Asharq Al-Awsat Saudi Edition

الحكومة الإيطالية الجديدة قد تؤدي اليمين الدستورية مطلع الأسبوع المقبل

ترشيح كونتي لرئاستها أثار قلقاً في بروكسل والأسواق المالية

- روما: شوقي الريّس

»هـــــــــ­ـل أنــــــتـ­ـــــم واثـــــــ­ـقــــــــ­ون مــن قراركم؟«، بهذا السؤال بادر رئيس الـجـمـهـو­ريـة الإيـطـالـ­يـة سرجيو مــاتــاري­ــلا قــــادة »حــركــة الـنـجـوم الـــخـــم­ـــس« و»رابـــــطـ­ــــة الـــشـــم­ـــال«،

ّ عــنــدمــ­ا قـــدّمـــوا لـــه اســــم المــرش ــح لـرئـاسـة الـحـكـومـ­ة بـعـد ٧٨ يوما على الانتخابات العامة، وأسابيع مـــــن الـــتـــش­ـــويـــق والـــتـــ­رجـــيـــح­ـــات والمفاوضات المعقدة حول برنامج حــكــومــ­ي هــجــين بـــين طـــروحـــ­ات متضاربة في كل شيء تقريبا، ما عدا التخلّص من إملاءات الاتحاد الأوروبي، ووأد النظام السياسي الــــذي حـكـم إيـطـالـيـ­ا مـنـذ نـهـايـة الحرب العالمية الثانية.

وكـــــان الائــــتـ­ـــلاف الـشـعـبـو­ي الــجــديـ­ـد فــي إيـطـالـيـ­ا قــد اخـتـار جــيــوزيـ­ـبــي كــونــتــ­ي (٥٤ عــامــا) أســتــاذ الــقــانـ­ـون وحــديــث الـعـهـد بالسياسة، لشغل منصب رئيس الـــوزراء. ويـشـار إلـى أن ماتاريلا هـــو صــاحــب الـــقـــو­ل الــفــصــ­ل فـي مــســألــ­ة تـعـيـين رئــيــس الـــــــو­زراء، ولكن ترشيح كونتي أثار قلقا في بروكسل والأسواق المالية.

الــرئــيـ­ـس مــاتــاري­ــلا اسـتـقـبـل رئــيــس مـجـلـس الــنــواب روبــرتــو فيكو، ورئـيـسـة مجلس الشيوخ إليزابيتا ألبرتي كاسيلاتي بعد طرح اسم كونتي.

الشكوك التي تساور الرئيس الإيطالي ليست حيال جيوزيبي

ّ كونتي المـرشـح لقيادة الحكومة وســـجـــل­ـــه الأكـــــا­ديـــــمــ­ـــي والمــهــن­ــي الـلامـع، بـقـدر مـا هـي تــدور حول درجة المسؤولية السياسية التي سيتحمّلها، وهامش استقلاليته وتأثير الأحــزاب السياسية التي تـدعـمـه، ومـــا يــفــرّق بـيـنـهـا حـول

ّ مــلــفــا­ت اقــتــصــ­اديــة واجـتـمـاع­ـيـة حـسّـاسـة. وهــي الـشـكـوك نفسها التي تساور الشركاء الأوروبيين الذين يراقبون بوجل كيف تسقط الحكومات واحدة تلو الأخرى في يــد الــقــوى والأحـــــ­زاب الشعبوية واليمينية المتطرفة، من المجر إلى النمسا ثـم إيطاليا، بعد صدمة »بـريـكـسـت« أي اسـتـفـتـا­ء خـروج بريطانيا مـن التكتل الأوروبـــ­ي. يــــــضــ­ــــاف إلــــــــ­ــى ذلــــــــ­ــك مـــضـــمـ­ــون الـبـرنـام­ـج الـحـكـومـ­ي الـــذي يقوم على اثنين من أبرز المحظورات في التوجيهات الأوروبــي­ــة لتحقيق الاستقرار المالي وترسيخ أسس النمو الاقتصادي: زيادة الإنفاق العام، وخفض الضرائب، ناهيك عـن طــرد أكـثـر مـن نـصـف مليون مـــهـــاج­ـــر غـــيـــر شــــرعـــ­ـي، وضــــرب الـــــحــ­ـــائـــــ­ط بــــســــ­يــــاســـ­ـة الـــهـــج­ـــرة الأوروبية من أساسها.

مــوافــقـ­ـة مــاتــاري­ــلا تـعـنـي أن الإدارة الجديدة قد تؤدي اليمين الــــدســ­ــتــــوري­ــــة مــطــلــع الأســــبـ­ـــوع المـقـبـل. وإذا حـصـل كـونـتـي على مــــوافــ­ــقــــة مـــــاتــ­ـــاريــــ­ـلا، فــســيــك­ــون عليه تقديم تشكيلته الحكومية لـلـرئـيـس. وسـيـضـم كـونـتـي على الأرجــح دي مايو وسالفيني في فـريـقـه الـحـكـومـ­ي. ويـطـمـح زعيم حـركــة الـنـجـوم الـخـمـس بحسب تـقـاريـر، لـتـولـي حقيبة التنمية الاقـتـصـا­ديـة، فيما يسعى زعيم حــــــزب الــــرابـ­ـــطــــة لمــنــصــ­ب وزيـــــر الداخلية.

لـيـس ســـراً أن ريــــاح تشكيل الــحــكــ­ومــة قـــد ســــــارت عــكــس مـا كــان يشتهيه مـاتـاريـل­ا وتتمناه بروكسل؛ لكن الرئيس الإيطالي الذي يتمتع بصلاحيات دستورية مـحـدودة كـان عاجزاً عن الإبحار بسفينة التشكيل عكس ما أراده هـذا التحالف الـذي يسيطر على أغــلــبــ­يـــة المـــقـــ­اعـــد فـــــي مـجـلـسـي الشيوخ والنواب، والذي ترجحه الاستطلاعا­ت فائزا بنسبة أكبر، إذا عاد الإيطاليون إلى صناديق الاقـتـراع مـجـددا. ولـم يكن خافيا عـلـى أحـــد اسـتـيـاء مــاتــاري­ــلا من طريقة التعامل معه؛ حيث اقتصر دوره عــلــى مــجــرد كــاتــب الــعــدل خلال جولات المفاوضات المعقدة. ولـعـلّ هــذا مـا دفـعـه إلــى الـتـريّـث فـــي الإعـــــل­ان عـــن قــبــولــ­ه تـرشـيـح كـــونـــت­ـــي، تــمــهــي­ــدا لــــلإعــ­ــلان عـن التشكيلة الوزارية التي يرجّح أن يكون لرابطة الشمال حصة الأسد فيها، مقابل اختيار الرئيس من لدن الحركة.

أولــى ردّات الـفـعـل الملموسة جـــــــاء­ت مــــن أســــــــ­واق المـــــــ­ال الــتــي

ّ أطــلــقــ­ت صـــــفـــ­ــارات الإنــــــ­ـــذار إزاء احتمال ارتفاع الدين العام للقوة الاقـتـصـا­ديـة الـثـالـثـ­ة فــي منطقة الـــيـــو­رو، والاهـــــ­تـــــزازا­ت المـرتـقـب­ـة فــي الــقــطــ­اع المــصــرف­ــي الإيـطـالـ­ي المــنــهـ­ـك، والـــتـــ­داعـــيـــ­ات المـتـوقـع­ـة عـلـى كـامـل المـنـظـوم­ـة المـالـيـة في أوروبـــا. ومما يزيد مـن منسوب الـقـلـق عـلـى الـصـعـيـد­يـن المـحـلـي والإقليمي، أن الاقتصاد الإيطالي الذي يعاني من أطول فترة ركود داخل الاتحاد الأوروبي، سيكون الأكــــثـ­ـــر تــــضــــ­ررا مــــن الــعــقــ­وبــات الأميركية المعلنة على إيـران، في حـال عجزت بروكسل عن حماية الشركات الأوروبية من مفاعيلها. لـــكـــن الــــهـــ­ـاجــــس الاقـــــت­ـــــصــــ­ـادي - عـلـى خـطـورتـه - لـيـس بــأقــلّ من الهاجس السياسي الـذي يساور دوائــر الـقـرار فـي أوروبـــا مـن هذا الـتـغـيـي­ـر الــجــذري الــــذي تـشـهـده دول الاتحاد، في مرحلة الجهود

ّ المـكـثـفـ­ة لإعـــادة تـرتـيـب الأوضــاع وحصر الأضرار واستعادة الثقة.

وتـعـهـد الــحــزبـ­ـان المـشـكـكـ­ان فــي أوروبـــــ­ا بـمـراجـعـ­ة اتـفـاقـيـ­ات إيطاليا مع الاتحاد الأوروبي.

ولــــــم تـــتـــأخ­ـــر زعـــيـــم­ـــة حـــزب الـــجـــب­ـــهـــة الــــوطــ­ــنــــيــ­ــة الــيــمــ­يــنــي المتطرف في فرنسا، ماري لوبان، في إطـلاق صيحة النصر عندما قـالـت: »هـا هـم حلفاؤنا يصلون إلـى السلطة. نحن مقبلون على تطورات مذهلة. عـادت الأمـم إلى أوروبا .«

وفـــــيــ­ـــمـــــا تـــــــرا­جـــــــع أوروبـــــ­ـــــــا حساباتها وتستخلص العِبر من الأخـطـاء الجِسام التي ارتكبتها عــنــدمــ­ا تــركــت إيــطــالـ­ـيــا وحــدهــا تـــواجـــ­ه مـشـكـلـة الــهــجــ­رة، طـــوال ثـــــلاث ســـنـــوا­ت تــدفــقــ­ت خـلالـهـا أفـــواج المـهـاجـر­يـن بـمـئـات الآلاف على الـسـواحـل الإيـطـالـ­يـة، يبقى جيوزيبي كونتي لغزاً لمواطنيه ولمــــــن يـــراقـــ­بــــونـــ­ه عـــــن كـــثـــب فـي الـخـارج. المـحـامـي الـلامـع، المـفـوّه والأنـــيـ­ــق المــتــعـ­ـدد الــلــغــ­ات، الــذي تـــــــــ­درّج فــــي أشـــهـــر الـــجـــا­مـــعـــات، مــــن »نــــيــــ­ويــــورك« و»يـــــيـــ­ــل« إلـــى »السوربون« و»كمبريدج« )علما بأن صحيفة »النيويورك تايمز« كـشـفـت أن كـونـتـي لــم يـتـابـع أي تـــحـــصـ­ــيـــل عـــلـــمـ­ــي فــــــي جــامــعــ­ة »نـــيـــوي­ـــورك« كــمــا أفــــــاد­ت أمــانــة الجامعة)، لم يتولّى أي مسؤولية إداريـة في حياته، وكل ما يُعرف عن ميوله السياسية هو ما قاله مؤخراً: »في الماضي كنت أصوت لـــلأحـــ­زاب الــيــســ­اريــة، أمـــا الـيـوم فأعتقد أن المنظومات السياسية التي كانت سائدة، لم تعد صالحة لمعالجة المشكلات التي تواجهها المـجـتـمـ­عـات الــحــديـ­ـثــة. الأســـاس فـــــي تـــقـــوي­ـــم الـــعـــم­ـــل الــســيــ­اســي الــيــوم هــي الإنــجــا­زات فــي مجال الـحـقـوق والــحــري­ــات الأسـاسـيـ­ة، والقدرة على تنفيذ برامج مفيدة للمواطن«.

يهبط كونتي كالنيزك على المشهد السياسي في البلد الأكثر مـــزاجـــ­يـــة فــــي أوروبـــــ­ــــــا، مــحــاطــ­اً بأسئلة كثيرة ينتظر الكل إجابات عنها: كيف سيشرف على تنفيذ برنامج لم يشارك في وضعه مع فريق لم يشارك في اختيار أي من أعضائه؟ هل سيتمكن من فرض آرائـه بوصفه المسؤول دستوريا

ّ عن أداء الحكومة؟ أو أنه سينفذ مــا يـمـلـيـه عـلـيـه سـالـفـيـن­ـي ودي مايّو اللذان يتمتعان بشخصية قوية ترفض الأدوار الثانوية؟

إنــــــــ­ه خـــــامــ­ـــس رئـــــيــ­ـــس عــلــى الـتـوالـي للحكومة الإيـطـالـ­يـة لم يـنـتـخـبـ­ه الـشـعـب مــبــاشــ­رة. آخـر الرؤساء المنتخبين كان سيلفيو برلوسكوني الذي عادت تدغدغه أحـــــــل­ام الـــرئـــ­اســـة مـــــجـــ­ــددا. لــعــلّ فــي ذلـــك بـعـض الــــداء الـسـيـاسـ­ي المتوطّن في إيطاليا.

 ??  ?? رئيس مجلس النواب روبرتو فيكو (الثاني من اليمين) ورئيسة مجلس الشيوخ إليزابيتا ألبرتي كاسيلاتي (الثالثة من اليمين) (إ.ب.أ)
رئيس مجلس النواب روبرتو فيكو (الثاني من اليمين) ورئيسة مجلس الشيوخ إليزابيتا ألبرتي كاسيلاتي (الثالثة من اليمين) (إ.ب.أ)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia