Asharq Al-Awsat Saudi Edition

تركيا تحاكم قساً أميركياً بتهمة التجسس في قضية تثير التوتر مع واشنطن

المحكمة أسقطت تهماً ضده بالإرهاب تصل عقوبتها إلى المؤبد

- أنقرة: سعيد عبد الرازق

انـــطـــل­ـــقـــت فــــــي مــــديـــ­ـنــــة إزمــــيــ­ــر (غــرب تركيا)، أمــس، محاكمة القس الأمــيــر­كــي أنـــــدرو بــراونــس­ــون بتهم تتعلق بالإرهاب بعدما أمضى عاما ونصفا رهن الحبس الاحتياطي، في قضية أضافت ملفا جديدا إلى ملفات التوتر بين أنقرة وواشنطن.

وعقدت الجلسة الأولى في إطار المــحــاك­ــمــة، الــتــي يــتــوقــ­ع أن تستمر لأشــــهــ­ــر، فــــي قـــاعـــة مــحــكــم­ــة ضـمـن سـجـن عـلـي آغــا فـي محافظة إزمـيـر. ومــــثـــ­ـل بــــراونـ­ـــســــون أمـــــــا­م المــحــكـ­ـمــة مرتديا قميصا أبيض وبدلة سوداء، وطـلـب عـرض دفـاعـه باللغة التركية مـع الاسـتـعـا­نـة بمترجمين إذا شعر بالحاجة إلى ذلك.

وكان قد ألقي القبض على القس الأميركي، وهو في العقد السادس من العمر وكــان مـسـؤولا مـع زوجـتـه عن كنيسة »ديـلـيـريـ­ش« للبروتستان­ت في مدينة أزمير، في أكتوبر (تشرين الأول) ٢٠١٦ لاتهامه بالقيام بأنشطة لـدعـم حـركـة الـخـدمـة الـتـي يتزعمها الداعية التركي فتح الله غولن، المقيم فـي بنسلفانيا الأميركية منذ العام ١٩٩٩ والــذي تتهمه أنـقـرة بالوقوف وراء محاولة انقلاب شهدتها تركيا في ٢٠١٦. وحزب العمال الكردستاني المــحــظـ­ـور (وكــلاهــم­ــا تـصـنـفـه تـركـيـا منظمة إرهابية)، كما اتّهم بالتجسس لأهداف سياسية وعسكرية.

وقـال إسماعيل جيم هالافورت، مـحـامـي الــقــس الأمــيــر­كــي، إن »حـقـه في الحرية والأمـان منتهك منذ فترة طويلة، نـأمـل بالمقام الأول التوصل إلـى الإفــراج عـنـه، ونعتقد أنـه سيتم تــبــرئــ­تــه فــــي نـــهـــاي­ـــة المــــطــ­ــاف لأنــنــا مقتنعون ببراءته«.

وفــــــي حــــــال إدانــــــ­تــــــه، ســيــواجـ­ـه براونسون عقوبتين بالسجن ١٥ عاما و٢٠ عاما، بحسب محاميه. وحضرت نــــوريــ­ــن بــــراونـ­ـــســــون زوجـــــــ­ة الــقــس الأمــيــر­كــي جـلـسـة أمــــس، إلـــى جـانـب الـسـيـنـا­تـور الأمـيـركـ­ي تــوم تيليس، والـسـفـيـ­ر الأمـيـركـ­ي الــخــاص لحرية المعتقد في العالم سام براونباك.

وقـــال المـحـامـي إن مـوكـلـه »لـديـه تطلعات وأمـــل، لكنه بالطبع حزين أيضا لأنه بريء... سجن لوقت طويل من دون سبب«. وتبين أن التهم التي وجـهـتـهـا المـحـكـمـ­ة إلـــى بــراونــس­ــون، أخـف مـن تلك الـتـي صــدرت فـي بيان اتـهـام أول نشر فـي ١٣ مــارس (آذار) المـــــاض­ـــــي، حـــيـــث اتـــهـــم بـــأنـــه عـضـو فــي حـركـة الـخـدمـة أو كـمـا تسميها الحكومة »منظمة فتح الـلـه غـولـن«، وطالب الادعاء العام بعقوبة السجن المؤبد بحقه. وأسقطت لائحة الاتهام الـجـديـدة تهمة الانـتـمـا­ء إلـى منظمة إرهابية، سواء كانت حركة غولن أو حزب العمال الكردستاني.

ويـــشـــك­ـــل اعــــتـــ­ـقــــال بــــراونـ­ـــســــون أحــد المـلـفـات الشائكة الأسـاسـيـ­ة في العلاقات بـين أنـقـرة وواشنطن التي تـراجـعـت فــي الـفـتـرة الأخــيــر­ة بـشـدة بـسـبـب اتــهــام تـركـيـا لـحـلـيـفـ­تـهـا في الـنـاتـو بـدعـم تنظيم إرهــابــي يعمل ضــدهــا فــي ســـوريـــ­ا، فــي إشـــــارة من أنــقــرة إلـــى وحـــــدات حــمــايــ­ة الـشـعـب الــكــردي­ــة المــكــون الـرئـيـسـ­ي لـتـحـالـف قــــوات ســوريــا الـديـمـقـ­راطـيـة حليف أميركا في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي. كما تطالب تركيا الولايات المـــتـــ­حـــدة بــتــوقــ­يــف الـــداعــ­ـيـــة غــولــن وتـسـلـيـم­ـه إلـيـهـا، بــدعــوى أنــه مـدبـر محاولة الانقلاب الفاشلة التي ينفي بدوره أي صله له بها، بينما تطالب واشنطن بتقديم أدلة قوية تدينه أمام القضاء الأميركي.

ولمح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى أن بلاده قد تفرج عن براونسون في حال سلمتها واشنطن غولن، قائلا: »يقولون أعطونا القس. لديكم داعية (غولن) هناك. سلموه إلينا وسنحاكم (براونسون) ونعيده إليكم «. وتسعى واشنطن للتوصل إلـى إطـلاق سراح براونسون، لكنها رفضت على الدوام فكرة إجراء عملية تبادل، كما تخلت الـسـلـطـا­ت الأمـيـركـ­يـة عــن المـلاحـقـ­ات التي كانت تستهدف ١١ عنصر أمن من مرافقي إردوغــان بتهمة التعدي على متظاهرين مؤيدين للأكراد في واشنطن خلال زيارته لواشنطن في مايو (أيار) .٢٠١٧

ومــــن المـــقـــ­رر الإفــــــ­ـراج قــريــبــ­ا عـن اثنين من أنصار الرئيس التركي حكم عليهما فـي القضية ذاتـهـا بالسجن ٣٦٦ يوما.

وقــــال مــســؤول أمــيــركـ­ـي لـوكـالـة الصحافة الفرنسية، طالبا عدم كشف اسمه إن واشنطن تنظر »بجدية« إلى واجب مساعدة مواطنيها الموقوفين في الـخـارج، ونأمل أن يقوم القضاء التركي بتسوية هذه القضية بطريقة عادلة ومنطقية .«

واعــتــقـ­ـل الــقــس بـــراونــ­ـســـون مـع زوجـتـه نـوريـن، غـيـر أنــه أفــرج عنها فــي ديـسـمـبـر (كــانــون الأول) ٢٠١٦، وكتبت في رسالة نشرت على صفحة دعم لزوجها على »فيسبوك«: »رجاء صــــلــــ­وا« مــــن أجـــــل أنــــــــ­ــدرو. واعــتــبـ­ـر محاميه أن موكله اعتقل فـي تركيا »بـسـبـب عـقـيـدتـه المـسـيـحـ­يـة«. وقــال المحامي إسماعيل جيم هالافورت، إن القس أنــدرو بـراونـسـو­ن الـذي اعتقل قبل ١٨ شهرا يواجه اتهاما »لا أساس لـه عـلـى الإطـــلاق« بـمـسـاعـد­ة جماعة إرهابية، ويجب أن يطلق سراحه في جلسة اليوم (أمس).

والـــــقـ­ــــس الأمــــيـ­ـــركــــي مـــــن ولايـــــة نـورث كارولينا الأميركية، ويعيش فــي تـركـيـا مـنـذ ٢٣ عــامــا، ووصـفـتـه صحيفة »يني شفق« التركية القريبة من الرئيس رجب طيب إردوغان أمس بأنه »الجاسوس في ثوب الراهب«.

فـــــي ســــيــــ­اق مـــــــــ­ـواز، نـــظـــم حـــزب الشعب الجمهوري، حـزب المعارضة الرئيسي في تركيا، أمس مسيرات في أنحاء البلاد احتجاجا على استمرار

ُ فرض حالة الطوارئ التي فرضت منذ ٢٠ يوليو (تموز) ٢٠١٦، عقب محاولة الانـقـلاب الـفـاشـلـ­ة فـي ١٥ مـن الشهر نفسه، وتمنح الحكومة صلاحيات واسعة.

واعتقل أكثر من ٦٠ ألف شخص كـمـا فـصـل أو أوقـــف عـن الـعـمـل أكثر مـن ١٦٠ ألـفـا فـي مختلف مؤسسات الــدولــة وهـيـئـاتـ­هـا بـمـوجـب مراسيم حالة الطوارئ بدعوى دعمهم لمحاولة الانقلاب أو منظمات إرهابية، إلا أن الـــغـــر­ب وجـــمـــا­عـــات حــقــوقــ­يــة يـــرون أن الاعــتــق­ــالات والــفــصـ­ـل مــن الـعـمـل يـسـتـهـدف مـعـارضـي الـرئـيـس رجـب طيب إردوغـان بينما تقول الحكومة إن حــمــلــة الــتــطــ­هــيــر الـــجـــا­ريـــة مـنـذ مــحــاولـ­ـة الانـــقــ­ـلاب هــدفــهــ­ا الـقـضـاء على أي تهديد مماثل. ويتم إصـدار المراسيم بدلاً من القوانين فيما يتعلق بعدة قضايا، مـن الأمـن القومي إلى خصخصة مصانع السكر.

وذكـر حـزب الشعب الجمهوري، في بيان أمس، إنه »نظم مظاهرات في ولايات البلاد الـ٨١. قبل تصويت مقرر فـي الـبـرلمـا­ن غــدا (الأربــعــ­اء) لتمديد حـــالـــة الـــــطــ­ـــوارئ ٣ أشـــهـــر أخــــــرى«، ليصبح بذلك إجمالي مدة فرض حالة الطوارئ عامين كاملين.

وتـــــقــ­ـــول الـــحـــك­ـــومـــة إن »هـــنـــاك حـــاجـــة لـــحـــال­ـــة الـــــطــ­ـــوارئ لمــواجــه­ــة الإرهـــــ­ــــاب، وخـــاصـــ­ة حــركــة الـخـدمـة الـتـابـعـ­ة لـغـولـن«، لـكـن حــزب الشعب الـجـمـهـو­ري والمــعــا­رضــون الآخــــرو­ن يرون أن »الطوارئ« تعمل على تآكل الديمقراطي­ة، وحكم القانون، كما أنها تطبق بصورة غير عادلة.

 ??  ?? إردوغان لدى استقباله الأمين العام لـ »الناتو« في أنقرة أمس (إ.ب.أ)
إردوغان لدى استقباله الأمين العام لـ »الناتو« في أنقرة أمس (إ.ب.أ)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia