أﻛﻼت اﻟﺪﻣﺎر اﻟﺸﺎﻣﻞ
اﻟﺼﺮاع اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ ﻣﺴﺘﻤﺮ، وﻟﻪ ﻣﺸﺎﻫﺪ ﻣـﺨـﺘـﻠـﻔـﺔ ﻣـﻨـﻬـﺎ ﻣـــﺎ ﻫـــﻮ ﻓـــﺞ وﺻـــﺮﻳـــﺢ ﻣــﺜــﻞ اﻻﻋـــﺘـــﺪاء اﻟﺼﺎرخ ﻋﻠﻰ اﻷرواح واﻷراﺿــﻲ، وﻧﺰع اﳌﻠﻜﻴﺎت ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻮة ﻋﻠﻰ أﻳﺪي ﻗﻮة اﻻﺣﺘﻼل وﻋﺼﺎﺑﺎت اﳌـــﺴـــﺘـــﻮﻃـــﻨـــﲔ اﻹرﻫــــﺎﺑــــﻴــــﲔ ﺿــــﺪ أﺻــــﺤــــﺎب اﻷرض اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﲔ، وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﺒﻴﺚ وﺧﺎدع ﻛﺎﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت واﻟﻔﻨﻮن واﻷﻃﻌﻤﺔ.
ﺧﺒﺮ ﺟﺪﻳﺪ ﻗﺪﻳﻢ ﻳﻄﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﺗﺤﺎول ﺗﺴﺠﻴﻞ اﻟﻔﻼﻓﻞ واﻟﺤﻤﺺ واﻟﺘﺒﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ أﻛﻼت إﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺔ، وﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﺨﺎص ﺑﻬﻢ.
واﻟــﺤــﻘــﻴــﻘــﺔ ﻟـــﻦ ﺗــﻜــﻮن ﻫــــﺬه اﻟــﺤــﺎﻟــﺔ اﻷوﻟــــــﻰ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺎﳌﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، وﻟﻜﻦ اﻟﻮﻗﺎﺣﺔ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﺟﺮأة ﻓﻬﻢ ﻳﺤﺎوﻟﻮن ﺗﺴﺠﻴﻠﻬﺎ ﻛﺠﺰء ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﺨﺎص ﺑﻬﻢ. ﻓﺎﻟﺮﺣﺎﻟﺔ اﻹﻳﻄﺎﻟﻲ اﻟﺸﻬﻴﺮ »ﻣﺎرﻛﻮ ﺑﻮﻟﻮ« ﻋﺎد ﻣﻦ اﻟﺼﲔ »ﺑﺎﻟﻨﻮدﻟﺰ« وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟــﻚ إﻟــﻰ »اﻟﺴﺒﺎﻏﻴﺘﻲ«، وﻛـﺎﻧـﺖ ﺑﺪاﻳﺔ وﻻدة اﻟﺒﺎﺳﺘﺎ واﳌﻌﺠﻨﺎت اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ.
و»اﻟﻔﺮاﻧﻜﻔﻮرﺗﺮ« ﻛــﺎن ﻧﺘﺎﺟﺎ أﳌﺎﻧﻴﺎ ﻣـﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻓﺮاﻧﻜﻔﻮرت ﺣﺘﻰ وﺻـﻞ إﻟـﻰ أﻣﻴﺮﻛﺎ ﻣﻊ اﳌﻬﺎﺟﺮﻳﻦ، ﻓﺄﺻﺒﺢ »اﻟـﻬـﻮت دوغ« وﻛـﺬﻟـﻚ »اﻟﻬﺎﻣﺒﺮوﻏﺮ« اﻟـﺬي وﻟــﺪ ﻓـﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻫـﺎﻣـﺒـﻮرغ ﺑﺄﳌﺎﻧﻴﺎ وﻓــﻲ أﻣـﻴـﺮﻛـﺎ ﻧﺎل ﻣﺠﺪه وﺷـﻬـﺮﺗـﻪ. ﻫﻨﺎك أﻃـﺒـﺎق ﺗﺒﻘﻰ ﻣﺤﻞ »ﺻــﺮاع« ﻋﻠﻰ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ، ﻓﺎﳌﻄﺒﺦ اﻟﺴﻮري اﻟﺸﻬﻴﺮ ﺗﻌﻮد اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﻃﺒﺎﻗﻪ إﻟـﻰ اﳌﻄﺒﺦ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ، واﳌﻄﺒﺦ اﳌﺼﺮي إﻟﻰ اﻟﺤﻘﺒﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ. وﻟﻌﻞ أﺷﻬﺮ رواﻳﺘﲔ ﻋﻦ أﺻﻮل ﺑﻌﺾ اﻷﻃﺒﺎق ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻫﻲ ﻗﺼﺔ »اﻟﻜﺸﺮي«، اﻟﺘﻲ ﻳﺮوج ﻟﻬﺎ اﻟﻴﻬﻮد أن أﺻﻞ اﻟﻄﺒﻖ واﺳﻤﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻫﻲ »ﻛﻮﺷﺮ« أي اﻷﻛﻞ اﻟﺠﺎﺋﺰ أﻛﻠﻪ ﺑﺤﺴﺐ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟـﻴـﻬـﻮدﻳـﺔ، واﻟــﺜــﺎﻧــﻲ ﻃـﺒـﻖ »أم ﻋـﻠـﻲ« واﻟـــﺬي ﻳﻨﺴﺒﻪ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻮن ﻟﻬﻢ، ﻷﻧﻪ ﺷﺒﻴﻬﻪ ﺑﺎﻟﺒﻮدﻧﻴﻎ اﻟﺬي ﻳﻘﺪم ﻋﻨﺪﻫﻢ، وأن اﻟﺬي اﺧﺘﺮﻋﺘﻪ ﻣﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ إﻧﺠﻠﺘﺮا ﺗﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ اﺳﻤﻬﺎ »أوﻣﺎﻟﻲ«.
وﻓــﻲ اﻟـﻌـﺎﻟـﻢ اﻟـﻌـﺮﺑـﻲ ﺗــﻢ »اﺳــﺘــﻴــﺮاد« اﻟـﻌـﺪﻳـﺪ ﻣﻦ اﻷﻃــﺒــﺎق اﻟـﻌـﺎﳌـﻴـﺔ واﻵﺳــﻴــﻮﻳــﺔ ﺗـﺤـﺪﻳـﺪﴽ وﺗـﻄـﻮﻳـﺮﻫـﺎ، ﻓﺎﻟﺒﺮﻳﺎﻧﻲ اﻟﻬﻨﺪي واﻟﺘﻤﻴﺲ اﻷﻓﻐﺎﻧﻲ واﻟﺮز اﻟﺒﺨﺎري واﻟﺮز اﻟﻜﺎﺑﻠﻲ )ﻣﻦ ﻛﺎﺑﻞ( واﻟﺴﻤﺒﻮﺳﻚ اﻟﻬﻨﺪﻳﺔ ﺗﻤﻸ اﻟــﺒــﻴــﻮت، وأﺻــﺒــﺤــﺖ ﺟــــﺰءﴽ ﻣــﻦ اﳌـــﺎﺋـــﺪة اﻟـﺨـﻠـﻴـﺠـﻴـﺔ. وﺑﺸﻬﺎدة ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻓﺈن أﻓﻀﻞ ﺳﻤﺒﻮﺳﻚ أﻛﻠﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻣﻘﻬﻰ اﳌﺘﺤﻒ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮﻳﻦ. واﻟـــﺼـــﺮاع ﻻ ﻳـــﺰال ﻗـﺎﺋـﻤـﴼ ﺑــﲔ اﻟــﻴــﻬــﻮد واﻷرﻣــــﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺴﻄﺮﻣﺔ واﻟﻠﺤﻮم اﻟﺒﺎردة ﻛﺎﻟﻨﻘﺎﻧﻖ واﻟﺴﺠﻖ.
وأﻣﻴﺮﻛﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ دور ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ »ﺗﻐﻴﻴﺮ« ﺑﻌﺾ اﻷﻃــﺒــﺎق واﳌـﻄـﺎﺑـﺦ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﻫـﺠـﺮة أﻫــﺎﻟــﻲ ﻫﺬه اﻟــﺒــﻠــﺪان ﻣـﻨـﻬـﻢ إﻟــﻴــﻬــﺎ. ﻓـﻌـﻠـﻰ ﺳـﺒـﻴـﻞ اﳌـــﺜـــﺎل، اﳌﻄﺒﺦ اﻟﺼﻴﻨﻲ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻃﺒﻖ »اﻟﺸﺎوﻣﲔ« ﻷﻧﻪ ﻃﺒﻖ اﺑﺘﺪﻋﻪ ﺻﻴﻨﻴﻮ أﻣﻴﺮﻛﺎ، وأﻧﻮاع اﻟﺒﻴﺘﺰا ﻓﻲ أﻣﻴﺮﻛﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ، وﻛﺬﻟﻚ اﻷﺻﻨﺎف اﳌـﻮﺟـﻮدة ﻓﻲ أﻣﻴﺮﻛﺎ ﻣﻦ اﳌﻄﺒﺦ اﳌﻜﺴﻴﻜﻲ ﻏﻴﺮ اﳌﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﳌﻜﺴﻴﻚ ﻧﻔﺴﻬﺎ، وأﻃـــﺒـــﺎق اﻟــﺴــﻮﺷــﻲ ﻓــﻲ اﻟــﻴــﺎﺑــﺎن ﻟــﻢ ﺗــﻌــﺮف أﺻــﻨــﺎف »اﳌﺎﻛﻲ«، إﻻ ﺑﻌﺪ اﺧﺘﺮاﻋﻪ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻓﺎﻧﻜﻮﻓﺮ اﻟﻜﻨﺪﻳﺔ.
وﻓﻲ اﳌﻄﺒﺦ اﻟﺤﺠﺎزي ﻻ ﻳﻤﻜﻦ إﻏﻔﺎل أﺛﺮ اﳌﻄﺒﺦ اﻟﺼﻴﻨﻲ ﻣﻦ أﻛـﻼت اﻟﻴﻐﻤﺶ واﳌﻨﺘﻮ ﻷﺻﻮﻟﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗــﻌــﻮد إﻟــــﻰ ﻃــﺒــﻖ »أﻟــــــﻮان ﺗــــﻮن« اﻟــﺼــﻴــﻨــﻲ اﻟـﺸـﻬـﻴـﺮ، واﳌﻄﺒﻖ ﻓﻲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ﻫﻮ اﻣﺘﺪاد ﻟﻠﻜﺮﻳﺐ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻟﺸﻬﻴﺮ، ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﻲ أﺳﺘﻔﺴﺮ ﻋﻦ ﺣﺠﻢ »اﻟﻌﻨﻒ« اﳌﻮﺟﻮد ﻓﻲ اﳌﻄﺒﺦ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ أﺳﻤﺎء أﺷﻬﺮ اﻷﻛﻼت ﻣﺜﻞ »اﳌﻄﺒﻖ« و»ﻣﻬﺮوﺳﺔ« و»ﻣﻘﻠﻮﺑﺔ«، »ﻫﺮﻳﺴﺔ«، »ﻣﻔﺮوﻛﺔ«، »ﻣﻨﺴﻒ«، »ﻛﺒﺴﺔ«، »ﻣﻜﺒﻮس«، »ﺑﺎﺷﺎ ﺑﻌﺴﺎﻛﺮه«، و»اﻟﻜﺴﺮة« وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻃﺒﺎق اﳌﻠﻐﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﻗﺮب ﻷﺳﻠﺤﺔ اﻟﺪﻣﺎر اﻟﺸﺎﻣﻞ، وﻣﺎ ﻫﻲ أﺻﻮل ﻫﺬه اﻷﻛﻼت. ﻫﻮﻳﺎت اﻟﺒﺸﺮ ﻣﻦ اﳌﻤﻜﻦ أن ﺗﻌﺮﻓﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻄﺎﺑﺦ اﻟﺸﻌﻮب وﻻ ﺷﻚ، واﳌﻄﺒﺦ اﳌﻘﺪم ﻫﻮ اﻧﻌﻜﺎس ﻟﺜﺮاء ﺣﻀﺎرة وﺗﻨﻮع ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻫﺬه اﻷﻣﻢ وﻋﺪم اﻧﻐﻼﻗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ.
ﻓـﻲ أوروﺑـــﺎ وﺗـﺤـﺪﻳـﺪﴽ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮ اﳌﻄﺒﺦ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، وﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻔﻨﻮن، وﻣﻦ ﻣﺼﺎدر اﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﻬﻮﻳﺔ. ﻓﻜﺮ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ.