مجلس الأمن في مواجهة الأزمتين السورية واليمنية
بــــمــــشــــاهــــدة الـــنـــقـــاشـــات الـــــــــحـــــــــادة الـــــــتـــــــي شـــهـــدتـــهـــا اجــــتــــمــــاعــــات مـــجـــلـــس الأمـــــن الـدولـي حـول الأزمــة السورية عـــلـــى خــلــفــيــة قـــــــرار الــرئــيــس دونــالــد تـرمـب تـوجـيـه ضربة عـسـكـريـة لـسـوريـا لـتـجـاوزهـا الــخــطــوط الـــحـــمـــراء، بــاتــهــام نظام الأسد باستخدام السلاح الــكــيــمــاوي ضــد المــدنــيــين في بـــــلاده، تــســاء لــت بـيـنـي وبـين نــــفــــســــي: هـــــــل هــــــنــــــاك أوجـــــــه للمقاربة والمـقـارنـة مـع الأزمـة اليمنية؟ أم أن طبيعة الأزمتين مختلفتان كلية عن بعضهما؟ ومـــــا أســــبــــاب ومـــظـــاهـــر هـــذا الاخـــتـــلاف؟ هــل بـسـبـب حجم المـأسـاة الإنسانية في سوريا بهجرة الملايين من السوريين إلــــى أوروبــــــــا بــشــكــل رئـيـسـي وبـــــعـــــض المـــــنـــــاطـــــق الأخــــــــرى مــن الـعـالـم يـجـعـل تـداعـيـاتـهـا الإنــســانــيــة لا تـــقـــاس بـحـجـم مـــأســـاة الـــحـــرب الـيـمـنـيـة مـن ناحية العدد ولأنها محصورة إقليمياً بحكم الجغرافيا في المنطقة العربية وتحديداً في الخليج والجزيرة العربية؟ أم أن طبيعة الـسـلاح المستخدم مــن الـكـيـمـاوي إلـــى الـبـرامـيـل المــتــفــجــرة والـــــدمـــــار الـــواســـع الذي تحدثه الضربات الجوية تختلف في الحالتين السورية عن اليمنية؟
إذا نــــظــــر المـــــــراقـــــــب الآن عـــــــن قــــــــــرب حــــــــــول إمـــكــــانـــيـــة وجــــــود مـــقـــاربـــة أو اخــتــلاف بــين الأزمـــتـــين ســيــلاحــظ منذ الوهلة الأولى نقاط الاختلاف الـجـوهـريـة بـيـنـهـمـا، انـطـلاقـاً من مشاهد اجتماعات مجلس الأمن الدولي الأخيرة وأهداف الأطراف المتصارعة في الأزمة الــــســــوريــــة مـــقـــارنـــة بــــالأزمــــة اليمنية.
في الأزمة السورية جميع أطراف النزاع هي دول أعضاء فــي الأمـــم المـتـحـدة، وبـالـتـالـي عضويتها في المنظمة مرتبطة باحترامها أو انتهاكها لميثاق الأمـم المتحدة، بعكس الحالة فــــي الأزمـــــــــة الــيــمــنــيــة، حـيـث أحـد الأطــراف الرئيسية فيها الـحـوثـيـون وجـمـاعـة الرئيس السابق علي عبد الله صالح هي ميليشيات وقوات نظامية كانت جزءاً من القوات المسلحة اليمنية تمردت على الحكومة الــــشــــرعــــيــــة بـــتـــحـــالـــفـــهـــا مــع الـحـوثـيـين، وبسبب ذلــك عند بــحــث مـجـلـس الأمــــن الــدولــي الأزمة اليمنية، فقط الحكومة الـيـمـنـيـة الـشـرعـيـة ممثلة في مداولات المجلس الذي لا يكون مــســرحــاً لــتــبــادل الــتــهــم، كما حدث أخيراً في جلسات مجلس الأمن حول سوريا في التراشق اللفظي بين المـنـدوب الروسي والمـنـدوبـة الأمـيـركـيـة وإطــلاق مندوب سوريا عبارات قاسية ضـد الـــدول الـغـربـيـة، ولا شك لو كان الحوثيون لهم حضور فــــي مــجــلــس الأمـــــــن لأطــلــقــوا شعاراتهم المعتادة. والأهم من كل ذلك في الصراع في الأزمة الــســوريــة أن المــواجــهــة كـانـت بـين الــدول الأعـضـاء الدائمين لمـجـلـس الأمـــــن بـــين الـــولايـــات المـتـحـدة وبـريـطـانـيـا وفرنسا الـثـلاثـي المــشــارك فـي الضربة ضد سوريا في مواجهة روسيا ووقوف الصين معها في إدانة مـا سمته »الــعــدوان الثلاثي« على سوريا، ما يعيد الذاكرة إلى فترة الحرب الباردة وكان حضور الأمـين العام مـداولات مجلس الأمن الأخيرة وإلقاؤه كـلـمـة بـاسـم المـنـظـمـة الـدولـيـة وتـــــذكـــــيـــــره بـــــالـــــتـــــزام الــــــــدول الأعـــــضـــــاء، وخـــصـــوصـــاً كـمـا أشـــــار »عــنــدمــا يـتـعـلـق الأمـــر بقضايا السلم والأمـــن يحتم الـــتـــصـــرف بـــمـــا يـــتـــوافـــق مـع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الــدولــي بـشـكـل عـــام،« بمعنى آخـــر ضــــرورة الالـــتـــزام بحظر اســـتـــخـــدام الـــقـــوة مـــن جــانــب واحـــد وضـــــرورة احــتــرام دور مـجـلـس الأمـــــن الـــدولـــي الـــذي أناط إليه الميثاق حل النزاعات بين الدول.
ولــــــم يــــحــــدث فـــــي الأزمــــــة اليمنية أن شارك الأمين العام لــــلأمــــم المـــتـــحـــدة بــمــثــل هـــذه المداخلات في جلسات مجلس الأمــــــن الــــدولــــي ذات الــعــلاقــة بالصراع في اليمن، والسبب فـــي ذلــــك حــســب تــعــبــيــره، أن »الــــوضــــع فــــي ســــوريــــا يـمـثـل أخــطــر تـهـديـد لـلـسـلـم والأمـــن الدوليين، لما تشهده البلاد من مـواجـهـات وحـــروب بالوكالة تــنــخــرط فــيــهــا عـــــدة جــيــوش وطــنــيــة وعـــــدد مـــن جــمــاعــات المعارضة المسلحة وكثير من الميليشيا الوطنية والـدولـيـة والمــقــاتــلــين الأجــــانــــب مـــن كـل مـــكـــان فـــي الـــعـــالـــم ومـخـتـلـف الجماعات الإرهابية«.
ولـعـلـه بـسـبـب ذلـــك، شهد مجلس الأمــن خمس جلسات وخـمـس مــرات اسـتـخـدم فيها حق الفيتو! ما يظهر بوضوح حدة الأزمة السورية بانخراط الــــــــــــــدول دائـــــــمـــــــة الـــعـــضـــويـــة مـبـاشـرة فــي الأزمــــة، فــي حين فــي الـحـالـة الـيـمـنـيـة فـقـط في المرة الأخيرة لاجتماع مجلس الأمن في نهاية فبراير (شباط) المــاضــي، اسـتـخـدمـت روسـيـا الــفــيــتــو ضـــد مـــشـــروع الــقــرار الـبـريـطـانـي المــدعــوم مــن قبل الــــولايــــات المــتــحــدة وفــرنــســا، الــــذي يـقـضـي بـتـجـديـد حظر نقل السلاح لليمن مع التنديد بتقاعس إيران عن منع وصول أســلــحــتــهــا إلــــــى الــحــوثــيــين، وبعد هذا الفيتو أقرت جميع الدول الأعضاء مشروع القرار الروسي بتجديد حظر السلاح من دون الإشارة إلى إيران.
كــيــف يـمــكــن تـفـسـيـر هــذا الاخــــــــتــــــــلاف بــــــين الـــحـــالـــتـــين السورية واليمنية؟
أحـــد الأســـبـــاب الـرئـيـسـيـة فـي هــذا الاخــتــلاف يـعـود إلـى أن استخدام القوة العسكرية في اليمن من قبل دول تحالف دعـم الشرعية بـقـيـادة المملكة الــــعــــربــــيــــة الــــســــعــــوديــــة جــــاء بـطـلـب رســمــي مـــن الـحـكـومـة الشرعية في اليمن وبموافقة مـــجـــلـــس الأمــــــــن الــــــدولــــــي فـي مــواجــهــة انـــقـــلاب الـحـوثـيـين على السلطة الشرعية لدولة عـــضـــو فـــــي الأمـــــــــم المـــتـــحـــدة، والمـــــفـــــارقـــــة هـــنـــا أن روســـيـــا وإيـــــــــران تــــبــــرران وجــودهــمــا ودعــمــهــمــا الــعــســكــري لـنـظـام الأسد بموجب طلب رسمي من الـحـكـومـة الـشـرعـيـة وتـديـنـان تـــزويـــد الـــســـلاح لـلـمـعـارضـة السورية ضد الأسـد! ولا ترى إيـــــران غـضـاضـة فــي مـوقـفـهـا المـــتـــنـــاقـــض هـــــذا أنـــهـــا تــدعــم الحوثيين بالأسلحة المتطورة والأمــــــــوال لـتـثـبـيـت انـقـلابـهـم عــلــى الــســلــطــة الــشــرعــيــة فـي اليمن من جهة، واستخدامهم تــــلــــك الأســـــلـــــحـــــة، خــصــوصــاً الــــــصــــــواريـــــــخ الـــبـــالـــيـــســـتـــيـــة للاعتداء على المملكة العربية السعودية الـدولـة العضو في الأمم المتحدة.
الـسـؤال الآن: هـل ستعمد إيـــــــران بــعــد الـــضـــربـــات الــتــي طـالـتـهـا بـسـبـب وجــودهــا في ســوريــا مــن إسـرائـيـل وأخـيـراً من قبل الولايات المتحدة إلى تكرار اعتداء اتها على المملكة العربية السعودية التي أيدت الــضــربــة الــثــلاثــيــة الأخـــيـــرة، وذلـــــــــك عـــبـــر تـــكـــثـــيـــف إيـــــــران إمـــداد الـحـوثـيـين بـالأسـلـحـة؟ أم سـتـعـيـد الـنـظـر فــي دعمها للحوثيين بسبب تغير قواعد اللعبة الدولية؟
مـــــن المـــــؤمـــــل مـــــن انــعــقــاد الــقــمــة الــعــربــيــة فــي الــظــهــران بالسعودية أن يقوم الزعماء الـــعـــرب بــاســتــشــعــار مـخـاطـر المــرحــلــة بــوجــود تــوجــه نحو تـقـسـيـم مــنــاطــق الــنــفــوذ بـين الدول الكبرى نوعاً من إحياء »سايكس بيكو« جديدة دون روسـيـا، لأن الضربة الثلاثية الأخـــيـــرة ضــد ســوريــا تـهـدف كما أشار إليها بعض المراقبين إلـــى رغــبــة الـــولايـــات المـتـحـدة وبـريـطـانـيـا وفـرنـسـا فـي عـدم تــــرك انــــفــــراد روســـيـــا وإيـــــران بـسـوريـا وبــضــرورة المـشـاركـة في الحل.
اســتــشــعــار الــخــطــر شــيء والــــبــــنــــاء عــلــيــه فــــي تــوحــيــد الــصــف الــعــربــي فــي مـواجـهـة المـخـاطـر الـتـي تـحـيـط بـالأمـن القومي العربي مجرد أمنية، ومثل كل الأمنيات قد تتحقق أو لا تتحقق.
استشعار الخطر شيء والبناء عليه في توحيد الصف العربي في مواجهة المخاطر أمنية ومثل كل الأمنيات قد تتحقق أو لا تتحقق