Asharq Al-Awsat Saudi Edition

ّ باريس تحضر لاجتماع »المجموعة الخماسية« لإطلاق مبادرات

»هفوتان« دبلوماسيتا­ن لماكرون مع ترمب وإردوغان

- باريس: ميشال أبونجم

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس أن باريس ستستضيف الـيـوم اجتماع مـا يسمى »المجموعة الضيقة« أو »الـنـواة الصلبة« للدول المعارضة للنظام السوري التي كانت تقليديا داعمة للمعارضة والتي تضم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية والأردن. وبـين هـذه المجموعة الـدول الثلاث التي نفذت ضربات صاروخية ضد ثلاثة مواقع كيماوية ليل الجمعة - الـسـبـت فــي ســـوريـــ­ا. لـكـن مـصـادر دبــلــومـ­ـاســيــة فــرنــســ­يــة قــالــت مـسـاء لــــ »الـــشـــر­ق الأوســـــ­ـــط« إن الاجــتــم­ــاع الـذي سيكون على المستوى الـوزاري »سيلتئم في أسرع وقت لكن ليس غدا (اليوم(« لأسباب تتعلق بالتحضير وبأجندات الوزراء المدعوين.

ويأتي الاجتماع الذي كشف عنه مـــاكـــر­ون بـعـد ظـهـر أمـــس بـمـنـاسـب­ـة مـؤتـمـر صـحـافـي مـع رئـيـس الـــوزراء الكندي جوستين ترودو ترجمة لرغبة فرنسا فـي الاسـتـفـا­دة مـن الضربات العسكرية لإطلاق »دينامية سياسية « ومــعــاود­ة الـحـركـة الدبلوماسي­ة من أجـــل حــل سـيـاسـي فــي ســوريــا. لكن مصادر دبلوماسية قالت مساء أمس لـ »الشرق الأوسط « إن الاجتماع »ربما لـــن يـنـعـقـد الـــيـــو­م« لأســـبـــ­اب تتعلق بالتحضير له. وفي أي حال، إن عقد الاجتماع الـيـوم أو فـي يـوم آخـر هذا الأسبوع، فـإنه، بصيغته الراهنة، لا يعكس حقيقة »طـمـوحـات« بـاريـس الدبلوماسي­ة الـتـي كـانـت تـرغـب في اجــتــمــ­اع أوســــــع يـــضـــم، إلــــى جـانـب الأطـــــر­اف المـــذكــ­ـورة، روســيــا وتـركـيـا وإيـــــــ­ــران. لــكــن يـــبـــدو، وفــــق مــصــادر فرنسية أن »عـوائـق« واجهت الرغبة الــفــرنـ­ـســيــة ومــنــهــ­ا صــعــوبــ­ة وضــع ممثلين لروسيا ولـلأطـراف الغربية التي شاركت في الضربات العسكرية »وجـهـا لـوجـه« بـعـد ثـلاثـة أيــام فقط من العملية الثلاثية لأن أي اجتماع »مــنــتــج« يــحــتــا­ج لأجــــــو­اء مـخـتـلـفـ­ة. فضلا عن ذلك، فإن الجدل الذي نشب بين باريس وأنقرة بسبب تصريحات ماكرون ليل أول من أمس والتي قال فيها إن الضربات العسكرية أحدثت شرخا بـين موسكو وأنـقـرة حيث إن الأولى نددت بها بقوة بينما الثانية أيــدتــهـ­ـا، وتــــر الأجــــــ­ـواء الــفــرنـ­ـســيــة - الـتـركـيـ­ة الــتــي كــانــت أصـــلا مـتـوتـرة بسبب المواقف الفرنسية من العملية التركية العسكرية في عفرين ونشر وحدات كوماندوز فرنسية في مدينة منبج لمنع اجتياحها من قبل الجيش التركي.

ثـــم إن أطـــرافــ­ـا فـــي »المـجـمـوع­ـة الضيقة« لا تستسيغ أن تجد نفسها وجها لوجه مع إيران في حال ارتأت بــاريــس »تــوســيــ­ع« دائــــرة الـحـضـور لـتـشـمـل كــافــة الأطــــــ­ـراف المـــؤثــ­ـرة فـي ســـوريـــ­ا أكـــــان عــلــى الــنــظــ­ام أو عـلـى المعارضة.

ومنذ صباح السبت، دأبت أعلى السلطات الفرنسية على التأكيد على الحاجة للتواصل مـع كافة الأطــراف وعــلــى ضــــــرور­ة »اقـــتـــن­ـــاص« فـرصـة الـضـربـات العسكرية لتحريك المياه الآسنة سياسيا ودبلوماسيا. وكشف ماكرون، في حديثه التلفزيوني ليل السبت - الأحد أنه كان ينوي التوجه إلــــى أنـــقـــر­ة لــلــقــا­ء الــــرؤسـ­ـــاء الـتـركـي والروسي والإيراني »بمناسبة القمة الـتـي عـقـدوهـا فـي الــرابــع مـن الشهر الــجــاري فــي المـديـنـة الـتـركـيـ­ة« لكنه »صرف النظر عن ذلك بسبب اشتداد حدة القصف على الغوطة الشرقية«. لكن مصادر تركية أشــارت الأسبوع المــاضــي أن رغــبــة مـــاكـــر­ون »لـــم تلق تــرحــيــ­بــا« مـــن الــــرؤسـ­ـــاء الــثــلاث­ــة مـا يخالف الرواية الرئاسية الفرنسية. ورغـــم ذلـــك، يـريـد مــاكــرون، أكـثـر من أي وقت مضى، أن يعيد »التواصل« بين الغربيين وروسيا ويعتبر نفسه »الوحيد المؤهل« لهذه المهمة بسبب تدهور العلاقات بين موسكو من جهة وواشــنــط­ــن ولــنــدن مــن جـهـة ثـانـيـة. ويـقـوم التصور الفرنسي على جمع الدول الرئيسية المؤثرة خارج مجلس الأمـــن وبـعـيـدا عــن الـفـيـتـو الــروســي. كذلك فإن باريس تعتبر أن التطورات الأخـــيــ­ـرة بـيـنـت »فــشــل« روســيــا في رفض الحل السياسي الذي تتصوره لا مــن خــلال مـسـلـسـلا­ت أسـتـانـة ولا من خلال مؤتمرات كالذي حصل في سوتشي.

بــــيــــ­د أن مــــشــــ­اغــــل الـــســـل­ـــطـــات الـفـرنـسـ­يـة تـــركـــز­ت، بــــمــــ­وازاة الــدفــع باتجاه استعادة الحركة السياسية أكــــان فــي مـجـلـس الأمــــن أو خــارجــه، على الداخل الفرنسي حيث تتعرض الــحــكــ­ومــة لـحـمـلـة قــويــة مـــن أقـصـى الـيـمـن والــيــسـ­ـار ومــن بـعـض اليمين والـيـسـار الكلاسيكي، على »تبرير« مشاركة باريس في العملية العسكرية الـثـلاثـي­ـة. وهــذا الـجـانـب احـتـل حيزا واســـعـــ­ا مـــن المــقــاب­ــلــة الـتـلـفـز­يـونـيـة المطولة لماكرون ليل الأحـد - الاثنين. وأمـس، سعى رئيس الحكومة أدوار فـيـلـيـب لإقــنــاع الــنـــوا­ب الـفـرنـسـ­يـين، فـــي جـلـسـة خـــاصـــة، بــشــأن ضــــرورة الـضـربـات وشـرعـيـتـ­هـا وقانونيتها لاجــئــا لـتـفـنـيـ­د الأســــبـ­ـــاب والــحــجـ­ـج نفسها الـتـي يـشـدد عليها الإلـيـزيـ­ه ووزارتا الخارجية والدفاع. ويفرض الــدســتـ­ـور عـلـى الـسـلـطـة الـتـنـفـي­ـذيـة أن »تـطـلـع« الــبــرلم­ــان عـلـى مسببات الـعـمـلـي­ـات الـعـسـكـر­يـة الـتـي قــد تأمر بها خلال ثلاثة أيام من قيامها وهو ما التزمت به حكومة فيليب. ويؤخذ على مـاكـرون أنــه أمــر بـالمـشـار­كـة في الضربات العسكرية من غير »غطاء« من مجلس الأمن ومن غير استشارة البرلمان. وسعت هذه السلطة بلسان مـــاكـــر­ون وفـيـلـيـب ولـــو دريـــــان على التأكيد أن باريس »لم تعلن الحرب« على النظام الـسـوري وحرصت على تـلافـي التصعيد وحـصـر الـضـربـات بالمواقع الكيماوية وأيـضـا بالرغبة فـي تنشيط المــبــاد­رات الدبلوماسي­ة ودور مجلس الأمن.

يــــعــــ­رف عـــــن مــــــاكـ­ـــــرون مـــهـــار­تـــه الـسـيـاسـ­يـة والـدبـلـو­مـاسـيـة. إلا أنـه ارتـــكـــ­ب »هـــفـــوة« دبــلــومـ­ـاســيــة وهــو بصدد إبراز أهمية الدور الذي لعبته باريس في الأيام الأخيرة مشيرا إلى إقــنــاعـ­ـه الــرئــيـ­ـس الأمــيــر­كــي بـتـركـيـز الضربات على المواقع الكيماوية في سوريا وعلى إبقاء القوات الأميركية »لأمــد طـويـل« فـي هــذا الـبـلـد لمـوازنـة الـحـضـور الــروســي والإيـــرا­نـــي. لكن الإشــــــ­ــــارة الأخـــــي­ـــــرة لــــم تـــــرق لـلـبـيـت الأبــيــض الــــذي ســــارع عـبـر الـنـاطـقـ­ة بـاسـمـه إلــى إعـــلان أن مـهـمـة الـقـوات الأميركية في سوريا »لم تتبدل« وأن الرئيس ترمب »عازم على إعادتها في أقرب وقت«. ولا شك أن الملف السوري سيكون على رأس جـدول المحادثات الـتـي سـيـعـقـده­ـا تـرمـب مــاكــرون في واشـنـطـن الأسـبـوع الـقـادم بمناسبة زيــــــار­ة الأخـــيــ­ـر الــرســمـ­ـيــة لــلــولاي­ــات المتحدة الأميركية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia