»الشعر السوري المعاصر« بالعربية والفرنسية
صــدر حـديـثـاً كـتـاب »الشعر الـــســـوري المـــعـــاصـــر«، بـالـلـغـتـين العربية والفرنسية، عن دار »لو كــاســتــور أســـتـــرال« الـبـاريـسـيـة، لـلـبـاحـث الـشـاعـر صــالــح ديـــاب، وهـو أول كـتـاب مـن نـوعـه موجه إلـــى الــقــارئ الـفـرانـكـفـونـي. وقـد عـمـل ديــاب عـلـى هــذا الـعـمـل لمـدة ١٠ سنوات تقريباً.
ويــفــتــتــح الـــبـــاحـــث الــكــتــاب بمقدمة طويلة يقارب فيها الشعر الحديث المكتوب في سوريا منذ أوائـل القرن الماضي حتى أيامنا هــذه. فـيـرى أنــه عــرف انـزيـاحـات مــخــتــلــفــة، بـــحـــســـب الـــتـــغـــيـــرات الــجــيــوســيــاســيــة مــنــذ بـــدايـــات الــقــرن الـعـشـريـن حـتـى منتصفه فـــــي مــنــطــقــة الـــــشـــــرق الأوســــــــط. وقـصـر ديـــاب خـيـارتـه المـعـتـمـدة على الشعراء الذين ولـدوا من أم وأب سوريين ضمن سوريا (١٩٤٧ .(٢٠١٢ -
ثــم يــقــدم الــكــاتــب بــانــورامــا للتيارات الشعرية التي عصفت بـــالـــحـــركـــة الـــشـــعـــريـــة الــعــربــيــة الـحـديـثـة مـنـذ ثـلاثـيـنـات الـقـرن العشرين حتى أيامنا هـذه، عبر مـسـاهـمـات الـشـعـراء الـسـوريـين، متوقفاً في المقدمة عند المشكلات الـفـنـيـة والــنــقــاشــات الــتــي دارت وتدور حول علاقة الشعر بالنثر والــــــــــوزن والإيـــــقـــــاع والـــــصـــــورة، ومـــــوقـــــف الــــشــــاعــــر مـــــن الـــلـــغـــة، وعلاقته بالعالم وبالذات.
وهو يرى أن الشعر المكتوب في سوريا مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشعر المكتوب في سائر بلدان المشرق، العراق ولبنان والمهجر، كما يخضع للمصادر والتأثيرات نفسها تقريباً.
ولــــم يـقـصـر ديـــــاب خـيـارتـه على نوع شعري معين، فالأنواع الشعرية الثلاثة (الشعر العمودي، وشـــعـــر الــتــفــعــيــلــة، والــقــصــيــدة الــنــثــريــة) تــتــجــاور فــي الـكـتـاب، وتتآلف جنباً إلى جنب، وتأخذ المكانة اللائقة دون تمييز بينها. وقــد خـصـص جـــزءاً مــن مقدمته لـــلـــحـــديـــث عـــــن مـــفـــهـــوم الــشــعــر العمودي، وقصيدة التفعيلة أو الشعر الحر، والقصيدة النثرية، مـشـيـراً إلـــى أن هـــذه الأخـــيـــرة لا تتقاطع بالضرورة مع نظيرتها الـغـربـيـة. وهـــذا الـتـوضـيـح يفيد القارئ الفرانكفوني، ليطلع على مـسـيـرة الـشـعـر الـعـربـي الحديث عـبـر نـمـاذجـه الـثـلاثـة، وهــو أمـر لــم يـكـن مـنـه بــد نــظــراً لـتـضـارب المـصـطـلـحـات وعـــــدم وضـوحـهـا في الحقل الشعري والثقافي في الـعـالـم الـعـربـي، إذ مـا زال هناك خلط بين الشعر الحر والقصيدة النثرية.
وضم الكتاب نماذج شعرية لـــ٢٧ صـوتـاً شـعـريـاً، باعتبارهم المـــمـــثـــلـــين الأعـــــمـــــق لــلــتــحــولات الــــشــــعــــريــــة فـــــــي ســـــــوريـــــــا مــنــذ الثلاثينات حتى الآن. وما يجمع هــذه الأصــــوات هــو كـونـهـا كلها أصـــواتـــاً تـجـريـبـيـة، سـعـت - كل بحسب تجربته - إلـى خلق لغة داخـل اللغة، ونـظـرت إلـى الشعر بوصفه هوية متحركة متغيرة. أيــضــاً كـــل الــشــعــراء المــخــتــارون ينتسبون إلـى أب وأم سـوريـين. ويـتـقـاسـم - بـاسـتـثـنـاء شاعرين مستقلين - خلفياتهم السياسية حـزبـان سياسيان، هـمـا: الحزب الــــســــوري الـــقـــومـــي الاجــتــمــاعــي فـــي الـخـمـسـيـنـات والـسـتـيـنـات، والـحـزب الشيوعي الـسـوري في السبعينات والثمانينات، فيما تـغـيـب عــن الـكـتـاب أي مساهمة لأي شـاعـر ينتمي إلــى الأحـــزاب القومية، كأنما هـذه الأخـيـرة لم تستطع إنتاج شاعر رائد واحد.
والــــــنــــــمــــــاذج الــــشــــعــــريــــة تــم اخـتـيـارهـا اعـتـمـاداً عـلـى الـقـراءة الـشـخـصـيـة لــلأعــمــال الـشـعـريـة الـــكـــامـــلـــة لـــكـــل شــــاعــــر. وقــــــد تـم توزيعها على ٤ حلقات شعرية، تشكل متن الكتاب.
وشكلت مدينة حلب فضاء الحلقة الأولى أو الحداثة الأولى، حـسـب تعبير الـبـاحـث. وبـيـروت هـي فـضـاء الحلقة الثانية، التي كانت ثمرة ورشة مجلة »شعر«. أمـــــا الــحــلــقــة الـــثـــالـــثـــة، فـتـخـص شـعـر الـسـبـعـيـنـات، الـــذي مـهـدت لـه جـمـاعـة »كــركــوك«، خصوصاً صـــلاح فــائــق وســـركـــون بـولـص، وترجمات شعر أوروبا الشرقية، وشـمـلـت مـدنـاً ســوريــة عـــدة. أمـا الـلـحـظـة الـشـعـريـة الـرابـعـة، فهي تـجـربـة المـلـتـقـى الأدبــــي لجامعة حلب.
وبــــــيــــــروت الـــســـتـــيـــنـــات هـي المــــديــــنــــة الـــثـــانـــيـــة الــــتــــي يــأخــذ شعراؤها السوريون بؤرة الكتاب، وهي ميدان الحداثة الثانية التي تـنـتـهـي بـنـكـسـة ١٩٦٧. فـبـيـروت هي التي احتضنت أهم الشعراء الــســوريــين الـــذيـــن نــقــلــوا الـشـعـر العربي إلى أراض شعرية بكر، لم يكن بالإمكان اكتشافها وسبرها لولا مساهماتهم. فقد سعوا إلى ترسيخ فكرة الحداثة، وتحديث الشعر وتثويره من الداخل، وعدم الرضوخ للقيم التقليدية، واعتبار الــشــعــر تــجــربــة كــيــانــيــة فــريــدة، والـتـجـاوب مـع روح الـعـصـر، من حــيــث الــتــجــربــة والــتــمــشــي مـع تـطـور الـلـغـة مــن حـيـث التعبير، خصوصاً أدونيس شاعراً ومنظراً ونـاقـل أفـكـار وثـقـافـات إلـى داخـل الحركة الشعرية العربية، ومحمد الماغوط الاستثنائي، وكمال خير بيك وفــؤاد رفقة ويـوسـف الخال وتوفيق صـايـغ، كما يلتفت إلى مساهمات الشاعرة الكئيبة سنية صالح، والتجربة الرائدة لمحمود الــســيــد فــي »مـــونـــادا دمـــشـــق«... وآخـــــريـــــن دعـــــــوا إلــــــى الــتــغــيــيــر، وســاهــمــوا فــي ذلـــك ضـمـن بيئة اجـتـمـاعـيـة تـفـجـرهـا الـصـراعـات الطبقية والوطنية المعقدة.
ويجد دياب علاقة وثيقة بين الــدعــوة إلــى الـحـداثـة فـي الـحـيـاة والاجتماع وتحديث الشعر وتبني ما هو عصري بالمفهوم الأوروبي. ويشير إلى أن إعادة إنتاج الأفكار الـغـربـيـة فــي الـشـعـر وصــلــت إلـى حـدود كبيرة عبر الشعر المنثور والـقـصـيـدة الـنـثـريـة، حـيـث كانت مجلة »شعر« الـذراع الأقوى التي قامت بنقل هذه الأفكار الحداثية. ويـمـر الـكـتـاب بـمـديـنـة الـلاذقـيـة، ويثمن القصائد الصوفية لبدوي الجبل، مشيراً إلـى أهمية الرؤية الشعرية التي كان يؤمن بها. فلئن كـتـب الــشــاعــر قـصـائـد عـمـوديـة، فإنه كان يتقاطع تقاطعاً كلياً مع شعراء الرؤية في مجلة »شعر«، عبر قصائده الصوفية، وذلك من خلال مفهومه للعملية الشعرية، ورفضه لفكرة الالتزام.
ويـحـمـل ديــاب دكــتــوراه في الأدب واللغة العربية، ولـه عدد مــن الــــدواويــــن الــشــعــريــة، مـثـل: »قـمـر يـابـس يعتني بحياتي«، و»صـيـف يـونـانـي«، و»تـرسـلـين سكيناً أرســل خـنـجـراً«، و»زرت حياتي«، بالإضافة إلى ترجمات مــــن الــعــربــيــة إلـــــى الــفــرنــســيــة، والعكس بالعكس.
يــــصــــدر قـــريـــبـــاً لــلــشــاعــر والإعــــــــــلامــــــــــي مــــحــــمــــد بــلــمــو والأديب والسينارست المغربي عبد الإله بنهدار نص مسرحي مـشـتـرك، تـحـت عـنـوان »حـمـار رغم أنفه«.
وعن هذا التجربة الإبداعية الجديدة،، قال بلمو: »لم أفكر يـومـاً فــي كـتـابـة المــســرح، فقد كنت مأخوذاً وما زلت بكتابة الـــشـــعـــر فــــقــــط، لـــكـــن الــنــقــاش والجدل الذي نتج عن اقتراحي الاحتفاء بـ »حمار رغم أنفه« في مـهـرجـان (فـيـسـتـي بـــاز) سنة ٢٠٠٣، نبهني إلى أن الموضوع يـسـتـحـق المــعــالــجــة فـــي إطـــار مسرحي ساخر، ولأن المسرحي والسينارست عبد الإله بنهدار كان حاضراً معنا خلال عدد من دورات المـهـرجـان، اتفقنا على كتابة المسرحية بشكل مشترك،