التابو في مواجهة الحقيقة... والمنطق
لا يـخـشـى ولــــي الــعــهــد الــســعــودي الأمـيـر محمد بـن سـلـمـان، التغيير، بل يـتـبـنـاه. ويــرفــض الـتـقـالـيـد والـــعـــادات الـــفـــكـــريـــة الـــتـــي لا تــعــكــس الـــــواقـــــع أو تجعل مـن الـصـعـب الـتـأقـلـم مـع ظـروف جـديـدة وإمـكـانـيـات جـديـدة. ولا يوجد مـكـان ينطبق عليه هــذا الأمــر أكـثـر من الـسـعـوديـة؛ وهــو مصمم عـلـى تحويل المجتمع إلى مجتمع قائم على المعرفة، ويـعـرف أنــه مـن أجــل فعل ذلــك سيكون من الضروري إجراء تغييرات اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى.
مـن الـواضـح أن نهجه فـي التغيير لا يـقـتـصـر عـلـى المـمـلـكـة. إن سـيـاسـتـه الــخــارجــيــة أكـــثـــر نــشــاطــاً وجـــزمـــاً مـن الـسـيـاسـات الـسـعـوديـة الـتـقـلـيـديـة. ولا شك في أنها تعكس استيعابه للتوسع الإيراني والتردد الأميركي في المنطقة. فـــي الأســـبـــوع المـــاضـــي، شــهــدنــا أيـضـاً استعداده لتحدي السياسات الأصولية الـقـديـمـة المتعلقة بـالـنـزاع الإسـرائـيـلـي الـــفـــلـــســـطـــيـــنـــي. طـــــــرح عـــلـــيـــه جــيــفــري غــولــدبــيــرغ، رئــيــس تـحـريـر مـجـلـة »ذا أتلانتك« السؤال التالي: »هل تعتقد أن الشعب اليهودي له الحق في أن يكون لديه دولة قومية على الأقل في جزء من موطن أجداده؟«، أجاب ولي العهد قائلاً: »أعتقد أن كل شعب في أي مكان له الحق في العيش في وطن مسالم. وأعتقد أن الفلسطينيين والإسرائيليين لهم الحق في أن يكون لهم أرضهم الخاصة«.
قـد يـقـول أغـلـب المـراقـبـين إن كلمات ولـــي الـعـهـد تـعـكـس بـبـسـاطـة الحقيقة والمنطق. ومـع ذلـك كـان يدعو بوضوح إلى دولة فلسطينية، بالإضافة إلى دولة إسرائيلية. وكان يقول أيضاً إن الاثنين لهما الحق في أرضهما الخاصة. على مدار التاريخ، كان العرب والفلسطينيون الـذيـن وافــقــوا عـلـى مـبـدأ حـل الـدولـتـين مستعدين لــلإقــرار بــأن إسـرائـيـل واقـع وحقيقة فحسب، وهـذا ما يرغبون في الاعتراف به، وتجنبوا القول إن اليهود شــعــب، ونـتـيـجـة لــذلــك تـمـلـك إسـرائـيـل »حقاً« على الأقل في جزء من الأرض.
مــن جـهـة كـثـيـر مــن الفلسطينيين، يـسـري خــوف مــن أنــه إذا تــم الاعــتــراف بـشـرعـيـة الـحـركـة الـوطـنـيـة الـيـهـوديـة، ســـــوف تــبــطــل عــلــى نــحــو مـــا الـقـضـيـة الوطنية الفلسطينية. ولكن في الحقيقة هــــذا غــيــر صــحــيــح. الــحــركــة الـوطـنـيـة الفلسطينية حقيقية وليست مصطنعة، ولها جذور في الأرض المقدسة ذاتها.
مـمـا جـعـل هــذا الــنــزاع صـعـب الحل على الدوام هو وجود حركتين وطنيتين تتنافسان على المساحة ذاتها؛ هويتان وطنيتان تريدان الأرض ذاتها. ببساطة هناك »حـقـان« يجب التسوية بينهما. لذلك السبب تعد إقامة دولتين لشعبين أمــــراً ضـــروريـــاً، ويـمـكـن أن يــقــدم الـحـل الدائم الوحيد لهذا النزاع.
ومــا دام هـنـاك فلسطينيون وعـرب غــيــر راغـــبـــين فـــي الاعـــــتـــــراف بـشـرعـيـة إسـرائـيـل، فـإن ذلـك سيستمر فـي إذكـاء الشكوك بين الإسرائيليين في أن أي سلام سـوف يكون مؤقتاً وليس حقيقياً. في الواقع طالما لا يتم النظر إلـى إسرائيل بـاعـتـبـارهـا كـيـانـاً شـرعـيـاً، سـيـظـل من المــســمــوح بـــه ارتـــكـــاب أعـــمـــال إرهــابــيــة ضــدهــا أو الــســعــي إلـــى نـــزع الـشـرعـيـة عنها. مـن المـؤكـد أن الـيـسـار السياسي في إسرائيل استغل هـذه المـخـاوف بين الشعب الإسرائيلي لمقاومة أي نوع من الخطوات أو التنازلات التي قد تحتاج إسرائيل إلى تقديمها، إذا كان من الممكن تحقيق حل الدولتين.
لذلك السبب قد يكون تصريح ولي العهد بالغ الأهمية. كما ورد في إجابته عن سؤال غولدبيرغ، أوضح أنه »يجب أن يــكــون لــديــنــا اتـــفـــاق ســــلام لـضـمـان الاســـتـــقـــرار لـلـجـمـيـع ولإقـــامـــة عــلاقــات طبيعية .«
لــقــد ســعــى إلـــــى الـــتـــرويـــج لـلـسـلام الذي سوف يحقق الطموحات الوطنية الفلسطينية. فهل سيكون هناك اختلاف؟ ربما، ومن المؤكد أنه تمت ملاحظة ذلك فــي إســرائــيــل. ومـــع مــــرور الــزمــن ربـمـا يصبح مـن الأسـهـل على الفلسطينيين التغلب على ضعفهم وشعورهم بالظلم؛ وهما صفتان عززتا باستمرار إنكارهم لـشـرعـيـة الــحــركــة الـوطـنـيـة الـيـهـوديـة. عـــلاوة عـلـى ذلـــك، ربـمـا يـقـدم ذلــك على المدى القريب قوة دفع جديدة لهدف إدارة ترمب الُمعلن بتقديم خطة سلام لإنهاء النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني.
إن حقيقة تخطي ولـي العهد لأحد الـــحـــدود وتـحـطـيـمـه لأحـــد الـتـابـوهـات يـجـب أن تُــذكــر الإدارة الأمـيـركـيـة بـأن الأمــر ممكن، فهناك بــوادر تغيير، وأن الـقـادة الـعـرب قـد يرغبون فـي أداء دور داعم لمبادرة سلام موثوق بها.
ولــكــن »مـــوثـــوق بــهــا« هـــي الـصـفـة الأســـاســـيـــة. كــــان ولــــي الــعــهــد يـعـتـرف ضمنياً بـأن كلا الطرفين له احتياجات وحقوق. ويجب أن تتناول خطة السلام التي تقدمها الإدارة احتياجات وحقوق الـطـرفـين بطريقة تحقق نتيجة عـادلـة ولائــقــة. يـجـب أن يـــرى الفلسطينيون (والعرب) أن عناصر الخطة قد لا تحتوي على كل ما يرغبون فيه، ولكنها تتناول الطموحات الفلسطينية بأسلوب جدير بالثقة. ولعل كلمات ولي العهد، تجعل الأمر ممكناً. دعونا نأمل في ذلك.
* خاص بـ »الشرق الأوسط«