أهالي الطفيل يعودون إلى بلدتهم بعد ٣ سنوات من التهجير
تقع في الأراضي السورية وتتزود بالخدمات منها رغم لبنانيتها
ينتهي يوم الخميس الوضع غـــيـــر الــطــبــيــعــي لـــبـــلـــدة الـطـفـيـل اللبنانية، حيث يعود إليها أهلها بــعــد ثــــلاث ســـنـــوات مـــن سـيـطـرة »حزب الله« والنظام السوري على بلدتهم التي تقع داخـل الأراضـي السورية، ولا تربطها شبكة طرق ولا خدمات بالأراضي اللبنانية.
ويـعـود هــذا الأســبــوع أهـالـي بـــلـــدة الــطــفــيــل إلــــى بــيــوتــهــم إثــر اتخاذ السلطات اللبنانية القرار النهائي بشأن هذه العودة. وتأتي هذه الخطوة بعد نحو ستة أشهر مــن إعـــلان »حـــزب الــلــه« فــي شهر مـايـو (أيـــار) المـاضـي أن رجوعهم بات ممكناً نتيجة سيطرته وقوات الــنــظــام عــلــى الـــبـــلـــدات المـحـيـطـة بـهـا، وهــو الأمـــر الـــذي أثـــار جـدلاً بــين »الـــحـــزب« ووزيـــــر الـداخـلـيـة اللبناني نـهـاد المـشـنـوق، وعلّقت بـعـدهـا الــعــودة لأســبــاب وصـفـت بـ »اللوغيستية«.
وتـــوضـــح مـــصـــادر عـسـكـريـة لـــ »الــشــرق الأوســـــــط«، »أن قـيـادة الجيش كانت تنتظر إنهاء تعبيد الطريق لعودة الأهالي النهائية، لكن ومع إصرار العائلات ورغبتها بالرجوع إلـى منازلها سمح لهم بـذلـك رغــم عــدم جـهـوزيـة الطريق بــشــكــل كــــامــــل، عـــلـــى أن يـنـتـشـر الـــجـــيـــش فـــــي الـــــتـــــلال المــحــيــطــة بـالـقـريـة، وسـيـكـون لــه مــركــز في نـــقـــطـــة قـــريـــبـــة مــــنــــهــــا«. وتـــؤكـــد المــــصــــادر أن »عـــنـــاصـــر الـجـيـش سيقومون بمتابعة ورعـايـة هذه الـعـودة،« موضحة أنـه »بالنسبة إلى المواطنين اللبنانيين لن يكون هــنــاك أي مـشـكـلـة فــي انـتـقـالـهـم، لكن فيما يتعلق بالسوريين يتم العمل على إيجاد صيغة لتسهيل مــــرورهــــم بــالــتــنــســيــق مـــع الأمـــن العام اللبناني.« وفي حين تشير المـعـلـومـات إلــى أن وجـــود »حــزب الــلــه« فــي المـنـطـقـة بـــات مـقـتـصـراً عــلــى عـــــدد قــلــيــل مـــن الــعــنــاصــر، تنفي المـصـادر العسكرية علمها بـهـذا الأمـــر أو عــدمــه، وهــو كذلك مــا يـنـفـي مـفـتـي مـحـافـظـة بعلبك الهرمل الشيخ خالد الصلح، الذي يتولى مهمة تنسيق الـعـودة مع قــيــادة الـجـيـش، عـلـمـه بــه، قـائـلاً: »إن ما يهمّنا هو أن الجيش بات مــوجــوداً هــنــاك، وهـــذا مــن شـأنـه تأمين عـودة الأهالي وبقائهم في مـنـازلـهـم،« مـوضـحـاً أن »الجيش موجود على مشارف القريبة وفي نقطة لا تبعد أكثر من كيلو مترين اثنين .«
وكـــــانـــــت هـــــــذه الـــقـــضـــيـــة قـد فجرت خلافاً بـين وزيــر الداخلية نـــهـــاد المـــشـــنـــوق و»حـــــــــزب الـــلـــه« فـي شـهـر مـايـو (أيــــار) إثــر اتـخـاذ »حـزب الله« قـراراً بعودة الأهالي إلــــى الــطــفــيـل بــعــد إنـــهـــاء عـمـلـيـة سـيـطـرتـه عـلـى الـبـلـدات الـسـوريـة المـحـيـطـة بـهـا ومـنـطـقـة الـقـلـمـون، كـمـا وخــضــوع مـعـظـمـهـا لمــا بـات يـعـرف بــ »المـصـالـحـات« الـتـي أدت إلى خروج مقاتلي المعارضة منها. وهو ما استدعى رداً من المشنوق مؤكداً »أن الوزارة لم تنسق في هذا المـوضـوع، وأجهزتها لـم تتعاون مع أي حزب أو طرف أو جهة أمنية أو سياسية «، ليعود بعدها ويؤكد أنه يبذل المساعي اللازمة للإشراف عـلـى الــعــودة الآمــنــة، بالتنسيق مــع قــيــادة الـجـيـش وقــــوى الأمــن الداخلي والأمـن العام، معتبراً أنّ »الـحـكـومـتـين الـسـابـقـة والـحـالـيـة قصّرتا في قضيتهم.«
أمـــــــا وقـــــــد اتــــخــــذ الآن قـــــرار الـــعـــودة، فـمـن المـنـتـظـر أن تنتقل يـــوم الـخـمـيـس المـقـبـل، ٤٥ عـائـلـة ســوريــة و٦٤ عـائـلـة لـبـنـانـيـة من الـطـائـفـة السنية كــان أفــرادهــا قد هربوا إلى البقاع اللبناني نتيجة المــعــارك فــي المـنـطـقـة، بـحـسـب ما يؤكد كل من المفتي الصلح وعبد الناصر دقــو، أحـد أبـنـاء الطفيل، الـذي توّلى مهمة تسجيل أسماء هذه العائلات لإرسالها عبر المفتي الصلح إلى قيادة الجيش.
ويقول دقو الذي يلفت إلى أنه قــدّم منزله إلـى الجيش اللبناني لتحويله إلـى مركز لعناصره في المـنـطـقـة، »نـعـدّ الـسـاعـات والأيـــام لـنـرجـع إلــى مـنـازلـنـا مهما كانت الظروف ورغم علمنا بأنها باتت فارغة من محتوياتها وتمت سرقة كل المقتنيات.« بدوره يرى المفتي الصلح أنه »لم يعد هناك أي سبب لبقاء أهالي الطفيل مشردين في المخيمات في ظل شحّ المساعدات فــــي وقــــــت يــمــكــنــهــم الـــعـــيـــش فـي مـــنـــازلـــهـــم وزراعــــــــــة أراضـــيـــهـــم«، مــوضــحــاً لـــــ »الــــشــــرق الأوســــــــط«: »توليت التواصل والتنسيق مع قيادة الجيش من قبل دار الفتوى بتوجيهات مـن رئـيـس الحكومة سعد الحريري لتأمين عودة هؤلاء بعدما باتت كل الظروف مناسبة لــذلــك«. وأوضـــــح: »الـتـحـضـيـرات باتت شبه مكتملة، ومن المتوقع أن تتجمّع العائلات صباح الخميس أمـام مبنى دار الفتوى في بعلبك لــلانــتــقــال عــبــر ســـيـــارات ربـاعـيـة الــــدفــــع، نـــظـــراً لـطـبـيـعـة الــطــريــق الوعرة، بإشراف الجيش اللبناني والأمن العام .«
مع العلم أن عشرات العائلات لم تنتظر القرار الرسمي، وكانت قـد قــررت الـعـودة قبل أشـهـر على مـسـؤولـيـتـهـا، وهــم فــي معظمهم من السوريين الذين كانوا يقطنون فــــي الـــبـــلـــدة، وذلـــــــك عــبــر ســلــوك طــريــق المــصــنــع الـــحـــدوديـــة، بـين لبنان وسـوريـا، ومـن ثم الانتقال إلـــى الـعـاصـمـة الــســوريــة دمـشـق، وبعدها إلى الطفيل.
والـــطـــفـــيـــل الــــتــــي لا يــرتــبــط أبــنــاؤهــا بـلـبـنـان إلا بــ »الـهـويـة« يتشارك في أراضيها اللبنانيون والسوريون الذي يمتلكون أراضٍ في البلدة، ولطالما كانت حياتهم »ســوريــة« أكـثـر مـنـهـا »لـبـنـانـيـة« إن باللهجة أو بمتطلبات الحياة الــيــومــيــة مـــن ألــفــهــا إلــــى يـائـهـا، كشراء المستلزمات أو تلقي العلاج وغيرها من الأمور.
وتـظـهـر بـلـدة الـطـفـيـل بشكل واضح في خريطة لبنان على شكل »إصبع«، تقع في قضاء بعلبك، في البقاع. وكانت قد وقعت خلافات بشأنها بين لبنان وسوريا قبل أن يعاد ضمّها رسمياً إلى لبنان عام ١٩٢٥، لكن ورغم ذلك بقيت البلدة تعاني من إهمال الدولة اللبنانية، وعاش أبناؤها على وعود تعبيد الــطــريــق إلــيــهــا عــبــر بـعـلـبـك مـن ناحية منطقة بريتال التي تبعد عنها ما لا يزيد عن ٢٥ كيلو متراً، وهـو الأمـر الـذي لم يتحقق لغاية اليوم، حيث ترمى الكرة في ملعب وزارة الأشـــغـــال الــتــي تـنـتـظـر أن تخصص له الاعتمادات اللازمة.
وبـــعـــد عـــشـــرات الأعــــــــوام مـن الإهمال، كانت الأجهزة اللبنانية قــــد دخــــلــــت لـــلـــمـــرة الأولـــــــــى مـنـذ الاستقلال في شهر أبريل (نيسان) من العام ٢٠١٤ إلـى الطفيل، حين أدخـلـت المـسـاعـدات إلــى العائلات بعد شهر من الحصار المزدوج على الجهتين، من سوريا حيث سيطرة قــوات الـنـظـام، ومــن الـبـقـاع حيث المــنــاطــق المـحـسـوبـة عـلـى »حــزب الـلـه« ولا سيما بـريـتـال، لتكتمل بــعــد ذلــــك وعــلــى مـــراحـــل فـصـول التهجير إثـر اشـتـداد المـعـارك في المنطقة بين »حـزب الله« والنظام الـــــســـــوري مــــن جـــهـــة والــفــصــائــل المعارضة من جهة أخرى، وصولاً إلـــى سـيـطـرة »الـــحـــزب« والـنـظـام على القلمون والمـنـاطـق المحيطة بـالـطـفـيـل، وتـحـديـداً درة وسبنا وسهل رنـكـوس التي خضعت لما بات يعرف بـ »المصالحات« ونتج عنها خروج مقاتلي المعارضة.