جريمة مسجد سيناء
الــجــريــمــة الإرهـــابـــيـــة الــدمــويــة الــتــي ارتـكـبـهـا الإرهـابـيـون في مسجد الـروضـة ببئر العبد شمال سيناء المصرية، وخلفت ضحايا فاق عددهم الـ٣٠٠، كانت بحق جريمة كبرى، لدرجة أن أحـد المراقبين اعتبرها أكـبـر جريمة إرهـابـيـة تتعرض لها مصر فــي تـاريـخـهـا، ومـــع عـــدم تـبـنـي أي جـهـة إرهـابـيـة مـسـؤولـيـة هــذه الـجـريـمـة الإرهـابـيـة الـبـشـعـة ثـارت تكهنات تحاول أولاً معرفة الفاعل المـجـرم، وثانياً لمـاذا استهداف مسجد نـاءٍ في قرية نائية في شبه جـزيـرة قصية؟ وواضــح مـن التقارير وتصريحات الـشـهـود أن الإرهـابـيـين المـجـرمـين حـاولـوا الإجـهـاز الكامل على المصلين، فيلاحقون الفارين، ويجْهزون على المصابين، وإلى وقت كتابة المقال لم تعلن جهة إرهابية عن مسؤوليتها عن الحادث المأساوي.
إذاً من هي الجهة »المتوقع« مسؤوليتها عن هذه الحادثة الإجرامية؟ ولماذا تستهدف مسجداً مكتظاً بالمصلين يــوم الـجـمـعـة؟ فـي تـقـديـري، وفــي تقدير عدد كبير من المراقبين، أن بصمات الحادث توحي بأن المسؤول هو »داعش« أو أحد السائرين في فلك التنظيم المتقاطعين مع آيديولوجيته. الـذي يدعم هذه الفرضية هو بشاعة الجريمة واستهدافها دار عبادة، وهذا هو منهج متسق مع استراتيجية تنظيم داعـــش الـــذي أعـلـن مـسـؤولـيـتـه عـن عــدد مـن جـرائـم بشعة مماثلة ارتكبها في عدد من المساجد الشيعية والسنية في العراق وبعض الـدول الخليجية، كما ارتـكـب تنظيم داعــش جـرائـم إرهـابـيـة مماثلة ضد الكنائس في مصر.
يريد »داعـش« ومن تحالف معه من تنظيمات إرهـابـيـة مـن ارتــكــاب مـثـل هــذه الـجـرائـم الوحشية التي تستهدف مدنيين عـزلاً، كمسجد الروضة في شـمـال سـيـنـاء أو غـيـره، تحقيق عــدد مـن الـغـايـات منها إثبات الحضور والـوجـود، خصوصاً بعد أن تلقت التنظيمات الإرهابية في العراق والشام، وعلى رأسها دولـة الإرهــاب في المـوصـل، ضربات قاضية مـمـيـتـة، وأمــســت تـتـرنـح وآيــلــة لـلـسـقـوط. ورسـالـة الإرهــابــيــين تــقــول أو هــكــذا يــظــنــون: قــد تـكـسـبـون معنا معركة ولكنكم لن تكسبوا معنا حرباً، الغاية الثانية: إحـداث الفوضى في مصر، والفوضى هي الـبـيـئـة المـنـاسـبـة لـنـمـو وتـكـاثـر جـراثـيـم الإرهــــاب، فاستهداف المساجد والحسينيات والكنائس هو الشرر لانـدلاع نـار الطائفية التي لا تبقي ولا تذر، وإذا اندلعت هذه النار الخطيرة فهي البوابة التي يلج منها الإرهـابـيـون لـلـدول الـتـي يستهدفونها، والعراق مثال صارخ، فبعد اندلاع المعركة الطائفية بين السنة والشيعة رسَّخ التنظيم أقدامه في العراق، وارتكب عدداً من الجرائم ضد الشيعة جعلت كثيراً من العراقيين السنة يلجأون للاحتماء بالتنظيم، لا حباً فيه، ولكن خوفاً من حوادث ثأرية، وهنا يسهل على تنظيم داعـش والتنظيمات الإرهابية الأخرى تجنيد الشباب في صفوفهم.
ولا أتـفـق مـع الـتـقـاريـر الـصـحـافـيـة الـتـي تقول بــأن مـسـجـد الــروضــة صــوفــي، وأن الـقـتـلـى هــم من الصوفية، وأن »داعش« يرى أن ما يقومون به يعتبر بدعة وثنية، وهـذا يقودنا للغاية الثالثة المحتملة لاستهداف مسجد الروضة شمال سيناء، وهي أن الطرق الصوفية التي تنتشر في سيناء تكنّ عـداءً شديداً للحركات الإرهابية التي تنتشر هي الأخرى في سيناء، وقد قتل »الجهاديون« في فترة ماضية شيخاً صوفياً طاعناً في السن، وحزوا رأسه إمعاناً فــي تـرسـيـخ الــعــداوة مــع المـتـصـوفـة، فـكـأن جريمة مسجد الـروضـة تحذير عنيف دمــوي للأهالي من الوقوف في طريق جرائمهم وترسيخ أقدامهم.
ما يجب التنبه له، وهو ما كرره ويكرره العقلاء المعادون للإرهاب المحاربون له من كل ألوان الطيف، أن الـحـل الأمـنـي المـفـرط لـضـرب الإرهــاب لـوحـده قد يسبب جروحاً وكدمات في جسد الإرهـاب، لكنه لا يوجه ضربة قاتلة مميتة، لا في العراق ولا في الشام ولا في مصر ولا في غيرها، وأن الحل أمني وديني وسياسي واقتصادي واجتماعي وتعليمي وثقافي وفـكـري، هـي منظومة شاملة، التفريط فـي أحدها يفتح ثغرة للإرهاب للنفوذ منها.