Asharq Al-Awsat Saudi Edition

إنسان يسوء... وعالم لا يتغير

-

أعيد قراءة يوسف إدريس باستمرار، لكي أعرف إلى أي مدى لم ّنعرف يوسف إدريس. البعض يعتبر أنه أعطى لكل ذي حق حقه عندما قال - بكثير من الدقة والعدل - إن إدريس سيد القصة القصيرة، ونجيب محفوظ سيد الرواية. امضِ قليلاً في البحث، أو التمعن، وسوف تجد أن كثيراً من قصص إدريس القصيرة كانت روايات رائعة كُتبت عمداً في اقتضاب. كل قصة قصيرة كتبها كانت مشروع سرد روائـي ملحمي، بأبطالها، بأشخاصها، بأسلوبها وبعمقها.

لكن ّيـوسـف إدريــس أخــاف الـذيـن كـان يمكن أن يعطوه شيئاً من حقه. أي النقاد والأدباء والرفاق. فهو، من أجل أدبه وحريته، لم يتوقف عند ضوابط وأحكام الخوف العادي، الذي تـدجَّـنَ به الكتّاب والمثقفون الـعـرب. هكذا وقـف ناقداً لثورة ١٩٥٢ التي سماها في إحدى قصصه (١٩٠٥٢)، مضيفاً إليها الصفر المموِّه، أو اللاذع، ثم وقف في مواجهة أنور السادات بعد صداقة طويلة، عندما اكتشف أن الصداقة الشخصية لا تشفع بالخلاف الفكري، والنظرة إلى الوطن.

بالنسبة إلـيّ، كل ذلك ليس مهماً، إلا في مدى انعكاسه على نتاج إدريـس القصصي والمسرحي والنقدي. وفي هذا الخط الإنـتـاجـ­ي الوفير والجميل، نـرى رجــلاً واحــداً، وقلباً واحداً، وعقلاً واحداً، وأسلوباً رائعاً واحداً. ولست أدري بمن تأثر يوسف إدريس من عمالقة العصر، فربما لم يتأثر بأحد في مصر. وربما تأثر أكثر، كما هو شائع، بالأدباء الروس، وخصوصاً دوستويفسكي وتشيكوف، وقـد أغامر مغامرة طائشة، إذا قلت إن الأثر الأكثر وضوحاً في لعبته القصصية هو أثر توفيق الحكيم. مثله يلجأ إلى العامية لتطريب النص. ومثله لا يترك التفاصيل إلا بعد أن تـؤدي دورهـا في إغناء النص. لكن أكثر منه، ومن محفوظ، وربما من يحيى حقي، وعبد الحليم عبد الله، كان أكثر إصغاء لـروح الناس، ربما بسبب علاقته الحميمة بهم كطبيب في علم النفس وطبائع الناس.

قبل ثلث قـرن، أو أكثر، تأمل يوسف إدريـس فِناء دنياه وعالمه وعالمنا وقال: »أنا على استعداد لأن أفعل أي شيء، إلاّ أن أمسك القلم مـرة أخـرى وأتحمل مسؤولية تغيير عالم لا يتغير، وإنسان يزداد بالتغيير سوءاً، وثورات ليت بعضها ما ثار !«

هل كان يقرأ في دفاتره »الربيع العربي « الآتي، و »الثورات« العربية التي ستؤدي إلى ما أدّت؟ لا يهم. كان كاتباً كبيراً يقرأ الحاضر بأحاسيس شفافة، ومنه يستقي أن المستقبل يصعب أن يكون مختلفاً.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia