اﻟﺰﻫﺎوي ﰲ ﻣﻘﻬﻰ اﻟﺰﻫﺎوي
ﻧـﺤـﻦ ﻧــﻌــﺮف ﺟـﻤـﻴـﻞ ﺻــﺪﻗــﻲ اﻟـــﺰﻫـــﺎوي ﺷـﺎﻋـﺮﴽ وﻓﻴﻠﺴﻮﻓﴼ وﻋﺎﳌﴼ، وﻟﻜﻦ ﻗﻠﻤﺎ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﻇﺮﻳﻔﴼ ﻣﻨﻜﺘﴼ. دﻋﺎه ﻳﻮﻣﴼ رﺋﻴﺲ اﻟﻮزراء، ﻧﻮري اﻟﺴﻌﻴﺪ، ﻟﻼﻟﺘﻘﺎء ﺑﻪ. ﻓﺴﺄﻟﻪ: أﻳﻦ؟ أﺟﺎﺑﻪ: ﻓﻲ ﻣﻘﻬﻰ أﻣﲔ. اﻟﺘﻘﻴﺎ ﻫﻨﺎك. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ اﳌﻘﻬﻰ ﻣﻦ ﻣﺘﺎع اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻏﻴﺮ ﺑﻀﻌﺔ ﺗﺨﻮت وﻛﺮاﺳﻲ ﻗﺪﻳﻤﺔ وﻓﻮﻧﻮﻏﺮاف ﻗﺪﻳﻢ. وﻣﻊ ذﻟﻚ، أﻋﺠﺐ اﻟــﺰﻫــﺎوي ﺑــﻪ ﻓـﺎﺗـﺨـﺬه ﻣـﻘـﺎﻣـﴼ ﻟــﻪ ﺳــﺮﻋــﺎن ﻣــﺎ ﺳـﻤـﻲ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻟﻴﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا: »ﻣﻘﻬﻰ اﻟﺰﻫﺎوي«.
وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺤﻮل إﻟﻰ وﻛﺮ ﻟﻸدﺑﺎء. ﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻌﺮوف اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ اﻟـﺬي اﻧﻄﻠﻖ ﻓﻲ إﻧﺸﺎد ﻗﺼﻴﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ. ﺗﻀﺎﻳﻖ اﻟﺰﻫﺎوي ﻣﻨﻬﺎ وﻣﻦ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ. وﻛﺎن ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﺻﻨﻊ اﻟﺤﺪاد. ﺟﻠﺲ اﻟﺰﻫﺎوي ﻳﺘﺮﺑﺺ ﻟﻔﻜﺮة ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﻘﻠﺒﴼ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ، أو ﺑﺎﻷﺣﺮى ﻏﺮﻳﻤﻪ اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ، ﺣﺘﻰ ﻇﻬﺮ ﺻﺒﻲ ﻳﺒﻴﻊ اﻟﻔﺴﺘﻖ. ﻓﻘﺎﻃﻊ اﻟﺰﻫﺎوي زﻣﻴﻠﻪ ﻣﺘﻮﺟﻬﴼ إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺎع: »ﻳﺎ وﻟﺪ ﻋﻨﺪك ﻗﻤﻴﺺ ﺷﺒﺎﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﺳﻲ«؟ اﺳﺘﻐﺮق اﻟﺤﺎﺿﺮون ﺑﺎﻟﻀﺤﻚ، وﺿﺎﻋﺖ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ؛ ﻓﺨﺮج ﻏﺎﺿﺒﴼ. وﻋﻨﺪﺋﺬ ﺗﺮﺑﻊ اﻟﺰﻫﺎوي ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺘﻪ، وﻧﺼﺐ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ أﻣﻴﺮﴽ ﻋﻠﻰ اﳌﻘﻬﻰ وﺗﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻏﺮﻳﻤﻪ.
ذﻫـــﺐ اﻟــﺮﺻــﺎﻓــﻲ، وإذا ﺑﻤﺤﻠﻪ ﻳــﺄﺧــﺬه ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻬﺪي اﻟـﺠـﻮاﻫـﺮي، اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟـﺸـﺎب ﻋﻨﺪﺋﺬ. اﻧﻄﻠﻖ ﻫـﺬا ﻳﺘﻠﻮ ﺷﻴﺌﴼ ﻣﻦ ﺷﻌﺮه ﻫﻮ اﻵﺧــﺮ ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻃﻌﻪ اﻟـﻔـﻴـﻠـﺴـﻮف اﻟــﻜــﺒــﻴــﺮ. »أﻓـــﻨـــﺪم ﺗــﺘــﺮاﻫــﻦ«؟ اﺳـﺘـﻐـﺮب اﻟﺠﻮاﻫﺮي اﻟﺸﺎب ﻣﻦ اﻟﺴﺆال. أﻋﺎد اﻟﻜﺮة. »ﻧﺘﺮاﻫﻦ ﻋﻠﻰ أي ﺷﻲء أﺳﺘﺎذ«؟ »ﻋﻠﻰ أن أﻗﻄﻊ ﻧﻔﺴﻲ وأﻧﺖ ﺗﻘﻄﻊ ﻧﻔﺴﻚ! دﻋﻨﺎ ﻧﺸﻮف ﻣﻦ ﻓﻴﻨﺎ ﻳﺨﻠﺺ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻷول؟!«.
ﻛـــﺎﻧـــﺖ ﻟــﻌــﺒــﺔ ﻣـــﻤـــﺎ ﻳــﻠــﻬــﻮ ﺑــــﻪ اﻷﻃـــــﻔـــــﺎل. وﻟــﻜــﻦ اﻟـــﺠـــﻮاﻫـــﺮي ﻟـــﻢ ﻳــﺸــﺄ أن ﻳــﻌــﺘــﺮض ﻋــﻠــﻰ ﺳــﻴــﺪه ﻓﻲ اﻟﺴﺒﻌﲔ ﻣـﻦ ﻋـﻤـﺮه؛ ﻓﺄﻣﺴﻚ ﺑﺄﻧﻔﻪ وﻗﻄﻊ ﻧﻔﺴﻪ... وﻓﻌﻞ ﻣﺜﻠﻪ اﻟﺰﻫﺎوي. ﺑﻌﺪ ﺑﺮﻫﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ اﺳﺘﺴﻠﻢ اﻟﺠﻮاﻫﺮي: »ﻳﺎ أﺳﺘﺎذﻧﺎ ﻛﻔﺎﻳﺔ«، ﻓﻜﺴﺐ اﻟﺰﻫﺎوي اﻟـﺮﻫـﺎن وﺣــﻖ ﻋﻠﻰ اﻟـﺠـﻮاﻫـﺮي أن ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻪ أﺟـﺮة اﳌﻘﻬﻰ، »أرﺑﻌﺔ ﻓﻠﻮس«. أﻳﺎم ﺧﻴﺮ! واﻟﻔﻠﻮس ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻠﻮﺳﴼ.
ﻳﻘﻮل اﳌﺜﻞ اﻟﺸﺎﺋﻊ: »دﻳﻜﲔ ﻋﻠﻰ ﻣﺰﺑﻠﺔ واﺣﺪة ﻣﺎ ﻳﻌﻴﺸﻮن«. ﻛﺎن اﻷﻓﻀﻞ ﻟﺼﺎﺣﺐ اﳌﺜﻞ أن ﻳﻘﻮل: »ﺷﺎﻋﺮان ﻓﻲ ﻣﻘﻬﻰ واﺣﺪ ﻻ ﻳﻌﻴﺸﺎن«.
ﺑﻴﺪ أن اﻟﺰﻫﺎوي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺨﻴﻼ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، أو ﺣﺮﻳﺼﴼ ﻋﻠﻰ أﺟـﺮة اﳌﻘﻬﻰ وﻗـﺪح اﻟﺸﺎي... ﺑﻞ ﻛﺎن اﳌﻌﺘﺎد ﻟﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻬﻢ ﺑﺎﻻﻧﺼﺮاف أن ﻳﻨﺎدي ﻋﻠﻰ اﻟـﺨـﺎدم وﻳـﺪﻓـﻊ ﻋـﻦ اﻟﺠﺎﻟﺴﲔ ﻣﻤﻦ ﻳﺤﺒﻬﻢ، وﻟﻜﻦ ﻳﺴﺘﺜﻨﻲ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺤﺒﻬﻢ أو ﻣﻦ أﻏﻀﺒﻮه ﻓﻲ اﻟﺠﻠﺴﺔ أو ﻗﺎﻃﻌﻮه ﻓﻲ اﻟﻜﻼم.
ﻫﻜﺬا ﻛﺎن ﻣﻘﻬﻰ اﻟﺰﻫﺎوي ﻓﻲ ﺷـﺎرع اﻟﺸﺮﻃﺔ، واﺣـــﺔ ﻣــﻦ واﺣـــﺎت اﻟـﻔـﻜـﺮ ارﺗــﺒــﻂ ﺑـﺄﺳـﻤـﺎء ﻣﺸﺎﻫﻴﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﺒﺔ. اﻧﻀﻢ إﻟﻴﻬﻢ ﻳﻮﻣﴼ ﻋﺒﺪ اﻟـﻘـﺎدر اﳌﻤﻴﺰ ﺻـﺎﺣـﺐ ﺟـﺮﻳـﺪة »أﺑــﻮ ﺣـﻤـﺪ«، ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﻪ اﻟـﺰﻫـﺎوي ﺑﻬﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘﲔ: ﻗــــــــــــــــــﺪ ﺟــــــــــــــــــﺎءﻧــــــــــــــــــﺎ أﺑــــــــــــــــــــــــﻮ ﺣــــــﻤــــــﺪ
ﻳــــــــﻤــــــــﺸــــــــﻲ ﻛـــــــــ ِﻤـــــــــﺸـــــــــﻴـــــــــ ِﺔ اﻷﺳــــــــــــــﺪ ﻗــــــــــــــــﺪ ﻃـــــــــــــﺎﺑـــــــــــــﺖ اﻟـــــــــــــﻘـــــــــــــﻬـــــــــــــﻮة ﻟـــــﻲ
ﺻـــــــــﺐ ﻳـــــــﺎ وﻟـــــــــــــــــﺪ... ﺻـــــــﺐ ﻳـــــــﺎ وﻟـــــﺪ وﻫـﻨـﺎك ﻛــﺎن ﻳﻨﻔﺚ أﻓـﻜـﺎره اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻓـﻲ ﺷﺘﻰ اﻟﻌﻠﻮم، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻋﻦ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﴼ ﺻﻐﻴﺮﴽ. وﻛﺘﺐ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻋﻦ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﻄﻮر واﻟﺪاروﻳﻨﻴﺔ وأﺻﻞ اﻹﻧﺴﺎن وﻧﺤﻮﻫﺎ. وﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻮﻣﴼ ﻣﺤﻠﻘﴼ ﺑـﺄﻓـﻜـﺎره، اﻗﺘﺤﻢ اﳌﻘﻬﻰ رﺟـﻞ ﻏﺎﺿﺐ ﺗﻮﺟﻪ إﻟﻴﻪ ﻓﻮرﴽ: أﺗﻨﻜﺮ ﺧﻠﻘﺔ اﻟﺨﺎﻟﻖ وﺗﻘﻮل اﻹﻧﺴﺎن أﺻﻠﻪ ﻗﺮد! ﻳﻌﻨﻲ أﺑﻮﻳﺎ ﻛﺎن ﻗﺮد! ﻓﺄﻣﺴﻚ اﻟﺰﻫﺎوي ﺑﺬﻗﻨﻪ وأﺟﺎﺑﻪ: »ﻻ اﺑﻨﻲ! أﻧﺎ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ أﺑﻮك ﻛﺎن ﻗﺮد. ﻟﻜﻦ أﻧﺎ أﺑﻮﻳﺎ ﻛﺎن ﻗﺮد«!