎت اﳌـﺘـﺤـﺪة ﺻـــﺪرت أﺛــﻨــﺎء وﺟـﻮدﻫـﻤـﺎ ﺑﻤﻌﺴﻜﺮ ﻟﻠﻤﺸﺮدﻳﻦ ﻓﻲ أﳌﺎﻧﻴﺎ؛ اﳌﻌﺴﻜﺮ اﻟﺬي ﻻذا ﺑﻪ ﺗﺤﺖ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة واﻷﻣﻢ اﳌﺘﺤﺪة ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب. ﺑﻴﺪ أن اﳌﺸﻜﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻴﺰا ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺨﺼﻬﻤﺎ، وإﻧﻤﺎ ﺗﺨﺺ أﺳﺮة ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺛﻢ ﺑﺪﻟﺖ رأﻳﻬﺎ وﻗﺮرت اﻟﻬﺠﺮة إﻟﻰ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ.
ﺗﺒﻌﴼ ﻟﻠﻔﻴﺰا، ﺟﺮى ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻫﻮﻳﺘﻲ ﻋﻠﻰ أﻧﻨﻲ ﺷﺨﺺ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻳﻜﺒﺮﻧﻲ ﺑﻌﺎم. واﻧﺘﺤﻞ واﻟﺪاي أﻳﻀﴼ ﻫﻮﻳﺔ ﻣﺰﻳﻔﺔ. ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻼ ذﻟﻚ، ﻟﻜﺎﻧﺖ اﻟﺴﻠﻄﺎت رﻓـﻀـﺖ دﺧﻮﻟﻬﻤﺎ اﻟـﺒـﻼد، ﺧﺼﻮﺻﴼ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻳﺮﻋﺎﻫﻤﺎ، وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺼﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺪدﺗﻬﺎ اﻟـﻮﻻﻳـﺎت اﳌﺘﺤﺪة ﻣﻦ اﻟﻼﺟﺌﲔ ﻣـﺤـﺪودة ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ. إﻻ أﻧﻬﻤﺎ ﻧﺠﺤﺎ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣـﺮ ﻓﻲ دﺧـﻮل اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة ﺑﻮﺻﻔﻬﻤﺎ ﻣﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻏﻴﺮ ﺷﺮﻋﻴﲔ. أﻣﺎ أﻧﺎ، ﻓﻠﻢ أﻛﻦ واﻋﻴﴼ ﺑﻮﺿﻮح ﺑﻬﺬه اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺧﻼل ﻓﺘﺮﺗﻲ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ واﻟـﺸـﺒـﺎب، ﻟﻜﻦ ﻛﻨﺖ ﻣﺪرﻛﴼ وﺟﻮد أﻣﺮ ﻏﻴﺮ ﺻﺎﺋﺐ ﺗﻤﺎﻣﴼ.
وأﺗـــــﺬﻛـــــﺮ ﻋـــﻨـــﺪﻣـــﺎ اﺻــﻄــﺤــﺒــﻨــﻲ واﻟـــــﺪي وواﻟﺪﺗﻲ وﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﺸﺮة أو اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋـــﺸـــﺮة ﻣــــﻦ ﻋـــﻤـــﺮي إﻟـــــﻰ ﻣــﺘــﺠــﺮ »ﻛــــﻠــــﲔ« ﻓـﻲ ﻣﺎﻧﻬﺎﺗﻦ. وأﺛﻨﺎء ﺧﺮوﺟﻨﺎ، ﺻﺎح رﺟﻞ ﻳﻘﻒ ﺑـﺠـﻮار ﻋـﺮﺑـﺔ ﻟﺒﻴﻊ اﻟﺴﺎﻧﺪوﻳﺘﺸﺎت ﺑﺎﺗﺠﺎه واﻟﺪي وﻧﺎدى ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﺳﻢ ﻟﻢ أﺳﻤﻌﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. ﻛﺎن ﻫﺬا اﻻﺳﻢ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻟﻮاﻟﺪي، وﺑﻤﺠﺮد أن ﻧﻤﻰ إﻟـﻰ ﻣﺴﺎﻣﻊ واﻟــﺪي، ﺷﺤﺐ ﻟـﻮن وﺟﻬﻪ ودﻓﻌﻨﻲ ﺟﺎﻧﺒﴼ ﻟﺨﺸﻴﺘﻪ ﻣﻦ اﺳﺘﻤﺎع ﻣﺴﺆول ﻓﻲ اﻟﻬﺠﺮة إﻟﻰ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺬي دار ﺑﻴﻨﻪ وﺑﲔ اﻟﺮﺟﻞ. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، ﻟﻘﺪ ﻋﺎش واﻟﺪي ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺧﻮف ﻣﺴﺘﻤﺮ.
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﺸﺮة ﻗﺮر واﻟﺪي أﻧــﻨــﻲ ﻋـﺸـﺖ ﻓــﻲ ﻇــﻞ ﻫــﻮﻳــﺔ ﻣـﺰﻳـﻔـﺔ ﳌــﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ. وﺑﻤﻌﺎوﻧﺔ ﻣﺤﺎم ﻣﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻟـﻬـﺠـﺮة، ﺗـﻮﺟـﻪ إﻟــﻰ إﺣــﺪى اﳌﺤﺎﻛﻢ، وﺗـﻘـﺪم ﺑﻄﻠﺐ إﻟـﻰ ﻗــﺎض ﺑـﺪا ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺘﻌﺎﻃﻒ ﻣــﻌــﻨــﺎ ﻟــﻠــﺤــﺼــﻮل ﻋــﻠــﻰ اﳌــﻮاﻃــﻨــﺔ اﻷﻣــﻴــﺮﻛــﻴــﺔ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻨﺎ اﻷﺻﻠﻴﺔ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ.
ﻓـــﻲ اﻟــــﻮاﻗــــﻊ، ﻛــﻨــﺎ ﻣــﺤــﻈــﻮﻇــﲔ، وواﻓــــﻖ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻠﺐ. إﻻ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ اﳌﻤﻜﻦ أن ﻳﺮﻓﺾ وﻳﺄﻣﺮ ﺑﺘﺮﺣﻴﻠﻨﺎ، أو رﺑﻤﺎ ﻛﺎن واﻟﺪاي ﻟﻴﺨﺎﻓﺎ ﻣــﻦ اﻹﻗــــﺪام ﻋـﻠـﻰ ﻫــﺬه اﳌــﺨــﺎﻃــﺮة ﻣﻦ اﻷﺳﺎس ﺧﺸﻴﺔ اﻟﺘﺮﺣﻴﻞ، وﻳﻘﺮرا اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻓﻲ إﺧﻔﺎء ﻫﻮﻳﺎﺗﻨﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ.
وﻟـﻮ أﻧﻬﻤﺎ اﺗﺒﻌﺎ ﻫـﺬا اﳌـﺴـﺎر، ﻟﻜﻨﺖ أﻧﺎ اﻟــﻴــﻮم ﻓـــﻲ ﻋــﻤــﺮ اﻟــﺜــﺎﻧــﻴــﺔ واﻟــﺴــﺒــﻌــﲔ ﻋـﺮﺿـﺔ ﻟﻠﺘﺮﺣﻴﻞ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻣﺌﺎت اﻵﻻف ﻣـﻦ اﻟﺤﺎﳌﲔ اﻷﻗـــﻞ ﻣــﻦ ﻧـﺼـﻒ ﻋــﻤــﺮي. اﳌــﻼﺣــﻆ أن ﻗـﺎﻧـﻮن اﻟﻬﺠﺮة ﻻ ﻳﻨﺺ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻮد، وﻳﺠﺮي اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺘﺮﺣﻴﻞ ﺑﻮﺻﻔﻪ أﻣﺮﴽ ﻣﺨﺘﻠﻔﴼ ﻋﻦ اﻟﻌﻘﺎب.
وﻣﻊ ذﻟﻚ، ﻳﺒﻘﻰ اﻟﺘﺮﺣﻴﻞ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﻘﺎب ﻣﺆﻟﻢ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ، ﺧﺼﻮﺻﴼ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺸﺨﺺ ﻟﻢ ﻳﻌﺮف ﻟﻪ وﻃﻨﴼ آﺧﺮ ﻏﻴﺮ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة وﻟﻢ ﻳﻘﺘﺮف إﺛﻤﴼ ﺳﻮى ﺗﺸﺒﺜﻪ ﺑﻴﺪي واﻟﺪﻳﻪ. وﺣﺘﻰ إذا ﻟﻢ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮا ﻟﻠﺘﺮﺣﻴﻞ، ﻓﺈن ﺣﺎﳌﻲ اﻟـﻴـﻮم ﻳﺒﻘﻮن ﻋﺮﺿﺔ ﳌﻮاﺟﻬﺔ ﺣـﺮﻣـﺎن ﺑﺎﻟﻎ، ﺑﻤﺎ ﻓـﻲ ذﻟــﻚ ﺗﻌﺮﺿﻬﻢ ﻟﻘﻴﻮد ﺣــﻮل ﻗﺪرﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﺗﻤﻮﻳﻞ ﻟﻼﻟﺘﺤﺎق ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ.
وﻟــــﻬــــﺬا، أﺷـــﻌـــﺮ ﺑــﺄﻧــﻨــﻲ أﻗـــــﻒ ﻓــــﻲ ﺻـﻒ واﺣﺪ ﻣﻊ ﺣﺎﳌﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻮاﺟﻬﻮن ﺧﻄﺮ اﻟﺤﺮﻣﺎن ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺘﻲ أﻟﻔﻮﻫﺎ، وﺷﺤﻨﻬﻢ إﻟـــﻰ ﺑـــﻼد ﺑـﻌـﻴـﺪة ﻻ ﻳــﻜــﺎدون ﻳــﻌــﺮﻓــﻮن ﻋﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﴼ. ﻓﻲ ﻇﻞ ﺣﻆ أﻗﻞ، رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ اﳌﻮﻗﻒ ذاﺗﻪ.
* ﺧﺪﻣﺔ »واﺷﻨﻄﻦ ﺑﻮﺳﺖ«