Asharq Al-Awsat Saudi Edition

ومن الترجمة ما قتل!

-

يزخر التاريخ بحوادث دفع أطرافها الـثـمـن غـالـيـاً بـسـبـب ســـوء الـتـرجـمـ­ة أو فهمها، ومنها ما ذكـره القيادي المحنك علي النعيمي، أول رئيس سعودي لشركة »أرامــكــو«، فـي كـتـابـه، مـن أن اليابانيين »أفلتت من بين أيديهم مليارات الدولارات مـــن عـــائـــد­ات الــنــفــ­ط، بـسـبـب ســــوء فـهـم ثقافي،« في إشارة إلى أن رئيس الوزراء الياباني حينما تحدث مع الملك فهد، ظن بـأنـه قـد نــال مـوافـقـة المـلـك عـلـى منحهم امـتـيـازاً جــديــداً لـشـركـة الـنـفـط الـعـربـيـ­ة، بـعـد سـمـاع كـلـمـة »إن شـــاء الــلــه«، وهـو تعبير دارج يستخدمه العرب ولا يعني موافقة نهائية. مرت الأيام ولم يستأنف اليابانيون المـفـاوضـ­ات بجدية كما ذكر النعيمي في كتابه الجميل »من البادية إلــى عـالـم الـنـفـط«، الـــذي كـتـبـه بـأسـلـوب أدبي رشيق، أرخ فيه سيرته الحافلة.

وذكر أمثلة أخرى أسهمت الترجمة فـي »فركشة« مشروعات مختلفة، الأمـر الذي اضطره للاستعانة بطالب سعودي يجيد اليابانية، ويصغي سراً لما يقوله اليابانيون فيما بينهم أثناء المفاوضات العسيرة معهم.

ويـا لها من مصادفة، أن أحـد أشهر أخطاء الترجمة قد وقع أيضاً في اليابان؛ لـكـن هــذه المـــرة كــان وراءه فـاجـعـة إلـقـاء أميركا للقنبلة الذرية على هيروشيما، بحسب ما روي عن وثائق نشرتها وكالة الأمن القومي الأميركية. فتلك الحادثة لم يخلُ منها فيلم وثائقي، إذ أودت بحياة ٧٠ ألفاً، وتأثر نحو ١٠٠ ألف من تداعيات حرائق وإشعاعات أول قنبلة من نوعها في التاريخ. فحينما سـأل الصحافيون رئيس الوزراء الياباني كانتارو سوزوكي عن رأيه في بيان التحالف عام ١٩٤٥، الذي كـان مـن بينه الاستسلام غير المـشـروط، وأن أي رد سلبي مـن الـيـابـان قـد يجلب دماراً فورياً إليها، قال: »موكوساتسو«، وهــي كـلـمـة مشتقة مــن »صــمــت«، وكــان يقصد: »لا تعليق«، إلا أن وكالات الأنباء العالمية نقلت بأنه قال: البيان »لا يستحق الـرد،« الأمـر الـذي استفز أميركا على ما يبدو. لا شك أن ذلك ليس السبب الوحيد؛ لكن كانت فرصة أخيرة لتجنب المأساة.

ومـــمـــا يـــذكـــر أيـــضـــاً فــــي ســـــوء فـهـم الــتــرجـ­ـمــات، ذلـــك الـشـخـص الـــذي تـرجـم رســــالــ­ــة وجـــهـــت لــلــبــي­ــت الأبــــيـ­ـــض تــبــدأ بعبارة : »الحكومة الفرنسية تطلب «، بدلاً من: »تسأل«، فاعتبرها الرئيس الأميركي قائمة من المطالبات، الأمر الذي استدعى تعديلها قبل استئناف المفاوضات.

أمــــا أبـــــرز الــقــصــ­ص فـــي مـنـطـقـتـ­نـا، فتتمثل فـي قــرار مجلس الأمــن رقـم ٢٤٢ عـام ١٩٦٧، حـول الانسحاب الإسرائيلي مـن الأراضــــ­ي الـعـربـيـ­ة المحتلة فـي شهر يونيو (حــزيــران)، فالترجمة الفرنسية كــانــت: »انــســحــ­اب إســرائــي­ــل مــن أراضٍ عـربـيـة« مـن دون الألــف والـــلام، وهــو ما جـعـلـه ذريــعــة لإســرائــ­يــل الــتــي قــالــت إن الانسحاب المقصود من »بعض« الأراضي وليس كلها.

نتعلم من هذه الحوادث، أن الناس، وبالأخص القادة، يجب ألا يتسرعوا في الحكم أو التعليق أو الـقـرار، قبل التأكد مما تناهى إلى أسماعهم من لغات أخرى، خـصـوصـاً إذا كــان أمـــراً سـيـتـرتـب عليه خسائر فـادحـة. ولــذا قـالـت الـعـرب: »في العجلة الندامة، وفي التأني السلامة.«

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia