Asharq Al-Awsat Saudi Edition

روائع الشتائم!

-

لـلـشـتـائ­ـم بـلاغـاتـه­ـا. حـدثـنـي مــؤخــراً أحـد أصــدقــائ­ــي فــقــال إنــــه وجــــد ســائــقــ­ي الـتـاكـسـ­ي والعربجية فـي عالمنا العربي مـن أبـرع الناس فــيــهــا. تـسـمـع مـنـهـم أروعـــهــ­ـا وأقـــذعــ­ـهـــا كـلـمـا تعطلت مـركـبـاتـ­هـم أو هــرب الــراكــب ولــم يدفع حـقـهـم. قــال صـديـق آخـــر، بـل والــبــنـ­ـاءون أبـرع الــنــاس فــي الـشـتـم كـلـمـا وقـــع عـلـيـهـم حـجـر أو تأخر العمال في جلب الإسمنت أو الكلس، أو خـرب القالب. بالطبع تنهال الشتائم فـي هذه الأيام على الإذاعـات والفضائيات التي لا تتفق وإياها بالرأي أو تشجع الإرهابيين بنحو ماكر. سألوني فقلت هـذا كله صحيح، ولا سيما من يشجعون الإرهاب باسم الوطنية أو الدين. ولكن أروع مـا سمعته مـن الشتائم كـان مـن جمهور السينما عندما كـان عامل الترجمة يتأخر في تمشية شريط الترجمة. الترجمة الآن مطبوعة على الفيلم وتـجـري مـعـه. ولـكـن فـي أيــام زمـان كانت تظهر على شاشة صغيرة بجانب شاشة الفيلم ويـفـتـرض أن تـجـاريـه. كــان هـنـاك عامل خاص مسؤول عنها يلاحق الفيلم من فانوسه السحري. ولكنه كان معرضاً إلى الملل والسهو والإهمال. ينتابه أحياناً النوم أو يزوره صديق وينشغل به. أو تمر امرأة جميلة تستحوذ على انتباهه، فينسى تغيير الترجمة ويضيع الحوار عـلـى الـجـمـهـو­ر. وتـعـال الآن واسـمـع صراخهم وشـتـائـمـ­هـم عـلـى عــامــل الـتـرجـمـ­ة الــــذي أغـفـل متابعة الفيلم.

أتذكر فيلماً غرامياً وصل لمشهد زواج البطل بحبيبته. وقف القس أمامهما في الكنيسة المهيبة وإذا به يقول: »يا حقير، الحق عليّ أن سلمتك شرفي وبكارتي،« ثم التفت إلى العروس وقال: »يا ساقطة يا بنت الـــ...«. احتجنا لبضع ثوان لندرك أن هذا الحوار على الترجمة يعود لمشهد سابق، مشهد مخانقة بين البطل وامرأة أخرى. فدوّت السينما بالصراخ والشتائم على مسؤول الترجمة. ولك ترجمة! ترجمة! يا حسقيل! يا...

كـان حسقيل قـد خـرج ليأتي بساندويتش وترك تحريك شريط الترجمة. ما إن عاد لمكانه حتى أسـرع إلـى تحريكه بسرعة بحيث لم يعد بـإمـكـانـ­نـا قــراءتــه فــعــادوا إلــى كـــورس الشتائم بـأعـلـى صـوتـهـم، »ولـــك حسقيل يــا ابــن الـــــ...«، وبالطبع نسي هـو أيـضـاً تسلسل الفيلم. فـإذا بنا نقرأ حـوار مشهد لم يقع بعد! »حسقيل يا ...، يا ابن الـ.«...

كـان معظم مشغلي الترجمة مـن النصارى والـيـهـود بسبب معرفتهم باللغة الإنجليزية. والمسلم الذي اشتغل معهم ضاع بينهم فتعرض لنفس السيل من الشتائم. في إحدى هذه النوبات كان المترجم كردياً وصل إلى بغداد مؤخراً ولم يتأقلم بعد على اللهجة البغدادية. فما انهالت عليه الشتائم حتى أطفأ الجهاز وخرج ليرد على شتم الجمهور بشتم كردي. أدى ذلك إلى ملاسنة لغوية. شمر البعض من الموقع الرخيص سواعدم ليهجموا على المترجم ولكنهم لم يعرفوا أين هو فراحوا يتراكضون من موقع إلى موقع وأفواههم تتدفق بالشتائم. وفي أثناء ذلك ضاعت الترجمة على الجميع فانطلقوا يكسرون المقاعد غضباً بينما خـف صـاحـب السينما ليحمي المترجم الـكـردي. »أنــا الغبي! أجيب واحــد كــردي ليقوم بشغلة يهودي !«

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia