Asharq Al-Awsat Saudi Edition

المخاطرة الاقتصادية الكبرى للصين

- كريستوفر بولدينغ*

أطــــلـــ­ـق الــــرئــ­ــيــــس الـــصـــي­ـــنـــي شـي جـيـنـبـيـ­نـغ فـــي الــفــتــ­رة الأخـــيــ­ـرة رؤيـــة جــريــئــ­ة لـتـحـويـل بــــلاده إلــــى اقـتـصـاد مــتــقــد­م عــلــى نــحــو كــامــل بــحــلــو­ل عــام ٢٠٥٠، مع التركيز بصورة خاصة على تـعـزيـز الـتـكـنـو­لـوجـيـا وروح الابـتـكـا­ر. وبالنظر إلى المستوى الحالي لرؤوس الأمـــوال البشرية فـي الـصـين - وبعض الـتـغـيـي­ـرات الـتـي تـلـوح فـي الأفــق فيما يـخـص الاقــتــص­ــاد الــعــالم­ــي - فـــإن هـذه الرؤية ربما تحمل صعوبة في تنفيذها أكبر عن المتوقع.

مــن بــين الاعــتــق­ــادات الــســائـ­ـدة في الـغـرب أن مــدارس الصين تعج بنشاط خاص في مادتي الرياضيات والعلوم، وكـذلـك نـمـط الـطـلاب الــذي ستحتاجه الــشــركـ­ـات فــي المـسـتـقـ­بـل. بـيـد أن هـذا الـتـصـور فــي حـقـيـقـتـ­ه مـضـلـل لـلـغـايـة، فعلى امتداد سنوات، ركـزت الدراسات الكبرى التي تصدرت عناوين وسائل الإعــــــ­ـــلام وكـــشـــف­ـــت تـــفـــوق الـــصـــي­ن فـي الاختبارات المعيارية على أبناء مناطق غنية لا تمثل المجموع الصيني. إلا أنه عند ضم قاعدة السكان الأكثر اتساعاً نـجـد أن تـرتـيـب الــصــين يـتـراجـع على مستوى جميع المواد الدراسية.

وتــدعــم الــبــيــ­انــات الـرسـمـيـ­ة هـذه الــنــتــ­يــجــة، ذلـــــك أنـــــه تــبــعــاً لــلإحــصـ­ـاء الـسـكـانـ­ي الـصـادر عــام ٢٠١٠، فــإن أقـل مـن ٩ فـي المـائـة مـن الصينيين ارتــادوا المـدارس بعد المستوى الثانوي. ما بين عــامــي ٢٠٠٨ و٢٠١٦ تــراجــع إجـمـالـي عــدد الـطـلاب المـتـخـرج­ـين فـي الجامعة من الصينيين بنسبة واحـد في المائة. وخـــــارج المــنــاط­ــق الأكــثــر ثــــــراءً، يفتقد الكثير من أبناء الصين حتى المهارات الأســاســ­يــة الـــلازمـ­ــة لاقــتــصـ­ـاد مـرتـفـع الدخل.

ويــزداد الأمـر سـوءاً بسبب ملايين الأطــفــا­ل داخــل المـنـاطـق الـريـفـيـ­ة الـذيـن تجري تربيتهم داخل عائلاتهم الكبيرة. ونـظـراً لأن الـوالـديـ­ن يـعـمـلان فـي مـدن بعيدة، عادة ما يأتي أداء هؤلاء الأطفال الـدراسـي وفـي اخـتـبـارا­ت الـذكـاء أسـوأ كثيراً من نظرائهم. من ناحيته، أشار سكوت روزيــل، المتخصص في العلوم الاقـتـصـا­ديـة بجامعة سـتـانـفـو­رد، إلى هـذا الأمـر باعتباره »أزمـة غير مرئية« تتشكل يوماً بعد آخر. ويقدر روزيل أنه خـلال العقود المقبلة، فـإن ما يقرب من ٤٠٠ مليون صيني ربـمـا يبحثون عن عمل بينما هم غير مستعدين بالصورة المناسبة لاقتحام سوق العمل. وقد مس بحثه وتراً بالغ الحساسية، لدرجة أنه حتى وسـائـل الإعــلام الحكومية أولته اهتماماً جاداً.

مـــن نــاحــيــ­ة أخــــــرى، نــجــد أنــــه مـن السهل فـي الـوقـت الـراهـن تجاهل مثل هذه المشكلات، بالنظر إلى أن المعدلات الـرسـمـيـ­ة لـلـبـطـال­ـة لا تــــزال منخفضة ومـــســـت­ـــقـــرة، فــــي وقــــــت تــتــنــا­مــى فـيـه الأجــور وتتسع الطبقة المتوسطة. ولا تــــزال المــصــان­ــع الـصـيـنـي­ـة مـصـنـفـة من بـين الأفـضـل عالمياً، ويمتلك العاملون بها بصورة عامة المـهـارات اللازمة كي يتمكنوا من إعالة أنفسهم.

إلا أنه مع تسارع وتيرة التغييرات الديموغراف­ية والتكنولوج­ية، سرعان ما ستلوح في الأفق الفجوة التعليمية. ومـــع تــزايــد الأجـــــو­ر، سـتـواجـه جـهـات التصنيع الصينية منافسة متزايدة من جانب أقـل نـمـواً. ومـع تحسن مستوى الاعتماد على الميكنة، ستحتاج المصانع إلى عمال يتمتعون بمستوى تعليمي أفضل.

الـواضـح أن الصين - مثلما الحال مع كثير من الدول - غير مستعدة لمثل هــذه الـتـغـيـي­ـرات. ولــم يـعـد مــن الممكن الإبــقــا­ء عـلـى اقـتـصـاد مـتـطـور معتمد على الخدمات عندما يملك ٢٥ في المائة فقط من السكان في سن العمل مستوى تعليمياً مرتفعاً. وتوصل روزيل إلى أنه في جميع الدول التي نجحت في القفز مـن فـئـة متوسطة الـدخـل إلــى مرتفعة الـــدخـــ­ل عــلــى مـــــدار الأعــــــ­ــوام الـسـبـعـي­ن الماضية، فإن ٧٥ في المائة على الأقل من سكانها في سن العمل كانوا حاصلين على شهادة التعليم الثانوي قبل أن يبدأ هذا التحول. وحتى المدارس النخبوية في الصين ليس بمقدورها دفـع عجلة التنمية من أجل ١٫٤ مليار نسمة.

على الجانب الآخر، فإن رفع مستوى الــتــعــ­لــيــم عــلــى نـــطـــاق أوســــــع يـتـطـلـب اســتــثــ­مــارات وإصــــلاح­ــــات. وبـطـبـيـع­ـة الـحـال فــإن غالبية الـــدول تستفيد من تـوجـيـه مـزيـد مـن الاسـتـثـم­ـارات لمجال التعليم، لكن بالنسبة للصين فإن ثمة حاجة ملحة لهذه الاستثمارا­ت، ذلك أنه حتى داخـل المراكز الحضرية الميسورة مــاديــاً، عــادة مـا جــرى حـشـر ٥٠ طالباً في الفصل الواحد، ما يضع الكثير من المجهود التعليمي الحقيقي على عاتق الآباء والأمهات الذي يتملكهم الإحباط إزاء هـذا الـوضـع. المـؤكـد أن هـذا وضع نـتـيـجـتـ­ه المــحــتـ­ـومــة الــفــشــ­ل. ويـنـبـغـي أن تـتـمـثـل أولــويــة أخــــرى فـيـمـا يطلق عـلـيـه »نـظـام هـوكـو« لتسجيل الأســر. في الـواقـع، السبب وراء تنشئة الكثير للغاية من الأطفال داخل المناطق الريفية على أيدي أجدادهم، أنهم محرومون من الخدمات العامة - بما في ذلك المدارس - داخــل المــدن الـتـي يعمل بها آبـاؤهـم. في الوقت ذاته، فإنه من الأسهل بكثير تـوفـيـر مـسـتـوى جـيـد مــن الـتـعـلـي­ـم في المـــراكـ­ــز الــحــضــ­ريــة عــنــه داخـــــل الــقــرى النائية. ومع وصول معدلات الوحدات السكنية الخالية إلـى أكـثـر مـن ٢٠ في المائة داخل الكثير من المدن، فإنه يبدو من اللائق إنسانياً والصائب اقتصادياً إنهاء هذه القيود.

وينبغي أن يتمثل هــدف آخــر في إصـــلاح المـنـاهـج الـتـعـلـي­ـمـيـة، وتشتهر الصين بالمناهج التي تفرض على الطلاب الحفظ عن ظهر قلب. كما تعمد المدارس إلـــى تـعـزيـز الاهــتــم­ــام بـالآيـديـ­ولـوجـيـة الـشـيـوعـ­يـة والــفــكـ­ـر الــكــونـ­ـفــوشــي، بـل والــطــب الـصـيـنـي الـتـقـلـي­ـدي. بــــدلاً من ذلـك، ينبغي التركيز على مهارات مثل الابتكار وحل المشكلات، الأمر الذي يعين في تعزيز الإبداع وروح الريادة، ويضمن قدرة الطلاب على المنافسة في عالم من الروبوتات والطائرات دون طيار.

ومع أن الكثير من الدول ستواجه هـــــذه الــنــوعـ­ـيــة مــــن المـــشـــ­كـــلات خــلال الــســنــ­وات المــقــبـ­ـلــة، فـــإن الــصــين تـبـدأ طريقها في مواجهة عدد من العقبات الكبيرة. وربما يكون الرئيس الصيني مــحــقــاً فـــي تــأكــيــ­ده عــلــى أن الـشـعـب الـصـيـنـي يتميز بـالـصـلاب­ـة والإبـــدا­ع الـــكـــا­فـــيـــين لــتــحــق­ــيــق الأهــــــ­ــــداف الــتــي يـأمـلـهـا، لـكـن المـؤكـد أن الـطـريـق نحو ذلك ستكون شاقة.

*بالاتفاق مع »بلومبيرغ«

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia