ﺣﺎل اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺤﺰﻳﻦ!
ﻳﺴﺘﻤﺮ ﻋــﺪد اﳌﻜﺘﺒﺎت ﻓـﻲ اﻧﺤﺴﺎر ﺷﺪﻳﺪ وﻣﺘﻮاﺻﻞ. ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﻤﺮ ﺷﻬﺮ إﻻ وﻳﺄﺗﻲ اﻟﺨﺒﺮ اﻟﺤﺰﻳﻦ ﻋﻦ إﻏﻼق ﻣﻜﺘﺒﺔ أﺧﺮى ﻟﻌﺪم اﻟﺠﺪوى اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ، واﻧﺤﺴﺎر اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺴﺒﺐ ﻋـــﺪم اﻹﻗــﺒــﺎل ﻋـﻠـﻰ اﻟـــﻘـــﺮاءة. ﻟــﻲ ﻋــﻼﻗــﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣــﻊ اﳌﻜﺘﺒﺎت »اﻟــﻌــﺎﻣــﺔ« ﻓــﻲ أﻫــﻢ اﳌـــﺪن اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑــﻼ اﺳـﺘـﺜـﻨـﺎء، ﻓـﻔـﻲ ﺟــﺪة ﻟــﻲ ﻣــﻮﻋــﺪي ﻣــﻊ »دار اﳌـﺮﻳـﺦ«، وﻓـﻲ اﻟـﺮﻳـﺎض ﻣﻊ »اﳌﻜﺘﺒﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ«، وﻓـﻲ اﳌﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻣﻊ »دار اﳌﺘﻨﺒﻲ«، وﻓﻲ اﻟـــﻘـــﺎﻫـــﺮة ﻫــﻨــﺎك »ﻣـــﺪﺑـــﻮﻟـــﻲ« و»دار اﻟـــﺸـــﺮوق« و»دﻳـــﻮان« و»أﻟـــﻒ« و»ﻛﺘﺒﺨﺎﻧﺔ«، وﻓــﻲ اﻷردن ﻫــﻨــﺎك »ﻧــﻴــﻮز آت ﻛــﺎﻓــﻴــﻪ« وﻓـــﻲ ﺑــﻴــﺮوت ﻫـﻨـﺎك »أﻧــــﻄــــﻮان« و»ﺑـــﻴـــﺴـــﺎن« و»ﻧـــﻮﻓـــﻞ« و»اﻟــﻨــﻬــﺎر« و»اﻟــﺸــﺮﻗــﻴــﺔ« و»اﻟــﺪوﻟــﻴــﺔ«، وﻓــﻲ دﻣـﺸـﻖ ﻫﻨﺎك »اﻟـــﻨـــﻮري«، وﻓــﻲ اﻟـﺒـﺤـﺮﻳـﻦ ﻫـﻨـﺎك »اﻟـﻮﻃـﻨـﻴـﺔ«، وﻓــﻲ اﻟﻜﻮﻳﺖ »ذات اﻟـﺴـﻼﺳـﻞ«، ﻓﺸﻜﻠﺖ ﻣﻌﻬﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﺴﻨﻮات ﻋﻼﻗﺔ وﺻﻞ روﺣﺎﻧﻴﺔ ووﺟﺪاﻧﻴﺔ ﺗﻌﻜﺲ ﻋﻼﻗﺔ اﻹﻧـﺴـﺎن ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب. واﻟﻜﺘﺎب ﻣﻦ أﻫـﻢ ﻋـﻼﻣـﺎت وﻣـﺆﺷـﺮات اﻹﺑــﺪاع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺑﻼ أدﻧـﻰ ﺷﻚ. ﻓﻤﺴﻴﺮة اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ وإﻃــﻼق اﻟﺨﻴﺎل ﻣﺴﻴﺮة ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺑﻌﻤﻖ اﻟﺰﻣﺎن، ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻫــﺬه اﻟـﻔـﻜـﺮة ﺑــﻮﺿــﻮح ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﺘﺬﻛﺮ اﻟــﻌــﻤــﻞ اﻹﺑـــــﺪاﻋـــــﻲ اﻟــﻌــﻈــﻴــﻢ اﻟـــﺨـــﺎﻟـــﺪ »ﻣــﻠــﺤــﻤــﺔ ﺟــﻠــﺠــﺎﻣــﺶ«، اﻟـــﺬي ﺟـــﺎء ﻣــﻦ ﺣــﻀــﺎرة ﺑـــﻼد ﻣﺎ ﺑﲔ اﻟﻨﻬﺮﻳﻦ، وﻣﻦ اﻟﺸﺮق اﻷﻗﺼﻰ ﻻ ﻳﺰال ﺑﲔ أﻳﺪﻳﻨﺎ ﺣﻜﻢ ﺑـﻮذا وأﻗــﻮال ﻛﻮﻧﻔﻮﺷﻴﻮس و»ﻓﻦ اﻟــﺤــﺮب« ﻟـــ»ﺻــﻦ ﺗــﺴــﻮ«، وأول رواﻳـــﺔ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﺑﻌﻨﻮان »ﻗﺼﺔ ﺟﻨﺠﻲ« ﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﻳﺎﺑﺎﻧﻴﺔ ﻋﺮﻓﺖ ﺑـﺎﺳـﻢ ﻣـﻮراﺳـﺎﻛـﻲ. وﻛـﻴـﻒ ﻳﻤﻜﻦ إﻏـﻔـﺎل ﻋﻈﻤﺔ ﻗﺼﺔ »أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ« وﺳﺮد ﺷﻬﺮزاد ﻟﺸﻬﺮﻳﺎر ﻋــﻦ اﻟــﻌــﻮاﻟــﻢ اﻟــﺒــﻐــﺪادﻳــﺔ اﻟــﺴــﺎﺣــﺮة. وﻓـــﻲ دﻧﻴﺎ أﻣﻴﺮﻛﺎ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻧﺘﺬﻛﺮ اﻟﺮاﺋﻌﺔ اﻟﺸﻬﻴﺮة ﻋﻦ ﺣـــﻀـــﺎرة اﳌـــﺎﻳـــﺎ ﻗــﺼــﺔ »ﺑـــﻮﺑـــﻮل ﻓـــــﻮه«، وﻫــﻨــﺎك اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻷﺳﻄﻮري ﺳﻴﺮﻓﺎﻧﺘﺲ اﻟﺬي ﺗﻨﺴﺐ إﻟﻴﻪ اﻟـﺮواﻳـﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؛ ﻓﻬﻮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟـﺮواﻳـﺔ اﳌﻬﻤﺔ »دون ﻛــﻴــﺸــﻮت«. وﺗــﺎرﻳــﺦ اﻟــﻜــﺎرﻳــﺒــﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻗﺼﺺ دﻳﺮﻳﻚ وﻟﻜﻮت وﻓﻲ إس ﻧﻴﺒﻮل، وﺻــﻮﻻ ﻟﺘﺮﻛﻴﺎ وﻗﺼﺺ أورﻫــﺎن ﺑــﺎﻣــﻮك. وﻋـﺮﺑـﻴـﴼ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻗــــﺮاءة ﺗــﺎرﻳــﺦ ﻣﺼﺮ اﳌﻌﺎﺻﺮ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل »ﺛﻼﺛﻴﺔ« ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ، وﻻ آﺛـﺎر اﻟﻨﻔﻂ ﻋﻠﻰ اﳌﺠﺘﻤﻊ اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ إﻻ ﻣﻦ ﺧــﻼل راﺋـﻌـﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣﻨﻴﻒ »ﻣــﺪن اﳌﻠﺢ« ﺑﺄﺟﺰاﺋﻬﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ.
اﻟــﻜــﻠــﻤــﺔ واﻟـــﻜـــﺘـــﺎب ﻟــﻬــﻤــﺎ أﺛـــــﺮ اﻟــﺴــﺤــﺮ ﻓـﻲ ﻧﻘﻞ اﻟـﺨـﻴـﺎل واﻟـﻌـﻠـﻢ واﳌـﻌـﺮﻓـﺔ إﻟــﻰ آﻓــﺎق رﺣﺒﺔ وواﺳـــﻌـــﺔ ﻻ ﺣــــﺪود ﻟــﻬــﺎ، وﻻ ﻳــــﺰال أﺛـــﺮ اﻟﻜﻠﻤﺔ واﻟﻜﺘﺎب ﻣﺴﺘﻤﺮﴽ ﺑﻴﻨﻨﺎ وﻧﺤﻦ ﻧﺴﺒﺢ ﻓﻲ ﺑﺤﻮر أﻣﲔ ﻣﻌﻠﻮف وﻫﻮ ﻳﺘﻨﻘﻞ ﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺣﻀﺎرة إﻟﻰ أﺧﺮى، ﻓﻲ ﻛﻞ ﻛﺘﺎب ﻣﻦ ﻛﺘﺒﻪ ﻳﺠﺒﺮﻧﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟـﺘـﺄﻣـﻞ واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑـﻘـﺪر اﻟــﻬــﺮوب واﻻﺳﺘﻤﺘﺎع. ﺑﺤﻜﻢ ﺳﻔﺮي اﻟﻜﺜﻴﺮ، ﻓﺪاﺋﻤﴼ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻷﻗﺮب ﻫﻮ اﻟﻜﺘﺎب، ﻓﻼ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﺳﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻮﻟﻲ ﻓﻲ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﻣﺎ ﻳﻘﺮأه اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻄﺎﺋﺮة أو ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ اﻻﻧﺘﻈﺎر، ﻓﺄﺟﺪ اﳌﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻤﻮﻣﴼ، إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗـﻘـﺮأ، ﻓﻬﻲ ﺗﻔﻀﻞ اﻟﺼﺤﻒ واﳌــــﺠــــﻼت، ﻷﻧـــﻬـــﺎ ﺗــﻌــﺸــﻖ اﻟــﺨــﺒــﺮ، وﺑــﺎﻟــﺘــﺎﻟــﻲ اﻟﻨﻤﻴﻤﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ اﳌﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ واﻟﻴﺎﺑﺎن وﻛﻮرﻳﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ واﻟﻬﻨﺪ ﺗﻔﻀﻞ اﻟﻜﺘﺎب، ﻷﻧﻪ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﳌﻌﺮﻓﺔ واﳌﻌﻠﻮﻣﺔ واﻟﺨﻴﺎل. ﻫﻨﺎك ﻓﺮق ﻛﺒﻴﺮ ﺑﲔ اﻻﺛﻨﲔ. ﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت وﻻ ﻫــﺬه اﻟـﺴـﻄـﻮر ﻫـﻲ أول ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺣـﺰﻳـﻦ ﻋـﻦ ﺣﺎل اﻟﻜﺘﺎب وﺣﺎل اﻟﻘﺮاءة. وﻟﻌﻠﻲ أﺧﺘﺼﺮ اﻟﻮﺿﻊ اﳌــﺄﺳــﺎوي ﻟﺘﻠﻚ اﻟــﺼــﻮرة ﺑﻤﺸﻬﺪ ﻣـﻔـﺰع ﺣﺪث ﻣﻌﻲ أﻧﺎ ﺷﺨﺼﻴﴼ، ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺻﺎدﻓﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﺋﺮة ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﺮﺣﻼت ﻣﺴﺆوﻻ ﻋﺮﺑﻴﴼ ﻛﺒﻴﺮﴽ ﺟﺪﴽ، وﻗﺎل ﻟﻲ ﺑﺎﻟﺤﺮف اﻟﻮاﺣﺪ: »ﻳﺎ أﺧﻲ أﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﺗــﻘــﺮأ اﻟــﻜــﺘــﺎب؟ أﻧـــﺎ ﻟــﻢ أﳌـــﺲ ﻛـﺘـﺎﺑـﴼ واﺣــــﺪﴽ ﻣﻨﺬ ﺗﺨﺮﺟﻲ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ«.