»ﻛﻞ اﳌﻌﺎرك«... ﻫﺎﺟﺲ اﻟﻌﻨﻒ اﳌﻀﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ
رواﻳﺔ أردﻧﻴﺔ ﻣﻜﺮﺳﺔ ﻟﻔﻦ اﳌﻼﻛﻤﺔ
ﺻـــــﺪرت ﻋـــﻦ دار »اﻟــﻜــﺘــﺐ ﺧـــــﺎن« ﻓﻲ اﻟـــﻘـــﺎﻫـــﺮة رواﻳـــــــﺔ »ﻛــــﻞ اﳌــــﻌــــﺎرك« ﻟــﻠــﻘــﺎص واﻟـﺮواﺋـﻲ اﻷردﻧــﻲ ﻣﻌﻦ أﺑـﻮ ﻃﺎﻟﺐ، وﻫﻲ رواﻳــﺘــﻪ اﻷوﻟـــﻰ اﻟـﺘـﻲ أﻧــﺠــﺰت ﺑــﺪﻋــﻢ أدﺑــﻲ ﻣﻦ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ آﻓﺎق ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺬي ﻧﻈﻢ ﺑﺎﻟﺸﺮاﻛﺔ ﻣﻊ ﻣﺤﺘﺮف ﻧﺠﻮى ﺑﺮﻛﺎت ﻓﻲ دورﺗــﻪ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ. وﻣــﺎ أن رأت ﻫــﺬه اﻟـﺮواﻳـﺔ اﻟﻨﻮر ﺣﺘﻰ ﺷﺮع اﳌﺘﺮﺟﻢ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ روﺑﻦ روﻏﺮ ﺑﺘﺮﺟﻤﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ.
ﻟﻢ ﺗﺤﻆ اﻟﺮﻳﺎﺿﺎت ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ اﳌﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم اﻟﻘﺼﺎﺻﲔ واﻟـﺮواﺋـﻴـﲔ اﻟﻌﺮب ﻟــﺬﻟــﻚ ﻇـﻠـﺖ اﳌــﻼﻛــﻤــﺔ، واﳌــﺼــﺎرﻋــﺔ، وﻛــﺮة اﻟــﻘــﺪم وﺳـــﻮاﻫـــﺎ ﻣــﻦ اﻟــﺮﻳــﺎﺿــﺎت اﻷﺧـــﺮى ﺑﻤﻨﺄى ﻋﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮ اﳌﺒﺪﻋﲔ اﻟﻌﺮب.
وﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺒﺤﺚ اﻟــﻘــﺎرئ اﻟـﻌـﺮﺑـﻲ ﻋﻦ اﻟـــﺮواﻳـــﺎت اﻷﻣــﻴــﺮﻛــﻴــﺔ ﺧــﺎﺻــﺔ، واﻟـﻌـﺎﳌـﻴـﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋــﺎم ﻋـﻦ رﻳـﺎﺿـﺔ اﳌـﻼﻛـﻤـﺔ ﻓﺴﻴﺠﺪ ﺑــﺴــﻬــﻮﻟــﺔ وﻳـــﺴـــﺮ ﻋـــﺸـــﺮات ورﺑـــﻤـــﺎ ﻣــﺌــﺎت اﻟــــﺮواﻳــــﺎت ﻋـــﻦ ﻫــــﺬه اﻟـــﺮﻳـــﺎﺿـــﺔ اﻟـﺸـﻌـﺒـﻴـﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻀﺮﻫﺎ ﺟﻤﻬﻮر ﻏﻔﻴﺮ ﻣﻦ اﳌﺤﺒﲔ واﳌﺸﺠﻌﲔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﺪون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ، وﻳﺘﺨﺬون ﻣﻦ أﺑﻄﺎﻟﻬﺎ رﻣــﻮزﴽ وأﻳﻘﻮﻧﺎت رﻳﺎﺿﻴﺔ ﻳﺒﺠﻠﻮﻧﻬﺎ، وﻳﺘﺎﺑﻌﻮن ﻛﻞ ﺻﻐﻴﺮة وﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ ﺣﻴﻮاﺗﻬﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ واﻟﻌﺎﻣﺔ. أﻣـــﺎ ﻋـﻠـﻰ اﻟـﺼـﻌـﻴـﺪ اﻟــﻌــﺮﺑــﻲ ﻓـﺮﺑـﻤـﺎ ﺗﻜﻮن »ﻛﻞ اﳌﻌﺎرك« ﻫﻲ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷوﻟﻰ اﳌﻜﺮﺳﺔ ﻟﺮﻳﺎﺿﺔ اﳌﻼﻛﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻨﺎﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺴﻮﻣﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻷﻟﻒ اﻟﺜﺎﻟﺚ ق. م واﻟﺘﻲ أدرﺟﺖ ﻓﻲ دورة اﻷﻟﻌﺎب اﻷوﳌﺒﻴﺔ ﻋﺎم ٤٠٩١.
ﻟﻢ ﻳﻜﺘﺐ ﻣﻌﻦ أﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﻦ ﻓـﺮاغ، ﻓﻬﻮ ﻣﺤﺐ ﻟﻠﻤﻼﻛﻤﺔ، وﺷﻐﻮف ﺑﻬﺎ، وﻗﺪ زاوﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﻋﺎﻣﲔ وﻧﺼﻒ اﻟﻌﺎم ﺗﻘﺮﻳﺒﴼ ﻟﻜﻨﻪ ﺗﺨﻠﻰ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻤﻠﻴﴼ ﺑﻌﺪ أن وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻘﺼﺼﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﺠﺒﺖ ﺑﻌﺾ ﻗــﺮاﺋــﻪ ودﻓـﻌـﺘـﻪ ﻷن ﻳﻨﺠﺰ ﻋﻤﻠﻪ اﻟﺮواﺋﻲ اﻷول اﻟﺬي ﺣﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻛﻞ اﳌـﻌـﺎرك« اﻟـﺬي اﺳﺘﻐﺮﻗﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﻨﺘﲔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻈﻬﺮ ﺑﺤﻠﺘﻪ اﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺬﻛﺮﻧﺎ ﺑﺮواﻳﺎت ﻛﺘﺎب أﻣﻴﺮﻛﻴﲔ ﻣﻦ ﻃـﺮاز ﺟﻴﻒ ﺳﻠﻔﺮﻣﺎن، ﺟﻮﻳﺲ ﻛﺎرول أوﺗﺲ، ﻧﻮرﻣﺎن ﻣـﺎﻳـﻠـﺮ، وإرﻧــﺴــﺖ ﻫﻤﻨﻐﻮي وﻏـﻴـﺮﻫـﻢ ﻣﻦ اﻟـــﺮواﺋـــﻴـــﲔ اﻟــﻌــﺎﳌــﻴــﲔ اﻟـــﺬﻳـــﻦ ﻛــﺘــﺒــﻮا ﻋـﻦ رﻳــﺎﺿــﺔ اﳌــﻼﻛــﻤــﺔ أو »اﻟــﻔــﻦ اﻟــﻨــﺒــﻴــﻞ« ﻛﻤﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ.
ﻟـﻢ ﻳــﱭ أﺑــﻮ ﻃـﺎﻟـﺐ رواﻳــﺘــﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺼﺔ واﺣـــــــــــﺪة، وإﻧـــــﻤـــــﺎ ﻫــــﻨــــﺎك ﻗـــﺼـــﺔ ﻣــــﻮازﻳــــﺔ ﻟــﺠــﺪه ﺳـﻌـﺪ اﻟــﺪﻳــﻦ ﺣـﺒـﺠـﻮﻗـﺔ اﻟـــﺬي ﻗﺎﺗﻞ اﳌﺴﺘﻌﻤﺮﻳﻦ اﻟﺮوس ﻓﻲ أرض اﻟﻘﻮﻗﺎز ﻗﺒﻞ أن ﻳﺨﺮﺟﻮا ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ روﻣﺎ اﻟﺘﻲ وﻓﺮت ﻟﻬﻢ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺛﻢ ﻧﻘﻠﺘﻬﻢ ﻣﻊ آﺧﺮ ﻓﻮج ﺷﺮﻛﺴﻲ إﻟﻰ اﻷردن ﻋﺎم ٨٤٩١.
ﺗﺘﻤﺤﻮر ﺛﻴﻤﺔ اﻟﺮواﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺎب ﻓﻲ أواﺧﺮ اﻟﻌﺸﺮﻳﻨﺎت ﻳﺪﻋﻰ ﺳﺎﺋﺪ ﺣﺒﺠﻮﻗﺔ وﻫﻮ ﻣﻦ أﺻﻮل ﺷﺮﻛﺴﻴﺔ، ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺷﺮﻛﺔ دوﻟﻴﺔ ﻣﺮﻣﻮﻗﺔ ﻟﻠﺪﻋﺎﻳﺔ واﻹﻋﻼن ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺘﺄرﺟﺤﴼ ﺑﲔ ﻋﺎﻟﻢ اﳌـﺎل واﻷﻋﻤﺎل وﻋـــﺎﻟـــﻢ اﳌــﻼﻛــﻤــﺔ اﻟــــﺬي ﻳــﻨــﺒــﻊ ﻣـــﻦ اﻟـﻌـﻨـﻒ ﻛﺨﺼﻠﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﺒﺸﺮي ﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ، واﻧﺘﻤﺎﺋﻪ اﻟﻄﺒﻘﻲ، وﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻪ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ، وﻟﻬﺬا ﻧﺮاه ﻳﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ وﻇﻴﻔﺘﻪ اﳌﻜﺘﺒﻴﺔ ﳌﺼﻠﺤﺔ اﻟﺤﻠﺒﺔ وﻳﺒﺪأ ﺗـــﺪرﻳـــﺒـــﺎﺗـــﻪ ﻓــــﻲ ﻧــــــﺎدي »ﺳـــﻘـــﻒ اﻟــﺤــﻴــﻂ« ﺑـﻌـﻤـﺎن اﻟـﺸـﺮﻗـﻴـﺔ اﻟـﺘـﻲ ﺗـﻘـﻒ ﻫــﻲ اﻷﺧــﺮى ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻋﻤﺎن اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ، وﻧﻘﻴﺾ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﻔﻘﺮ واﻟﺜﺮاء، ﻓﺎﻷوﻟﻰ ﺷﻌﺒﻴﺔ، ﻓﻈﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﺘﻌﺎﻣﻞ اﻟﻴﻮﻣﻲ، واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ »راﻗﻴﺔ« ﻣﻐﺘﺮﺑﺔ ﺗﺘﺤﺪث ﺑﺄﻟﺴﻨﺔ أوروﺑﻴﺔ ﻣﺘﻌﺪدة، ﻓﻬﻞ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺳﺎﺋﺪ ﺣﺒﺠﻮﻗﺔ أن ﻳــﻮازن ﺑﲔ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻌﺎﳌﲔ اﳌﺘﻨﺎﻗﻀﲔ أم ﻳﺘﻤﺎﻫﻰ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺸﻦ، وﻳﺘﻘﻦ ﻟﻐﺘﻪ »اﻟﺴﻮﻗﻴﺔ« ﻛﻤﺎ ﺗﻮﺻﻒ ﻓﻲ اﻷﻋﻢ اﻷﻏﻠﺐ.
ﺧﺎض ﺳﺎﺋﺪ ﻧﺰاﻻت ﻣﺘﻌﺪدة ﻓﺎز ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﺼﻤﻪ اﻷول أﻣﺠﺪ ﻋﺮﺑﻴﺎت، واﻧﺘﺼﺮ أﻳﻀﴼ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎزﻋﻪ اﻟﺜﺎﻧﻲ راﺑﺢ ﻧﺰال اﻷﻣﺮ اﻟـﺬي دﻓﻌﻪ إﻟﻰ إﺛــﺎرة ﺛﻼﺛﺔ أﺳﺌﻠﺔ ﻓﻲ آن ﻣﻌﴼ: »أﻫﻮ ﺑﻬﺬه اﻟﻘﻮة إذن؟ ﺑﻬﺬه اﳌﻮﻫﺒﺔ؟ ﺑﻬﺬه اﳌﻬﺎرة؟« )ص٨٢(، ﻟﻜﻦ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﺳﺮﻳﻌﴼ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺸﺘﺒﻚ ﻣﻊ »اﻟﻀﺒﻊ« اﻟﺬي ﻳـﺸـﺒـﻌـﻪ ﻟﻜﻤﴼ وﻳـﺠـﻌـﻞ »دﻣـــﻪ ﻳﺘﻄﺎﻳﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﻠﺒﺔ« )ص٧٦(.
وﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺪﺧﻞ أﻳﻀﴼ ﻓﻲ ﻋﺮاك ﻋﻨﻴﻒ ﻣﻊ رﺟﻞ وﻳﺨﺮج ﻣﻨﻪ ﺑﻜﺪﻣﺎت ﻛﺜﻴﺮة ﻓﻲ رأﺳﻪ وذراﻋﻴﺔ. أﻣﺎ ﻧﺰاﻟﻪ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻊ ﺧﺎﻟﺪ اﻟﻌﻴﺴﺎوي اﻟـﺬي أوﺳﻌﻪ ﺿﺮﺑﴼ ﺣﺘﻰ ﻻﺣﻈﺖ ﺻﺪﻳﻘﺘﻪ دﻳﻨﺎ ﺗﻮﻗﻒ ﺑﺆﺑﺆي ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻋــﻦ اﻟــﺤــﺮﻛــﺔ: »وﻳــﺪﻳــﻪ ﺗــﻨــﺰﻻن إﻟـﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻛﺄن ﻻ ﺳﻴﻄﺮة ﻟﻪ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ، وﺳﺎﻗﻴﻪ ﻻ ﺗﺘﺤﺮﻛﺎن ﻟﺤﻤﻠﻪ« )ص٩٢١(.
وﻣــﻊ ذﻟــﻚ ﻳـﺼـﺮ ﺳـﺎﺋـﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺻﻠﺔ ﺷــﻐــﻔــﻪ ﺑـــﺎﳌـــﻼﻛـــﻤـــﺔ، ﻫـــــﺬه اﳌـــﻮﻫـــﺒـــﺔ اﻟــﺘــﻲ اﻧــﺘــﺒــﻪ إﻟــﻴــﻬــﺎ ﻣــﺘــﺄﺧــﺮﴽ ﺟـــﺪﴽ ورﺑـــﻤـــﺎ ﻳﻠﻘﻰ ﺣﺘﻔﻪ ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺤﻘﻖ ﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻪ اﻟﻔﺮدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎﻏﻢ ﻣﻊ ﻃﻤﻮﺣﺎت أﺳﻼﻓﻪ اﳌﻘﺎﺗﻠﲔ اﻟﺬﻳﻦ أﻓﻨﻮا ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋـﻦ أرﺿــﻬــﻢ، وﻋـﺮﺿـﻬـﻢ، وﻛﺮاﻣﺘﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﻬﻮن دوﻧﻬﺎ ﻛﻞ ﺷﻲء.
ﺗﺘﺼﺎﻋﺪ اﻷﺣــﺪاث دراﻣﻴﴼ ﺣﺘﻰ ﺗﺒﻠﻎ ذروﺗـــﻬـــﺎ ﻓــﻲ ﻣــﻮاﺟــﻬــﺔ اﳌــﻼﻛــﻢ اﻟــﺠــﺰاﺋــﺮي ﺳﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﺤﺎج أو اﳌﻘﺼﻠﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻠﻘﺒﻮﻧﻪ، وﻳﻌﺘﺒﺮ ﻫﺬا اﻟﻨﺰال اﳌﻔﺼﻠﻲ ﻣﺪﺧﻼ ﻳﻠﺞ ﻣـــﻦ ﺧـــﻼﻟـــﻪ إﻟــــﻰ ﺑــــﻮاﺑــــﺔ اﻻﺣــــﺘــــﺮاف اﻟـــﺬي ﻳﺘﺤﺮق ﺷﻮﻗﴼ إﻟﻴﻪ. ﻛﻤﺎ ﺳﻴﺪر ﻋﻠﻴﻪ اﳌﺎل، واﻟﺸﻬﺮة، وﻳﺤﻘﻖ ﻟﻪ ذاﺗﻪ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﻌﺔ اﻟﻘﺘﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ أﺳﻼﻓﻪ، وﻳﻘﺪروﻧﻬﺎ ﺣﻖ ﻗﺪرﻫﺎ.
ﻋﻠﻰ اﻟــﺮﻏــﻢ ﻣــﻦ ﺣﺒﻪ ﻟﺼﺪﻳﻘﺘﻪ دﻳﻨﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن أﻧﺎﻧﻴﴼ، وﻟﻢ ﻳﻔﻜﺮ ﺑﻬﺎ أﻟﺒﺘﺔ، ﻓﻘﺪ ﺧﺎﻧﻬﺎ ﻣــﻊ دﻳــﻤــﺔ، وﻟــﻢ ﻳﻨﺘﺒﻪ ﳌﺸﺎرﻳﻌﻬﺎ وأﺣﻼﻣﻬﺎ اﳌﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺜﻨﻪ أﺑﺪا ﻋﻦ اﳌﻀﻲ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺘﺢ أﻣﺎﻣﻪ ﻓﺠﺄة.
ﻛﺜﻴﺮون ﻳﺨﺴﺮون ﻓﻲ ﻧﺰاﻻت اﳌﻼﻛﻤﺔ ورﺑﻤﺎ ﻳﻌﺘﺰل اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺴﺮﻋﺔ وﻟﻜﻦ أﻳﻦ ﻳﺬﻫﺐ أوﻟﺌﻚ اﳌﻼﻛﻤﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻣﻬﻨﺔ ﻟﻬﻢ ﺳـﻮى اﳌﻼﻛﻤﺔ ﺗﻤﺎﻣﴼ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻣــﻊ اﳌــﻼﻛــﻢ اﻟـﺒـﻮرﺗـﻮرﻳـﻜـﻲ ﻣﻴﺠﻴﻞ ﻛﻮﺗﻮ اﻟـــﺬي ﺧﺴﺮ أﻣـــﺎم اﻟﻨﺠﻢ اﻟـﺼـﺎﻋـﺪ أوﺳــﱳ ﺗـــﺮاوت ﺑﻌﺪ أن ﺗﻠﻘﻰ ﻛــﻞ أﺷــﻜــﺎل اﻟﻀﺮب اﳌــﺒــﺮح ﺧـــﻼل اﻻﺛــﻨــﺘــﻲ ﻋــﺸــﺮة ﺟــﻮﻟــﺔ وﻟــﻢ ﻳﻌﺪ ﻗﺎدرﴽ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﻳﻚ أي ﻋﻀﻮ ﻓﻲ ﺑﺪﻧﻪ ﻓﺎﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻨﻪ زوﺟﺘﻪ وﻫﻲ ﺗﺠﻬﺶ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ إﻳــﺎه: »ﻛﻔﻰ ﻣﻴﺠﻴﻞ ﻟﻘﺪ ﺗﻌﺒﺖ، ﻳﺆﳌﻨﻲ ﻫﺬا« ﻓﻴﻬﻤﺲ ﻓﻲ أذﻧﻬﺎ ﻣﺘﺴﺎﺋﻼ: »وﻣﺎذا ﻋﺴﺎﻧﻲ أن أﻓﻌﻞ؟ ﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ أﻋﺮﻓﻪ« )ص٠٢٢( ﻟــﻜــﻦ ﻣـﺸـﻜـﻠـﺔ ﺳــﺎﺋــﺪ ﺣﺒﺠﻮﻗﺔ ﺗـﺨـﺘـﻠـﻒ ﻛـﻠـﻴـﴼ ﻋــﻦ ﻛــﻮﺗــﻮ أو ﺳـــــﻮاه، ﻓﻬﻮ ﻧﺎﺟﺢ ﻓـﻲ اﻟـﺪﻋـﺎﻳـﺔ واﻹﻋـــﻼن، وﻳﺘﻘﺎﺿﻰ راﺗﺒﴼ ﻣﺠﺰﻳﴼ، وﻟﺪﻳﻪ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﻳﺤﺒﻬﺎ، وﻟﻌﻠﻪ ﻳﻨﺠﺢ أﻳـﻀـﴼ ﻓـﻲ ﻣـﻬـﻦ أﺧــﺮى ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺰاوﻟﺔ ﻫﺬه اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﻓﻬﻲ »اﻟـﻠـﻌـﺒـﺔ اﻟــﻮﺣــﻴــﺪة اﻟـﺘـﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺘﻞ اﻟﺨﺼﻢ واﻟﺬﻫﺎب إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺖ، وأﺧﺬ ﺷﺎور ﺳﺎﺧﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ وﻛﺄن ﺷﻴﺌﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ« )٦١٢(.
وﻋـﻠـﻰ اﻟـﺮﻏـﻢ ﻣـﻦ ﺟــﺮوﺣــﻪ، وﻛﺪﻣﺎﺗﻪ، وﻧــﺰﻓــﻪ اﻟــﺪاﺧــﻠــﻲ ﻓــﺈﻧــﻪ ﺑــﺪأ ﺑـﺎﻟـﺘـﺪرﻳـﺐ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻌﺪ أن أﻓــﺎق ﻣﻦ ﻏﻴﺒﻮﺑﺘﻪ، وﺷﻌﺮ ﺑـﺨـﺴـﺎرﺗـﻪ اﻟــﻔــﺎدﺣــﺔ اﻟـﺘـﻲ ﻛﻠﻔﺘﻪ ﺳﻤﻌﺘﻪ اﻟــﺸــﺨــﺼــﻴــﺔ، ووﻇــﻴــﻔــﺘــﻪ، وﺻــﺤــﺘــﻪ اﻟـﺘـﻲ ﺗﺪﻫﻮرت إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ﺣﺪ، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﻲ دﺧﻴﻠﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺘﻤﻨﻰ أن ﻳﻨﺎزل ﺑﺎﻟﺤﺎج وﻟــﻮ ﳌــﺮة واﺣـــﺪة ﻓــﻲ ﺣـﻴـﺎﺗـﻪ ﻏـﻴـﺮ أن ﻫـﺬا اﻟـﺤـﻠـﻢ ﻟــﻦ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺑـﻌـﺪ اﻵن ﻟــﺬﻟــﻚ ﻳﺤﺰم أﻣﺘﻌﺘﻪ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ، وﻳﺘﻮﺟﻪ ﺑﺴﻴﺎرﺗﻪ ﺻﻮب اﻟﺤﺪود ﺣﻴﺚ ﻳﻮﻗﻔﻪ أﺣﺪ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ﺳﺎﺋﻼ ﻋـــﻦ اﺳــﻤــﻪ اﻟــﻜــﺎﻣــﻞ وﻣــﺪﻗــﻘــﴼ ﻓـــﻲ ﺻــﻮرﺗــﻪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺬﻛﺮﻫﺎ ﺟﻴﺪﴽ وﻛﺄﻧﻬﺎ رﻣﺰ ﻟﻠﺨﺴﺎرة أو اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﳌﻼﻛﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﻖ إﻟﻰ ﻓﻨﻬﺎ اﻟﻨﺒﻴﻞ.
ﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ أن ﺛﻴﻤﺔ ﻫﺬا اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﺟــﺪﴽ، وأن ﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻬﺎ ﻋﻤﻴﻘﺔ وﻣـﺮﻛـﺒـﺔ، وﺑـــﺎﻟـــﺬات ﺷـﺨـﺼـﻴـﺔ ﺳــﺎﺋــﺪ اﻟــــﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﺑـﻌـﻀـﴼ ﻣــﻦ ﺧــﺼــﺎﺋــﺺ اﳌــﺆﻟــﻒ اﻟـﺸـﻐـﻮف ﺑــﺎﳌــﻼﻛــﻤــﺔ ﻟــﻜــﻦ اﻟــﻨــﻬــﺎﻳــﺔ ﻇــﻠــﺖ ﻏــﺎﻣــﻀــﺔ، وﻣـــﺒـــﻬـــﻤـــﺔ إﻟــــــﻰ ﺣــــــﺪ ﻛـــﺒـــﻴـــﺮ، وﻟــــــﻢ ﻧــﻌــﺮف ﻛـﻘـﺮاء إﻟــﻰ أي ﻧﻘﻄﺔ ﺣـﺪودﻳـﺔ ﺗﺘﺠﻪ ﻫﺬه اﻟـﺸـﺨـﺼـﻴـﺔ اﳌــﻬــﺰوﻣــﺔ وﻛــﺄﻧــﻨــﺎ ﻓــﻲ ﻣـﻜـﺎن اﻓﺘﺮاﺿﻲ ﻏﻴﺮ اﻷردن ﺑﺤﺪوده اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ اﳌﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻬﺎ.
ﺛﻤﺔ ﻗﻄﻊ ﺣﺎد وﻏﻴﺮ ﻣﻮﻓﻖ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺠﺤﺖ ﻓﻲ ﻛﻞ اﳌﻌﻄﻴﺎت اﻵﺧﺮ ﻣﺜﻞ اﻟﺜﻴﻤﺔ، واﻟﻠﻐﺔ، واﻟﺸﺨﺼﻴﺎت، واﻟﺒﻨﺎء اﻟﻔﻨﻲ وﻣﺎ إﻟﻰ ذﻟﻚ. وﻟﻌﻞ اﳌﻼﺣﻈﺔ اﻟـﺴـﻠـﺒـﻴـﺔ اﻷﺧـــــﺮى ﻓـــﻲ ﻫـــﺬه اﻟـــﺮواﻳـــﺔ ﻫﻲ اﻷﺧـــﻄـــﺎء اﻟــﻠــﻐــﻮﻳــﺔ اﻟــﺘــﻲ ﺗـﺘـﻌـﻠـﻖ ﺑـﺎﻟـﻌـﺪد واﳌـﻌـﺪود وآﻣـﻞ أن ﻳﺘﺠﺎوزﻫﺎ ﻓﻲ رواﻳﺘﻪ اﳌﻘﺒﻠﺔ.
ﻟﻢ ﻳﻜﺘﺐ ﻣﻌﻦ أﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﻦ ﻓﺮاغ، ﻓﻬﻮ ﻣﺤﺐ ﻟﻠﻤﻼﻛﻤﺔ، وﺷﻐﻮف ﺑﻬﺎ وﻗﺪ زاوﳍﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﻋﺎﻣﲔ وﻧﺼﻒ اﻟﻌﺎم ﺗﻘﺮﻳﺒﴼ ﻟﻜﻨﻪ ﲣﻠﻰ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻤﻠﻴﴼ ﺑﻌﺪ أن وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻘﺼﺼﻴﺔ