ثلاث مشكلات في طريق خطة ترمب للسلام
أفـادت تقارير تواترت في الـفـتـرة الأخــيــرة بــأن الـرئـيـس الأمـــــيـــــركـــــي دونـــــــالـــــــد تـــرمـــب ينوي كشف النقاب عن خطة ســلام لـلـشـرق الأوســــط مطلع الــــعــــام المـــقـــبـــل. وتــــدعــــم هـــذه الأنــبــاء الــزيــارات غـيـر المعلنة الــتــي أجــراهــا ثــلاثــة مــن كـبـار المساعدين في البيت الأبيض - جـــاريـــد كــوشــنــر وجـيـسـون غـريـنـبـلات وديـنـا بــاول - إلـى المــمــلــكــة الــعــربــيــة الــســعــوديــة الشهر المـاضـي، وكـذلـك إعـلان مــايــك بــنــس، نــائــب الـرئـيـس، عـزمـه زيــارة الـقـدس ورام الله والقاهرة الشهر المقبل.
وباعتبار أننا إسرائيليون خــدمــنــا فــــي مــقــدمــة صــفــوف الأجهزة الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية في وطننا، فإننا نـأمـل فـي أن يحالف التوفيق هـــذه الــجــهــود مـــن قــبــل إدارة الرئيس ترمب. والمؤكد أن غياب اتفاق إسرائيلي - فلسطيني، أو على الأقل تحرك باتجاهه، يعرض أمن إسرائيل للخطر، وكذلك مكانتها باعتبار أنها وطن قومي ديمقراطي للشعب اليهودي.
إضـــــافة لذلك، فإن وجود ائــــتــــلاف يـــضـــم دولاً عــربــيــة مــعــتــدلــة وإســــرائــــيــــل يـشـكـل الأداة الإقليميــــة الأكثر فاعلية لـلـتـصـدي لإيــــران، الأمـــر الـذي يتعذر تحقيقــــــــه دون حدوث تقدم على المسار الإسرائيلي - الفلسطيني.
ومــــن أجــــل تـحـقـيـق ذلـــك، يــتــعــين عــلــى الــبــيــت الأبــيــض تفهم الأسـبـاب وراء إخفاقات المــاضــي والــخــطــوات السلبية الــــتــــي اتــــخــــذهــــا حـــتـــى الآن. وثمة ثلاث خطوات على وجه التحديد تبدو جلية:
الأولى: رفض ترمب إعلان دعـــم إدارتـــــه لـحـل الــدولــتــين - بـــدءًا مـن تعليقه الــذي أطلقه في فبراير (شباط) وقـال فيه: »أدرس حـــل الـــدولـــتـــين وحــل الـــدولـــة الـــوحـــيـــدة، وأمـــيـــل لما يميل إليه الطرفان.« الواضح أن هـذا الـرفـض يؤتي بنتائج عكسية ويـتـعـين عـلـى الإدارة التراجع عنه.
نــــحــــن لــــيــــس بـــمـــقـــدورنـــا قبول مستقبل يقوم على دولة واحــــدة. فـي الــواقــع، مـثـل هـذا »الحل« الذي يعيش بمقتضاه جميع سـكـان الأرض القائمة ما بين ساحل البحر المتوسط ونـهـر الأردن معاً داخــل كيان ســيــاســي واحـــــــد، مـــن المـمـكـن أن يـسـفـر عـــن اشــتــعــال حــرب أهلية، مثلما الحال في سوريا الآن، أو ظــهــور نــظــام تمييز عــنــصــري عــلــى غـــــرار مـــا كــان قائماً بجنوب أفريقيا لكن في صــــورة شـــرق أوســطــيــة. ومـن شــأن أي مـن النهايتين كتابة نهاية إسرائيل كوطن يهودي ديمقراطي وتأجيج العنف بين المسلمين واليهود، الأمر الذي سـيـخـلـف تــداعــيــات تـتـجـاوز حــــــدود المــشــهــد الإســرائــيــلــي - الـفـلـسـطـيـنـي، لـتـظـهـر أزمــة جديدة أمام إدارة ترمب.
بــــــــــــــــجــــــــــــــــانــــــــــــــــب ذلــــــــــــــــــــــــك، فــــــــــــــــإن غـــــــالـــــــبـــــــيـــــــة أعــــــــضــــــــاء الــكــنــيــســت والإســـرائـــيـــلـــيـــين (والــفــلــســطــيــنــيــين) يــدعــمــون مستقبلاً يـقـوم عـلـى دولـتـين، رغم تركيز واشنطن أنظارها على الأصـــوات الـرافـضـة لذلك الـــحـــل داخـــــل الائــــتــــلاف الـــذي يقوده نتنياهو.
الــثــانــيــة: يـتـمـثـل الـسـبـب الرئيسي وراء إخفاق المحاولات الإسرائيليين والفلسطينيين لاتــخــاذ خــطــوات بــنــاء ة على نــحــو مـسـتـقـل لــلــحــفــاظ عـلـى الظروف الداعمة لحل الدولتين وخــلــق واقــــع يــقــوم عــلــى هــذا التصور على نحو تدريجي.
على سبيل المثال، ينبغي أن تعلن إسرائيل أنه لا سيادة لها على المناطق الواقعة إلى الشرق من الحاجز الأمني الذي بنته في الضفة الغربية، رغم أنه يستلزم وجوداً أمنياً هناك، وكذلك على امتداد نهر الأردن. أمـــا الـفـلـسـطـيـنـيـون، فيتعين عليهم بـذل مزيد مـن الجهود الـــشـــرقـــيـــة، حــيـــث يــعــيــش مـا يـــقـــرب مـــن ٨٠ فـــي المـــائـــة مـن المـسـتـوطـنـين، ثــم تـمـيـيـز هـذه المــــنــــاطــــق عـــــن المــســتــوطــنــات المنعزلة. كـان الرئيس جـورج دبــــلــــيــــو. بــــــوش قـــــد أقــــــر هـــذا التمييز في خطاب أرسله عام ٢٠٠٤ إلى رئيس الــوزراء أريل شارون.
للأسف، تحاول الحكومة الإسرائيلية الحالية القضاء عــلــى هــــذا الــتــمــيــيــز، ويـتـعـين على إدارة تـرمـب مـن جانبها الــــتــــصــــدي لــــهــــذه المــــحــــاولــــة، والتأكد من أن إسرائيل ترسم حدودها المستقبلية بناءً على خــطــوط ٤ يــونــيــو (حـــزيـــران) .١٩٦٧ مــــع إبــــقــــاء الــتــكــتــلات الاستيطانية الأساسية تحت سيادتها ووقف جميع أعمال بناء المستوطنات في المناطق الواقعة إلى الشرق من الحاجز الأمــــنــــي بــالــضــفــة الــغــربــيــة، وضـمـان حـقـوق متكافئة بين جــمــيــع الـــســـكـــان داخـــــــل هـــذه الــحــدود، والـسـمـاح بمساحة كافية لبناء دولة تضم ملايين الفلسطينيين خارج حدودها.
وسـيـتـطـلـب هـــذا الـتـوجـه نــقــل مـــا يـــقـــرب مـــن ١٠٠ ألــف مــســتــوطــن نــهــايــة الأمــــــر إلــى مــنــاطــق تــقــع داخـــــل الـــحـــدود المستقبلية لإسرائيل. ولا يعد هــــذا أمـــــراً مـسـتـحـيـلا، مـثـلـمـا يــدعــي أنـــصـــار المـسـتـوطـنـين. فـــي الــــواقــــع، خــلــصــت دراســــة مسحية شاملة للمستوطنين أجــرتــهــا مـنـظـمـة لا تـتـبـع أي تـوجـهـات حزبية شـاركـنـا في تــأســيــســهــا تــحــت اســــم »بـلــو وايـت فيوتشر،« ونـشـرت عام ٢٠١٤ إلى أن ما يقرب من هؤلاء المـسـتـوطـنـين حـــال حصولهم عـــلـــى تـــعـــويـــض ســيــنــتــقــلــون طــواعــيــة إلــــى مــنــاطــق أخـــرى حتى دون إبــرام اتـفـاق سـلام، وكثيرون غيرهم سيتبعونهم حال توقيع اتفاق سلام.
عـــلاوة عـلـى ذلـــك، ينبغي أن يسمح أي مقترح من جانب الإدارة الأمــيــركــيــة لإسـرائـيـل بالإبقاء على قواتها العسكرية داخـــل الأراضــــي الفلسطينية لحين التوصل لاتفاق. وأخيراً، سيتعين على الولايات المتحدة حشد الدعم الإقليمي لمثل هذه الخطة.
ومـــــثـــــلـــــمـــــا اكـــــتـــــشـــــف كــل رئيس أميركي منذ ريتشارد نـيـكـسـون، فــإن عملية الـسـلام تــلــك مـهـمـة عــســيــرة. بــيــد أنــه يتعين على تـرمـب ومعاونيه الإقــــــــرار بـــــأن الـــوضـــع الــقــائــم الآن بــــــــين الإســـــرائـــــيـــــلـــــيـــــين والـفـلـسـطـيـنـيـين مـــن المـتـعـذر اســـتـــمـــراره. لــــذا، يـتـعـين على الــرئــيــس تــرمــب وضــــع هــدف واضح ومحدد نصب عينيه - إقامة دولتين للشعبين - ودفع الطرفين نحو هذا الواقع.
*بالاتفاق مع »بلومبيرغ«