Asharq Al-Awsat Saudi Edition

الترفيه خطاب إذاعات الموصل بعد »داعش«

تمويل بعض المحطات مجهول المصدر ومطالبات بوضعها تحت رقابة حكومية

- الموصل: »الشرق الأوسط«

فـي ظـل حكم تنظيم داعــش، كانت إذاعة واحدة تبث من الموصل وتقتصر برامجها على أناشيد متطرفة ودعاية عسكرية. أما اليوم، فإن موجات الأثير فـي المـديـنـة الـعـراقـي­ـة الـشـمـالـ­يـة تبدلت جذرياً بيد صحافيين شبان.

عـلـى إذاعـــة »وان إف إم،« يتحدث أحـمـد الـجـفـال عـن المـصـالـح­ـة الوطنية مقتبساً من نيلسون مانديلا، ويبحث عــــدي الأعــظــم­ــي إعــــــاد­ة الإعـــمــ­ـار خــلال محاورة مع مسؤول في المجلس البلدي، فيما تستقبل نور الطائي في برنامجها فــنــانــ­اً جــــديـــ­ـداً صــــاعـــ­ـداً فــــي المـــوصــ­ـل. ويـتـخـلـل تـلـك الــبــرام­ــج آخـــر إصــــدارا­ت الأغاني العراقية والعربية والموسيقى الإلكتروني­ة.في حقبة »داعش« المتطرف، ظلت المحطات الإذاعية مغلقة على مدى ثلاث سنوات، بينما كان الاستماع إلى الـراديـو مـحـرمـاً، وقـد يــؤدي إلـى عقاب جسدي قاسٍ بحق مرتكبه.

أول جـــلـــوس لـــنـــور الـــطـــا­ئـــي (١٦ عـامـاً) خلف المـيـكـرو­فـون كـان قبل عـام، حين شاركت في مسابقة غير مسبوقة نـظـمـتـهـ­ا إذاعـــــة »الـــغـــد« الــتــي أسـسـهـا نــازحــون مــن المــوصــل فــي الــعــام ٢٠١٥ فـي مدينة أربـيـل المـجـاورة. وقـالـت تلك الشابة آنذاك لوكالة الصحافة الفرنسية إنها تحلم بالعمل مع فريق إذاعي لأنها وسيلة إعلامية »تخاطب كـل العالم،« مــؤكــدة »أريـــــد أن أكــــون جــــزءاً مــن هـذا العالم .«

الـيـوم حققت نـور الطائي هدفها، وبـــاتـــ­ت هــــذه الــفــتــ­اة تــعــد بـرنـامـجـ­هـا الــــخـــ­ـاص وتـــقـــد­مـــه فــــي الإذاعــــ­ــــــة الــتــي يوصلها إلـيـهـا والـدهـا يـومـيـاً، بعدما فقدت بصرها في العام ٢٠١٥ لإصابتها بــــمــــ­رض. وتـــســـع­ـــى نــــــور الـــطـــا­ئـــي فـي برنامجها الـذي تقدمه كـل يـوم أربعاء ويـحـمـل اســـم »نـــــور« إلـــى »مــنــح الأمــل والـــــتـ­ــــفـــــ­اؤل لــــلأشــ­ــخــــاص المــــعــ­ــوقــــين.« وتضيف هـذه الشابة بابتسامة خلال حديثها لوكالة الصحافة الفرنسية من داخـل الاسـتـودي­ـو، قائلة: »اخـتـرت هذا الـعـمـل حـتـى أمــنــح الأمــــل لـكـل الــنــاس، وأقـول للجميع إننا ذوي الاحتياجات الخاصة نستطيع أن نحقق أحلامنا.«

داخــــــل مــبــنــى صــغــيــر مـــؤلـــف مـن غـــرفـــت­ـــين، وبــــمـــ­ـعــــدات وأجـــــهـ­ــــزة فـنـيـة حديثة اشـتـراهـا الشباب على نفقتهم الخاصة، يبدو المكتب الصغير للراديو أشبه بخلية نحل ينهمك فيها الشباب بواجباتهم لتأمين بث متواصل للراديو عــلــى مــــدار الــســاعـ­ـة؛ يـتـضـمـن نــشــرات أخـبـار وبـرامـج ثقافة وتـوعـيـة وترفيه مـخـتـلـفـ­ة، إلــى جـانـب مـوقـع إلـكـتـرون­ـي يبث برامج الإذاعـة بالصوت والصورة بشكل متواصل.

غـالـبـيـة الـعـامـلـ­ين فــي الإذاعــــ­ـة هم صــحــافــ­يــون شــبــاب كـــانـــو­ا ســابــقــ­اً فـي مــؤســســ­ات إعــلامــي­ــة فـــي المـــوصــ­ـل قبل دخــول تنظيم داعـــش. ويـقـول مـسـؤول الإعـــلام والـعـلاقـ­ات الـعـامـة فـي الإذاعـــة ياسر القيسي (٢٨ عـامـاً)، إن رسالتهم هـي »نبذ العنف والـتـطـرف، والتثقيف ضــــــد الــــفـــ­ـكــــر الإرهـــــ­ـــابـــــ­ـــي والأمـــــ­ـــــــراض المـجـتـمـ­عـيـة مـثـل الـطـائـفـ­يـة والـقـومـي­ـة والعنصرية .«

من جهته، يشير مقدم برنامج »نفس عميق،« أحمد الجفال (٣٠ عاماً)، إلى أن ثـــلاث ســنــوات مــن حــكــم تـنـظـيـم داعــش »خـلـقـت فــراغــات فـي المـجـتـمـ­ع نـعـمـل من خلال البرامج على ملئها بأفكار التعايش والتفاهم والمحبة وقبول الآخر.«

صحيح أن الإذاعة الجديدة تسعى إلــى الـتـثـقـي­ـف، لـكـن الـتـرفـيـ­ه مــن ضمن مـهـمـاتـه­ـا أيــضــاً، وهــو مــا تـقـوم بــه كل

ُ الإذاعات التي أسست مؤخراً، على غرار إذاعة »الغد« و»ستارت إف إم « في أربيل، وإذاعة »الموصل إف إم« التي بدأت بثها التجريبي من دهوك المجاورة. وكان في مدينة الموصل وعموم محافظة نينوى إذاعــتــا­ن حـكـومـيـت­ـان فـقـط قـبـل سقوط نــظــام صــــدام حـسـين فــي الــعــام ٢٠٠٣، وتبثان برامج كلاسيكية موجهة تعكس سياسة الحكومة.

وقـبـل اجتياح المتطرفين المـوصـل، كان تنظيم القاعدة يسيطر على مناطق فـي مـحـافـظـة نـيـنـوى، وكـــان يستهدف وسائل الإعلام والصحافيين، خصوصاً أولئك الذين يروجون لبرامج ترفيهية.

فــي هـــذا الــســيــ­اق، يــقــول الـبـاحـث الاجتماعي محمد سالم (٣٠ عـامـاً) إن »زيادة انتشار وسائل الإعلام بمختلف أجناسها في محافظة نينوى، خصوصاً بعد تحريرها من سيطرة تنظيم داعش يستلزم بالضرورة أن تكون تحت رقابة ورعـايـة جهات حكومية تنظم عملها، وفق القانون، حتى لا يمكن استغلالها سياسياً أو ديـنـيـاً (....) خـصـوصـاً أن تمويل ودعم بعضها مجهول المصدر.«

فـــي غـــضـــون ذلــــــك، يــشــعــر أهــالــي المـوصـل بسعادة عـامـرة بعدما وجـدوا وســـيـــل­ـــة تـــخـــفـ­ــف مـــعـــان­ـــاتـــهـ­ــم بـسـبـب الأوضـاع الاقتصادية القاسية والدمار الذي تعرضت له مدينتهم خلال المعارك الــتــي انـتـهـت بـاسـتـعـا­دتـهـا مــن قبضة المتطرفين في يوليو (تموز) ٢٠١٧.

يــجــول الـــشـــا­ب مـحـمـد قــاســم (٢٧ عاماً) بسيارة الأجرة البيضاء خاصته في شوارع الموصل طوال النهار وأجزاء مــــن الـــلـــي­ـــل، مــســتــم­ــعــاً إلــــــى الإذاعــــ­ـــــات المحلية. ويقول قاسم إن »هناك العديد مـن الإذاعــــ­ات الـتـي تـبـث بـرامـج منوعة وجـمـيـلـة ومـفـيـدة. عملي يتطلب مني ســــمــــ­اع الأغــــــ­ـانـــــــ­ي، خـــصـــوص­ـــاً أثـــنـــا­ء الليل.« ويضيف: »تستهويني البرامج الترفيهية وسماع الأغاني التي حرمنا منها طيلة ثلاث سنوات.«

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia