Asharq Al-Awsat Saudi Edition

سيناء والإرهاب المستوطن

- يوسف الديني

مع تكرار حــوادث الإرهــاب البشعة تعود »الكليشيهات« الصحافية المتكررة في تناول أكثر ظواهر العصر الحديث تركيباً وتعقيداً، وهـي العنف الدموي المــوجــه أحـيـانــاً ًوالـعـبـثـ­ي والــفـوضـ­ـوي أحايين كثيرة، رغبة في إيجاد محتوى سـريـع يـنـاسـب الـحـدث وسـرعـة تناوله على شاشات التلفزة ووسائل الإعـلام، ودون فحص دقيق للتفاصيل الصغيرة التي عادةً ما تقودنا مع الوقت إلى بناء تصور تحليلي للمشهد كاملاً.

ما يحدث في سيناء أكبر من تنظيم داعش، وإن كانت »ولاية سيناء« يراها التنظيم أكثر الأذرع نشاطاً وبقاءً حتى بـعـد زوالــــه لأســبــاب تـتـصـل بجغرافيا المـــكـــ­ان والـــتـــ­اريـــخ والـسـيـسـ­يـولـوجـيـ­ا (المجتمع السيناوي)، وصولاً إلى علاقة الدولة المصرية

بهذا الجزء من دولة مصر الكبيرة والعظيمة.

هــنــاك مـجـمـوعـا­ت تـكـفـيـري­ـة تنبت في مواقع جغرافية غير متوقعة بسبب سهولة بناء مجتمع معزول في مناطق نائية، في ظل تراخٍ أمني أحياناً وولادة أجـيـال جـديـدة غـيـر مسجلة فـي دفـاتـر المخابرات والأمــن، حـدث ذلـك في بلدان إســـلامــ­يــة، بـــل حــتــى فـــي أوروبـــــ­ــا وفــي أفريقيا فـي بعض الــدول التي لا يظهر فــيــهــا نـــشـــاط إســـلامــ­ـي فـــاعـــل. وكــانــت المـحـصـلـ­ة فـــي كـــل تــلــك الــتــجــ­ارب الـتـي عرفتها عـن قـرب بسبب طبيعة الجدل مع جماعة مصطفى شكري، واهتمامي بظاهرة العابرين للتكفير دون المـرور بــتــجــر­بــة تـــديـــن أو مــلامــسـ­ـة لــلــتــد­رج الزمني المنطقي للانتماء إلى الحركات الإســلامـ­ـيــة الـتـقـلـي­ـديـة، ســـواء العملية والمدرسية منها أو المسيسة كـ »الإخوان« ومـا تفرع منها، أو حتى تلك التجارب »الجهادية« المنشقة عن تنظيم الإخوان كـ »القاعدة«.

هـنـاك نـمـوذج »التكفير والـهـجـرة« وهذا محيّر ومدهش في ولادته وتمدده وجــنــوحـ­ـه لـلـعـنـف ضــد الـــــذات والآخـــر القريب، كالمجموعات الصوفية وحتى الـسـلـفـي­ـة غــيــر الـعـنـيـف­ـة أكــثــر مـــن غـيـر المسلمين، أو ًالتلامس مع جـسـد الــدولــة مـمـثـلـة في الجهاز الأمني، مما كان يوحي لكثير من المراقبين داخـل الحركة الإسلامية بـأنـهـم نــتــاج مــخــابــ­رات، بــســبــب قـــلـــة الــحــصــ­يــلــة الشرعية وملامح التدين وســــــــ­ـرعـــــــ­ــة الانــــــ­ضــــــمــ­ــــام والفعالية في مجموعات التكفير والـهـجـرة والتي كــــــانـ­ـــــت قـــــنـــ­ــطـــــرة عـــبـــور للتنظيمات المسلحة في وقت قياسي وسريع.

جزء من تفشي ظاهرة المجموعات الـتـكـفـي­ـريـة ذات الــطــابـ­ـع الاجـتـمـا­عــي - الـسـيـسـي­ـولـوجـي كــان »المــكــان« بـكـل ما يــوحــيــ­ه مـــن عـــزلـــة وغـــيـــا­ب مــؤســســ­ات التأثير الدينية والسياسية والثقافية، مع حضور باهت للمؤسسات الأمنية، والتي لا يمكن أن تمارس دور المزاحمة لولادة تلك الأفكار وتغلغلها، في الأغلب ستكون مضطرة إلى المواجهة العسكرية بعد فوات الأوان، وتحول تلك المجموعات من مربع »التكفير« إلى »التفجير«، وهو بالضبط ما يحدث في المنطقة الصغيرة ضــمــن خــريــطــ­ة ســيــنــا­ء الــكــبــ­يــرة الـتـي يحاول تنظيم داعش الاستفادة من تلك المجموعات التكفيرية، والاستثمار فيها لصالح ولايته المزعومة.

جـــــزء كــبــيــر مــــن صــــــورة »داعــــــش« الـنـمـطـي­ـة صـنـعـهـا الإعــــلا­م الــشــره نحو »المـغـايـر­ة«، أي مـحـاولـة إيـجـاد قصص وصــــــــ­ور وأفـــــــ­ـــلام وحــــــــ­ـــــوارات مـخـتـلـفـ­ة واسـتـثـنـ­ائـيـة مــغــايــ­رة لمـــا يــتــم تــداولــه عــــــادة مـــن أخـــبـــا­ر لـــم تــعــد تــشــبــع نـهـم المتابع المتعطش، الذي يجد في وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التقنية بدائل أسـرع وأكثر تفصيلاً، وإن كانت في معظمها هوامش رديئة وغير موثقة على متن الأخبار الرئيسية التي تُستقى من الإعلام المرئي.

ولادة مــجــتــم­ــعــات مـــتـــطـ­ــرفـــة فـي بنيتها الجغرافية والعشائرية والنمط الاجتماعي الـذي تعيشه يجب أن تدق نـــــاقــ­ـــوس الـــخـــط­ـــر لــديــنــ­ا، فمعظم البلدان الإسلامية فـــي أفــريــقـ­ـيــا الآن يـحـضـر فــــيــــ­هــــا تــــنــــ­ظــــيــــ­م داعـــــــ­ـــش، وهناك مجموعات وخلايا وكونتونات تتحدث عنها تــــقــــ­اريــــر بــحــثــي­ــة تـــحـــاو­ل اســـتـــق­ـــصـــاء تــــمــــ­دد الــفــكــ­ر الإرهـــــ­ابـــــي، حــتــى وإن لـم يـواجـه مقاومة أو حـوادث اصـطـدام بالسلطة، مثلما هـــــو الـــــحــ­ـــال فـــــي مــنــاطــ­ق الــتــوتـ­ـر المــعــرو­فــة، كـمـا أن الآلـة الضخمة الدعائية للتنظيم تتجه الآن إلى بلدان جديدة ومناطق بِكر.

الأخطر الآن هو هـذا التكتم بسبب الحساسية الكبيرة التي تواجه الدولة المصرية الجديدة في منطقة سيناء، التي يعدها التنظيم أهم ولاية له في المنطقة، بـسـبـب ذلــــك الــتــنــ­اغــم بـــين مـجـمـوعـا­ت متطرفة سابقة وعشائر لديها تعيش حالة اللادولة أو »الأناركية« الجديدة، وهــــــي حـــالـــة بـــحـــاج­ـــة إلــــــى المــــزيـ­ـــد مـن الـرصـد، وملخصها وجــود مجتمعات لا تــحــمــل بـــالـــض­ـــرورة الآيــديــ­ولــوجــيـ­ـا العنفية القتالية، لكنها بسبب وقوعها فــي الأطــــرا­ف بـعـيـداً عــن المــركــز تخضع لحالة تـمـرّد سياسي، وتقبّل لحضور أي جـمـاعـة عنفية تــمــارس مـعـهـا دوراً تكاملياً، فـي محاولة الانقضاض على مـا تبقى مـن مـفـهـوم »الــدولــة« فـي تلك المناطق.

في حالة سيناء الأمر أكبر تعقيداً، حــيــث تــتــداخـ­ـل مــجــمــو­عــات الـجـريـمـ­ة المنظمة، وتهريب الأسلحة، والقوميات المتداخلة الهويّة بين مصر وقطاع رفح، وصـعـود منطق القبيلة الـخـارجـة على منطق الدولة، أو على الأقل المستقلة عنها على مستوى الموارد والاحتياجا­ت. جزء من سيطرة مفهوم الدولة هو حضورها التنموي والمـؤسـسـ­اتـي ولـيـس الأمـنـي، ومن هنا لفهم تلك المجموعات المتطرفة فـــي ســيــنــا­ء المـــصـــ­ريـــة الـــتـــي لـــم تـطـلـق رصاصة واحدة إلا في صدور المصريين،

ّ يـجـب الـكـف عـن ازدواجــيـ­ـة الـلـعـب على

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia