هدم أحد أعرق مسارح برلين الغربية يحزن الألمان
تأسس عام ١٩٢١ وسيحل محله مركز تسوق
مع إسـدال الستار على العرض المسرحي يوم ٢٧ مايو (أيار) الحالي، سـيـغـلـق مـسـرح »كـودام بـويـهـنـين« الـعـريـق فـي وسـط بـرلـين أبـوابـه إلى الأبـد. ولـصـدمـة مـحـبـي المـسـرح، فسيزال مبناه القديم تماماً لكي يحل محله مركز تسوق، وذلك حسب تقرير لوكالة »د.ب.أ .«
يذكر أن فرقة »مسرح وكوميديا كـورفـويـرشـتـيـنـدام« تـقـدم عروضها على هذا المسرح، الذي يحتوي على خشبتي عـرض، وهـي التي تأسست عام ١٩٢١ على يد المخرج السينمائي والمـسـرحـي الأسـطـوري مـاكـس رانيهاردت. ويحتل هذا المسرح مكانة فريدة في تاريخ مسارح برلين، حيث وقف على خشبته الكثيرون من نجوم ألمانيا، وتم فيه تصوير كثير من أفلام السينما والأعمال التلفزيونية.
ويرى البعض أن مسرح »كودام بـويـهـنـين« بـالـنـسـبـة لـبـرلـين يـعـادل مسرح »أولـد فيك« بالنسبة للندن. ويـعـشـق زوار الـعـاصـمـة الألمـانـيـة برلين زيـارة هـذا المـسـرح، ومشاهدة الممثلين الذين يعرفونهم من الأعمال الـتـلـفـزيـونـيـة والـسـيـنـمـائـيـة وهـم يـقـدمـون عـروضـاً حـيـة عـلـى خشبة المسرح. كما أصبحت المقاعد المخملية الـحـمـراء العتيقة والمـدخـل المـزخـرف الفاخر نقطة جذب أساسية.
يقول مارتن فويلفر (٥٤ عاماً)، الـذي يـتـولـى إدارة المـسـرح مـنـذ ١٥ عاماً: »عائلتي ارتبطت بهذا المبنى عـلـى مـدى ٣ أجـيـال مـتـتـابـعـة... يؤسفني أنني مضطر لقول: الوداع. في المقابل، نحن سعداء لأننا وصلنا أخـيـراً إلـى نـهـايـة المـعـركـة. ونـحـن نتطلع إلى تحديات جديدة.«
ومـن جـانـبـه، يـرى المـسـرحـي الألماني البارز رولف هوشته أن هدم المسرح »فضيحة«.
والمـقـصـود بكلمة المـعـركـة التي قـالـهـا فويلفر الـنـزاع الـذي خاضته عائلته على مدى ١٠ سنوات من أجل ضمان بقاء المسرح على قيد الحياة على الأقـل. وستنتقل فـرقـة »مسرح وكـومـيـديـا كـورفـويـرشـتـيـنـدام« إلـى مـسـرح آخـر، وهـو »مـسـرح شيللر،« عـلـى بـعـد عـدة كـيـلـومـتـرات مـن مسرحها العريق، لمدة تتراوح بين ٣ و٤ سنوات، قبل أن تعود إلى موقعها الأصـلـي، ولـكـن فـي مـسـرح أصـغـر سيكون ضمن مبنى المركز التجاري الذي سيقام في مكان المسرح.
ويشعر كثيرون من أهالي برلين بخيبة الأمل. فالقاعتان التاريخيتان اللتان يضمهما المسرح موجودتان في أفضل منطقة تسوق وترفيه في المدينة، وتمثلان جزءاً من هوية برلين الغربية القديمة.
وكـان المـهـنـدس المـعـمـاري اليهودي أوسكار كاوفمان قد بنى هذا المسرح، ثم طوره ماركس راينهاردت عـلـى نـمـط »مـسـرح الـبـولـيـفـارد« الفرنسي الشهير، لتقديم المسرحيات الـغـنـائـيـة والـكـومـيـديـة ومـخـتـلـف الأعمال الترفيهية عليه، وهو النوع الـذي لا يـوجـد حـالـيـاً إلا فـي لـنـدن ونيويورك. وفي عهد عائلة فويلفر، أصبح برنامج المسرح يتضمن بعض العروض الأكثر تعقيداً للفئة الأكثر حرصاً على المسرح من بين رواده.
ولـكـن مـنـذ عـام ١٩٩٠، أصـبـح المبنى المعروف باسم »كودا مكاريي ،« الـذي يـضـم قـاعـتـي المـسـرح، هـدفـاً لـلـمـضـاربـين الـعـقـاريـين، ونـمـوذجـاً واضـحـاً لـهـذا الـنـوع مـن الـصـفـقـات العقارية التي تتنقل فيه ملكية العقار مـن يـد إلـى يـد مـقـابـل أربـاح كبيرة، وهو النمط الذي انتشر في كثير من مناطق العاصمة الألمانية.
ولـفـتـرة مـن الـوقـت، بـدا أن هذه الـظـاهـرة قـد هـدأت، وانتقلت ملكية المبنى إلى أكثر من يد، وفي كل مرة كان البائع يحقق ربحاً كبيراً. وكانت شركات التطوير العقاري التي تشتري المبنى تفكر في كيفية الاستفادة من هـذا المـوقـع المـتـمـيـز لـلأرض المـقـام عليها المبنى، لكن وجـود المسرحين فيه كـان يمثل عقبة أمـامـهـا. والآن، ألغى الملاك الجدد للمبنى عقد إيجار قاعتي المـسـرح. ورغـم الاحتجاجات الشعبية والدعم المقدم للمسرح، أقام المـلاك الـجـدد دعـوى قـضـائـيـة لطرد المستأجرين منه.
وفـي أوائـل ٢٠١٧، تمكن رئيس لـجـنـة الـثـقـافـة فـي مـجـلـس شـيـوخ مدينة برلين، كلاوس ليدرر، من حزب »لينكه« اليساري، من الـوصـول إلى اتـفـاق مـع شركة »سيلس باوفيلت« الـتـي تـمـتـلـك المـبـنـى مـن أجـل إقـامـة مسرح جديد. ولكن المسرح الجديد للأسف أقل حجماً، ولن يضم سوى قـاعـة واحـدة تسع ٦٥٠ شخصاً، في حـين كـانـت الـقـاعـتـان تـسـعـان نحو ١٤٠٠ شخصاً.
عـلاوة عـلـى ذلـك، فـإن المـسـرح الـجـديـد سـيـوجـد فـي طـابـق تـحـت الأرض مـن مـركـز الـتـسـوق، وهـو ما سيحول دون تدفق الـزوار إلـيـه. في المقابل، فإنه من المزايا التي يوفرها الـعـقـد الـجـديـد أنـه يـمـتـد لمـدة ٢٠ عاماً، على الأقـل. وفي الوقت نفسه، سيحصل فويلفر في المستقبل على دعـم مـن ولايـة بـرلـين لمـدة ٤ مـرات، بقيمة ٢٣٥ ألف يورو سنوياً.
يقول ليدرر إن »)كودام بويهنين) ببساطة ينتمي إلى برلين، وهو جزء مـن الـتـاريـخ الـعـظـيـم لـلـمـسـرح فـي المـديـنـة، وواحـد مـن التقاليد الثرية لدينا .«
ومع استمرار المسرح في موقعه التاريخي، فإنه سيحافظ على لون وتنوع ثقافة المسرح في برلين.
وتأتي هذه التطورات في الوقت الـذي نـشـرت فـيـه صـحـيـفـة »بـرلـيـنـر تـسـايـتـونـج« الألمـانـيـة أنـه قـد يـكـون هـنـاك مـلـيـارديـر روسـي مـدرج على قوائم عقوبات الاتحاد الأوروبي وراء شـركـة »سـيـلـس بـاوفـيـلـت« المـوجـود مقرها في مدينة ميونيخ الألمانية.
لـذلـك، فقاعتا المـسـرح تفيضان بمشاعر متباينة، مـع استعدادهما لاسـتـضـافـة حـفـل الـوداع الأخـيـر في ٢٦ مـايـو الـحـالـي، الـذي سـيـشـارك فـيـه كـثـيـرون مـن الـفـنـانـين الألمـان المـشـهـوريـن والـجـمـهـور وأنـصـار المـسـرح. وفـي الـيـوم التالي، سيكون المـوعـد مـع الـعـرض المسرحي الأخير الذي يشهده هذا المسرح العريق، وهو عرض كوميدي.
وسـتـسـتـغـرق عـمـلـيـة نـقـل هـذا المسرح إلى مقره المؤقت في »مسرح شـيـلـلـر« نـحـو ٤ أسـابـيـع، قـبـل أن تأتي الجرافات لتبدأ في هدم المبنى. ويـقـول فـويـلـفـر إنـه لـن يـسـتـطـيـع حـضـور لـحـظـات هـدم مبنى المـسـرح »فهذا الأمر يحطم قلبي.«