اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ... ﺻﻌﺒﺔ ﺣﻘﴼ
اﶈﺎورة ﺳﺒﻴﻼ ﻟﺘﻘﺮﻳﺒﻬﺎ ﻟﻠﻌﻤﻮم
ﻗــــﺪ ﺗــﻘــﻄــﻊ اﻟــﻔــﻠــﺴــﻔــﺔ، وﻫـــــﻲ ﺗــﻌــﺎﻟــﺞ إﺷﻜﺎﻻت اﻟﺤﻴﺎة وﻣﻔﺎرﻗﺎﺗﻬﺎ اﻟﻼﻣﺤﺪودة، أﻧﻔﺎس اﻟﺒﻌﺾ، وﻓﻲ أﺣﺴﻦ اﻷﺣﻮال ﺗﺘﻌﺐ ﻏﻴﺮ اﳌﺘﺨﺼﺺ وﺗﺮﻫﻖ ﺗﻔﻜﻴﺮه، ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻫﻮ اﻟﺬي دﻓﻊ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﲔ إﻟﻰ ﺑﺬل اﻟــﺠــﻬــﺪ ﻟﻠﺘﺨﻔﻴﻒ ﻣــﻦ ﺻــﺮاﻣــﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ ﻟﻠﻤﺘﻠﻘﻲ اﻟﻌﺎدي ﺑـﺤـﻠـﺔ ﺷــﺎﺋــﻘــﺔ وﻣــﺎﺗــﻌــﺔ، واﻻﺟــﺘــﻬــﺎد ﻓﻲ ﺗﻴﺴﻴﺮﻫﺎ ﻟﻠﻌﻤﻮم، وﻫﻮ ﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﻪ اﻷﺳﺘﺎذ اﳌﻐﺮﺑﻲ ﺑﻠﻌﻴﺪ ﺳﻜﺤﺎل، اﳌﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ؛ إذ أﻟـﻒ ﻛﺘﺎﺑﴼ ﺻـﺪر ﻫـﺬا اﻟﻌﺎم، ﺑــﻌــﻨــﻮان : » ﻣـــﺤـــﺎورات ﻓـﻠـﺴـﻔـﻴـﺔ « وﻳـﺪﺧـﻞ ﺿــﻤــﻦ ﺳـﻠـﺴـﻠـﺔ » ﻓـــﻲ ﺗــﻘــﺮﻳــﺐ اﻟـﻔـﻠـﺴـﻔـﺔ « ، وأﺻﺪرﺗﻪ ﻣﻄﺒﻌﺔ » اﻟﺮﺑﺎط - ﻧﺖ / اﳌﻐﺮب .«
ﻛﺘﺐ ﺑﻠﻌﻴﺪ ﺳﻜﺤﺎل ﻛﺘﺎﺑﻪ وﻫﻮ ﻣﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ أن اﻟﻄﺮق اﳌﻠﺘﺰﻣﺔ ﺑﺎﻹﻃﺎر اﻷﻛﺎدﻳﻤﻲ اﻟﺼﺮف واﳌﻨﻬﺞ اﻟﻌﻠﻤﻲ اﳌﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻪ، ﺗـﻌـﻤـﻞ ﻋــﻠــﻰ إﻳــﺼــﺎل اﻟـﻔـﻠـﺴـﻔـﺔ، ﻟــﻜــﻦ ﻓﻘﻂ ﻟﻠﻤﺘﺨﺼﺼﲔ، وﻫــﻮ ﻣـﺎ ﻳﻀﻴﻊ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻮم ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺒﻬﺎ ﻟﻬﻢ، ﻓﻠﻴﺲ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﻗﺪ ﺗﻌﻮدوا ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺒﺮ ﻟﺠﻨﻲ ﺛﻤﺎر اﻟﺒﺤﺚ واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺒﺤﺚ واﻟــﻨــﻈــﺮ واﻟــــﻘــــﺮاء ة ﻓـــﻲ اﳌـــﺘـــﻮن ﻣــﺒــﺎﺷــﺮة. ﻟــﻬــﺬا ﻗــﺮر اﳌــﺆﻟــﻒ أن ﻳـﺘـﺤـﺮر ﻣــﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ، ﻗﺼﺪ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ وإﺑـﺮاز ﻓﻀﻠﻬﺎ وﻛﺸﻒ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ، ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻟﺪى اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ، ﻓﻬﻲ ﺗﻜﻮن ﻋﺎدة ﺟﺎﻓﺔ وﺛﻘﻴﻠﺔ، ﻟﻴﺨﺘﺎر ﻃﺮﻳﻘﺎ ﻳـــﺮاه اﻷﺳــﻬــﻞ واﻷﻳــﺴــﺮ... إﻧــــــﻪ ﻃــــﺮﻳــــﻖ اﳌـــــــﺤـــــــﺎورات. وﻫــــــﻮ ﻟـــﻠـــﺬﻛـــﺮ، أﺳﻠﻮب ﻗﺪﻳﻢ، ﻟﺠﺄ إﻟﻴﻪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻛﺄﻓﻼﻃﻮن اﻟﺬي ﻻ ﻳﻌﺮف إﻻ ﺑﻤﺤﺎوراﺗﻪ، وﻛﺬﻟﻚ ﻧﺬﻛﺮ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻲ ﻏﺎﻟﻴﻠﻴﻮ اﻟﺬي ﺑﺴﻂ أﻓﻜﺎره اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﺜﻮرﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺔ ﺣﻮار ﻓـﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮ »ﺣـــﻮار ﺑـﲔ اﻟﻨﻈﺎﻣﲔ اﻟﻌﺎﳌﻴﲔ«؛ ﺣﻴﺚ أﺟــﺮى ﻧﻘﺎﺷﺎ ﻣﺤﺘﺪﻣﺎ ﺑﲔ ﻧﻈﺮﻳﺘﲔ ﻣﺘﻨﺎﻓﺴﺘﲔ وﻫﻤﺎ »ﻣﺮﻛﺰﻳﺔ اﻷرض « اﻟــﻘــﺪﻳــﻤــﺔ و » ﻣـــﺮﻛـــﺰﻳـــﺔ اﻟــﺸــﻤــﺲ « اﻟﻄﺎرﺋﺔ آﻧﺬاك ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ.
ﻳﺠﺘﻬﺪ اﳌــﺆﻟــﻒ ﻓــﻲ ﺗـﻘـﺪﻳـﻢ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑــﺄﺳــﻠــﻮب ﺳــﻬــﻞ اﳌـــﺄﺧـــﺬ وﻳــﻌــﺮﺿــﻬــﺎ ﻓﻲ ﻗــﺎﻟــﺐ أدﺑـــﻲ ﻳـﺨـﺮﺟـﻬـﺎ ﻓــﻲ ﺷـﻜـﻞ دراﻣـــﻲ، ﻟﻴﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﻞ ﻗﻮﻟﻬﺎ وﻳﺤﻮﻟﻪ إﻟﻰ ﻗﻮل ﻣﺮح ﻳﻌﻴﺪ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﺮﻳﻘﻬﺎ وﻳﻀﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﻬﺮﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻤﻘﺎﻣﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ »ﻣــﺤــﺒــﺔ اﻟــﺤــﻜــﻤــﺔ.« ﻓــﻜــﻴــﻒ ﺳــﻴــﺘــﻢ ذﻟـــﻚ؟ ﻳــــﻘــــﻮل اﳌــــﺆﻟــــﻒ ﻋــﻦ ﻃــﺮﻳــﻘــﺔ اﺷــﺘــﻐــﺎﻟــﻪ : » ﺳـــــــــــــــﻴـــــــــــــــﻼﺣـــــــــــــــﻆ اﻟـــﻘـــﺎرئ أن اﻟـﻌـﻤـﻞ اﻟــــــﺬي أﺿـــﻌـــﻪ ﺑـﲔ ﻳـــــــــــﺪﻳـــــــــــﻪ، ﻳــــﺘــــﺨــــﺬ ﺻـــﻴـــﻐـــﺔ ﺑـــﺮﻧـــﺎﻣـــﺞ ﺗـــــــﻠـــــــﻔـــــــﺰﻳـــــــﻮﻧـــــــﻲ، ﻋـــــــــــــﻨـــــــــــــﻮﻧـــــــــــــﺘـــــــــــــﻪ ) ﻣـــــــــــــــــﺤـــــــــــــــــﺎورات ﻓــــﻠــــﺴــــﻔــــﻴــــﺔ ( ، ﻣــﻦ إﻋــــــــــــــــﺪاد ﺳــــﻴــــﺪة ) اﺳﻤﻬﺎ ﺻﻮﻓﻴﺎ ( ﻣــﻬــﺘــﻤــﺔ ﺑـﺎﻟـﻔـﻜـﺮ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ وﻋﻠﻰ اﻃــــــــــــــــــــﻼع ﺑــــﻤــــﺎ ﻳــــــــــــﺠــــــــــــﺮي ﻓـــــﻲ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ، ﺗﻘﻮم ﺑـﺪﻋـﻮة ﻓﻴﻠﺴﻮﻓﲔ ﻋﺮﻓﺎ ﺑﺘﻌﺎرض وﺟﻬﺘﻲ ﻧﻈﺮﻫﻤﺎ، إﻟـﻰ ﺣـﺪ اﻟﺘﻀﺎد، ﻣﻦ ﻗﻀﻴﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻟﻴﺘﺤﺎورا ﺣﻮﻟﻬﺎ، ﻓــﻴــﻌــﺮض ﻛـــﻞ واﺣـــــﺪ ﻣـﻨـﻬـﻤـﺎ دﻋـــــﻮاه ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺞ واﻷﺳﺎﻧﻴﺪ، وﻣﻌﺘﺮﺿﺎ ﻋﻠﻰ دﻋـﻮى اﻵﺧـﺮ، ﻋﻠﻰ أﺳـﺎس أن ﺗﻤﻬﺪ ﻣﻨﺸﻄﺔ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﺑﺄرﺿﻴﺔ ﺗـﺤـﺪد ﻓﻴﻬﺎ اﳌـﻮﺿـﻮع وﺗﺴﺘﺸﻜﻠﻪ وﺗﻘﺪم ﺿﻴﻔﻴﻬﻤﺎ وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺗﻨﻄﻠﻖ اﳌﺤﺎورة.«
ﻃﺒﻌﺎ اﻟــﺤــﻮار اﻟـﺘـﻠـﻔـﺰﻳـﻮﻧـﻲ اﳌﻘﺘﺮح ﻟـﺘـﻘـﺮﻳـﺐ اﻟـﻔـﻠـﺴـﻔـﺔ، ﻳــﺪﺧــﻞ اﻟـﻔـﻼﺳـﻔـﺔ ﻓﻲ ﺣﻮار اﻓﺘﺮاﺿﻲ، ﻟﻜﻦ ﺑﻤﻀﺎﻣﲔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﺣــﻘــﻴــﻘــﻴــﺔ، ﺑــﻤــﻌــﻨــﻰ أن اﳌــــﺆﻟــــﻒ ﺣـــﺮص ﻋــﻠــﻰ ﻫــﻀــﻢ أﻓــــﻜــــﺎر اﻟــﻔــﻼﺳــﻔــﺔ اﻧــﻄــﻼﻗــﺎ ﻣـﻦ ﻣـﺼـﺎدرﻫـﺎ، ﺛـﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟــﻚ ﻧﺴﺞ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻮارا ﻣﻔﺘﺮﺿﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺳﻌﻴﺎ ﻟﺘﺒﺴﻴﻄﻬﺎ وﺟﻌﻞ اﻟﻘﺎرئ ﻳﺤﺲ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻨﺼﺖ ﻟﺤﻮار ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻓـﻲ ﻃﺰاﺟﺘﻪ اﻷوﻟـــﻰ، ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻟﻢ ﻳﻌﺮف ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﴼ ﻣﻄﻠﻘﴼ، أو ﻟﻢ ﻳﻠﺘﻘﻴﺎ ﻣﻌﴼ رﻏﻢ وﺣﺪة اﻟﻌﺼﺮ. ﻓﻤﺜﻼ ﻧﺠﺪ ﻓﻴﻠﺴﻮف اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻗﺒﻞ اﳌﻴﻼد، اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ أرﺳﻄﻮ وﺑﻜﻞ أﻓﻖ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ زﻣﺎﻧﻪ ﻳﻮﺿﻊ ﺟﻨﺒﴼ ﻟﺠﻨﺐ ﻣﻊ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻷﳌﺎﻧﻲ اﻷﻧــﻮاري ﻛﺎﻧﻂ وﻫﻮ اﺑــﻦ اﻟـﻘـﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋـﺸـﺮ، ﳌﻨﺎﻗﺸﺔ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﺴﻌﺎدة... وﻫﻨﺎ ﻗﻮة ﻫﺬه اﳌﺤﺎورات اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ اﻟــﻘــﺎرئ ﻳﺤﺲ ﺑـﺄﻧـﻪ ﺑﺤﻖ ﻳﺘﻔﺮج ﻋـﻠـﻰ ﻣــﺤــﺎورة ﺗـﻠـﻔـﺰﻳـﻮﻧـﻴـﺔ ﻣــﺒــﺎﺷــﺮة ﺑﲔ اﻟﻜﺒﺎر وﺣﻮل ﻗﻀﺎﻳﺎ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﺎﻟﻘﺔ إﻟﻰ ﺣﺪ اﻟﺴﺎﻋﺔ . ﻗﺪم ﻟﻨﺎ اﳌﺆﻟﻒ ٤ ﻣـــﺤـــﺎورات، وﻛـﻞ واﺣــــــــــــــــــﺪة ﺗــــﻌــــﺎﻟــــﺞ ﻗـــﻀـــﻴـــﺔ ﻳــﻨــﺎﻗــﺸــﻬــﺎ ﻓــــــــــﻴــــــــــﻠــــــــــﺴــــــــــﻮﻓــــــــــﺎن ﻣـــﺘـــﻌـــﺎرﺿـــﺎن، وإذا ﻣــﺎ أﺧــﺬﻧــﺎ اﳌــﺤــﺎورة اﻷوﻟـــــﻰ ﻣـــﺜـــﺎﻻ؛ ﻓﻬﻲ ﺟـــــــــــــﺎءت ﺑـــــﻌـــــﻨـــــﻮان : » ﻣــــــﺤــــــﺎورة اﻟـــﻌـــﺪاﻟـــﺔ اﻻﺟــــــــﺘــــــــﻤــــــــﺎﻋــــــــﻴــــــــﺔ « ، وﺟﻌﻠﻬﺎ اﳌﺆﻟﻒ ﺗﺪور ﺑﲔ ﻧﻮزاﻳﻴﻚ وراوﻟــﺰ، ﺣــــﻴــــﺚ ﻧــــﺠــــﺪ ﻧـــﻘـــﺎﺷـــﺎ ﺣـــــــﺎدا ﺣــــــﻮل اﻟــــﺴــــﺆال اﻟـﺘـﺎﻟـﻲ: ﻣـﺎ اﻟﺤﺪ اﻟـﺬي ﻳـــﻨـــﺒـــﻐـــﻲ أن ﺗـــﺘـــﻮﻗـــﻒ ﻋﻨﺪه اﻟـﺪوﻟـﺔ ﻓـﻲ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑـﺄﻓـﺮادﻫـﺎ؟ أي ﻣﺘﻰ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻀﻊ ﻳﺪﻫﺎ وﻣﺘﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﻠﺘﺰم اﻟﺤﻴﺎد؟ ﺑﻌﺒﺎرة أﺧﺮى: ﻫﻞ ﻳﺠﺐ أن ﻧــﺪاﻓــﻊ ﻋﻤﺎ ﺗﺴﻤﻰ »اﻟــﺪوﻟــﺔ اﻷدﻧـــﻰ«؟ ﺣﻴﺚ ﻳﺼﺒﺢ دورﻫﺎ ﻓﻘﻂ ﺿﻤﺎن اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻷﻣــــــﻦ واﻟـــﺤـــﻔـــﺎظ ﻋــﻠــﻰ اﳌــﻠــﻜــﻴــﺔ ﻟﺘﺒﻘﻰ اﻟــﺸــﺆون اﻷﺧـــﺮى ﻣـﻦ اﺧﺘﺼﺎص اﻷﻓــﺮاد أﻧﻔﺴﻬﻢ، وﻫﺬا ﻫﻮ رأي اﻟﺘﻴﺎر اﻟﻠﻴﺒﺮﺗﺎري Liberterien اﻟــــﺬي داﻓــــﻊ ﻋــﻨــﻪ اﻷﻣــﻴــﺮﻛــﻲ روﺑﺮت ﻧﻮزاﻳﻴﻚ Robert Nozick ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ: » اﻟـﻔـﻮﺿـﻮﻳـﺔ ... اﻟـﺪوﻟـﺔ واﻟـﻄـﻮﺑـﺎوﻳـﺔ « ، أم ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧــﺬﻫــﺐ ﺑــﺎﻟــﺪوﻟــﺔ إﻟــﻰ ﺣـــﺪود أن ﺗﺼﺒﺢ »دوﻟﺔ ﻋﻨﺎﻳﺔ«؟ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ دوﻟﺔ ﻟﻴﺒﺮاﻟﻴﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ذات ﻣـﻼﻣـﺢ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ ﺗﺘﺪﺧﻞ ﻹﻳﻘﺎف اﻟﺘﻔﺎوﺗﺎت ﺑﲔ أﻓـﺮاد اﳌﺠﺘﻤﻊ وﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﻋـﺎدة ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺜﺮوة ﻟﺘﻌﻢ اﻟﻔﺎﺋﺪة أو ﻟﻨﻘﻞ إﻧﻪ ﻳﻨﺒﻐﻲ أﻻ ﻳﻨﻜﻤﺶ دور اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ذات اﻟﺮوح اﻟﺘﻀﺎﻣﻨﻴﺔ. وﻫﻮ ﻣﺎ داﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﺑﻘﻮة اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ ﺟﻮن راوﻟﺰ J. Rawls ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻟﻌﺪاﻟﺔ ﻛﺈﻧﺼﺎف.« ﺣﻘﺎ ﻧﺤﻦ أﻣـﺎم ﻣﻌﺎدﻟﺔ ﺻﻌﺒﺔ؛ إذ إن ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﻗــﺪ ﻳــــﺆدي إﻟـــﻰ ﻫـــﺪر اﻟــﺤــﺮﻳــﺎت اﻟــﻔــﺮدﻳــﺔ، أﻣﺎ ﻋﺪم ﺗﺪﺧﻠﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﻳـﺆدي إﻟﻰ ﺗﻮﺣﺶ واﺣﺘﻜﺎر ﻳﻜﻮن ﺛﻤﻨﻪ ﺑﺎﻫﻈﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺌﺎت ﻏﻴﺮ اﳌﺤﻈﻮﻇﺔ . إن اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻃﺒﻌﺎ ﻓﻲ ﻫـﺬا اﳌﻮﺿﻮع اﻟــﺸــﺎﺋــﻚ ﻫـــﻮ ﻃــﺮﻳــﻘــﺔ اﻟـــﺘـــﻨـــﺎول، ﻓــﺎﳌــﺆﻟــﻒ ﻋــﺎﻟــﺠــﻪ ﺑــﻄــﺮﻳــﻘــﺔ اﻟـــﺤـــﻮار اﳌــﺤــﺘــﺪم اﻟـــﺬي ﻳــﻀــﻊ ﻛـــﻞ ﻓــﻴــﻠــﺴــﻮف ﻓـــﻲ ﺣــﻴــﺮة وﻣــــﺄزق، ﻳــﺠــﻌــﻠــﻚ، ﺑــﺼــﻔــﺘــﻚ ﻗــــﺎرﺋــــﺎ، ﺗــﺘــﺎﺑــﻊ ﻵﺧــﺮ ﻛــﻠــﻤــﺔ، وﺑــﻤــﺠــﺮد أن ﺗـﻘـﺘـﻨـﻊ ﺑــــﺄن اﻟـﻐـﻠـﺒـﺔ ﻫﻲ ﻟﻸﻃﺮوﺣﺔ اﻷوﻟــﻰ؛ إذ ﺑﻚ ﺗﺠﺪ أﻧﻬﺎ ﺗﻨﻬﺎر أﻣـﺎم اﻷﻃـﺮوﺣـﺔ اﻷﺧــﺮى اﻟﻨﻘﻴﺾ، وﻫﻜﺬا دواﻟﻴﻚ ﻓﻲ ﺟﺪل ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻒ، ﺗﺤﺲ ﻣﻌﻪ ﺑﺎﻹﺛﺎرة واﻟﺘﺸﻮﻳﻖ ﻛﺄﻧﻚ ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪ دراﻣﻲ .
وﺑــﺎﻟــﻄــﺮﻳــﻘــﺔ ﻧــﻔــﺴــﻬــﺎ ﺳــﻴــﺘــﻢ ﺗــﻨــﺎول اﳌــــــــﺤــــــــﺎورات اﳌـــﺘـــﺒـــﻘـــﻴـــﺔ، ﺣــــﻴــــﺚ ﺟــــــﺎءت اﳌــــﺤــــﺎورة اﻟــﺜــﺎﻧــﻴــﺔ ﺑـــﻌـــﻨـــﻮان : » ﻣـــﺤـــﺎورة ﺣــﺮﻳــﺔ اﻻﺧـــﺘـــﻴـــﺎر« اﻟــﺘــﻲ ﻧــﺎﻗــﺸــﻬــﺎ ﺑـﺠـﺪل ﻋﻨﻴﻒ ﻛﻞ ﻣﻦ دﻳﻜﺎرت واﺳﺒﻴﻨﻮزا، ﺣﻴﺚ ﻧﺠﺪ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف دﻳﻜﺎرت ﻳﻌﻠﻦ وﺑﻘﻮة أن اﻹﻧﺴﺎن ﺣﺮ ﺣﺮﻳﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ودوﻧﻤﺎ ﻗﻴﻮد ﻣﺎ دام ﻗـﺎدرا ﻋﻠﻰ إﺛﺒﺎت اﻟﺸﻲء أو ﻧﻔﻴﻪ، ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻌﻞ أو ﻋﺪم اﻟﻔﻌﻞ، ﻋﻠﻰ اﻹﻗﺪام أو اﻹﺣــﺠــﺎم... ﻧﺎﻫﻴﻚ ﺑـﻘـﺪرة اﻹﻧــﺴــﺎن ﻋﻠﻰ اﻟـــﺸـــﻚ، وﻫــــﻮ ﻣــﺆﺷــﺮ ﺻــــﺎرخ ﻋــﻠــﻰ إرادة اﻹﻧﺴﺎن؛ ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻴﻖ اﻷﺣﻜﺎم وﻋﺪم إﺻﺪارﻫﺎ ﺣﻮل اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ... وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺮﻓﻀﻪ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﺳﺒﻴﻨﻮزا؛ إذ ﻳﺮى أﻧﻪ ﻻ ﺣﺮﻳﺔ ﻋﻨﺪ اﻹﻧﺴﺎن، ﺑﻞ ﻫﻨﺎك ﺣﺘﻤﻴﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ وﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺻﺎرﻣﺔ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣـــﻦ اﻟـﻄـﺒـﻴـﻌـﺔ اﻟــﻜــﻠــﻴــﺔ اﻟــﺘــﻲ ﻧــﺤــﻦ ﻣـﺠـﺮد ﺟـــﺰء ﻣــﻨــﻬــﺎ، وﻣـــﺎ ﻧــﺤــﻦ ﻧـﻌـﺘـﻘـﺪه »إرادة« ﻫﻮ ﻓﻲ اﻷﺻـﻞ »رﻏﺒﺔ« ﻻ ﻧﻌﺮف ﺳﺒﺒﻬﺎ. ﻓــﺎﻟــﻄــﻔــﻞ ﻳــﻌــﺘــﻘــﺪ أﻧـــــﻪ ﻳــﺸــﺘــﻬــﻲ اﻟــﺤــﻠــﻴــﺐ ﺑﺤﺮﻳﺔ، واﻟﺴﻜﻴﺮ ﻳﻈﻦ أﻧﻪ ﻳﻘﻮم ﺑﻘﺮار ﺣﺮ ﻣﻨﻪ، واﻷﻣــﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟـ »اﻟﻬﺬاﺋﻲ« واﻟــﺜــﺮﺛــﺎر... ﻓـﻬـﻢ ﻳـــﺮون أﻧـﻬـﻢ ﻳﺘﺼﺮﻓﻮن ﺑﺤﺮﻳﺘﻬﻢ، وأﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺨﻀﻌﻮن ﻷي إﻛﺮاه، ﻟــﻜــﻦ اﻟــﺤــﻔــﺮ ﻓـــﻲ اﻟــﺴــﺒــﺐ ﺳــﻴــﻈــﻬــﺮ أﻧــﻬــﻢ ﻣﺴﻴﺮون ﺑﻘﻮى ﺧﻔﻴﺔ ﺗﺠﺒﺮﻫﻢ.
أﻣﺎ اﳌﺤﺎورة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺑﻌﻨﻮان: »ﻣـــﺤـــﺎورة اﻟــﺤــﻖ ﻓــﻲ اﻟــﻜــﺬب« ﺑــﲔ ﻛـﺎﻧـﻂ وﻛﻮﻧﺴﻄﺎن، واﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻷﺧﻴﺮة » ﻣﺤﺎورة اﻟﺴﻌﺎدة« اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺖ ﺑﲔ ﻛﺎﻧﻂ وأرﺳﻄﻮ.
إن ﻛـــﻞ اﳌـــــﺤـــــﺎورات اﻷرﺑــــــــﻊ، اﺗــﺒــﻌــﺖ اﻟﺨﻄﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، وﻛـﺎﻧـﺖ ﺑﺎﻟﺪﻓﻖ اﻟـﺪراﻣـﻲ اﳌــــﺆﺛــــﺮ ﻧـــﻔـــﺴـــﻪ اﻟـــــــﺬي ﻳـــﺠـــﻌـــﻞ اﻟــﻘــﻀــﺎﻳــﺎ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺳﻬﻠﺔ اﳌﻨﺎل واﻻﺳﺘﻴﻌﺎب، اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺑﻘﺪر ﻣــﺎ ﻳـﺤـﺘـﺎج ﻟﻠﻜﺒﺎر اﻟــﺬﻳــﻦ ﻫــﻢ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ؛ أي ﺻﻨﺎع اﳌﻔﺎﻫﻴﻢ، ﻳﺤﺘﺎج إﻟـﻰ وﺳﻄﺎء ﻳﻘﺮﺑﻮﻧﻪ ﻟﻠﻌﻤﻮم، وﻫـﻮ ﻣﺎ ﺳﻌﻰ اﳌﺆﻟﻒ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﻪ، ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ.