اﻟﺮاﺣﻞ ﺳﻴﺪ اﻟﺒﺤﺮاوي... ﺣﻴﺎة اﻗﺘﺮﻧﺖ ﺑﺎﻷﻟﻢ
ﺷﻜﻞ ﳕﻮذﺟﴼ ﻟﻠﻤﺜﻘﻒ اﻟﻮﻃﲏ واﻷﺳﺘﺎذ اﳉﺎﻣﻌﻲ
ﻛﺎن ﻟﻠﺮاﺣﻞ اﻟﻨﺎﻗﺪ اﻷدﺑﻲ ﺳــﻴــﺪ اﻟــﺒــﺤــﺮاوي، اﻟـــﺬي ﻏﻴﺒﻪ اﳌﻮت ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﻣﺴﺎء اﻟﺠﻤﻌﺔ اﳌـــﺎﺿـــﻲ، ﻋــﻦ ﻋــﻤــﺮ ﻳــﻨــﺎﻫــﺰ ٥٦ ﻋـــﺎﻣـــﴼ، ﺑــﻌــﺪ ﺻـــــﺮاع ﻣـــﺮﻳـــﺮ ﻣـﻊ ﻣــــﺮض اﻟـــﺴـــﺮﻃـــﺎن، دور ﻛـﺒـﻴـﺮ ﻓـﻲ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﳌﺼﺮﻳﺔ واﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. وﻛﻤﺎ ذﻛـﺮ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﻌﺎم ﻟﻸدﺑﺎء واﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب، ﻋــﻠــﻰ ﻟـــﺴـــﺎن رﺋــﻴــﺴــﻪ اﻟــﺸــﺎﻋــﺮ ﺣــﺒــﻴــﺐ ﺻـــﺎﻳـــﻎ، ﻓـــﺈن »اﻟـــﺮاﺣـــﻞ ﺑـــــﺠـــــﺎﻧـــــﺐ ﻛـــــــﻮﻧـــــــﻪ أﺣـــــــــــﺪ أﳌـــــﻊ اﻟــﻨــﻘــﺎد اﻟــﻌــﺮب اﻟــﺬﻳــﻦ اﻫـﺘـﻤـﻮا ﺑـــﺎﻟـــﻮاﻗـــﻌـــﻴـــﺔ، ﻓـــــﺈن ﻟـــﻪ ﻣــﻮاﻗــﻔــﻪ اﻟــﻮﻃــﻨــﻴــﺔ اﻟــﻨــﺎﺻــﻌــﺔ اﻟـــﺘـــﻲ ﻟـﻢ ﻳــﺒــﺪﻟــﻬــﺎ ﻃــــــﻮال ﻋــــﻤــــﺮه، ﻓــﻜــﺎن ﻓــــﻲ ﻃــﻠــﻴــﻌــﺔ اﳌـــﺜـــﻘـــﻔـــﲔ اﻟـــﺬﻳـــﻦ ﻋــﺎرﺿــﻮا اﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻣـﻊ اﻟﻌﺪو اﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻲ، واﻟﺘﻄﺒﻴﻊ ﻣﻌﻪ، ﻛــﻤــﺎ ﻧــــﺬر ﺣــﻴــﺎﺗــﻪ ﻣــﺪاﻓــﻌــﴼ ﻋـﻦ اﻟـﻌـﺪل اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺤﺮﻳﺎت اﻟـــﻌـــﺎﻣـــﺔ واﻟــــﺨــــﺎﺻــــﺔ، ﻣــﻨــﺎدﻳــﴼ ﺑـﺎﻟـﺪوﻟـﺔ اﳌﺪﻧﻴﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟــﺘــﻲ ﺗــﻘــﻮم ﻋـﻠـﻰ أﺳـــﺲ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ واﺣﺘﺮام ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن«.
أﻣــــــــــﺎ اﻟــــــﻨــــــﺎﻗــــــﺪ اﻟـــــﺪﻛـــــﺘـــــﻮر ﻳــــﺴــــﺮي ﻋـــﺒـــﺪ اﻟــــﻐــــﻨــــﻲ، ﻓـــﻘـــﺎل: »إن اﻟـﺒـﺤـﺮاوي ﺗـﻌـﺮض ﳌﺮض اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬي أﺻﺎب ﻋﺪدﴽ ﻟﻴﺲ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﳌﺼﺮﻳﲔ، وﺑﻌﺪ أن ﺗﻌﺎﻓﻰ ﻣﻨﻪ ﻗــﺪم ﻟﻨﺎ ﻣـﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺴﻴﺮة اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﻓﻲ ﻣــﺪﻳــﺢ اﻷﻟــــﻢ( اﻟــﺼــﺎدر ﻋــﻦ دار اﻟـﺜـﻘـﺎﻓـﺔ اﻟــﺠــﺪﻳــﺪة، ﻳـــﺮوي ﻓﻴﻪ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻳﻮﻣﻴﺎﺗﻪ ﺧﻼل رﺣﻠﺔ اﻟﻌﻼج ﻣﻦ ﻫﺬا اﳌﺮض اﻟﻠﻌﲔ، وﻛـﻴـﻒ اﻛـﺘـﺸـﻒ أن اﻷﻟـــﻢ ﻗﺮﻳﻦ ﻟـــﻠـــﺤـــﻴـــﺎة، ﻣـــﺜـــﻞ اﻟــــﺴــــﻌــــﺎدة أو اﻟﺮاﺣﺔ، وأن ﻛﻞ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﺤﻴﺔ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻪ، وﺗﺤﺎول اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ وﺳﺎﺋﻞ ﻟﻠﻬﺮوب ﻣﻨﻪ. وﺗﻌﻴﺶ ﺑﺄﻗﻞ ﻗﺪر ﻣﻦ اﻷﻟـﻢ واﻟﺘﻌﺎﺳﺔ، وأﻗـــــﻞ ﻗــــﺪر ﻣــﻤــﻜــﻦ ﻣـــﻦ إزﻋــــﺎج اﻵﺧﺮﻳﻦ«.
وذﻛﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻨﻲ أن ﺟﻤﻠﺔ اﻟــــﺒــــﺤــــﺮاوي »اﺣـــﺘـــﻤـــﺎل اﳌــــﻮت ﻳﺠﻌﻠﻚ أﻛﺜﺮ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﺗــﻤــﺜــﻴــﻠــﻴــﺎت اﻷﺣـــﻴـــﺎء ﻟـﺘـﺮﺗـﻴـﺐ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺣـﻴـﺎﺗـﻬـﻢ، وﻣــﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣــﻦ ﺳــﺬاﺟــﺔ وﻃــﻔــﻮﻟــﺔ«، ﻛـﺎﻧـﺖ ﻃﺮﻳﻘﻪ إﻟﻰ ﻛﺸﻒ ﻋﻤﻴﻖ ﳌﺎ أراد اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻫﺬا.
وﻗﺪ أﺟﻤﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﺤﺪﺛﻮا ﻋــﻦ ﻛــﺘــﺎب »ﻓـــﻲ ﻣــﺪﻳــﺢ اﻷﻟــــﻢ«، ﺣـﺴـﺐ رأي ﻋـﺒـﺪ اﻟـﻐـﻨـﻲ، ﻋﻠﻰ أﻧـــــﻪ ﻏـــﻨـــﻲ ﺑـــﻤـــﻘـــﻮﻻت ﻃــﺮﻳــﻔــﺔ، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﻌﺮف أن »ﻋﻜﺲ ﻛﻠﻤﺔ اﻷﻟﻢ اﻟﺮاﺣﺔ وﻟﻴﺲ اﻟﺴﻌﺎدة«، ﻓﺈﻧﻚ ﺗﻘﺮأ اﻟﻜﺘﺎب وﺗﻨﺘﻬﻲ ﻣﻨﻪ وﺗﻈﻞ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ ﺳﺎﻛﻨﺔ ﻓﻲ روﺣـﻚ ﻻ ﺗﻔﺎرﻗﻬﺎ أﺑــﺪﴽ، ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻛــﺘــﺸــﺎف »ﻟــﻐــﻮي وﻓــﻠــﺴــﻔــﻲ«، إذ ﺗﻌﻮد أﻓﻜﺎر اﻟﻜﺎﺗﺐ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻋﺎﻳﺸﻪ ﻫﻮ ذاﺗﻪ، ﻓﺘﻘﺪم ﺻﻮرﴽ ﻣﻐﺎﻳﺮة وﺗﺸﺒﻴﻬﺎت وﺗﻤﺜﻼت ﻣــﺨــﺘــﻠــﻔــﺔ ﻋـــــﻦ اﳌــــــﺄﻟــــــﻮف. »إن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﳌﺮض ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺪﻋﺔ، ﻓـﻜـﺜـﻴـﺮ ﻣـــﻦ اﻟــﻜــﺘــﺎب اﻟـﻌـﺎﳌـﻴـﲔ ﻛﺘﺒﻮا ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ﻣﻦ ﻗﺒﻞ، ﻷﻧﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺟــﺪوا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺤﻨﺔ اﻷﻟﻢ ﺗﻔﺠﺮت داﺧﻠﻬﻢ ﺣﻜﺎﻳﺎت وﻣﻘﺎرﻧﺎت وﺗﻌﻠﻴﻘﺎت، واﻛﺘﺸﻔﻮا أﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟــــﺘــــﻌــــﺮف ﻋـــﻠـــﻰ أﻧـــﻔـــﺴـــﻬـــﻢ ﻣــﻦ ﺟـــﺪﻳـــﺪ ﻛـــﺄﻧـــﻬـــﻢ ﻳــــﻮﻟــــﺪون ﻣـــﺮة أﺧــــﺮى. وﻻ أدل ﻋـﻠـﻰ ذﻟـــﻚ ﻣﻦ ﻗــﺼــﻴــﺪة اﻟــﺤــﻤــﻰ اﻟــﺘــﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ اﳌﺘﻨﺒﻲ«.
وﻗﺎل ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻨﻲ إن ﺳﺆال اﻟــــﺒــــﻌــــﺾ: ﳌـــــــﺎذا ﻳــــﻤــــﺪح ﺳــﻴــﺪ اﻟــﺒــﺤــﺮاوي اﻷﻟـــــﻢ؟ ﻳـﺠـﻴـﺐ ﻫﻮ ذاﺗـــــﻪ ﻋــﻨــﻪ ﺑــﻘــﻮﻟــﻪ: »اﻧــﺸــﻐــﻠــﺖ ﺑــﻤــﻮﺿــﻮع اﻷﻟــــﻢ، وﺷـﻐـﻔـﺖ ﺑﻪ ﻧــﺤــﻮ ﻋـــﺎم ﻗــﺒــﻞ أن أﺑــــﺪأ ﻋــﻼج اﻟﺴﺮﻃﺎن، ﺛﻢ ﺗﻮﻗﻔﺖ إﺟﺒﺎرﻳﴼ، ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﻌﻼج اﳌﺆﻟﻢ أﻋــــﻮد إﻟـــﻴـــﻪ. أرﻳــــﺪ أن أﻣــﺠــﺪه، ﺑــﺎﻋــﺘــﺒــﺎره ﻗــﺮﻳــﻦ اﻟــﺤــﻴــﺎة، ﻓﻼ ﺣﻴﺎة ﺑﻼ أﻟﻢ«.
وﻗـــــــــﺎل اﻟــــﻨــــﺎﻗــــﺪ اﻟــــﺪﻛــــﺘــــﻮر ﻋﺒﺎس اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ اﻟﺬي ﺟﻤﻌﺘﻪ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮاوي ﺻﺪاﻗﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ: »ﻣﺎ أود اﻟــﺤــﺪﻳــﺚ ﻋـﻨـﻪ ﻟـﻴـﺲ ﺳﻴﺪ اﻟـــﺒـــﺤـــﺮاوي اﻟــﻨــﺎﻗــﺪ أو اﳌــﺒــﺪع رﻏﻢ ﻗﻴﻤﺔ إﻧﺠﺎزه، ﺑﻞ اﻷﺳﺘﺎذ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ اﻟﺬي ﻳﻤﺜﻞ ﻧﻤﻮذﺟﴼ ﻛــﺎد ﻳﺨﺘﻔﻲ ﻣـﻦ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ، ﻛﺎن ﻳــﺤــﺮض ﻃــﻼﺑــﻪ ﻋـﻠـﻰ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ واﻻﺳــﺘــﻘــﻼل، اﻟــﺬي ﻳﺴﺎﻋﺪﻫﻢ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ، ﻟﻢ ﻳﻤﺎرس اﻻﺳــﺘــﻌــﻼء أﺑـــــﺪﴽ، وﻛـــﺄﻧـــﻪ آﺧــﺮ اﻟﺤﻜﻤﺎء، وﻳـﺆﻣـﻦ أن اﻷﺳـﺘـﺎذ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﻜﺴﺐ ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر أﺧﺮى أو اﻟــﺘــﺰﻟــﻒ ﻷﺣـــﺪ ﻓــﻲ اﻟـﺴـﻠـﻄـﺔ أو ﺧـــﺎرﺟـــﻬـــﺎ، وﻳـــﺮﻓـــﺾ أي ﻋـﻤـﻞ ﻻ ﻳـﺘـﻮاﻓـﻖ ﻣــﻊ ﻗـﻨـﺎﻋـﺎﺗـﻪ ﺳــﻮاء ﻓــﻲ ﻫـﻴـﺌـﺎت أﻛـﺎدﻳـﻤـﻴـﺔ أو ﻏﻴﺮ أﻛــﺎدﻳــﻤــﻴــﺔ. ﻟـﻘـﺪ ﺟـﺴـﺪ ﻧـﻤـﻮذج اﳌﺜﻘﻒ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎح اﳌﻬﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﻪ أو ﻓﻲ ﺗﺨﺼﺼﻪ، ﺑﻞ اﻧﻐﻤﺲ ﻓﻲ اﻟـﺘـﺼـﺪي ﳌــﺤــﺎوﻻت اﻻﺧـﺘـﺮاق واﻟﺘﻄﺒﻴﻊ، وأﺳﺲ ﻣﻊ آﺧﺮﻳﻦ ﻣـــﻦ اﻷﺳـــﺎﺗـــﺬة اﻷﺟـــــﻼء ﺣـﺮﻛـﺔ ٩ ﻣـــــــــﺎرس )آذار( اﺳـــﺘـــﻘـــﻼل اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ. ﻛﺎن ﺣﺎدﴽ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮه وﻣﻮﻗﻔﻪ، وﻟﻢ ﻳﺘﺨﻞ أﺑﺪﴽ ﻋﻦ ﺣﺒﻪ وﺻﺪاﻗﺘﻪ وإﻧــﺴــﺎﻧــﻴــﺘــﻪ ﺣــﺘــﻰ ﻓـــﻲ ﺣــﺎﻟــﺔ اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ«.
وﻗـــــــــﺎل اﻟــــﻨــــﺎﻗــــﺪ اﻟــــﺪﻛــــﺘــــﻮر ﻳـــــﺴـــــﺮي ﻋــــﺒــــﺪ اﻟـــــﻠـــــﻪ إن ﺳــﻴــﺪ اﻟــﺒــﺤــﺮاوي ﻳـﻤـﺜـﻞ ﻧــﻤــﻮذﺟــﴼ ﳌﺎ ﺳــــﻤــــﺎه أﻧـــﻄـــﻮﻧـــﻴـــﻮ ﻏـــﺮاﻣـــﺸـــﻲ ﺑــﺎﳌــﺜــﻘــﻒ اﻟــﻌــﻀــﻮي. ﻓــﻬــﻮ ﻣﻦ اﻟــﻔــﺌــﺔ اﻟـــﺘـــﻲ ﺗــﻨــﺘــﻤــﻲ ﻟـﻨـﺎﺳـﻬـﺎ ﺑــــﺎﻷﺳــــﺎس، ﺗــﻠــﺘــﺰم ﺑــﻮاﻗــﻌــﻬــﺎ، وﺗــــــــﺪرك ﺷـــﺮﻃـــﻬـــﺎ اﻟــﺘــﺎرﻳــﺨــﻲ واﻟــــﻮﺟــــﻮدي، وﺗــﺴــﻌــﻰ ﺻــﻮب ﻋـــــﺎﻟـــــﻢ أﻛـــــﺜـــــﺮ ﺟــــــﻤــــــﺎﻻ وﻋــــــــﺪﻻ وإﻧـــﺴـــﺎﻧـــﻴـــﺔ. وﻣـــــﻦ ﻫـــﻨـــﺎ، ﻓـــﺈن رﺣﻴﻠﻪ ﻳﺸﻜﻞ إﺣﺪى اﻟﺨﺴﺎرات اﻟـــﻜـــﺒـــﺮى ﻟــﻠــﺜــﻘــﺎﻓــﺔ اﻟــﻮﻃــﻨــﻴــﺔ، وﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻌﻰ ﺑــﺈﺧــﻼص ﻧـــﺎدر ووﻋـــﻲ ﺟﺪﻟﻲ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﻹﺧـﺮاﺟـﻬـﺎ ﻣـﻦ اﻟﺤﻴﺰ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻠﻤﺮﻛﺰ اﻷورو - أﻣﻴﺮﻛﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، أو ﻟﻠﻮﻋﻲ اﳌﺎﺿﻮي ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ.
واﻋﺘﺒﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ أن ﻛﺘﺎب اﻟــﺒــﺤــﺮاوي »اﻟــﺤــﺪاﺛــﺔ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻓــﻲ اﻟـﺜـﻘـﺎﻓـﺔ اﳌـﺼـﺮﻳـﺔ« ﺳﻴﻈﻞ ﺑــﺎﺑــﴼ ﻣـﻬـﻤـﴼ ﻓــﻲ ﻫـــﺬا اﻟــﺴــﻴــﺎق، ﻓـــﻘـــﺪ ﺗــــﺒــــﺪت ﻓـــﻴـــﻪ إﺳـــﻬـــﺎﻣـــﺎﺗـــﻪ اﻟــﺘــﻄــﺒــﻴــﻘــﻴــﺔ ﻓــــﻲ اﻟـــﻨـــﻘـــﺪ اﻟــﺘــﻲ ﻻ ﺗـــﻘـــﻞ أﻫـــﻤـــﻴـــﺔ ﻋــــﻦ إﺳــﻬــﺎﻣــﻪ اﻟﻨﻈﺮي، ﺧﺼﻮﺻﴼ ﻓﻲ درﺳﻪ اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻲ ﻋـﻠـﻰ اﻟــﺸــﺎﻋــﺮ اﻟﻔﺬ أﻣﻞ دﻧﻘﻞ، أو ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻼﻓﺖ »ﻣــﺤــﺘــﻮى اﻟـﺸـﻜـﻞ ﻓــﻲ اﻟــﺮواﻳــﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ«.
وزاوج اﻟــﺒــﺤــﺮاوي، ﺣﺴﺐ ﺗــﻌــﺒــﻴــﺮ ﻋــﺒــﺪ اﻟـــﻠـــﻪ، ﺑـــﲔ اﻷدب واﻟــــﻨــــﻘــــﺪ، ﻓــــﻜــــﺎن ﻟـــــﻪ ﻋــــــﺪد ﻣــﻦ اﻷﻋــﻤــﺎل اﻟــﺴــﺮدﻳــﺔ، ﻣــﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ »ﻟﻴﻞ ﻣﺪرﻳﺪ، وﻃﺮق ﻣﺘﻘﺎﻃﻌﺔ، وﺷــــــﺠــــــﺮة أﻣــــــــــــﻲ«، واﺗــــﺴــــﻤــــﺖ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ ﺑﺮوح ﻣﺘﺄﺳﻴﺔ ﺷﻔﻴﻔﺔ، ﺗــﺮى اﻟـﻌـﺎﻟـﻢ ﻣـﻦ زواﻳـــﺎ ﺷﺪﻳﺪة اﻹﻧــﺴــﺎﻧــﻴــﺔ واﻟـــﺮﻫـــﺎﻓـــﺔ، ﻓـــ»ﻣــﻦ رﺣـــﻢ اﻟـﻨـﻘـﺪ اﻻﺟــﺘــﻤــﺎﻋــﻲ ﺧـﺮج ﺳﻴﺪ اﻟﺒﺤﺮاوي، ﻣﻤﺜﻼ إﺿﺎﻓﺔ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وﻳﺤﺴﺐ ﻟﻪ أن ﻫﻨﺎك اﻣﺘﺪادات ﻣـﻬـﻤـﺔ ﻟــﻪ ﻓــﻲ اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ اﻟــﻌــﺮﺑــﻲ، ﻏــــﻴــــﺮ ﺗــــﻼﻣــــﻴــــﺬه ﻣـــــﻦ اﻟــــﻨــــﻘــــﺎد، واﻷﻛـﺎدﻳـﻤـﻴـﲔ اﳌـﺼـﺮﻳـﲔ، ﻋﺒﺮ ﺟﻤﻬﺮة اﻟﺒﺎﺣﺜﲔ اﻟﺬﻳﻦ درﺳﻮا ﻋـﻠـﻰ ﻳــﺪﻳــﻪ، وﻟــﻌــﻞ ﻣــﻦ أﺑــﺮزﻫــﻢ اﻟــــﺒــــﻼﻏــــﻲ اﳌــــﻐــــﺮﺑــــﻲ اﻟـــﺪﻛـــﺘـــﻮر ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺸﺒﺎل«.
اﻟــــﺮواﺋــــﻲ اﻟـــﺪﻛـــﺘـــﻮر ﻣـﺤـﻤـﺪ اﻟـــــــــﺪواﺧـــــــــﻠـــــــــﻲ أﺣــــــــــــﺪ ﺗــــــﻼﻣــــــﺬة اﻟـــــﺒـــــﺤـــــﺮاوي ذﻛــــــﺮ أﻧــــــﻪ ﺗـــﻌـــﺎون وﺷــﻘــﻴــﻘــﺘــﻪ اﻟــــﺪﻛــــﺘــــﻮرة إﻳـــﻤـــﺎن اﻟـــﺪواﺧـــﻠـــﻲ ﻣــﻌــﻪ ﻓـــﻲ »ﻣـﺴـﺎﺑـﻘـﺔ اﻟـﺘـﻜـﻴـﺔ« ﻋــﺪة ﺳــﻨــﻮات ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ ﻓـــﻲ ﺗــﺠــﺮﺑــﺔ ﻓـــﺮﻳـــﺪة ﺗــﺼــﻞ ﺑـﲔ ﺟﻴﻞ اﻟﺸﺒﺎب واﻟﻨﻘﺎد وﻧﺎﻗﺸﺖ أﻋﻤﺎﻻ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت ﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﺎدة ﻋﻨﻬﺎ اﻟـﻨـﻘـﺎد ﻛﺎﻟﺨﻴﺎل اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﻔﺎﻧﺘﺎزﻳﺎ واﻟﺮﻋﺐ.
وﺗﺤﺪث اﻟﺪواﺧﻠﻲ ﻋﻦ دور اﻟﺒﺤﺮاوي ﻓﻲ اﻟﻮﺳﻂ اﻹﺑﺪاﻋﻲ اﳌـــﺼـــﺮي، ﻣــﺸــﻴــﺮﴽ إﻟـــﻰ أﻧـــﻪ ﻛــﺎن ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻜﺎﺗﺐ وﻳﺬﻫﺐ إﻟﻰ ﺗﻼﻣﻴﺬه، وﻻ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻣﺠﻴﺌﻬﻢ. ﻟــﻘــﺪ ﻛـــــﺎن، ﻛــﻤــﺎ أﺿــــــﺎف، أدﻳــﺒــﴼ راﻗــﻴــﴼ، ﻟـﻴـﺲ ﻓــﻲ ﻛـﺘـﺎﺑـﺎﺗـﻪ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ، وﺗﺮك ﺑﺼﻤﺔ ﻓﺮﻳﺪة ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب ﻣﺼﺮ ﻓﻲ زﻣﻦ اﻋﺘﺎد ﻓﻴﻪ اﻟﻨﻘﺎد اﻟـﺴـﺨـﺮﻳـﺔ ﻣــﻦ اﻟـﺠـﻴـﻞ اﻟـﺠـﺪﻳـﺪ. وﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﺪوره وﻣﺠﻬﻮده، ﺑﻞ ﻣﺪ اﻟﺠﺴﻮر ﻟﺘﺼﻞ ﺑﲔ زﻣﻼء ﻟﻪ وﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب.
وﻋـــﻤـــﻞ أﺳـــــﺘـــــﺎذﴽ ﺟــﺎﻣــﻌــﻴــﴼ ﻟﻸدب اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﻨﻘﺪ ﻓﻲ ﻛﻠﻴﺔ اﻵداب ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة، ﻛــﻤــﺎ ﻋــﻤــﻞ ﻟــﻔــﺘــﺮة ﻓـــﻲ ﺟـﺎﻣـﻌـﺔ ﻟﻴﻮن اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻔﺮﻧﺴﺎ، وﺗﻮﻟﻰ اﻹﺷﺮاف ﻋﻠﻰ ﻋﺸﺮات اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟـﻌـﻠـﻤـﻴـﺔ ﻓــﻲ ﻣـﺼــﺮ واﻟــﺠــﺰاﺋــﺮ وﻓـــﺮﻧـــﺴـــﺎ، وأﺻـــــــﺪر ﻋــــــﺪدﴽ ﻣـﻦ اﳌــﺆﻟــﻔــﺎت اﻟـﻨـﻘـﺪﻳـﺔ واﻹﺑــﺪاﻋــﻴــﺔ اﳌﻬﻤﺔ.
ﳝﺜﻞ اﻟﺒﺤﺮاوي ﳕﻮذﺟﴼ ﳌﺎ ﺳﻤﺎه أﻧﻄﻮﻧﻴﻮ ﻏﺮاﻣﺸﻲ ﺑﺎﳌﺜﻘﻒ اﻟﻌﻀﻮي