الائتلافات الكبيرة في العراق تتسبب بخسائر لشركات الدعاية الانتخابية
بعضها أقام مطابع خاصة... وأخرى تطبع ملصقاتها في إيران وتركيا ولبنان
بات ملايين المواطنين العراقيين يــــشــــاهــــدون يـــومـــيـــاً مــــئــــات الآلاف مـــن الإعــــلانــــات الــدعــائــيــة لمـرشـحـي الانـتـخـابـات بـمـجـرد انــطــلاق مـوعـد الحملات الدعائية الرسمي، أول من أمس، وإذا كان العراقيون يشاهدون هـذا الكم الهائل من صـور وإعلانات الائـــــتـــــلافـــــات والمـــــرشـــــحـــــين، فــإنــهــم يجهلون، وربـمـا لا يكترثون غالباً، بمصدر تلك الإعـلانـات أو »جيوش العاملين« التي تقف وراء انتشارها في مدنهم. لكن المؤكد أن الائتلافات والـــشـــخـــصـــيـــات المــــرشــــحــــة تــعــرف الـــشـــركـــات والمـــكـــاتـــب والأشــــخــــاص والمتخصصين في هذا المجال.
ويـمـثـل حــي الـبـتـاويـن الـقـريـب مـــن ســاحــة الــتــحــريــر وســــط بــغــداد المـكـان الرئيسي لصناعة الملصقات الدعائية، حتى إنه يُعدّ المركز الأبرز لــهــذه الـصـنـاعـة فــي عــمــوم الــعــراق، بحيث يقصده الـتـجـار والمـرشـحـون مـــن جـمـيـع المــحــافــظــات، ســـــواء مـن أجـل شـراء المـواد الأولية الداخلة في صــنــاعــة الإعـــــــلان، أو عــمــل الإعــــلان الكامل للمرشح، ثم نقله إلى مناطق ترشيحه في المحافظات.
ويستطيع المار من الشوارع التي تتمركز بها مكاتب وشركات الطباعة هــذه الأيـــام مـن رؤيــة آلاف الـلـوحـات الإعلانية للائتلافات والمرشحين وهي بانتظار »زبائنها« لنقلها وتعليقها في الساحات والأماكن العامة.
ويــــقــــول عـــــلاء صـــالـــح سـلـطـان صـــاحـــب شـــركـــة »أقـــــــــلام« لـلـطـبـاعـة لــ »الـشـرق الأوســط« إن الـشـارع الـذي تقع فيه شركته »يحتوي وحده على نحو ٣٠ شركة ونحو ٤٠ مطبعة.«
وإذا كان الانطباع الشائع محلياً هـــو أن الــســبــاق الانــتــخــابــي يـمـثـل »مـــوســـم وفــــرة وحـــصـــاد« بـالـنـسـبـة لــشــركــات الــطــبــاعــة والإعـــــــــلان، فــإن علاء سلطان يشتكي من أن »الـدورة الـبـرلمـانـيـة الأخــيــرة، هـي الأقــل وفـرة قياساً بالدورات السابقة.«
ويتفق سلطان مع كثيرين غيره في البتاوين، على مجموعة أسباب أسـهـمـت فــي »انــحــســار« مـداخـيـلـهـم المــالــيــة فـــي هــــذه الـــــــــدورة، مـنـهـا أن أغـــلـــب الــكــتــل الــســيــاســيــة الــكــبــيــرة »عـــمـــدت إلــــى شـــــراء مــطــابــع خـاصـة بها«. ويضيف: »بعض الكتل قامت بطابعة ملصقاتها الدعائية في إيران وتركيا ولبنان، لقد لعبوا معنا لعبة شيطانية هــذه المـــرة، بحيث تـراجـع عملنا في السباق الانتخابي الحالي إلى نحو ٦٠ في المائة قياساً بالدورات السابقة«.
ويـشـيـر سـلـطـان إلـــى أن »المـتـر الواحد من الملصق الانتخابي كانت ينفذ سابقا بـ٤ آلاف دينار عراقي، في حين تراجع سعره في هذه الانتخابات
َ إلى ألفيْ دينار فقط، بحيث أصبحنا بالكاد نسد تكاليف عملنا ونحصل على ربح ضئيل جدّاً«.
وحول دخول الكتل الكبيرة على خط الإعـلان الدعائي يقول سلطان، وهــــو مــســتــورد لــلــمــواد الـطـبـاعـيـة المــخــتــلــفــة، إضــــافــــة إلــــــى عــمــلــه فـي المـلـصـقـات الـدعـائـيـة: »دخـــول الكتل السياسية فـي سـوق الإعــلان أصابه بمقتل، بحيث ارتفع سعر المتر الخام لـورق الطباعة البلاستيكي نحو ١٠ سنتات من منشأة في الصين، كذلك ارتفع سعر ماكينة الطباعة إلـى ٢٨ ألـف دولار بعد أن كـان نحو ٢٠ ألفاً فـــقـــط«. ويــشــيــر إلــــى أن »الــحــمــلات الــدعــائــيــة تـتـبـايـن مـــن ائـــتـــلاف إلــى آخــر، تبعاً لأوضـاعـه المـالـيـة، بعض الكتل مثلاً تطبع أكثر من مليون متر للترويج لحملتها الانتخابية.«
والــــعــــمــــل فـــــي ســـــــوق الـــدعـــايـــة والـحـمـلات الانـتـخـابـيـة لا يـمـر دون مـــصـــاعـــب تــــواجــــه الـــعـــامـــلـــين فــيــه، خـــصـــوصـــاً أولــــئــــك الــــــــذي يُــكــلــفــون بـتـثـبـيـت مــلــصــقــات المـــرشـــحـــين فـي الأماكن العامة التي تتنافس عليها الائـتـلافـات والشخصيات المرشحة، وهذا ما يؤكده حيدر أبو حنين، وهو صاحب محل صغير لعمل وتثبيت الملصقات الانتخابية في البتاوين، بحيث تعرض فريقه في بعض المرات إلى التهديد والطرد من قبل جماعة منافسة أخرى.
ويــــقــــول أبـــــو حــنــين لــــ »الـــشـــرق الأوســط:« »طلب منا أحـد المرشحين تثبيت صوره في أحد الأحياء التابعة لنفوذ جماعة أخرى، وبمجرد قيامنا بالعمل أتى عناصر من تلك الجماعة وتــشــاجــروا مــع صـاحـبـنـا، الـتـزمـنـا الـــصـــمـــت إلــــــى أن انـــتـــهـــت المــشــكــلــة بالتراضي وذهبنا إلـى مكان آخـر.« ويلفت إلى أن فريقه لا يخرج لتثبيت صور وإعلانات المرشحين إلا بطلب ومــصــاحــبــة فـــريـــق تـــابـــع لـلـمـرشـح أو الائــتــلاف، مـضـيـفـاً: »لا نستطيع المجازفة بالخروج لوحدنا، ثم إنهم مَن يحدد أماكن وضع الإعلان وليس نـــحـــن«. وعــــن أطـــــرف المـــواقـــف الـتـي صادفها أبـو حنين فـي عمله، يذكر: »ذات مرة طلب منا نصب إعلان كبير لإحـــدى الـــــــوزارات فــي مــكــان مـحـدد، وفـــــي ذلـــــك المــــكــــان تـــحـــديـــد وجـــدنـــا صورة كبيرة للسيد مقتدى الصدر، فــوضــعــنــا مـلـصـقـنـا قــبــل صـــورتـــه، وخلال لحظات وصلنا اتباع الصدر وهـم غـاضـبـون، فقلنا لـهـم: (حسناً، دعــونــا نــأخــذ صــــورة تــؤكــد قـيـامـنـا بالمهمة، ثم قوموا بتمزيقها!«(
ويشاطر أبو حنين بقية زملائه بشأن تراجع مداخيلهم المالية نتيجة قـــيـــام الائــــتــــلافــــات الــكــبــيــرة بــشــراء المطابع وتنفيذ دعايتها الانتخابية لحسابها الخاص إلى جانب طباعة بــعــض مـلـصـقـاتـهـا خـــــارج الـــعـــراق، ويضيف: »نعمل هـذا المـوسـم للكتل الصغيرة والمرشحين العاديين، ومع ذلك يقوم بعض وكلائهم بمساومتنا لأخذ نسبة من أجور الإعلان.«