ﺟﺪل ﻣﺰﻣﻦ وإﻓﺮاط ﺑﻼ ﺿﺮورة
وﻓـــــــﺎة ﻋــــﺎﻟــــﻢ اﻟـــﻔـــﻴـــﺰﻳـــﺎء اﻟــﺸــﻬــﻴــﺮ ﺳﺘﻴﻔﻦ ﻫﻮﻛﻴﻨﻎ، أﺣﻴﺖ ﺟﺪﻻ ﻣﺰﻣﻨﴼ، ﻣﺤﻮره ﺳﺆال: ﻫﻞ ﻳﺼﺢ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ﻛﻤﺼﺪر ﻟﻠﻘﻴﻢ وأﺧﻼﻗﻴﺎت اﻟــﺘــﻌــﺎﻣــﻞ ﻣــﻊ اﻟـــﻨـــﺎس، اﳌــﺸــﺎﺑــﻬــﲔ ﻟﻨﺎ واﳌﺨﺘﻠﻔﲔ ﻋﻨﺎ؟
ﺳــﺒــﺐ ﻫــــﺬا اﻟــــﺴــــﺆال ﻫـــﻮ إﺻــــﺮار ﺑـــﻌـــﺾ اﻟـــــﻨـــــﺎس، ﻋـــﻠـــﻰ أن ﻫــﻮﻛــﻴــﻨــﻎ وأﻣﺜﺎﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ أﻏﻨﻮا ﺣﻴﺎة اﻟﺒﺸﺮ، ﻟﻴﺴﻮا ﻣﺴﻠﻤﲔ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮن اﻟﺮﺣﻤﺔ.
ﻟــــﺤــــﺴــــﻦ اﻟــــــﺤــــــﻆ، ﻓــــــــﺈن ﻏـــﺎﻟـــﺒـــﻴـــﺔ اﳌﺴﻠﻤﲔ اﻟـﻴـﻮم، ﻳﻌﺘﺒﺮون ﻫـﺬا اﻟـﺮأي إﻓﺮاﻃﴼ ﺑﻼ ﺿﺮورة. ﻷﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﺎذا ﺳﻴﻔﻌﻞ اﻟﻠﻪ ﺑﺄﻣﺜﺎﻟﻨﺎ وأﻣﺜﺎل ﺳﺘﻴﻔﻦ ﻫـــﻮﻛـــﻴـــﻨـــﻎ. وذﻛـــــﺮﻧـــــﻲ ﻫــــــﺬا اﻟــﺴــﺠــﺎل ﺑﻘﺼﺔ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ أﻳﺎم دراﺳﺘﻲ اﻷوﻟﻰ، ﺧﻼﺻﺘﻬﺎ أن زﻣﻴﻼ ﻟﻲ ﺟﺎدل أﺳﺘﺎذﻧﺎ ﺣــﻮل اﳌﺼﻴﺮ اﻷﺧـــﺮوي ﳌـﻦ ﻧﻌﺘﺒﺮﻫﻢ ﻛﻔﺎرﴽ. ﺑﺪأت اﻟﻘﺼﺔ ﺣﲔ أﺛﻨﻰ اﻷﺳﺘﺎذ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ ﺳﻘﺮاط وﻓـــﻀـــﺎﺋـــﻠـــﻪ. ﻓـــﻘـــﺎل اﻟــﺘــﻠــﻤــﻴــﺬ ﻣـــﺎزﺣـــﴼ: »ﻓــﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﳌــﻄــﺎف... ﺳﻨﺘﻔﺮج ﻋﻠﻴﻪ وﻫـﻮ ﻳﺤﺘﺮق ﻓﻲ ﻧـﺎر ﺟﻬﻨﻢ« ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ اﻷﺳـﺘـﺎذ ﺑﻠﻬﺠﺔ ﺣـﺎزﻣـﺔ: »إذا ﺣﻈﻴﻨﺎ ﺑﻌﻔﻮ اﻟﻠﻪ ﻓﻘﺪ ﻧﺠﺪ ﺳﻘﺮاط وﺗﻼﻣﻴﺬه ﻗـﺪاﻣـﻨـﺎ ﻓــﻲ اﻟـﺠـﻨـﺔ«. ﺛــﻢ ﺷــﺮح ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﻘﺒﺢ اﻟﻌﻘﻠﻴﲔ، اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﳌﺎﺿﻲ ﻣــﻮردﴽ ﻟﻠﺠﺪل ﺑﲔ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻜﻼم وأﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ.
ﻣـــﻨـــﺬ زﻣـــــﻦ ﻗـــﺪﻳـــﻢ اﻧـــﻘـــﺴـــﻢ ﻋــﻠــﻤــﺎء اﳌـﺴـﻠـﻤـﲔ إﻟـــﻰ ﻓــﺮﻳــﻘــﲔ، ﻓــﺮﻳــﻖ اﻋﺘﺒﺮ اﻟﻨﺺ اﻟﻮارد ﻋﻦ اﻟﻠﻪ واﻟﺮﺳﻮل ﻣﺼﺪرﴽ وﺣــﻴــﺪﴽ ﻟﻠﺘﺸﺮﻳﻊ واﻟـﻘـﻴـﻢ اﻷﺧـﻼﻗـﻴـﺔ. وﻓﺮﻳﻖ ﻗﺎل إن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻓﺘﺴﺘﺠﺪ ﻗــﻀــﺎﻳــﺎ ﻣـــﺎ ﻛــﺎﻧــﺖ ﻣــﻨــﻈــﻮرة ﻓـــﻲ زﻣــﻦ اﻟـــــﻨـــــﺺ. ﻓـــــﻼ ﻣـــﺤـــﻴـــﺺ ﻣـــــﻦ اﻋـــﺘـــﻤـــﺎد اﻟﻌﻘﻞ ﻛﻤﺼﺪر ﻟـﻠـﺸـﺮاﺋـﻊ. ﺻــﻮر ﻫﺬه اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ اﻟـﺸـﻬـﺮﺳـﺘـﺎﻧـﻲ ﺑــﻘــﻮﻟــﻪ إن اﻟـﻨـﺼـﻮص ﻣﺤﺪدة واﻟﺤﻮادث ﻻ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، وﻧﻌﻠﻢ ﻗﻄﻌﴼ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺮد ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺎدﺛﺔ ﻧﺺ، وﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺤﺪد أن ﻳﻜﻮن ﻻﻣﺤﺪود.
ﻛــﻼ اﻟﻔﺮﻳﻘﲔ ﻣـﺎ زال ﺣـﺎﺿـﺮﴽ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻔﻘﻪ واﻟﺪﻋﻮة. وﻟﺪﻳﻪ ﻣﺒﺮرات ﺗـــﺪﻋـــﻢ ﻣـــﻮﻗـــﻔـــﻪ. وﻟـــﻌـــﻞ أﻗـــــــﻮى ﺣـﺠـﺞ اﻹﺧـــﺒـــﺎرﻳـــﲔ ﻫـــﻲ ﻗــﻮﻟــﻬــﻢ ﺑــــﺄن اﻟـﻨـﺺ ﻣــﻌــﺼــﻮم واﻟــﻌــﻘــﻞ ﺧـــﻄـــﺎء، ﻓــﺎﻻﻟــﺘــﺰام ﺑﻤﻨﻄﻮق اﻟـﻨـﺺ أﻗـــﺮب ﻟـﻠـﺴـﻼﻣـﺔ، ﻷن ﻃﺎﻋﺔ اﻟﻠﻪ أﺣﺮى أﻻ ﺗﺒﻨﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻈﻨﻮن.
ﻳـــﻌـــﺮض اﻟـــﻔـــﺮﻳـــﻖ اﻵﺧــــــﺮ ﺣــﺠــﺔ ﻻ ﺗــﻘــﻞ ﻗــــﻮة، وﺧــﻼﺻــﺘــﻬــﺎ أن اﻟــﻠــﻪ ﺧﻠﻖ اﻟﻌﻘﻞ وأﻣﺮ ﻋﺒﺎده ﺑﺎﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻛـﻞ ﺟـﻮاﻧـﺐ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ، واﻋـﺘـﺒـﺮه ﺷﺮﻃﴼ ﻟﻠﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻓـﻐـﻴـﺮ اﻟــﻌــﺎﻗــﻞ ﻻ ﻳــﺴــﺄل ﻋﻦ ﺷﻲء وﻻ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻋﻠﻴﻪ. اﻟﻌﻘﻞ إذن ﻣﺤﻮر ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻨﺎس ﺑﺮﺑﻬﻢ. ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻏﻴﺮ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗﻤﻴﻴﺰ اﻟﻘﺒﺢ واﻟﺤﺴﻦ اﳌﻨﻄﻮي ﻓﻲ أﻓﻌﺎل اﻟﺒﺸﺮ، ﻏﻴﺮ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﺜﻨﺎء وﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻌﻘﺎب، ﻓـﻜـﻴـﻒ ﻳــﻜــﻮن ﻗــﺎﻋــﺪة اﻟــﺤــﻴــﺎة اﻟـﺪﻳـﻨـﻴـﺔ وﻣﺤﻮر ﻋﻼﻗﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺮﺑﻪ؟
وﻗﺎﻟﻮا أﻳﻀﴼ إن اﻟﺘﻔﻜﺮ واﻻﺧﺘﻴﺎر اﻟﻌﻘﻠﻲ اﳌﺤﺾ، ﻫﻮ ﻣﺒﺪأ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻠﻪ واﻹﻳــــﻤــــﺎن ﺑــــﻪ، ﻓــﻠــﻴــﺲ ﻓـــﻲ اﻟــﺘــﻮﺣــﻴــﺪ ﺗﻘﻠﻴﺪ. وﻫﺬا أﺻﻞ اﻹﻳﻤﺎن، وﻫﻮ ﺳﺎﺑﻖ ﻟﻜﻞ اﻟﺸﺮاﺋﻊ. ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮن اﻟﻌﻘﻞ ﻣﺒﺪأ ﻓــﻲ اﻷﺻــــــﻮل، وﻻ ﻳــﻜــﻮن ﻣـﻌـﺘـﺒـﺮﴽ ﻓﻲ اﻟﻔﺮوع؟
ﺟــﻮﻫــﺮ اﳌــﺴــﺄﻟــﺔ إذن ﻳــــﺪور ﺣــﻮل ﺳـــﺆاﻟـــﲔ، أوﻟــﻬــﻤــﺎ: ﻫــﻞ ﻳـﻤـﻜـﻦ وﺻــﻒ ﻓﻌﻞ ﻣـﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﺣﺴﻦ أو ﻗﺒﻴﺢ اﻋﺘﻤﺎدﴽ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻢ اﻟﻌﻘﻞ، أم أن ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻓﻌﺎل ﻣــﺤــﺎﻳــﺪة، ﺣـﺘـﻰ ﻳـﺄﺗـﻴـﻨـﺎ ﻧــﺺ ﺷﺮﻋﻲ ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺣﺴﻨﺔ أو ﻗﺒﻴﺤﺔ. واﻟﺜﺎﻧﻲ: إذا ﺣﻜﻢ اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﺣﺴﻦ أو ﻗﺒﻴﺢ، ﻓﻬﻞ ﻟﻬﺬا اﻟﺤﻜﻢ اﻋﺘﺒﺎر ﻓﻲ اﻟﺸﺮع، أم ﻻ.
ﻟﻮ أردﻧﺎ ﺗﻄﺒﻴﻖ اﳌﺴﺄﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺪث اﻟـﻴـﻮم، ﻓﺴﺘﻜﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺘﺎﻟﻲ: ﻫــﻞ ﻧـﻌـﺘـﺒـﺮ إﻧـــﺠـــﺎزات اﻟـﻌـﻠـﻤـﺎء أﻣـﺜـﺎل ﺳﺘﻴﻔﻦ ﻫﻮﻛﻴﻨﻎ، ذات ﻗﻴﻤﺔ واﺣﺘﺮام ﻋﻨﺪ اﻟﺪﻳﻦ أم ﻻ. وﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻮاب، ﻫﻞ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻫـﺆﻻء اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺘﺒﺠﻴﻞ واﻟﺪﻋﺎء ﻟﻬﻢ ﺑﺎﳌﻐﻔﺮة واﻟﺮﺣﻤﺔ أم ﻻ.
أﻇـﻦ أن أي إﻧـﺴـﺎن ﻳﻘﺪر ﻋﻘﻠﻪ ﻗﺪ ﺗﻮﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﺠﻮاب اﻵن.