Asharq Al-Awsat Saudi Edition

أهالي الطفيل يعودون إلى بلدتهم بعد ٣ سنوات من التهجير

تقع في الأراضي السورية وتتزود بالخدمات منها رغم لبنانيتها

- بيروت: كارولين عاكوم

ينتهي يوم الخميس الوضع غـــيـــر الــطــبــ­يــعــي لـــبـــلـ­ــدة الـطـفـيـل اللبنانية، حيث يعود إليها أهلها بــعــد ثــــلاث ســـنـــوا­ت مـــن سـيـطـرة »حزب الله« والنظام السوري على بلدتهم التي تقع داخـل الأراضـي السورية، ولا تربطها شبكة طرق ولا خدمات بالأراضي اللبنانية.

ويـعـود هــذا الأســبــو­ع أهـالـي بـــلـــدة الــطــفــ­يــل إلــــى بــيــوتــ­هــم إثــر اتخاذ السلطات اللبنانية القرار النهائي بشأن هذه العودة. وتأتي هذه الخطوة بعد نحو ستة أشهر مــن إعـــلان »حـــزب الــلــه« فــي شهر مـايـو (أيـــار) المـاضـي أن رجوعهم بات ممكناً نتيجة سيطرته وقوات الــنــظــ­ام عــلــى الـــبـــل­ـــدات المـحـيـطـ­ة بـهـا، وهــو الأمـــر الـــذي أثـــار جـدلاً بــين »الـــحـــز­ب« ووزيـــــر الـداخـلـي­ـة اللبناني نـهـاد المـشـنـوق، وعلّقت بـعـدهـا الــعــودة لأســبــاب وصـفـت بـ »اللوغيستية«.

وتـــوضـــ­ح مـــصـــاد­ر عـسـكـريـة لـــ »الــشــرق الأوســـــ­ــط«، »أن قـيـادة الجيش كانت تنتظر إنهاء تعبيد الطريق لعودة الأهالي النهائية، لكن ومع إصرار العائلات ورغبتها بالرجوع إلـى منازلها سمح لهم بـذلـك رغــم عــدم جـهـوزيـة الطريق بــشــكــل كــــامـــ­ـل، عـــلـــى أن يـنـتـشـر الـــجـــي­ـــش فـــــي الـــــتــ­ـــلال المــحــيـ­ـطــة بـالـقـريـ­ة، وسـيـكـون لــه مــركــز في نـــقـــطـ­ــة قـــريـــب­ـــة مــــنــــ­هــــا«. وتـــؤكـــ­د المــــصــ­ــادر أن »عـــنـــاص­ـــر الـجـيـش سيقومون بمتابعة ورعـايـة هذه الـعـودة،« موضحة أنـه »بالنسبة إلى المواطنين اللبنانيين لن يكون هــنــاك أي مـشـكـلـة فــي انـتـقـالـ­هـم، لكن فيما يتعلق بالسوريين يتم العمل على إيجاد صيغة لتسهيل مــــرورهـ­ـــم بــالــتــ­نــســيــق مـــع الأمـــن العام اللبناني.« وفي حين تشير المـعـلـوم­ـات إلــى أن وجـــود »حــزب الــلــه« فــي المـنـطـقـ­ة بـــات مـقـتـصـراً عــلــى عـــــدد قــلــيــل مـــن الــعــنــ­اصــر، تنفي المـصـادر العسكرية علمها بـهـذا الأمـــر أو عــدمــه، وهــو كذلك مــا يـنـفـي مـفـتـي مـحـافـظـة بعلبك الهرمل الشيخ خالد الصلح، الذي يتولى مهمة تنسيق الـعـودة مع قــيــادة الـجـيـش، عـلـمـه بــه، قـائـلاً: »إن ما يهمّنا هو أن الجيش بات مــوجــوداً هــنــاك، وهـــذا مــن شـأنـه تأمين عـودة الأهالي وبقائهم في مـنـازلـهـ­م،« مـوضـحـاً أن »الجيش موجود على مشارف القريبة وفي نقطة لا تبعد أكثر من كيلو مترين اثنين .«

وكـــــانـ­ــــت هـــــــذه الـــقـــض­ـــيـــة قـد فجرت خلافاً بـين وزيــر الداخلية نـــهـــاد المـــشـــ­نـــوق و»حـــــــــ­زب الـــلـــه« فـي شـهـر مـايـو (أيــــار) إثــر اتـخـاذ »حـزب الله« قـراراً بعودة الأهالي إلــــى الــطــفــ­يـل بــعــد إنـــهـــا­ء عـمـلـيـة سـيـطـرتـه عـلـى الـبـلـدات الـسـوريـة المـحـيـطـ­ة بـهـا ومـنـطـقـة الـقـلـمـو­ن، كـمـا وخــضــوع مـعـظـمـهـ­ا لمــا بـات يـعـرف بــ »المـصـالـح­ـات« الـتـي أدت إلى خروج مقاتلي المعارضة منها. وهو ما استدعى رداً من المشنوق مؤكداً »أن الوزارة لم تنسق في هذا المـوضـوع، وأجهزتها لـم تتعاون مع أي حزب أو طرف أو جهة أمنية أو سياسية «، ليعود بعدها ويؤكد أنه يبذل المساعي اللازمة للإشراف عـلـى الــعــودة الآمــنــة، بالتنسيق مــع قــيــادة الـجـيـش وقــــوى الأمــن الداخلي والأمـن العام، معتبراً أنّ »الـحـكـومـ­تـين الـسـابـقـ­ة والـحـالـي­ـة قصّرتا في قضيتهم.«

أمـــــــا وقـــــــد اتــــخـــ­ـذ الآن قـــــرار الـــعـــو­دة، فـمـن المـنـتـظـ­ر أن تنتقل يـــوم الـخـمـيـس المـقـبـل، ٤٥ عـائـلـة ســوريــة و٦٤ عـائـلـة لـبـنـانـي­ـة من الـطـائـفـ­ة السنية كــان أفــرادهــ­ا قد هربوا إلى البقاع اللبناني نتيجة المــعــار­ك فــي المـنـطـقـ­ة، بـحـسـب ما يؤكد كل من المفتي الصلح وعبد الناصر دقــو، أحـد أبـنـاء الطفيل، الـذي توّلى مهمة تسجيل أسماء هذه العائلات لإرسالها عبر المفتي الصلح إلى قيادة الجيش.

ويقول دقو الذي يلفت إلى أنه قــدّم منزله إلـى الجيش اللبناني لتحويله إلـى مركز لعناصره في المـنـطـقـ­ة، »نـعـدّ الـسـاعـات والأيـــام لـنـرجـع إلــى مـنـازلـنـ­ا مهما كانت الظروف ورغم علمنا بأنها باتت فارغة من محتوياتها وتمت سرقة كل المقتنيات.« بدوره يرى المفتي الصلح أنه »لم يعد هناك أي سبب لبقاء أهالي الطفيل مشردين في المخيمات في ظل شحّ المساعدات فــــي وقــــــت يــمــكــن­ــهــم الـــعـــي­ـــش فـي مـــنـــاز­لـــهـــم وزراعـــــ­ـــــة أراضـــيــ­ـهـــم«، مــوضــحــ­اً لـــــ »الــــشـــ­ـرق الأوســـــ­ـــط«: »توليت التواصل والتنسيق مع قيادة الجيش من قبل دار الفتوى بتوجيهات مـن رئـيـس الحكومة سعد الحريري لتأمين عودة هؤلاء بعدما باتت كل الظروف مناسبة لــذلــك«. وأوضـــــح: »الـتـحـضـي­ـرات باتت شبه مكتملة، ومن المتوقع أن تتجمّع العائلات صباح الخميس أمـام مبنى دار الفتوى في بعلبك لــلانــتـ­ـقــال عــبــر ســـيـــار­ات ربـاعـيـة الــــدفــ­ــع، نـــظـــراً لـطـبـيـعـ­ة الــطــريـ­ـق الوعرة، بإشراف الجيش اللبناني والأمن العام .«

مع العلم أن عشرات العائلات لم تنتظر القرار الرسمي، وكانت قـد قــررت الـعـودة قبل أشـهـر على مـسـؤولـيـ­تـهـا، وهــم فــي معظمهم من السوريين الذين كانوا يقطنون فــــي الـــبـــل­ـــدة، وذلـــــــ­ك عــبــر ســلــوك طــريــق المــصــنـ­ـع الـــحـــد­وديـــة، بـين لبنان وسـوريـا، ومـن ثم الانتقال إلـــى الـعـاصـمـ­ة الــســوري­ــة دمـشـق، وبعدها إلى الطفيل.

والـــطـــ­فـــيـــل الــــتـــ­ـي لا يــرتــبــ­ط أبــنــاؤه­ــا بـلـبـنـان إلا بــ »الـهـويـة« يتشارك في أراضيها اللبنانيون والسوريون الذي يمتلكون أراضٍ في البلدة، ولطالما كانت حياتهم »ســوريــة« أكـثـر مـنـهـا »لـبـنـانـي­ـة« إن باللهجة أو بمتطلبات الحياة الــيــومـ­ـيــة مـــن ألــفــهــ­ا إلــــى يـائـهـا، كشراء المستلزمات أو تلقي العلاج وغيرها من الأمور.

وتـظـهـر بـلـدة الـطـفـيـل بشكل واضح في خريطة لبنان على شكل »إصبع«، تقع في قضاء بعلبك، في البقاع. وكانت قد وقعت خلافات بشأنها بين لبنان وسوريا قبل أن يعاد ضمّها رسمياً إلى لبنان عام ١٩٢٥، لكن ورغم ذلك بقيت البلدة تعاني من إهمال الدولة اللبنانية، وعاش أبناؤها على وعود تعبيد الــطــريـ­ـق إلــيــهــ­ا عــبــر بـعـلـبـك مـن ناحية منطقة بريتال التي تبعد عنها ما لا يزيد عن ٢٥ كيلو متراً، وهـو الأمـر الـذي لم يتحقق لغاية اليوم، حيث ترمى الكرة في ملعب وزارة الأشـــغــ­ـال الــتــي تـنـتـظـر أن تخصص له الاعتمادات اللازمة.

وبـــعـــد عـــشـــرا­ت الأعــــــ­ــوام مـن الإهمال، كانت الأجهزة اللبنانية قــــد دخــــلـــ­ـت لـــلـــمـ­ــرة الأولـــــ­ــــى مـنـذ الاستقلال في شهر أبريل (نيسان) من العام ٢٠١٤ إلـى الطفيل، حين أدخـلـت المـسـاعـد­ات إلــى العائلات بعد شهر من الحصار المزدوج على الجهتين، من سوريا حيث سيطرة قــوات الـنـظـام، ومــن الـبـقـاع حيث المــنــاط­ــق المـحـسـوب­ـة عـلـى »حــزب الـلـه« ولا سيما بـريـتـال، لتكتمل بــعــد ذلــــك وعــلــى مـــراحـــ­ل فـصـول التهجير إثـر اشـتـداد المـعـارك في المنطقة بين »حـزب الله« والنظام الـــــســ­ـــوري مــــن جـــهـــة والــفــصـ­ـائــل المعارضة من جهة أخرى، وصولاً إلـــى سـيـطـرة »الـــحـــز­ب« والـنـظـام على القلمون والمـنـاطـ­ق المحيطة بـالـطـفـي­ـل، وتـحـديـداً درة وسبنا وسهل رنـكـوس التي خضعت لما بات يعرف بـ »المصالحات« ونتج عنها خروج مقاتلي المعارضة.

 ??  ?? لقطة عامة لبلدة الطفيل الحدودية )»الشرق الأوسط«(
لقطة عامة لبلدة الطفيل الحدودية )»الشرق الأوسط«(

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia