ّ باريس تحضر لاجتماع »المجموعة الخماسية« لإطلاق مبادرات
»هفوتان« دبلوماسيتان لماكرون مع ترمب وإردوغان
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس أن باريس ستستضيف الـيـوم اجتماع مـا يسمى »المجموعة الضيقة« أو »الـنـواة الصلبة« للدول المعارضة للنظام السوري التي كانت تقليديا داعمة للمعارضة والتي تضم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية والأردن. وبـين هـذه المجموعة الـدول الثلاث التي نفذت ضربات صاروخية ضد ثلاثة مواقع كيماوية ليل الجمعة - الـسـبـت فــي ســـوريـــا. لـكـن مـصـادر دبــلــومــاســيــة فــرنــســيــة قــالــت مـسـاء لــــ »الـــشـــرق الأوســــــــط« إن الاجــتــمــاع الـذي سيكون على المستوى الـوزاري »سيلتئم في أسرع وقت لكن ليس غدا (اليوم(« لأسباب تتعلق بالتحضير وبأجندات الوزراء المدعوين.
ويأتي الاجتماع الذي كشف عنه مـــاكـــرون بـعـد ظـهـر أمـــس بـمـنـاسـبـة مـؤتـمـر صـحـافـي مـع رئـيـس الـــوزراء الكندي جوستين ترودو ترجمة لرغبة فرنسا فـي الاسـتـفـادة مـن الضربات العسكرية لإطلاق »دينامية سياسية « ومــعــاودة الـحـركـة الدبلوماسية من أجـــل حــل سـيـاسـي فــي ســوريــا. لكن مصادر دبلوماسية قالت مساء أمس لـ »الشرق الأوسط « إن الاجتماع »ربما لـــن يـنـعـقـد الـــيـــوم« لأســـبـــاب تتعلق بالتحضير له. وفي أي حال، إن عقد الاجتماع الـيـوم أو فـي يـوم آخـر هذا الأسبوع، فـإنه، بصيغته الراهنة، لا يعكس حقيقة »طـمـوحـات« بـاريـس الدبلوماسية الـتـي كـانـت تـرغـب في اجــتــمــاع أوســــــع يـــضـــم، إلــــى جـانـب الأطـــــراف المـــذكـــورة، روســيــا وتـركـيـا وإيـــــــــران. لــكــن يـــبـــدو، وفــــق مــصــادر فرنسية أن »عـوائـق« واجهت الرغبة الــفــرنــســيــة ومــنــهــا صــعــوبــة وضــع ممثلين لروسيا ولـلأطـراف الغربية التي شاركت في الضربات العسكرية »وجـهـا لـوجـه« بـعـد ثـلاثـة أيــام فقط من العملية الثلاثية لأن أي اجتماع »مــنــتــج« يــحــتــاج لأجــــــواء مـخـتـلـفـة. فضلا عن ذلك، فإن الجدل الذي نشب بين باريس وأنقرة بسبب تصريحات ماكرون ليل أول من أمس والتي قال فيها إن الضربات العسكرية أحدثت شرخا بـين موسكو وأنـقـرة حيث إن الأولى نددت بها بقوة بينما الثانية أيــدتــهــا، وتــــر الأجـــــــواء الــفــرنــســيــة - الـتـركـيـة الــتــي كــانــت أصـــلا مـتـوتـرة بسبب المواقف الفرنسية من العملية التركية العسكرية في عفرين ونشر وحدات كوماندوز فرنسية في مدينة منبج لمنع اجتياحها من قبل الجيش التركي.
ثـــم إن أطـــرافـــا فـــي »المـجـمـوعـة الضيقة« لا تستسيغ أن تجد نفسها وجها لوجه مع إيران في حال ارتأت بــاريــس »تــوســيــع« دائــــرة الـحـضـور لـتـشـمـل كــافــة الأطـــــــراف المـــؤثـــرة فـي ســـوريـــا أكـــــان عــلــى الــنــظــام أو عـلـى المعارضة.
ومنذ صباح السبت، دأبت أعلى السلطات الفرنسية على التأكيد على الحاجة للتواصل مـع كافة الأطــراف وعــلــى ضــــــرورة »اقـــتـــنـــاص« فـرصـة الـضـربـات العسكرية لتحريك المياه الآسنة سياسيا ودبلوماسيا. وكشف ماكرون، في حديثه التلفزيوني ليل السبت - الأحد أنه كان ينوي التوجه إلــــى أنـــقـــرة لــلــقــاء الــــرؤســــاء الـتـركـي والروسي والإيراني »بمناسبة القمة الـتـي عـقـدوهـا فـي الــرابــع مـن الشهر الــجــاري فــي المـديـنـة الـتـركـيـة« لكنه »صرف النظر عن ذلك بسبب اشتداد حدة القصف على الغوطة الشرقية«. لكن مصادر تركية أشــارت الأسبوع المــاضــي أن رغــبــة مـــاكـــرون »لـــم تلق تــرحــيــبــا« مـــن الــــرؤســــاء الــثــلاثــة مـا يخالف الرواية الرئاسية الفرنسية. ورغـــم ذلـــك، يـريـد مــاكــرون، أكـثـر من أي وقت مضى، أن يعيد »التواصل« بين الغربيين وروسيا ويعتبر نفسه »الوحيد المؤهل« لهذه المهمة بسبب تدهور العلاقات بين موسكو من جهة وواشــنــطــن ولــنــدن مــن جـهـة ثـانـيـة. ويـقـوم التصور الفرنسي على جمع الدول الرئيسية المؤثرة خارج مجلس الأمـــن وبـعـيـدا عــن الـفـيـتـو الــروســي. كذلك فإن باريس تعتبر أن التطورات الأخـــيـــرة بـيـنـت »فــشــل« روســيــا في رفض الحل السياسي الذي تتصوره لا مــن خــلال مـسـلـسـلات أسـتـانـة ولا من خلال مؤتمرات كالذي حصل في سوتشي.
بــــيــــد أن مــــشــــاغــــل الـــســـلـــطـــات الـفـرنـسـيـة تـــركـــزت، بــــمــــوازاة الــدفــع باتجاه استعادة الحركة السياسية أكــــان فــي مـجـلـس الأمــــن أو خــارجــه، على الداخل الفرنسي حيث تتعرض الــحــكــومــة لـحـمـلـة قــويــة مـــن أقـصـى الـيـمـن والــيــســار ومــن بـعـض اليمين والـيـسـار الكلاسيكي، على »تبرير« مشاركة باريس في العملية العسكرية الـثـلاثـيـة. وهــذا الـجـانـب احـتـل حيزا واســـعـــا مـــن المــقــابــلــة الـتـلـفـزيـونـيـة المطولة لماكرون ليل الأحـد - الاثنين. وأمـس، سعى رئيس الحكومة أدوار فـيـلـيـب لإقــنــاع الــنـــواب الـفـرنـسـيـين، فـــي جـلـسـة خـــاصـــة، بــشــأن ضــــرورة الـضـربـات وشـرعـيـتـهـا وقانونيتها لاجــئــا لـتـفـنـيـد الأســــبــــاب والــحــجــج نفسها الـتـي يـشـدد عليها الإلـيـزيـه ووزارتا الخارجية والدفاع. ويفرض الــدســتــور عـلـى الـسـلـطـة الـتـنـفـيـذيـة أن »تـطـلـع« الــبــرلمــان عـلـى مسببات الـعـمـلـيـات الـعـسـكـريـة الـتـي قــد تأمر بها خلال ثلاثة أيام من قيامها وهو ما التزمت به حكومة فيليب. ويؤخذ على مـاكـرون أنــه أمــر بـالمـشـاركـة في الضربات العسكرية من غير »غطاء« من مجلس الأمن ومن غير استشارة البرلمان. وسعت هذه السلطة بلسان مـــاكـــرون وفـيـلـيـب ولـــو دريـــــان على التأكيد أن باريس »لم تعلن الحرب« على النظام الـسـوري وحرصت على تـلافـي التصعيد وحـصـر الـضـربـات بالمواقع الكيماوية وأيـضـا بالرغبة فـي تنشيط المــبــادرات الدبلوماسية ودور مجلس الأمن.
يــــعــــرف عـــــن مــــــاكــــــرون مـــهـــارتـــه الـسـيـاسـيـة والـدبـلـومـاسـيـة. إلا أنـه ارتـــكـــب »هـــفـــوة« دبــلــومــاســيــة وهــو بصدد إبراز أهمية الدور الذي لعبته باريس في الأيام الأخيرة مشيرا إلى إقــنــاعــه الــرئــيــس الأمــيــركــي بـتـركـيـز الضربات على المواقع الكيماوية في سوريا وعلى إبقاء القوات الأميركية »لأمــد طـويـل« فـي هــذا الـبـلـد لمـوازنـة الـحـضـور الــروســي والإيـــرانـــي. لكن الإشــــــــــارة الأخـــــيـــــرة لــــم تـــــرق لـلـبـيـت الأبــيــض الــــذي ســــارع عـبـر الـنـاطـقـة بـاسـمـه إلــى إعـــلان أن مـهـمـة الـقـوات الأميركية في سوريا »لم تتبدل« وأن الرئيس ترمب »عازم على إعادتها في أقرب وقت«. ولا شك أن الملف السوري سيكون على رأس جـدول المحادثات الـتـي سـيـعـقـدهـا تـرمـب مــاكــرون في واشـنـطـن الأسـبـوع الـقـادم بمناسبة زيــــــارة الأخـــيـــر الــرســمــيــة لــلــولايــات المتحدة الأميركية.