أسطرلاب ابن زوال... سيد المعروضات في متحف غرناطة
صُنع عام ١٤٨١ وعُثر عليه في حي البيّازين واقتناه المتحف بمبلغ ٣٠٠ دولار
بعد ثماني سنوات على إقفاله لـلـصـيـانـة والـتـرمـيـم عـاد متحف الآثار في غرناطة ليفتح أبوابه أمام الجمهور بمعرض يضمّ مجموعة من القطع الفريدة التي يُكشف عنها للمرة الأولى بينها تُحف نادرة من الحقبة الأندلسية أبرزها أسطرلاب ابن زوال الشهير الذي يعتبر إنجازاً لا نظير له في تاريخ العلوم الفلكية مـا زال يُـحـيِّـر الأخـصـائـيـين إلـى الـيـوم. ضـمـن الـعـرض أيـضـا سِـنّ أورثـي Orce الـذي يعود لطفل، أو طفلة، من ١٫٤مليون عام وهو أقدم أثر بشري معروف في أوروبا.
ويـضـمّ المـعـرض أيـضـا بـعـض الـقـطـع الـنـقـديـة الـذهـبـيـة الـنـادرة المسكوكة في عهد الأمـراء الـنـاصـريـين إضـافـة إلـى وعـاء فـرعـونـي مـذهـل الإتـقـان مـن المرمر الأبيض يعود لفترة حكم تاكلوت الـثـانـي مـمـا يـشـهـد عـلـى حـركـة الـتـجـارة الـفـيـنـيـقـيـة الـنـشـطـة في المـتـوسـط، والـتـي شـمـلـت قـطـعـاً نـفـيـسـة مـن المـمـالـك الـفـرعـونـيـة المندثرة.
لكن أسـطـرلاب ابـن زوال الذي صُـنـع عـام ١٤٨١ وعُـثـر عـلـيـه في حي البيّازين في غرناطة واقتناه المتحف بمبلغ ٣٠٠ دولار فـي عام ١٩٨١، هـو مـا يـسـتـقـطـب اهـتـمـام الـزوّار ويـجـذب فضولهم أكثر من أي قطعة أخرى في المعرض.
كـان الـغـرض الأسـاس مـن الأسـطـرلاب تـحـديـد مـوقـع المـراقـب قـيـاسـاً إلـى حـركـة الـنـجـوم لمـسـاعـدة الـبـحـارة فـي تـحـديـد مسار رحلاتهم. أما في العالم الإسـلامـي فـكـان يُـسـتـخـدم لـتـحـديـد مـواقـيـت الـصـلاة ووجـهـة الـقِـبـلـة وبـدايـة شهر رمـضـان المـبـارك. وجـمـع أسطرلاب ابن زوال إلى كل هذه الـوظـائـف عـدداً مـن العمليات والأغـراض العلمية المعقدة في آلـة مـتـنـاهـيـة الإتـقـان والـدقـة ما زالـت صـالـحـة الاسـتـخـدام حـتـى أيامنا. فهو كناية عن قطعة دائرية من النحاس تدعى »الأم«، تتداخل فيها قطع أخرى تشير اثنتان منها إلى خط الاستواء والمنطقة المدارية، ويـتـوازى ضـمـنـهـا خـط الأفـق بخطوط العرض السماوية المسمّاة »المقنطَرة«. وفي »الأم« قطعة دوّارة تدعى »عنكبوت« تشير إلى مسار الشمس ومـواقـع النجوم، وعليها أسـمـاء الأيـام بـالـعـربـيـة وأسـمـاء الأشـهـر بـالأعـجـمـيـة، وهـي الـلـغـة الـتـي كـانـت شـائـعـة فـي أوسـاط المسلمين الذين أُجبروا على اعتناق المسيحية للبقاء في الأندلس بعد سقوطها حيث كانوا يكتبون اللغة الإسبانية بأحرف عربية.
أمـا عـن تفاصيل تشغيل هذا الأسـطـرلاب وتـفـسـيـر حـسـابـاتـه ومـدلـولاتـه، فـقـد أمـضـى مـديـر المتحف ايـسـيـدورو تـورو مويانو مـشـكـورا أكـثـر مـن نـصـف سـاعـة يشرحها لكاتب هذه السطور الذي لـم يفقه منها شيئا على الإطـلاق! ويقول مويّانو إن أسطرلاب ابـن زوال هـو الأخـيـر الـذي صُـنـع فـي غـرنـاطـة الـتـي كـانـت مـركـزا عـالمـيـا لـصـنـاعـة الأسـطـرلابـات الـتـي كـان الـبـحـارة الإسـبـان والـبـرتـغـالـيـون يستخدمونها فـي رحـلاتـهـم الاستكشافية، وهو الأكثر تطورا بين ٤٠ أسطرلابا فقط موجودة في العالم ٢٤ منها في إسبانيا.