Asharq Al-Awsat Saudi Edition

قمة الظهران: الرهان على حلف الاعتدال

- يوسف الديني

مــن بــين الـنـجـاحـ­ات الـكـبـيـر­ة الــتــي حـمـلـهـا الأمــيــر مـحـمـد بـن ســلــمــا­ن ولــــي الــعــهــ­د الــســعــ­ودي فــي جـولـتـه الأخــيــر­ة، هــي إعــادة مـوضـعـة الــرؤيــة الـسـعـودي­ـة في السياسة الخارجية، وتصحيح الـرؤى المغلوطة حولها بـدءاً من مــلــف الــيــمــ­ن وخــــيـــ­ـارات الأســــوأ والسيئ في ظل تعنت الحوثيين وإصـــــــ­ـرارهـــــ­ـــم عــــلــــ­ى اســــتـــ­ـهــــداف المـــمـــ­لـــكـــة، وهـــــو أمـــــر يـــقـــع تـحـت تـكـنـيـك »الـتـشـغـي­ـب الـسـيـاسـ­ي« لا أكـثـر، ومحاولة اللعب كطرف مؤثر، لكن الأمر هو الإصرار على تأجيل الحل في اليمن وتجريف هـــويّـــتـــه الـــعـــر­بـــيـــة والإســـلا­مـــيـــة بتحويل الدولة المنهكة وحلبها لـتـعـزيـز اقــتــصــ­اديــات الميليشيا عبر الابتزاز والإتاوات والخطف والتهديد وتجنيد الأطفال.

عـــلـــى الـــصـــع­ـــيـــد الــخــلــ­يــجــي اسـتـطـاعـ­ت جـولـة الأمــيــر محمد تصحيح الـنـظـر فـي الـخـلاف مع النظام القطري، حيث لم يتعرض المـوجـز الـرسـمـي للبيت الأبيض حــــول اجـــتــمـ­ـاع ولــــي الــعــهــ­د مـع الرئيس ترمب إلى ذلـك، بل على العكس تم تأكيد أهمية مجموعة الـــعـــم­ـــل الأمـــيــ­ـركـــيـــ­ة الــســعــ­وديــة الإمـاراتـ­يـة الـجـديـدة ومخططات عقد اجتماعات ثلاثية منتظمة مـــع مــســتــش­ــاري الأمــــــ­ن الــقــومـ­ـي بهدف وضع خطط استراتيجية أمـنـيـة وتـنـسـيـق كــل المـشـروعـ­ات الــــــعـ­ـــــســــ­ــكــــــر­يــــــة والـــــسـ­ــــيـــــ­اســـــيــ­ـــة والاقتصادي­ة.

ويــــأتــ­ــي ذلـــــك بــعــد الــخــطــ­وة الـــــتــ­ـــي كـــــانــ­ـــت تـــشـــبـ­ــه الــــقـــ­ـفــــزات الـبـلـهـو­انـيـة مــن قـبـل نــظــام قطر حــين أصـــدرت قـائـمـة جــديــدة من الــتــصــ­نــيــفــا­ت الإرهــــا­بــــيــــ­ة، وهــو جــزء مــن اسـتـراتـي­ـجـيـة الـتـعـامـ­ل الـــجـــز­ئـــي والمـــخــ­ـتـــزل مــــع قـضـيـة كبيرة كالإرهاب لم يعد المجتمع الــدولــي يـتـسـامـح مـعـهـا، رغــم أن تــــصــــ­ريــــحـــ­ـات وزيــــــر الخارجية السعودي كـــــــان­ـــــــت تـــــــصـ­ــــــبّ فـــي صالح »الأمـل بعودة الـنـظـام الـقـطـري إلـى الــصــواب وتـصـحـيـح الــــخـــ­ـطــــأ«، لـــكـــن ذلـــك لا بـــد أن يــأتــي وفــق بــــرنـــ­ـامــــج ومــــشـــ­ـروع تــكــامــ­لــي يــســتــه­ــدف رعــــــــ­ـايـــــــ­ــة الـــــنــ­ـــظـــــا­م القطري للتنظيمات المؤيدة لـ »القاعدة« و»داعش« وغيرهما من جماعات الإســــــ­ـــــلام الـــســـي­ـــاســـي الــــتـــ­ـي تــم تـصـنـيـفـ­هـا تـنـظـيـمـ­ات إرهــابــي­ــة، والأهـــــ­ـــــــم الاعــــــ­ــتـــــــ­ـراف بــمــعــض­ــلــة تـمـويـل ودعـــم إعـــلام »الــجــزيـ­ـرة« لـلـمـعـار­ضـات المــقــوض­ــة لـسـيـادة تـلـك الــــدول وإثـــــار­ة الــــرأي الـعـام ضد استقرارها، فاستقرار الدول الأربــــع الــيــوم بــات ضـمـن سـيـاق تحالفي أكـبـر »حـلـف الاعـتـدال«، لا يمكن استهدافه من قبل تذاكي قـــنـــاة »الــــجـــ­ـزيــــرة« عــلــى طـريـقـة تـخـصـيـص كــل مـرحـلـة لـلـهـجـوم عــلــى دولـــــة حــســب المــلــفـ­ـات ذات الطابع المثير.

الـــــــي­ـــــــوم، الــــتـــ­ـحــــالــ­ــف يــتــجــه نـحـو تـكـويـن قــاعــدة صـلـبـة على مـسـتـوى المــواقــ­ف ورأب الـصـدع؛ مصر تتعافى، والبحرين تتحول إلـــى دولــــة نـفـطـيـة، والــســعـ­ـوديــة والإمـــــ­ـــارات تـــعـــزز­ان فـــرص بـنـاء مـــنـــطـ­ــقـــة اقـــــتــ­ـــصـــــا­ديـــــة واعـــــــ­ـــدة، والــعــدي­ــد مــن الــــدول الـعـاقـلـ­ة في المـنـطـقـ­ة تـسـعـى إلــــى كــســب هــذا التحالف والانـضـمـ­ام لـه بعد أن أدركت جدية الانتهاكات الإيرانية فــي المـنـطـقـ­ة وعـلاقـتـه­ـا المـبـاشـر­ة بخرائبها بدءاً من مناطق التوتر فـي سـوريـا وصـــولاً إلــى تعطيل الحالة اللبنانية عبر »حزب الله«، والاستمرار في نكء جراح اليمن وأهله عبر تقوية الحوثيين.

قـــــمـــ­ــة الـــــظــ­ـــهـــــر­ان كــــانـــ­ـت، عـــلـــى خـــلاف قـــــمـــ­ــم أخــــــــ­ــــــرى، ذات اهــتــمــ­ام كــبــيــر حـتـى على مستوى المتابعة الــــدولـ­ـــيــــة، واخــتــيـ­ـار الـــظـــه­ـــران الـــتـــي تـقـع عـلـى سـاحـل الخليج الـعـربـي رســالــة على بـعـد كـيـلـومـت­ـرات من مــلالــي طــهــران بـأن حلف الاعتدال يولد من أقرب نقطة لهم، وهي رمزية تبعتها إشارات قوية وواضحة ضد انتهاكات طهران ودورهـــــ­ـــــا الــعــبــ­ثــي فــــي ســـوريـــ­ا ولبنان واليمن.

تـغـيـرت الأوضـــــ­اع كـثـيـراً في عالمنا العربي والإسـلامـ­ي، وهو الأمــــــ­ــر الــــــــ­ذي يـــضـــع مــســؤولـ­ـيــة كبيرة أمام الولايات المتحدة في طريقة إدارتها للعلاقات الدولية واسـتـراتـ­يـجـيـة الــحــوار مــع هـذه المـتـغـيـ­رات الــجــديـ­ـدة، لـيـس فقط عــلــى شــكــل بـــراغـــ­مـــاتـــي يــحــاول التواصل مع الخطابات الغالبة أو المهيمنة بقدر حاجتها الماسّة إلـــــى إعــــــــ­ادة كـــشـــف حــســابــ­اتــهــا فــــي المــنــطـ­ـقــة عـــلـــى أســـــــا­س تـلـك المــــتــ­ــغــــيــ­ــرات، ومــــــا أحـــدثـــ­تـــه مـن مستجدات على مستوى الخطاب الــثــقــ­افــي والاجـــتـ­ــمـــاعــ­ـي، ولـيـس الــســيــ­اســي فــقــط، حــيــث تـعـمـلـق الإرهـــــ­ــــــــــ­اب وتــــضـــ­ـخــــم مـــنـــسـ­ــوب التطرف في المنطقة.

فــي المـنـطـقـ­ة الــيــوم مـشـاريـع متعددة المشارب طرفاها مشروع تقويض اسـتـقـرار الــدول بقيادة إيــــــــ­ــران وحـــلـــف­ـــائـــهـ­ــا وأذرعـــــ­ـهــــــا، ومــشــروع الاعــتــد­ال الـــذي تـقـوده الــســعــ­وديــة، واســتــطـ­ـاع تــجــاوز تــحــديــ­ات ومــخــاطـ­ـر كـبـيـرة على مـــــدى الـــســـن­ـــوات الــســابـ­ـقــة مـنـذ ريــاح الـثـورات ثـم صـعـود منطق المــيــلـ­ـيــشــيــ­ات (الـــتـــح­ـــدي الأكــبــر الــذي تواجهه السعودية اليوم) مما يتطلب دوراً رئيسياً لا يقل أهمية عن دورها في الحرب على الإرهاب.

لعبة الأهـلّـة في طريقها إلى الأفـــــو­ل، والــتــي تــم اسـتـخـدام­ـهـا بانتهازية سياسية شديدة، عبر التلويح بمشروع الهلال الشيعي ثـم استغلاله عبر التضخيم من قبل هلال الإسلام السياسي الذي تعاملت معه السياسة الخارجية السعودية بوعي سياسي كبير جعلها على مرمى إعلام الهلالين وتحالفهما ضـدهـا، وربـمـا كـان الــدور الأكـبـر فـي قــادم الأيــام هو إخـــــــر­اج دول المــنــطـ­ـقــة المــتــعـ­ـثــرة بتجربة الربيع العربي من سياق هـويـاتـهـ­ا الـسـيـاسـ­يـة الـحـزبـيـ­ة، ومن أجواء المعارضة التي كانت تعيشها طيلة فترة تشكلها، إلى أن تصبح دولاً فاعلة في السياق الإقـلـيـم­ـي لـتـيـار الاعـــتــ­ـدال، وفـق مبدأ التحالف والتعاون المشترك، وليس الابتلاع الآيديولوج­ي أو التصدير الفكري الذي أحال واقع إيران إلى ما آلت إليه من حصار إقـــلـــي­ـــمـــي وانــــهــ­ــيــــار اقـــتـــص­ـــادي وشيك.

درس الــتــاري­ــخ المــتــجـ­ـدد هو أن أي دولــــة قــويــة لا يـمـكـن لـهـا أن تـقـف عـنـد حــدود التفكير في نـهـضـتـهـ­ا الـداخـلـي­ـة دون إعـــادة مـوضـعـة ذاتــهــا خــارجــيـ­ـاً بشكل مستقل وقوي، وهو ما اجترحته السياسة الـخـارجـي­ـة للسعودية الـــجـــد­يـــدة، حــيــث اتـــخـــذ­ت بــعــداً آخــــــر بــــالـــ­ـخــــروج إلــــــى الأزمـــــ­ـــات ومــواجــه­ــتــهــا، وكــــان بــدايــة هــذا الــتــوجـ­ـه هــو قـطـع الــطــريـ­ـق على الأذرع الإيرانية في المنطقة، وهو خيار رصدنا جـزءاً من الالتفاف عليه في قمة الظهران وبانتظار تأييد واسع من المجتمع الدولي والـقـوى الغربية لإعــادة الـتـوازن لمنطقة فقدت منطقها طويلاً.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia