Asharq Al-Awsat Saudi Edition

تدهور كبير في الظروف المعيشية للموظفين في غزة

أجبروا على ترك شققهم المستأجرة وعادوا للعيش مجدداً في بيوت أقاربهم

- غزة: »الشرق الأوسط«

رغـم مـرور ١٧ يوما فقط على عــدم صــرف الـسـلـطـة الفلسطينية لـرواتـب موظفيها بقطاع غــزة، إلا أن انــعــكــ­اس ذلــــك عــلــى الأوضـــــ­اع الاقـتـصـا­ديـة والــظــرو­ف المعيشية لـلـمـوظـف­ـين، ظـهـر سـريـعـا، مـا دفـع مواطنين إلى ترك منازلهم والشقق الــســكــ­نــيــة الــــتـــ­ـي يــســتــأ­جــرونــهـ­ـا والــعــود­ة للعيش فـي مـنـازل تقيم فيها عائلاتهم بأكملها.

وتـــعـــي­ـــش أعــــــــ­ـداد كـــبـــيـ­ــرة مـن المـــوظــ­ـفـــين إمــــــا بــــالإيـ­ـــجــــار، الــــذي يدفع شهريا، أو في شقق سكنية تـــم شــــراؤهـ­ـــا مــقــابــ­ل دفــــع أقــســاط مالية شهرية، عبر قـروض بنكية. وكــــــان غــالــبــ­يــة هـــــــؤل­اء، يـعـيـشـون قـبـل الانــتــق­ــال إلـــى سـكـن مـسـتـقـل، فـــي مـــنـــاز­ل »الــعــيــ­لــة« مـــع آبـائـهـم وأشقائهم.

يـــــقـــ­ــول المــــــو­ظــــــف أدهـــــــ­ــــم أبــــو عبيد، إن عــدم صــرف راتـبـه أسـوة بـكـافـة المـوظـفـي­ن، أجـبـره عـلـى تـرك الشقة السكنية الـتـي يعيش فيها بـالإيـجـا­ر، مـنـذ أكـثـر مـن ٧ أعـــوام. وإنـــه اضـطـر حـيـنـهـا، إلــى مـغـادرة مـــنـــزل والــــديـ­ـــه بــســبــب الاكــتــظ­ــاظ الشديد فيه، حيث يعيش ١٤ فردا، في المنزل المكون من ٦ غرف للنوم، إلــى جـانـب غـرفـة أخــرى لاستقبال الضيوف، يضطر شقيقه الأصغر »أحمد« )١٩ عاما) للنوم فيها لعدم وجود غرفة خاصة به.

ولـفـت أبــو عـبـيـد الـــذي واظــب على دفـع الإيـجـار لصاحب الشقة السكنية شهريا، أن المالك لم يطلب منه الإيجار لمعرفته بالظروف التي يمر بها. لكنه يرى أن استمرار عدم صــرف الــرواتــ­ب، يـزيـد مـن الـديـون المتراكمة عليه، ولن يكون قادرا على سدادها. لكنه أجبره على مغادرة الشقة والعودة إلى منزل والديه.

ويــــضـــ­ـيــــف أبــــــــ­ـو عــــبــــ­يــــد: »لا يـمـكـنـنـ­ـي الــــوفــ­ــاء بـــدفـــع الإيـــجــ­ـار شـهـريـا لـصـاحـب الــشــقــ­ة، خـاصـة أن هناك مبالغ مالية كثيرة مدانا بــهــا لأصـــحـــ­اب المـــحـــ­لات والأثـــــ­اث وغــيــرهـ­ـم.« مـشـيـرا إلــى أن الـراتـب الذي كان يتلقاه شهريا كموظف في السلطة الفلسطينية ويبلغ ٢٥٠٠ شـيـكـل (مــا يــعــادل ٦٠٠ دولار)، لا يكاد يكفي لتلبية احتياجات المنزل، ودفـع الإيـجـار، وفواتير الكهرباء، والمــيــا­ه، حـيـث يـبـلـغ إيــجــار المـنـزل وحده ٨٠٠ شيكل (٢٣٠ دولارا).

وتــخــتــ­لــف إيـــــجــ­ـــارات المـــنـــ­ازل والـشـقـق السكنية فـي قـطـاع غـزة، وتـــتـــر­اوح مــا بــين ٦٠٠ شـيـكـل (مـا يقابل نحو ١٧٠ دولارا) كحد أدنى، وحـتـى ١٢٠٠ شيكل (٣٤٠ دولارا) كحد أقصى، تشمل بعضها فواتير الكهرباء والمياه.

ويــقــول بــاســل الــســر المــوظــف العسكري في السلطة الفلسطينية، إنه عاد منذ اليوم الأول إلى منزل والــديــه، بـعـد انـتـشـار الـحـديـث عن قطع الرواتب عن موظفي السلطة. مشيرا إلى أنه اضطر لإفـراغ غرفة كــان يـعـيـش فـيـهـا شـقـيـقـه الـطـالـب الجامعي والسكن فيها.

ولــــفـــ­ـت الــــســـ­ـر إلــــــى أن والــــــد­ه سيتحمل مـن الآن فصاعدا مزيدا مـــن المـــصـــ­اريـــف وأعــــبــ­ــاء الــحــيــ­اة. مـشـيـرا إلـــى أن اثــنــين مــن أشـقـائـه موظفان فـي السلطة الفلسطينية وباتا بلا دخل معيشي مثله تماما.

وذكـــــــ­ر أن أشـــــقــ­ـــاءه يــفــكــر­ون أيضا بالعودة إلى المنزل، لكن عدم وجـود غرف داخـل المنزل أجبرتهم عـلـى الــبــقــ­اء فــي الـشـقـق الـسـكـنـي­ـة الـتـي يـعـيـشـون فيها مـنـذ سـنـوات طـويـلـة بــالإيــج­ــار. مـشـيـرا إلـــى أن الـظـروف بـاتـت صعبة جــدا وأنهم لا يستطيعون تـوفـيـر احتياجات عوائلهم.

وقـــــال: »عــنــدمــ­ا كـــان يـصـرف الــراتــب لـنـا كـنـا نـعـانـي، ونعيش أكــــثـــ­ـر مـــــن نـــصـــف الـــشـــه­ـــر عــلــى الــــديــ­ــون، عــلــى أمــــل أن نـسـددهـا عـنـد صــرف الــراتــب. ولـكـن الآن لا يــوجــد راتـــــب، والمـــحــ­ـلات تـوقـفـت عـن بـيـعـنـا، وأصــحــاب الـشـقـق لن يتحملوا الموظفين كثيرا، لذلك ترك الكثير مـن الموظفين المـنـازل التي يـسـتـأجـر­ونـهـا هـربـا مــن ملاحقة أصحابها وتراكم الديون.«

ولـــــــف­ـــــــت إلــــــــ­ــــى أن الــــــوض­ــــــع الاقــتــص­ــادي الــصــعــ­ب، وانــتــشـ­ـار البطالة، وعـدم توفر فـرص عمل، يـــفـــرض جــمــيــع­ــه عــلــى المــوظــف­ــين الـبـقـاء مـكـتـوفـي الأيــــدي مــن دون أي حـلـول، أو وجــود فـرصـة عمل تمكنهم من العيش، وإن كان براتب أقل بكثير مما كانوا يتلقونه.

وأضاف متسائلا : »أين نذهب بـحـالـنـا وعــوائــل­ــنــا، لا تــوجــد أي حـلـول، غــزة خـالـيـة مـن الـوظـائـف والأعمال، لم يبق أمامنا سوى أن ننضم لجيش البطالة والفقراء.«

وبــاتــت مــؤســســ­ات حـقـوقـيـة ودولــيــة تصنف أصـحـاب الـدخـل المـتـوسـط فـي قـطـاع غـــزة، ومنهم المــوظــف­ــون الــذيــن كــانــوا يـتـلـقـون حـتـى وقــت نـشـر هــذا التصنيف، رواتبهم بحسومات مالية تصل إلـى أكثر مـن ٤٠ فـي المـائـة، بأنهم باتوا ممن يعانون الفقر المدقع.

وتشهد الظروف الاقتصادية فــــي قـــطـــاع غـــــزة تـــراجـــ­عـــا حـــــادا، يـلازمـه تـراجـع فـي كافة الأوضـاع الحياتية، ما دفع بعض أصحاب الأملاك والشقق السكنية الحديثة، إلى وقف استكمال عمليات بنائها أو تشطيبها بشكل كـامـل، لعدم وجـــود إقــبــال مــن المـواطـنـ­ين على حجز شقق للبيع أو للإيجار.

ويـــقـــو­ل أحــمــد المـــدهــ­ـون أحــد العاملين فـي مـجـال الـعـقـارا­ت، إن هناك حالة ركـود غير طبيعية لم يشهدها القطاع منذ أكثر من ٢٠ عاما. مشيرا إلى أن هناك عمارات سكنية باتت تخلى من المستأجرين لعدم قدرة من يقطن بها على دفع الإيجار الشهري أو السنوي.

وأشــــار المــدهــو­ن إلـــى أن ثمة موظفين كـانـوا يعيشون فـي تلك الشقق ويلتزمون بدفع إيجاراتها، رغـم الفترة الأخـيـرة التي شهدت حـسـومـات على رواتـبـهـم. مشيرا إلى أنهم بالكاد كانوا يستطيعون تــوفــيــ­ر احــتــيــ­اجــات مــنــازلـ­ـهــم ما دفعهم لاقتصارها على الخضار والأجبان دون الفاكهة واللحوم.

ويشير إلى أن هناك أصحاب أمـــلاك أراضــــي وعـــمـــا­رات سكنية ألـغـوا مخططات لبناء المـزيـد من تــلــك الـــعـــم­ـــارات والأبـــــ­ــــراج، لـعـدم وجــود مشتريين أو مستأجرين. مـشـيـرا إلــى أن الأوضــــا­ع فـي غـزة تتدهور إلى الأسوأ، وأنه في حال استمر عدم صرف رواتب الموظفين فإنها ستسوء بشكل كبير جدا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia