»النووي« الإيراني وسوريا يتصدران قمة »كسر الجمود« بين بوتين وماكرون
أطلقت موسكو وباريس مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية، واتفق الرئيسان فلاديمير بوتين وإيمانويل مـاكـرون، بـعـد جـلـسـة مـحـادثـات مطوَّلة، على استئناف عمل قنوات الاتصال بين البلدين بعد فترة جمود اسـتـمـرت أربـع سـنـوات على خلفية الأزمـة الأوكـرانـيـة تخللتها قـرارات بـتـجـمـيـد عـمـل الـلـجـان الـحـكـومـيـة المشتركة.
وفـتـحـت قـمـة »كـسـر الـجـمـود« وفقاً للتسمية التي أطلقتها وسائل إعـلام روسـيـة عـلـى الـلـقـاء، عـلـى تنشيط الـحـوار الثنائي في الملفات الدولية والإقليمية الملحّة، خصوصاً مـلـف »الـنـووي الإيـرانـي« والـوضـع في سوريا وأوكرانيا بالإضافة إلى الأزمة في ليبيا والتسوية في الشرق الأوسـط. وشـغـلـت الـتـطـورات حـول النووي الإيراني بعد قرار واشنطن الانسحاب مـن خطة العمل الدولية الشاملة حيزاً رئيسياً من المحادثات في الزيارة الأولى لماكرون إلى روسيا مـنـذ تـولـيـه مـنـصـبـه. وكـان مساعد الرئيس الـروسـي لـشـؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف أكد على الأهمية التي توليها موسكو لبحث خطوات محددة لتنسيق المواقف مع باريس، بهدف المحافظة على الاتفاق النووي، وحماية الشركات الأوروبية والـروسـيـة الـتـي تـواجـه عـقـوبـات أميركية بسبب نشاطها في إيران.
واستهلَّ بوتين جلسة المحادثات بـالإشـارة إلـى تـوافـر مـجـالات لـدى البلدين لتطوير الـعـلاقـات وتعزيز الـتـعـاون فـي المـلـفـات الـثـنـائـيـة رغـم وجود صعوبات وتباينات في عدد من الملفات. بينما شدد ماكرون على التوجه الإيجابي للعلاقات الروسية الـفـرنـسـيـة، وأكـد عـزمـه خـوض مباحثات صريحة وشاملة.
وكـان دبـلـومـاسـيـون روس أشـاروا إلـى أن التوقعات مـن القمة »ليست كبيرة جـدّاً« فـي إشـارة إلى عـدم التفاؤل بوقوع اختراق واسـع، لكن أوساطاً أشـارت في الوقت ذاته إلـى أن الـخـطـوة الأولـى المـهـمـة هي كـسـر الـجـمـود وفـتـح حـوار مـوسـع وشـامـل. وقـال مـصـدر مـقـرب مـن الـكـرمـلـين إن مـوسـكـو تـعـول عـلـى الانـتـقـال إلـى مـرحـلـة جـديـدة فـي الحوار مع أوروبا، في إشارة إلى أن زيارة ماكرون تأتي بعد مرور أسبوع واحد على زيارة المستشارة الألمانية أنـجـيـلا مـيـركـل. وزاد أن روسـيـا لم تطرح في الزيارتين ملف العقوبات الغربية المفروضة عليها، كما أنها تُدرِك أن المواقف الأوروبية لم تتبدل حيال الأزمـة الأوكـرانـيـة وملف ضم القرم إلى روسيا.
لـكـن المـصـدر أشـار فـي الـوقـت ذاته إلى »التطور الإيجابي الكبير« فـي إشـارة إلـى أن الـزيـارتـين دََّلـتـا على فشل واشنطن فـي فـرض عزلة على روسيا و»ثمة إدراك لدى القادة الأوروبـيـين بـأنـه مـن دون الـحـوار مـع روسـيـا لا يمكن تـسـويـة أي من الأزمات الإقليمية أو الدولية.«
ورأى المـصـدر أن الـخـطـوات الأحـاديـة الـتـي قـامـت بها واشنطن أخيراً، خصوصاً على صعيدي الملف الـنـووي الإيـرانـي وتـطـورات الموقف حـول الـقـدس سـاعـدت عـلـى تسريع إطـلاق الـحـوار الـروسـي - الأوروبـي بسبب التقارب في مواقف الطرفين حيال الملفين الإيراني والفلسطيني، وبـسـبـب الـخـشـيـة المـشـتـركـة مـن الـتـداعـيـات الـسـلـبـيـة لـسـيـاسـات واشنطن على مصالح الطرفين.
رغـم ذلـك لـفـت دبـلـومـاسـي روسـي إلـى أن »مساحة الـخـلاف ما زالـت واسـعـة، وفـي المـلـف الإيـرانـي ثمة تـوجـه فرنسي لتعديل الاتـفـاق النووي، وهذا أمر تعارضه موسكو، وفـي سوريا تسعى باريس لتعزيز الوجود الفرنسي في سوريا وتفعيل آليات تهدف إلى التقليل من أهمية مـسـار (آسـتـانـة)، والـجـهـد الضخم الذي بذلته موسكو لعامين.«
وكـانـت وسـائـل إعـلام روسـيـة أشـارت إلـى أن الـزيـارات المـتـتـالـيـة لـلـقـادة الأوروبـيـين تـعـكـس درجـة الـتـذمـر الأوروبـي بسبب الضغوط الأميركية على خلفية إدراك كل دول الـقـارة أن تقديم تـنـازلات لواشنطن بشأن »الصفقة الإيرانية« غير ممكن، لأن ذلك سوف يسبب أضـراراً بالغة للمصالح الأوروبية. ورأت أن الرئيس مـاكـرون يـحـاول التوصل إلـى خيار للخروج مـن الأزمـة بـأقـل الخسائر. ورغم الخلافات الواسعة في عدد من المـلـفـات الـسـيـاسـيـة رجـحـت أوسـاط روسـيـة شـاركـت أمـس فـي مـنـتـدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي أن يطلق الـرئـيـسـان المـرحـلـة الأولـى لإعادة تشغيل اللجان الثنائية التي تم تجميدها خلال السنوات الأخيرة، وأبرزها اللجنة الحكومية المشتركة لشؤون التعاون، والمجلس الروسي الـفـرنـسـي لـشـؤون الأمـن، والـلـجـنـة البرلمانية الثنائية المـوسـعـة، وهي الأطـر الـتـي كـانـت تـشـكـل أسـاس الـتـنـسـيـق بـين الـبـلـديـن، عـلـمـا بـأن فرنسا تعد الشريك الـ١٢ لروسياً على المستوى الاقتصادي، وكان لافتاً أن حجم التبادل التجاري بين البلدين شهد تطوراً خلال العامين الماضيين، رغـم العقوبات الأوروبـيـة المفروضة على روسيا، وزاد بنسبة ١٦ في المائة العام الماضية بالمقارنة مع عام ٢٠١٦ ليبلغ نحو ١٥ مليار دولار.
وتـعـول روسـيـا عـلـى المـسـتـوى الـثـنـائـي فـي تـعـزيـز الـتـعـاون فـي مجالات الطاقة مع فرنسا التي تُعدّ شريكاً أساسياً لموسكو، خصوصاً مع توصل شركات كبرى في البلدين إلـى »اتفاقات استراتيجية،« بينها مـشـروع »يـامـال« وخـط الـسـيـل الـشـمـالـي لإمـداد الـغـاز الـطـبـيـعـي الـروسـي إلـى أوروبـا، بـالإضـافـة إلـى الـتـعـاون فـي مـجـالات التقنيات الدقيقة والـطـاقـة الـنـوويـة وغيرها. وينتظر أن تسفر زيارة ماكرون عن توقيع نحو خمسين اتفاقاً ومذكرة تـعـاون فـي المـجـالات الاقـتـصـاديـة والتجارية المختلفة.