Asharq Al-Awsat Saudi Edition

التابو في مواجهة الحقيقة... والمنطق

- دينيس روس *

لا يـخـشـى ولــــي الــعــهــ­د الــســعــ­ودي الأمـيـر محمد بـن سـلـمـان، التغيير، بل يـتـبـنـاه. ويــرفــض الـتـقـالـ­يـد والـــعـــ­ادات الـــفـــك­ـــريـــة الـــتـــي لا تــعــكــس الـــــواق­ـــــع أو تجعل مـن الـصـعـب الـتـأقـلـ­م مـع ظـروف جـديـدة وإمـكـانـي­ـات جـديـدة. ولا يوجد مـكـان ينطبق عليه هــذا الأمــر أكـثـر من الـسـعـودي­ـة؛ وهــو مصمم عـلـى تحويل المجتمع إلى مجتمع قائم على المعرفة، ويـعـرف أنــه مـن أجــل فعل ذلــك سيكون من الضروري إجراء تغييرات اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى.

مـن الـواضـح أن نهجه فـي التغيير لا يـقـتـصـر عـلـى المـمـلـكـ­ة. إن سـيـاسـتـه الــخــارج­ــيــة أكـــثـــر نــشــاطــ­اً وجـــزمـــ­اً مـن الـسـيـاسـ­ات الـسـعـودي­ـة الـتـقـلـي­ـديـة. ولا شك في أنها تعكس استيعابه للتوسع الإيراني والتردد الأميركي في المنطقة. فـــي الأســـبــ­ـوع المـــاضــ­ـي، شــهــدنــ­ا أيـضـاً استعداده لتحدي السياسات الأصولية الـقـديـمـ­ة المتعلقة بـالـنـزاع الإسـرائـي­ـلـي الـــفـــل­ـــســـطــ­ـيـــنـــي. طـــــــرح عـــلـــيـ­ــه جــيــفــر­ي غــولــدبـ­ـيــرغ، رئــيــس تـحـريـر مـجـلـة »ذا أتلانتك« السؤال التالي: »هل تعتقد أن الشعب اليهودي له الحق في أن يكون لديه دولة قومية على الأقل في جزء من موطن أجداده؟«، أجاب ولي العهد قائلاً: »أعتقد أن كل شعب في أي مكان له الحق في العيش في وطن مسالم. وأعتقد أن الفلسطينيي­ن والإسرائيل­يين لهم الحق في أن يكون لهم أرضهم الخاصة«.

قـد يـقـول أغـلـب المـراقـبـ­ين إن كلمات ولـــي الـعـهـد تـعـكـس بـبـسـاطـة الحقيقة والمنطق. ومـع ذلـك كـان يدعو بوضوح إلى دولة فلسطينية، بالإضافة إلى دولة إسرائيلية. وكان يقول أيضاً إن الاثنين لهما الحق في أرضهما الخاصة. على مدار التاريخ، كان العرب والفلسطيني­ون الـذيـن وافــقــوا عـلـى مـبـدأ حـل الـدولـتـي­ن مستعدين لــلإقــرا­ر بــأن إسـرائـيـل واقـع وحقيقة فحسب، وهـذا ما يرغبون في الاعتراف به، وتجنبوا القول إن اليهود شــعــب، ونـتـيـجـة لــذلــك تـمـلـك إسـرائـيـل »حقاً« على الأقل في جزء من الأرض.

مــن جـهـة كـثـيـر مــن الفلسطينيي­ن، يـسـري خــوف مــن أنــه إذا تــم الاعــتــر­اف بـشـرعـيـة الـحـركـة الـوطـنـيـ­ة الـيـهـودي­ـة، ســـــوف تــبــطــل عــلــى نــحــو مـــا الـقـضـيـة الوطنية الفلسطينية. ولكن في الحقيقة هــــذا غــيــر صــحــيــح. الــحــركـ­ـة الـوطـنـيـ­ة الفلسطينية حقيقية وليست مصطنعة، ولها جذور في الأرض المقدسة ذاتها.

مـمـا جـعـل هــذا الــنــزاع صـعـب الحل على الدوام هو وجود حركتين وطنيتين تتنافسان على المساحة ذاتها؛ هويتان وطنيتان تريدان الأرض ذاتها. ببساطة هناك »حـقـان« يجب التسوية بينهما. لذلك السبب تعد إقامة دولتين لشعبين أمــــراً ضـــروريــ­ـاً، ويـمـكـن أن يــقــدم الـحـل الدائم الوحيد لهذا النزاع.

ومــا دام هـنـاك فلسطينيون وعـرب غــيــر راغـــبـــ­ين فـــي الاعـــــت­ـــــراف بـشـرعـيـة إسـرائـيـل، فـإن ذلـك سيستمر فـي إذكـاء الشكوك بين الإسرائيلي­ين في أن أي سلام سـوف يكون مؤقتاً وليس حقيقياً. في الواقع طالما لا يتم النظر إلـى إسرائيل بـاعـتـبـا­رهـا كـيـانـاً شـرعـيـاً، سـيـظـل من المــســمـ­ـوح بـــه ارتـــكـــ­اب أعـــمـــا­ل إرهــابــي­ــة ضــدهــا أو الــســعــ­ي إلـــى نـــزع الـشـرعـيـ­ة عنها. مـن المـؤكـد أن الـيـسـار السياسي في إسرائيل استغل هـذه المـخـاوف بين الشعب الإسرائيلي لمقاومة أي نوع من الخطوات أو التنازلات التي قد تحتاج إسرائيل إلى تقديمها، إذا كان من الممكن تحقيق حل الدولتين.

لذلك السبب قد يكون تصريح ولي العهد بالغ الأهمية. كما ورد في إجابته عن سؤال غولدبيرغ، أوضح أنه »يجب أن يــكــون لــديــنــ­ا اتـــفـــا­ق ســــلام لـضـمـان الاســـتــ­ـقـــرار لـلـجـمـيـ­ع ولإقـــامـ­ــة عــلاقــات طبيعية .«

لــقــد ســعــى إلـــــى الـــتـــر­ويـــج لـلـسـلام الذي سوف يحقق الطموحات الوطنية الفلسطينية. فهل سيكون هناك اختلاف؟ ربما، ومن المؤكد أنه تمت ملاحظة ذلك فــي إســرائــي­ــل. ومـــع مــــرور الــزمــن ربـمـا يصبح مـن الأسـهـل على الفلسطينيي­ن التغلب على ضعفهم وشعورهم بالظلم؛ وهما صفتان عززتا باستمرار إنكارهم لـشـرعـيـة الــحــركـ­ـة الـوطـنـيـ­ة الـيـهـودي­ـة. عـــلاوة عـلـى ذلـــك، ربـمـا يـقـدم ذلــك على المدى القريب قوة دفع جديدة لهدف إدارة ترمب الُمعلن بتقديم خطة سلام لإنهاء النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني.

إن حقيقة تخطي ولـي العهد لأحد الـــحـــد­ود وتـحـطـيـم­ـه لأحـــد الـتـابـوه­ـات يـجـب أن تُــذكــر الإدارة الأمـيـركـ­يـة بـأن الأمــر ممكن، فهناك بــوادر تغيير، وأن الـقـادة الـعـرب قـد يرغبون فـي أداء دور داعم لمبادرة سلام موثوق بها.

ولــكــن »مـــوثـــو­ق بــهــا« هـــي الـصـفـة الأســـاسـ­ــيـــة. كــــان ولــــي الــعــهــ­د يـعـتـرف ضمنياً بـأن كلا الطرفين له احتياجات وحقوق. ويجب أن تتناول خطة السلام التي تقدمها الإدارة احتياجات وحقوق الـطـرفـين بطريقة تحقق نتيجة عـادلـة ولائــقــة. يـجـب أن يـــرى الفلسطينيو­ن (والعرب) أن عناصر الخطة قد لا تحتوي على كل ما يرغبون فيه، ولكنها تتناول الطموحات الفلسطينية بأسلوب جدير بالثقة. ولعل كلمات ولي العهد، تجعل الأمر ممكناً. دعونا نأمل في ذلك.

* خاص بـ »الشرق الأوسط«

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia