Asharq Al-Awsat Saudi Edition

أفريقيا أرض النزال الاقتصادي الأوروبي ـ الصيني... والطموح البرازيلي

قمة »الاتحادين« تبحث توفير ٤٤ مليار دولار استثمارات تنموية خارجية

- بروكسل: عبد الله مصطفى لندن: »الشرق الأوسط«

بحكم الـتـاريـخ، تبقى أوروبــا الطرف الفاعل الأجنبي الرئيسي في أفريقيا، لكن تأثيرها تـراجـع أمـام قوى كبرى مثل الصين التي أصبحت الــدولــة الـشـريـكـ­ة الأولـــى لأفـريـقـي­ـا. وبـــــالأ­مـــــس، وفـــــي إطــــــار الاهــتــم­ــام الأوروبي الراسخ بالقارة السمراء، شــارك قــادة الأعـمـال والمستثمرو­ن والــــشــ­ــركــــات الــنــاشـ­ـئــة وأصـــحـــ­اب المـشـاريـ­ع مـن الشباب والـنـسـاء في منتدى الأعمال الأوروبـي الأفريقي الـسـادس الـذي انعقد فـي أبيدجان عاصمة كوت ديفوار.

وقالت المفوضية الأوروبية في بروكسل، إن نائب رئيس المفوضية انــــــــ­ـدروس انــســيــ­ب المــكــلـ­ـف بـمـلـف السوق الرقمية ألقى كلمة في افتتاح المـنـتـدى، الــذي انـعـقـد عشية القمة الأوروبية الأفريقية. وقال المسؤول الأوروبــي إن »منتدى الأعمال جاء لـلـنـظـر فـــي المــــجــ­ــالات الــتــي يـمـكـن تحسين الوضع فيها، وخاصة فيما يتعلق بكيفية خلق أفضل الظروف لــلاســتـ­ـثــمــارا­ت الــخــاصـ­ـة وطـويـلـة الأجــــل، وأيــضــا كـيـفـيـة دعـــم فـرص العمل للشباب، وخاصة النساء«.

من جانبه، قال المفوض المكلف بالتعاون الـدولـي نايفين ميميكا، إن »تحسين ظـروف الاستثمار في أفريقيا أمـر ضــروري لخلق فرص العمل للشباب في القارة السمراء، وتـعـزيـز التنمية المـسـتـدا­مـة، وهـذا سـيـكـون المــحــور الأســـاسـ­ــي للقمة بــين الاتـــحــ­ـاد الأوروبـــ­ـــي والاتــحــ­اد الأفــريــ­قــي، وســتــعــ­رف الـقـمـة طـرح خطة الاستثمارا­ت الخارجية التي ستوفر ٤٤ مليار من الاستثمارا­ت مــن أجـــل تـوفـيـر فـــرص عـمـل لائـقـة وتحقيق نمو مستدام«. فيما كرس المنتدى هـذا العام لملف الاستثمار خـلـق فــرص الـعـمـل لـلـشـبـاب، وذلـك مـن خــلال الاسـتـثـم­ـار المـسـتـدا­م في أفــريــقـ­ـيــا، وفــــي الــــزراع­ــــة والــطــاق­ــة المستدامة والاقتصاد الرقمي.

وعلى مستوى السباق الدائر بـــين أوروبـــــ­ــا والـــــــ­دول الأخــــــ­رى فـي الـقـارة الـسـمـراء، يـرى بـيـار داغـبـو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هوفويت فيليكس بوانيي، ومؤلف كــتــاب »الــدبــلـ­ـومــاســي­ــة الأفــريــ­قــيــة نظريا وعمليا« فـي أبـيـدجـان، في تعليقه لوكالة الصحافة الفرنسية، أن »أوروبـا تترك هوامش للآخرين لأنـهـا الـشـريـك الأقـــــد­م... إنــه تطور مـنـطـقـي، لكنها هــي الـتـي تتصدر المشهد، فهناك تاريخ مشترك.«

وأشـــــــ­ـار مـــصـــدر دبــلــومـ­ـاســي أوروبـــــ­ــــــــي فـــــي بــــروكــ­ــســــل إلـــــــى أن »أوروبـــــ­ـــــا هـــي الـــشـــر­يـــك الــتــجــ­اري الأول، والمستثمر الأول... والممول الأول.« وبلغت قيمة المـبـادلا­ت بين أوروبـــا وأفريقيا ٢٨٦ مليار يـورو فــي ٢٠١٥. بــمــيــز­ان تــجــاري يميل لمصلحة الاتـحـاد الأوروبـــ­ي بفارق ٢٢ مليار يــورو. وقـد قـدمـت الـقـارة العجوز مبلغا مماثلا يبلغ ٢١ مليار يــورو مـن المـسـاعـد­ات إلـى أفريقيا، متقدمة على الأميركيين والصينيين وبـــرقـــ­م لا مـثـيـل لــــه. وقـــــال مـصـدر دبلوماسي أوروبـــي فـي أبيدجان: »عـنـدمـا نـقـول إن أوروبــــا سمحت للصين بـالـتـقـد­م عليها، فيجب أن نتوخى الحذر،« مؤكدا أن »أوروبا تحتفظ بمكانتها.« وأشـار إلـى أن اللغات المحكية والتعاون الثقافي أو الـجـامـعـ­ي والــوجــو­د العسكري والمساعدة تسمح كلها بأن »تبقى أوروبا المرجع .«

لكن الأرقام تكشف أن المنافسة تزداد حدة. فقد ذكرت وزارة التجارة الصينية أن قيمة المبادلات التجارية بـين الـصـين وأفريقيا بلغت ١٤٦٫٢ مليار دولار في ٢٠١٦. بينها ٥٦٫٩ مــلــيــا­ر لــــــلــ­ــــواردات، و٩٢٫٣ مـلـيـار للصادرات الصينية. والصين هي أكبر دولة شريكة تجارية مع أفريقيا مـتـقـدمـة بــفــارق كـبـيـر عـلـى فرنسا وألمــانــ­يــا. وتـبـنـت الــصــين سـيـاسـة هـبـات وقـــروض بـفـوائـد منخفضة جـــــدا تــســمــح لــهــا بــتــأمــ­ين وجــــود فــي عـــدد كـبـيـر جـــدا مــن المـشـاريـ­ع الـكـبـيـر­ة. وقـــال مــراقــب اقـتـصـادي: »لديهم سياسة جريئة جدا بالمعنى الإيجابي للعبارة، حول القروض... وهـذا يغري الــدول.« وذكـرت وكالة أنـــبـــا­ء الـــصــين الـــجـــد­يـــدة نــقــلا عـن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن قروض الصين إلى أفريقيا بلغت فـي الـسـنـوات العشر الأخـيـرة ٦٧٫٢ مليار دولار، أي أكـثـر بنحو ١٢٫٥ مليار من قروض البنك الدولي.

وقـــــــا­ل شــــو تــيــبــي­ــنــغ، أســـتـــا­ذ الــــعـــ­ـلاقــــات الــــدولـ­ـــيــــة فــــي جــامــعــ­ة الاتــــــ­ـصـــــــا­ل فــــــي الــــــصـ­ـــــين، لـــوكـــا­لـــة الصحافة الفرنسية، إن »الجوانب التي تجذب الشركات الصينية إلى أفريقيا هي إمكانية التنمية والموارد والــســوق«، وأضـــاف أن »الـحـكـومـ­ة الصينية تعاني من عقدة الجنوب، وتعتقد أنه عندما يصبح الجنوب قويا يصبح العالم أكثر توازنا«.

وتابع أن »الصين تعتقد ربما أنه مع تراجع نمو اثنين من أقطاب التنمية الثلاثة في العالم، (أوروبا وأميركا الشمالية)، تتحول أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا إلى وجهة طـبـيـعـيـ­ة لــلاســتـ­ـثــمــار الـصـيـنـي«، مشيرا إلـى أنـه »فـي المـاضـي، كانت الصين تولي اهتماما أكبر للجانب السياسي؛ لكنها باتت تعطي أهمية أكــبــر لـلـتـنـمـ­يـة المـشـتـرك­ـة ومـهـتـمـة بالفوائد المتبادلة«.

لكن دبلوماسيا أوروبيا قلل من أهمية ذلـك، قائلا: »مـن المؤكد أن وجــــــــ­ود الــــصـــ­ـين وصـــعـــو­دهـــا واضـــــحـ­ــــان، لـــكـــن الـــصـــي­ن لـيـسـت الـــــوحـ­ــــيـــــ­دة الـــــتــ­ـــي تـــهـــتـ­ــم كــثــيــر­ا بــأفــريـ­ـقــيــا. انـــظـــر­وا إلــــى الــيــابـ­ـان والــهــنـ­ـد ودول الــخــلــ­يــج... هـنـاك عـدد كبير مـن الفاعلين. واتخذت دول بـريـكـس (الــبــراز­يــل وروسـيـا والصين والهند وجنوب أفريقيا) مواقع لها في أفريقيا. وقد وسعت البرازيل، التي تستند إلى جذورها الأفريقية وركــزت أولا على الـدول الناطقة بالبرتغالي­ة، نـفـوذهـا... وإن كــانــت أزمــتــهـ­ـا الــداخــل­ــيــة قد كبحت نشاطاتها .«

وبـــــلــ­ـــغـــــت قــــيــــ­مــــة المـــــــ­بـــــــاد­لات الـتـجـاري­ـة بــين الــبــراز­يــل وأفـريـقـي­ـا ١٢٫٤٣٣ مليار دولار، بينها ٧٫٨٣ مليارات من الـصـادرات، في ٢٠١٦. لكن هذه المبادلات كانت تبلغ ٢٨٫٥ مليارا في ٢٠١٣.

وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة برازيليا بيو بينيا فيلو إنه »في عهد الرئيس ايناسيو لولا دا سيلفا ٢٠٠٣( - ٢٠١٠) تكثفت العلاقات بين البرازيل وأفريقيا.« ومــع وصـــول ديـلـمـا روسـيـف إلـى الـرئـاسـة (٢٠١١ - ٢٠١٦( »لــم تنه البرازيل سياستها الأفريقية لكن تــراجــعـ­ـت هــــذه الــكــثــ­افــة« بـسـبـب الأزمة في البرازيل، على حد قوله.

وأشـــــــ­ار الـــبـــر­وفـــســـو­ر داغــبــو أنــه عـلـى أفـريـقـيـ­ا أن تـقـلـب اتـجـاه المــــبــ­ــادلات وخــصــوصـ­ـا الــحــد مـن اعـتـبـاره­ـا »مـنـطـقـة مـــواد أولــيــة«. وأضاف أن »كوت ديفوار مثلا تنتج مليوني طن من الكاكاو، لكن لا يتم تـحـويـل ســـوى عـشـريـن فــي المـائـة منها. هذا الأمر يجب أن يتوقف.« وتابع: »يجب الخروج من علاقات الهيمنة المــوروثـ­ـة عـن الاستعمار وإيـجـاد ظـروف يمكن لأفريقيا أن تتطور فيها من دون الاعتماد على الـــخـــا­رج«، مـشـيـرا خـصـوصـا إلـى »الاســتــث­ــمــار فــي الـتـعـلـي­ـم«. وقــال إن »الــســوق الأفـريـقـ­يـة تـضـم الآن أكـثـر مـن مـلـيـار شـخـص والــزيــا­دة ستتواصل«. وتفيد تقديرات الأمم المــتــحـ­ـدة أن عــــدد ســكــان أفـريـقـيـ­ا سيبلغ ٢٫٥ مليار شخص في ٢٠٥٠ .

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia