Asharq Al-Awsat Saudi Edition

... ويحدثونك عن مصلحة لبنان والتضامن العربي

- حنا صالح

غــــــنــ­ــــي مِــــــعـــ­ـــجــــــ­م الــــســـ­ـيــــاســ­ــيــــين الـلـبـنـا­نـيـين: الــتــريـ­ـث! بــدعــة جــديــدة، يستفيضون في شرح وظيفتها، فهي »ليست لتعويم الاستقالة، بل مرتبطة بالآلية العميقة لتطبيق المبدأ المركزي، أي (الــــنـــ­ـأي بــالــنــ­فــس) عــــن الـــصـــر­اع الإقليمي«. ويتسع الشرح ومحاولات الإقناع، لأن »المرحلة تفترض توسيع التشاور للتعامل مع عناوين أنتجتها الأزمـــــ­ـــة« لا يــمــكــن تــجــاهــ­لــهــا، و»كـــل التأويلات بأن الاستقالة عُلِّقت ليست صحيحة«.

»النأي بالنفس« كان الشعار الذي رفـعـتـه الـحـكـومـ­ة المـيـقـات­ـيـة فــي الـعـام ٢٠١١، وهــي الـتـي قـيـل فيها حكومة القمصان الـسـود، أو حكومة النفوذ الخالص لـ »حزب الله«، الذي التف على ذاك الشعار واستباح الحدود، بداية لـلـدفـاع عـمـا ادعــــاه وجــــود مـواطـنـين لبنانيين في بلدات لبنانية متداخلة مـع الأراضـــي الـسـوريـة، ثـم دفـاعـاً عن المقامات الدينية الموجودة منذ قرون وهـــي لــم تُـمـس يــومــاً، وبـعـدهـا لــدرء الهجمات التكفيرية عن لبنان، ودوماً كـان هـذا التدخل تلبية لقرار طهران، والهدف الدفاع عن نظامٍ ديكتاتوري، استسهل استدراج التدخل الخارجي واستباح سوريا قتلاً وتدميراً، ً عوض أن يجدَ مـع أهـل البلد حـلـولاً سورية لمشاكل حقيقية، اجتماعية وسياسية.

تـــراجـــ­ع الــرئــيـ­ـس الـــحـــر­يـــري عـن اسـتـقـالـ­تـه، وتــأكــد تـعـويـم الـحـكـومـ­ة، وربـمـا تكون بعض الـصـلات الدولية قد ساهمت بذلك، لأن الخارج عموماً أبـــدى تـخـوفـاً مــن دخـــول لـبـنـان أزمــة مــفــتــو­حــة، تـعـيـد إلــــى الأذهـــــ­ــان أزمـــة الـفـراغ الـرئـاسـي، فيما البلد بحاجة إلــــــى حـــكـــوم­ـــة فــعــلــي­ــة، لأن حــكــومــ­ة تصريف الأعـمـال ستعجز عـن ضبط الاســتــق­ــرار. لـكـن خـلـو بـيـان الـتـراجـع من أي إشارة للقضايا التي تضمنها كتاب الاستقالة، يوحي بأن ما جرى أشبه بانقلاب تــام، على الفترة التي امـتـدت مـن الـرابـع مـن تشرين الثاني موعد الاستقالة المدوية وحتى ٢٢ منه مـوعـد الـتـراجـع المـفـاجـئ. وهـنـا نفتح مـزدوجـين لـلإشـارة إلـى أن الاستقالة كانت قد طرحت على بساطٍ أحمدي، قضية هيمنة حزب الله بالسلاح على الــقــرار الـلـبـنـا­نـي، وطــرحــت استتباع لـبـنـان لإيــــران، وتـمـسـكـت بالتضامن الــعــربـ­ـي، رافـــضـــ­ة أن يــتــحــو­ل لـبـنـان منصة ضد العرب.

بحساب الربح والـخـسـار­ة، حقق »حـــزب الــلــه« الـكـثـيـر لأنــه أثـبـت قــدرة على الإمساك بمفاصل القرار اللبناني والـــتـــ­حـــكـــم بــــاتـــ­ـجــــاهــ­ــات الــســيــ­اســة الداخلية، رغم ما يتعرض له خارجياً مـن ضـغـوطـات، فيما انـصـب اهتمام الـشـركـاء الآخــريــ­ن فـي الـتـسـويـ­ة على تعزيز حيّزهم من المحاصصة، وترى الأوساط القريبة من القصر أن الحملة الرئاسية نجحت في استعادة رئيس الحكومة إلى كنف التسوية، وتذهب أوســـاط »حـــزب الـلـه« حـد الـتـأكـيـ­د أن الحكومة باقية، والتسوية مستمرة دون أي تــعــديــ­ل جــــوهـــ­ـري، لــكــن مـع تكتيك مختلف جزئياً لا أكثر... وتبعاً لمــا تــقــدم، يـجـب ألا يـتـفـاجـأ أي طـرف من أطراف التسوية، لو استند »حزب الله« إلى تراجع الحريري للتبجح بأن كل حروبه خارج لبنان كانت لحماية اللبنانيين والبلد(....)

يقولون في بيروت، إن »التريث« انـتـصـار للبنان، وكـانـوا قـد قـالـوا إن تـرشـيـح الـنـائـب فـرنـجـيـة كـــان أيـضـاً انـتـصـاراً للبنان، ومثله كـان ترشيح الــجــنــ­رال عــــون وانــتــخـ­ـابــه انــتــصــ­ارا آخــر لـلـبـنـان. هــي لـغـة مـعـروفـة فيها الـكـثـيـر مــن الـتـأثـيـ­رات الـبـعـثـي­ـة الـتـي تـغـطـي الــســمــ­وات بــالــقــ­بــوات، والـتـي تـحـيـل الــنــاس إلـــى تــرقــب الـخـطـوات الآتية، مع الحثِّ على توجيه الاهتمام ناحية التحرك الـذي سيطلقه رئيس الـــجـــم­ـــهـــوري­ـــة لــتــرجــ­مــة الالـــتــ­ـزامـــات بــ »الـنـأي بـالـنـفـس« عـن الـحـرائـق في الإقليم!! وهذا الأمر، التحرك السياسي، إذا عـرفـت بـدايـتـه لـن تُـعـرف نهايته، ويتبرع كثيرون بإطلاق الوعود، نيابة عـن »حــزب الـلـه« المعتصم بالصمت، ويـــروجــ­ـون لإمــكــان­ــيــة وقـــف الـتـهـجـم على الـسـعـودي­ـة، وأن هـنـاك جهوزية للارتداد عن الساحة العراقية والتخلي عــــن دور اســــتـــ­ـشــــاري مــــع جــمــاعــ­ات الـــحـــو­ثـــي! ولـــكـــن عــلــى أرض الـــواقــ­ـع لــن يــكــون بــوســع الآخـــريـ­ــن لا الــقــدرة ولا الـوسـيـلـ­ة للتحقق مـن ذلـــك. وفـي اليوميات اللبنانية ما يشي أن »حزب الله« سحب بعض قواته من سوريا، وربما كان هذا التدبير قد تم فرضه، لأن ســوريــا دخــلــت فــي طـــور جـديـد، إنــه طــور التسوية الصعبة وتحديد الأحجام والنفوذ، ومؤشرات التوافق بـين واشـنـطـن ومـوسـكـو الـتـي تأكدت فــي لـقـاء تـرمـب - بـوتـين فــي فيتنام، فوّضت روسيا المنتصرة تسويق هذه الـتـسـويـ­ة عـلـى أرض الــواقــع، وشـهـد العالم كيف استدعى المنتصر الآخرين إلى سوتشي.

شــهــد الـــتـــر­اجـــع عــــن الاســتــق­ــالــة تراجعاً إضافياً عن إثـارة دور »حزب الــلــه« فــي الـــداخــ­ـل، وكــــأن مــن الأمـــور الطبيعية أن يستقبل نصر الله نحو الألــــــ­ف مـــن قــــيــــ­ادات تـنـظـيـم »ســـرايـــ­ا المقاومة،« وهم إلى حدٍ كبير نوع من »الباسيج« اللبناني المنتشر فـي كل المناطق، أو من الأمـور الطبيعية هذه المـسـاكـن­ـة المـفـروضـ­ة عـلـى الــدولــة من الدويلة، فيما أكـدت كل التطورات أن لبنان، وبعيداً عن الجانب المصلحي في التسوية، يمر بأزمة عميقة، أزمة خيارات، كان الشغور الرئاسي الطويل من نتائجها، فيما أبرز أسبابها تكمن في إمساك »حـزب الله« بقرار الحرب والسلم من خارج السلطات الشرعية... وهــكــذا وجــد »حـــزب الــلــه« فــي أركــان الـتـسـويـ­ة إيّــاهــا، مــن يـدعـم مـشـروعـه فـي الـحـفـاظ عـلـى دوره المــحــور­ي في القرار اللبناني، ويبدو هنا أن الجانب المصلحي عاد يتقدم على كل ما عداه، والـــحـــ­ديـــث عـــن تــلــزيــ­م قــريــب لـلـنـفـط والـغـاز هـو الـطـاغـي، رغـم أن الخبراء

ّ الاقتصاديي­ن وعلماء النفط حذ روا من أن السير بما تقرر دون تعديل لجهة حقوق لبنان في ثروته، سيفوت على البلد عشرات المليارات من الدولارات!

تــســلــي­ــم فــــي الــــوضــ­ــع الـــداخــ­ـلـــي، وسمك بالبحر في الوضع الإقليمي، لأن الكل مـدرك أن المعضلة الأساسية أمــــــــ­ام الــتــطــ­بــيــق الـــــجــ­ـــدي لـــــ »الــــنـــ­ـأي بالنفس« هو الدور الوظيفي الإيراني لـ »حزب الله « خارج لبنان... ولم يتأخر قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال جعفري عـن الإعــلان أن »ســلاح حزب الله غير قابل للتفاوض«، وواعداً بأن طهران ستجعل الحزب يمتلك أفضل الأســلــح­ــة، وفـيـمـا لــم تـطـرح أي جهة لبنانية مـسـألـة نــزع الـسـلاح بـل حق الإمرة، أو البحث بصيغة استيعابية لـلـسـلاح، ويـكـون الــقــرار بـيـد الجيش والسلطة السياسية، كان نصر الله قد أكـد مسبقاً أن الانـسـحـا­ب مـن الـعـراق يــكــون لـلـتـمـرك­ـز فــي ســاحــات أخـــرى! طـبـعـاً بـعـد تـحـويـل لـبـنـان ســاحــة لا تخضع لأي سيطرة حكومية رسمية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia